ميراث الغرقى والهدمى
هذه المسألة كثيرة الوقوع ، عظيمة الإشكال ، ألا وهي مسألة الموت الجماعي ، الذي يموت فيه جماعة من المتوارثين ، لا يعرف من السابق بالوفاة ليكون موروثا ، ومن المتأخر ليكون وارثا ، وكثيرا ما يقع هذا في هذا العصر نتيجة لحوادث الطرق التي يذهب فيها الجماعات من الناس ، كحوادث السيارات والطائرات والقطارات ، وكذا حوادث الهدم والحريق والغرق والقصف في الحروب وغير ذلك .
فإذا حصل شيء من ذلك ؛ فلا يخلو الأمر من خمس حالات :
الحالة الأولى : أن يعلم أن الجماعة مات أفرادها جميعا في آن واحد لم يسبق أحدهم الآخر ، ففي هذه الحالة لا توارث بينهم بالإجماع ؛ لأن من شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ، وهذا الشرط مفقود هنا .
الحالة الثانية : أن يعلم تأخر موت أحدهم بعينه عن موت الآخر ولم ينس ، فالمتأخر يرث المتقدم بالإجماع ؛ لتحقق حياة الوارث بعد موت المورث .
الحالة الثالثة : أن يعلم تأخر موت بعضهم عن موت البعض الآخر من غير تعيين للمتقدم والمتأخر .
الحالة الرابعة : أن يعلم تأخر موت بعضهم عن موت البعض الآخر بعينه ، لكن نسي .
الحالة الخامسة : أن يجهل واقع موتهم ؛ فلا يدرى أماتوا جميعا أم ماتوا متفاوتين .
ففي هذه الأحوال الثلاث الأخيرة مجال للاحتمال ومسرح للاجتهاد والنظر ، وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - فيها على قولين :
القول الأول : عدم التوارث في هذه الأحوال الثلاث جميعا ، وهي قول جماعة من الصحابة ، منهم : أبو بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عباس - رضي الله عنهم - وقال به الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي ، وهو تخريج في مذهب أحمد ؛ لأن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ، وهذا الشرط ليس بمتحقق هنا ، بل ومشكوك فيه ، ولا توريث مع الشك ، ولأن قتلى وقعة اليمامة وقتلى وقعة صفين وقتلى الحرة لم يورث بعضهم من بعض .
القول الثاني : أنه يورث كل واحد من الآخر ، وهو قول جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم عمر بن الخطاب وعلي - رضي الله عنهما - وهو ظاهر مذهب أحمد - رحمه الله - ووجه هذا القول أن حياة كل منهم كانت ثابتة بيقين ، والأصل بقاؤها إلى ما بعد موت الآخر ، ولأن عمر - رضي الله عنه - لما وقع الطاعون في الشام جعل أهل البيت يموتون عن آخرهم ، فكتب بذلك إلى عمر ، فأمر أن يورثوا بعضهم من بعض .
ويشترط للتوريث أن لا يختلف ورثة الموتى المشتبه في ترتب موتهم ، فيدعي ورثة كل ميت تأخر موت مورثهم ، وليس هناك بينة ؛ فإنهم حينئذ يتحالفون ، ولا توارث .
وكيفية التوريث على هذا القول : أن يورث كل واحد من تلاد مال الآخر ؛ أي : من ماله القديم ؛ دون طريفه ، أي : ماله الجديد الذي ورثه ممن مات معه في الحادث ، وذلك بأن تفرض أن أحدهم مات أولا ، فتقسم ماله القديم على ورثته الأحياء ومن مات معه ، فما حصل لمن مات معه من ماله بهذه القسمة قسمته بين ورثته الأحياء فقط ، دون من مات معه ؛ لئلا يرث مال نفسه ، ثم تعكس العملية مع الآخر ، فتفرضه مات أولا ، وتعمل معه ما عملته مع الأول .
والراجح في هذه المسألة هو القول الأول ، وهو عدم التوارث ؛ لأن الإرث لا يثبت بالاحتمال والشك ، وواقع الموتى في هذه المسألة مجهول ، والمجهول كالمعدوم ، وتقدم موت أحدهم في هذه الحالة مجهول ؛ فهو كالمعدوم ، وأيضا الميراث إنما حصل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع بماله بعده ، وهذا مفقود هنا ، مع ما يلزم على القول بتوارثهم من التناقض ؛ لأن توريث أحدهم من صاحبه يقتضي أنه متأخر عنه بالوفاة ، وتوريث صاحبه منه يقتضي أنه متقدم ، فيكون كل واحد منهما متقدما متأخرا ، فعلى هذا القول الراجح - وهو عدم التوارث - يكون مال كل منهم لورثته الأحياء فقط دون من مات معه ، عملا باليقين ، وابتعادا عن الاشتباه ، والله أعلم .
يتبع باذنه تعالى ..
هذه المسألة كثيرة الوقوع ، عظيمة الإشكال ، ألا وهي مسألة الموت الجماعي ، الذي يموت فيه جماعة من المتوارثين ، لا يعرف من السابق بالوفاة ليكون موروثا ، ومن المتأخر ليكون وارثا ، وكثيرا ما يقع هذا في هذا العصر نتيجة لحوادث الطرق التي يذهب فيها الجماعات من الناس ، كحوادث السيارات والطائرات والقطارات ، وكذا حوادث الهدم والحريق والغرق والقصف في الحروب وغير ذلك .
فإذا حصل شيء من ذلك ؛ فلا يخلو الأمر من خمس حالات :
الحالة الأولى : أن يعلم أن الجماعة مات أفرادها جميعا في آن واحد لم يسبق أحدهم الآخر ، ففي هذه الحالة لا توارث بينهم بالإجماع ؛ لأن من شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ، وهذا الشرط مفقود هنا .
الحالة الثانية : أن يعلم تأخر موت أحدهم بعينه عن موت الآخر ولم ينس ، فالمتأخر يرث المتقدم بالإجماع ؛ لتحقق حياة الوارث بعد موت المورث .
الحالة الثالثة : أن يعلم تأخر موت بعضهم عن موت البعض الآخر من غير تعيين للمتقدم والمتأخر .
الحالة الرابعة : أن يعلم تأخر موت بعضهم عن موت البعض الآخر بعينه ، لكن نسي .
الحالة الخامسة : أن يجهل واقع موتهم ؛ فلا يدرى أماتوا جميعا أم ماتوا متفاوتين .
ففي هذه الأحوال الثلاث الأخيرة مجال للاحتمال ومسرح للاجتهاد والنظر ، وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - فيها على قولين :
القول الأول : عدم التوارث في هذه الأحوال الثلاث جميعا ، وهي قول جماعة من الصحابة ، منهم : أبو بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عباس - رضي الله عنهم - وقال به الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي ، وهو تخريج في مذهب أحمد ؛ لأن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ، وهذا الشرط ليس بمتحقق هنا ، بل ومشكوك فيه ، ولا توريث مع الشك ، ولأن قتلى وقعة اليمامة وقتلى وقعة صفين وقتلى الحرة لم يورث بعضهم من بعض .
القول الثاني : أنه يورث كل واحد من الآخر ، وهو قول جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم عمر بن الخطاب وعلي - رضي الله عنهما - وهو ظاهر مذهب أحمد - رحمه الله - ووجه هذا القول أن حياة كل منهم كانت ثابتة بيقين ، والأصل بقاؤها إلى ما بعد موت الآخر ، ولأن عمر - رضي الله عنه - لما وقع الطاعون في الشام جعل أهل البيت يموتون عن آخرهم ، فكتب بذلك إلى عمر ، فأمر أن يورثوا بعضهم من بعض .
ويشترط للتوريث أن لا يختلف ورثة الموتى المشتبه في ترتب موتهم ، فيدعي ورثة كل ميت تأخر موت مورثهم ، وليس هناك بينة ؛ فإنهم حينئذ يتحالفون ، ولا توارث .
وكيفية التوريث على هذا القول : أن يورث كل واحد من تلاد مال الآخر ؛ أي : من ماله القديم ؛ دون طريفه ، أي : ماله الجديد الذي ورثه ممن مات معه في الحادث ، وذلك بأن تفرض أن أحدهم مات أولا ، فتقسم ماله القديم على ورثته الأحياء ومن مات معه ، فما حصل لمن مات معه من ماله بهذه القسمة قسمته بين ورثته الأحياء فقط ، دون من مات معه ؛ لئلا يرث مال نفسه ، ثم تعكس العملية مع الآخر ، فتفرضه مات أولا ، وتعمل معه ما عملته مع الأول .
والراجح في هذه المسألة هو القول الأول ، وهو عدم التوارث ؛ لأن الإرث لا يثبت بالاحتمال والشك ، وواقع الموتى في هذه المسألة مجهول ، والمجهول كالمعدوم ، وتقدم موت أحدهم في هذه الحالة مجهول ؛ فهو كالمعدوم ، وأيضا الميراث إنما حصل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع بماله بعده ، وهذا مفقود هنا ، مع ما يلزم على القول بتوارثهم من التناقض ؛ لأن توريث أحدهم من صاحبه يقتضي أنه متأخر عنه بالوفاة ، وتوريث صاحبه منه يقتضي أنه متقدم ، فيكون كل واحد منهما متقدما متأخرا ، فعلى هذا القول الراجح - وهو عدم التوارث - يكون مال كل منهم لورثته الأحياء فقط دون من مات معه ، عملا باليقين ، وابتعادا عن الاشتباه ، والله أعلم .
يتبع باذنه تعالى ..
تعليق