بسم الله الرحمن الرحيم
لو تأمل كل إنسان في ذاته، واستقرأ حياته وأوضاعه، لوجد أن له أفكاراً يتبناها، وصفات نفسية وشخصية يحملها، وسلوكاً معيناً يمارسه، وأنه يعيش ضمن وضع وقالب يؤطر حياته الشخصية والاجتماعية.
والسؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه هو: هل هو راضٍ عن الحالة التي يعيشها؟ وهل يعتبر نفسه ضمن الوضع الأفضل والأحسن؟ أم أنه يعاني من نقاط ضعف وثغرات؟ وهل أن مايحمله من أفكار وصفات، وما يمارسه من سلوك، شيء مفروض عليه لا يمكن تغييره أو تجاوزه؟ أم أنه إنسان خلقه اللَّه حراً ذا إرادة واختيار؟
إن هذه التساؤلات كامنة في نفس الإنسان، وتبحث عن فرصة للمكاشفة والتأمل، يتيحها الإنسان لنفسه، لينفتح على ذاته، وليسبر غورها، ويلامس خباياها و أعماقها.
ورغم حاجة الإنسان إلى هذه المكاشفة والمراجعة، إلاّ أن أكثر الناس لا يقفون مع ذاتهم وقفة تأمل وانفتاح: لأسباب أهمها ما يلي:
أولاً: الغرق في أمور الحياة العملية، وهي كثيرة، ما بين ماله قيمة وأهمية، وما هو تافه وثانوي.
ثانياً: وهو الأهم، أن وقفة الإنسان مع ذاته، تتطلب منه اتخاذ قرارات تغييرية بشأن نفسه، وهذا ما يتهرب منه الكثيرون، كما يتهرب البعض من إجراء فحوصات طبية لجسده، خوفاً من اكتشاف أمراض تلزمه الامتناع عن بعض الأكلات، أو أخذ علاج معين.
دعوة إلى مكاشفة الذات:
في تعاليم الإسلام دعوة مكثفة للانفتاح على الذات ومحاسبتها، بعيداً عن الاستغراق في الاهتمامات المادية، والانشغالات الحياتية، التي لا تنتهي. فقد ورد في الأثر: (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا ))
إن لحظات التأمل ومكاشفة الذات، تتيح للإنسان فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل. فثمرة المحاسبة إصلاح النفس.
ولعل من أهداف قيام الليل، حيث ينتصب الإنسان خاشعاً أمام خالقه، وسط الظلام والسكون، إتاحة هذه الفرصة للإنسان.
وكذلك فإن عبادة الاعتكاف قد يكون من حكمتها هذا الغرض، والاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة، لثلاثة أيام أو أكثر مع الصوم، بحيث لا يخرج من المسجد إلا لحاجة مشروعة.
ولا يوجد شهر آخر يماثل شهر رمضان في هذه الخاصية، فهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبراً متأملاً، ففيه تتضاعف الحسنات، وتمحى السيئات كما روي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الشهر فرصة عمر كبرى للحصول على مغفرة اللَّه فـ (( إن الشقي من حرم غفران اللَّه في هذا الشهر العظيم )) كما في الحديث النبوي، وقد يغفل البعض عن أن حصول تلك النتائج هو بحاجة إلى توجه وسعي.
فهذا الشهر ينبغي أن يشكل شهر مراجعة وتفكير وتأمل ومحاسبة للنفس، إذ حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب، وبقية الشهوات التي يلتصق بها يومياً، فإنه يكون قد تخلص من تلك الا نجذابات الأرضية ، مما يعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه، وتأتي تلك الأجواء الروحية التي تحث عليها التعاليم الإسلامية، لتحسّن من فرص الاستفادة من هذا الشهر الكريم، فصلاة الليل مثلاً فرصة حقيقية للخلوة مع اللَّه، ولا ينبغي للمؤمن أن يفوت ساعات الليل في النوم، أو الارتباطات الاجتماعية، ويحرم نفسه من نصف ساعة ينفرد فيها مع ربه، بعد انتصاف الليل، وهو بداية وقت هذه الصلاة المستحبة العظيمة، وينبغي أن يخطط المؤمن لهذه الصلاة، حتى تؤتي بأفضل ثمارها ونتائجها، فيؤديها وهو في نشاط وقوة، وليس مجرد إسقاط واجب أو مستحب، بل يكون غرضه منها تحقيق أهدافها قال عز وجل: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
وقراءة القران الكريم والتي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك، فهو شهر القران يقول تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ})وفي الحديث الشريف: (( لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان )) هذه القراءة إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها، لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القران، والاهتمام بفهم معانيه، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القران ونواهيه.
إن البعض من الناس تعودوا أن يقرأوا ختمات من القران في شهر رمضان، وهي عادة جيدة، لكن ينبغي أن لا يكون الهدف طي الصفحات دون استفادة أو تمعن.
وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم، فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القران وذكر الموت )).
وبذلك يعالج الإنسان أمراض نفسه وثغرات شخصيته فالقران {شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}.
والأدعية المأثورة في شهر رمضان، كلها كنوز تربوية روحية، تبعث في الإنسان روح الجرأة على مصارحة ذاته، ومكاشفة نفسه، وتشحذ همته وإرادته، للتغير والتطوير والتوبة عن الذنوب والأخطاء. كما تؤكد في نفسه عظمة الخالق وخطورة المصير، وتجعله أمام حقائق وجوده وواقعه دون حجاب.
مجالات التأمل الذاتي:
إن حاجة الإنسان إلى التأمل والمراجعة لها أهمية قصوى في أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: المراجعة الفكرية:
أن يراجع الإنسان أفكاره وقناعاته، ويتساءل عن مقدار الحق والصواب فيها، ولو أن الناس جميعاً راجعوا أفكارهم وانتماءاتهم، لربما استطاعوا أن يغيروا الأخطاء والانحرافات فيها، غير أن لسان حال الكثير من الناس {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} وليكن الإنسان حراً مع نفسه، قوياً في ذاته. إذا ما اكتشف أنه على خطأ ما، فلا يتهيب أو يتردد من التغيير والتصحيح.
البعد الثاني: المراجعة النفسية:
أن يراجع الإنسان الصفات النفسية التي تنطوي عليها شخصيته، فهل هو جبان أم شجاع؟ جريء أم متردد؟ حازم أم لين؟ صادق أم كاذب؟ صريح أم ملتو؟ كسول أم نشيط؟.. الخ. وليطرح الإنسان على نفسه عدداً من الأسئلة التي تكشف عن هذا البعد، مثل: ماذا سأفعل لو قصدني فقير في بيتي؟ ماذا سأفعل لو عبث الأطفال بأثاث المنزل؟ ماذا سأفعل لو حدث أمامي حادث سير؟ وكيف سيكون رد فعلي لو أسيء إلي في مكان عام؟ وكيف أقرر لو تعارضت مصلحتي الشخصية مع المبدأ أو المصلحة العامة؟
وتأتي أهمية هذه المراجعة في أن الإنسان ينبغي أن يقرر بعدها أن يصلح كل خلل نفسي عنده، وأن يعمل على تطوير نفسه، وتقديمها خطوات إلى الأمام.
البعد الثالث: المراجعة الاجتماعية والسلوكية:
أن يراجع الإنسان سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، بدءاً من زوجته وأطفاله، وانتهاءً بخدمه وعماله، مروراً بأرحامه وأصدقائه، وسائر الناس، ممن يتعامل معهم أو يرتبط بهم.
وهذا الشهر الكريم هو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمؤمن، ولتصفية كل الخلافات الاجتماعية، والعقد الشخصية، بين الإنسان والآخرين، وقد حثت الروايات الكثيرة على ذلك، إلى حد أن بعض الروايات تصرّح: بأن مغفرة اللَّه وعفوه عن الإنسان يبقى مجمداً فترة طويلة، حتى يزيل ما بينه وبين الآخرين من خلاف وتباعد، حتى وإن كانوا هم المخطئين في حقه، وحتى لو كان أحدهما ظالماً والآخر مظلوماً فإنهما معاً يتحملان إثم الهجران والقطيعة، إذ المظلوم منهما يتمكن من أن يبادر لأخيه بالتنازل وإزالة الخلاف،
فما أوضحها من دعوة للمصالحة الاجتماعية، وما أعظمها من نتيجة لو تحققت خلال هذا الشهر الكريم، وما أكبر منزلة تلك القلوب التي تستطيع أن تتسامى على خلافاتها، وتتصالح في شهر القرآن، من أجل الحصول على غفران اللَّه؟ من هنا يحتاج الإنسان حقاً إلى قلب طاهر متزكي، ونية خير صادقة، فاسألوا اللَّه ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة.
من جانب آخر فقد تسيطر على الإنسان بعض العادات والسلوكيات الخاطئة، ومهما كان عمقها في نفس الإنسان، والتصاقه بها، فإن الإرادة أقوى من العادة، وشهر رمضان أفضل فرصة لنفض وترك العادات السيئة الخاطئة.
فهنيئاً لمن يستفيد من أجواء هذا الشهر المبارك في المكاشفة مع ذاته، وإصلاح أخطائه وعيوبه، وسد النواقص والثغرات في شخصيته، فيراجع أفكاره وآراءه، ويدرسها بموضوعية، ويتأمل صفاته النفسية ليرى نقاط القوة والضعف فيها، ويتفحص سلوكه الاجتماعي، من أجل بناء علاقات أفضل مع المحيطين به.
وبهذه المراجعة والتراجع عن الأخطاء، يتحقق غفران اللَّه تعالى للإنسان في شهر رمضان، أما إذا بقي الإنسان مسترسلاً سادراً في وضعه وحالته، فإنه سيفوّت على نفسه هذه الفرصة العظيمة، وسينتهي شهر رمضان، دون أن يترك بصمات التأثير في شخصيته وسلوكه، وبالتالي فقد حرم نفسه من غفران اللَّه تعالى، وحقاً أن من لا يستفيد من هذه الفرصة ولا يستثمر هذه الأجواء الطيبة يكون شقياً
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
لو تأمل كل إنسان في ذاته، واستقرأ حياته وأوضاعه، لوجد أن له أفكاراً يتبناها، وصفات نفسية وشخصية يحملها، وسلوكاً معيناً يمارسه، وأنه يعيش ضمن وضع وقالب يؤطر حياته الشخصية والاجتماعية.
والسؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه هو: هل هو راضٍ عن الحالة التي يعيشها؟ وهل يعتبر نفسه ضمن الوضع الأفضل والأحسن؟ أم أنه يعاني من نقاط ضعف وثغرات؟ وهل أن مايحمله من أفكار وصفات، وما يمارسه من سلوك، شيء مفروض عليه لا يمكن تغييره أو تجاوزه؟ أم أنه إنسان خلقه اللَّه حراً ذا إرادة واختيار؟
إن هذه التساؤلات كامنة في نفس الإنسان، وتبحث عن فرصة للمكاشفة والتأمل، يتيحها الإنسان لنفسه، لينفتح على ذاته، وليسبر غورها، ويلامس خباياها و أعماقها.
ورغم حاجة الإنسان إلى هذه المكاشفة والمراجعة، إلاّ أن أكثر الناس لا يقفون مع ذاتهم وقفة تأمل وانفتاح: لأسباب أهمها ما يلي:
أولاً: الغرق في أمور الحياة العملية، وهي كثيرة، ما بين ماله قيمة وأهمية، وما هو تافه وثانوي.
ثانياً: وهو الأهم، أن وقفة الإنسان مع ذاته، تتطلب منه اتخاذ قرارات تغييرية بشأن نفسه، وهذا ما يتهرب منه الكثيرون، كما يتهرب البعض من إجراء فحوصات طبية لجسده، خوفاً من اكتشاف أمراض تلزمه الامتناع عن بعض الأكلات، أو أخذ علاج معين.
دعوة إلى مكاشفة الذات:
في تعاليم الإسلام دعوة مكثفة للانفتاح على الذات ومحاسبتها، بعيداً عن الاستغراق في الاهتمامات المادية، والانشغالات الحياتية، التي لا تنتهي. فقد ورد في الأثر: (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا ))
إن لحظات التأمل ومكاشفة الذات، تتيح للإنسان فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل. فثمرة المحاسبة إصلاح النفس.
ولعل من أهداف قيام الليل، حيث ينتصب الإنسان خاشعاً أمام خالقه، وسط الظلام والسكون، إتاحة هذه الفرصة للإنسان.
وكذلك فإن عبادة الاعتكاف قد يكون من حكمتها هذا الغرض، والاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة، لثلاثة أيام أو أكثر مع الصوم، بحيث لا يخرج من المسجد إلا لحاجة مشروعة.
ولا يوجد شهر آخر يماثل شهر رمضان في هذه الخاصية، فهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبراً متأملاً، ففيه تتضاعف الحسنات، وتمحى السيئات كما روي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الشهر فرصة عمر كبرى للحصول على مغفرة اللَّه فـ (( إن الشقي من حرم غفران اللَّه في هذا الشهر العظيم )) كما في الحديث النبوي، وقد يغفل البعض عن أن حصول تلك النتائج هو بحاجة إلى توجه وسعي.
فهذا الشهر ينبغي أن يشكل شهر مراجعة وتفكير وتأمل ومحاسبة للنفس، إذ حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب، وبقية الشهوات التي يلتصق بها يومياً، فإنه يكون قد تخلص من تلك الا نجذابات الأرضية ، مما يعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه، وتأتي تلك الأجواء الروحية التي تحث عليها التعاليم الإسلامية، لتحسّن من فرص الاستفادة من هذا الشهر الكريم، فصلاة الليل مثلاً فرصة حقيقية للخلوة مع اللَّه، ولا ينبغي للمؤمن أن يفوت ساعات الليل في النوم، أو الارتباطات الاجتماعية، ويحرم نفسه من نصف ساعة ينفرد فيها مع ربه، بعد انتصاف الليل، وهو بداية وقت هذه الصلاة المستحبة العظيمة، وينبغي أن يخطط المؤمن لهذه الصلاة، حتى تؤتي بأفضل ثمارها ونتائجها، فيؤديها وهو في نشاط وقوة، وليس مجرد إسقاط واجب أو مستحب، بل يكون غرضه منها تحقيق أهدافها قال عز وجل: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
وقراءة القران الكريم والتي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك، فهو شهر القران يقول تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ})وفي الحديث الشريف: (( لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان )) هذه القراءة إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها، لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القران، والاهتمام بفهم معانيه، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القران ونواهيه.
إن البعض من الناس تعودوا أن يقرأوا ختمات من القران في شهر رمضان، وهي عادة جيدة، لكن ينبغي أن لا يكون الهدف طي الصفحات دون استفادة أو تمعن.
وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم، فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القران وذكر الموت )).
وبذلك يعالج الإنسان أمراض نفسه وثغرات شخصيته فالقران {شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}.
والأدعية المأثورة في شهر رمضان، كلها كنوز تربوية روحية، تبعث في الإنسان روح الجرأة على مصارحة ذاته، ومكاشفة نفسه، وتشحذ همته وإرادته، للتغير والتطوير والتوبة عن الذنوب والأخطاء. كما تؤكد في نفسه عظمة الخالق وخطورة المصير، وتجعله أمام حقائق وجوده وواقعه دون حجاب.
مجالات التأمل الذاتي:
إن حاجة الإنسان إلى التأمل والمراجعة لها أهمية قصوى في أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: المراجعة الفكرية:
أن يراجع الإنسان أفكاره وقناعاته، ويتساءل عن مقدار الحق والصواب فيها، ولو أن الناس جميعاً راجعوا أفكارهم وانتماءاتهم، لربما استطاعوا أن يغيروا الأخطاء والانحرافات فيها، غير أن لسان حال الكثير من الناس {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} وليكن الإنسان حراً مع نفسه، قوياً في ذاته. إذا ما اكتشف أنه على خطأ ما، فلا يتهيب أو يتردد من التغيير والتصحيح.
البعد الثاني: المراجعة النفسية:
أن يراجع الإنسان الصفات النفسية التي تنطوي عليها شخصيته، فهل هو جبان أم شجاع؟ جريء أم متردد؟ حازم أم لين؟ صادق أم كاذب؟ صريح أم ملتو؟ كسول أم نشيط؟.. الخ. وليطرح الإنسان على نفسه عدداً من الأسئلة التي تكشف عن هذا البعد، مثل: ماذا سأفعل لو قصدني فقير في بيتي؟ ماذا سأفعل لو عبث الأطفال بأثاث المنزل؟ ماذا سأفعل لو حدث أمامي حادث سير؟ وكيف سيكون رد فعلي لو أسيء إلي في مكان عام؟ وكيف أقرر لو تعارضت مصلحتي الشخصية مع المبدأ أو المصلحة العامة؟
وتأتي أهمية هذه المراجعة في أن الإنسان ينبغي أن يقرر بعدها أن يصلح كل خلل نفسي عنده، وأن يعمل على تطوير نفسه، وتقديمها خطوات إلى الأمام.
البعد الثالث: المراجعة الاجتماعية والسلوكية:
أن يراجع الإنسان سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، بدءاً من زوجته وأطفاله، وانتهاءً بخدمه وعماله، مروراً بأرحامه وأصدقائه، وسائر الناس، ممن يتعامل معهم أو يرتبط بهم.
وهذا الشهر الكريم هو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمؤمن، ولتصفية كل الخلافات الاجتماعية، والعقد الشخصية، بين الإنسان والآخرين، وقد حثت الروايات الكثيرة على ذلك، إلى حد أن بعض الروايات تصرّح: بأن مغفرة اللَّه وعفوه عن الإنسان يبقى مجمداً فترة طويلة، حتى يزيل ما بينه وبين الآخرين من خلاف وتباعد، حتى وإن كانوا هم المخطئين في حقه، وحتى لو كان أحدهما ظالماً والآخر مظلوماً فإنهما معاً يتحملان إثم الهجران والقطيعة، إذ المظلوم منهما يتمكن من أن يبادر لأخيه بالتنازل وإزالة الخلاف،
فما أوضحها من دعوة للمصالحة الاجتماعية، وما أعظمها من نتيجة لو تحققت خلال هذا الشهر الكريم، وما أكبر منزلة تلك القلوب التي تستطيع أن تتسامى على خلافاتها، وتتصالح في شهر القرآن، من أجل الحصول على غفران اللَّه؟ من هنا يحتاج الإنسان حقاً إلى قلب طاهر متزكي، ونية خير صادقة، فاسألوا اللَّه ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة.
من جانب آخر فقد تسيطر على الإنسان بعض العادات والسلوكيات الخاطئة، ومهما كان عمقها في نفس الإنسان، والتصاقه بها، فإن الإرادة أقوى من العادة، وشهر رمضان أفضل فرصة لنفض وترك العادات السيئة الخاطئة.
فهنيئاً لمن يستفيد من أجواء هذا الشهر المبارك في المكاشفة مع ذاته، وإصلاح أخطائه وعيوبه، وسد النواقص والثغرات في شخصيته، فيراجع أفكاره وآراءه، ويدرسها بموضوعية، ويتأمل صفاته النفسية ليرى نقاط القوة والضعف فيها، ويتفحص سلوكه الاجتماعي، من أجل بناء علاقات أفضل مع المحيطين به.
وبهذه المراجعة والتراجع عن الأخطاء، يتحقق غفران اللَّه تعالى للإنسان في شهر رمضان، أما إذا بقي الإنسان مسترسلاً سادراً في وضعه وحالته، فإنه سيفوّت على نفسه هذه الفرصة العظيمة، وسينتهي شهر رمضان، دون أن يترك بصمات التأثير في شخصيته وسلوكه، وبالتالي فقد حرم نفسه من غفران اللَّه تعالى، وحقاً أن من لا يستفيد من هذه الفرصة ولا يستثمر هذه الأجواء الطيبة يكون شقياً
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
تعليق