بسم الله الرحمن الرحيم
تفكر ساعة…… أرذل العمر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد…تفكر ساعة…… أرذل العمر
قال تعالى…
بسم الله الرحمن الرحيم: ((يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج. ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.)) (الحج: 5-7).
إن من يرد إلى ارذل العمر هو صفحة مفتوحة للتدبر وللتفكر…
فبعد العلم، وبعد الرشد، وبعد الوعي، وبعد الاكتمال إذا يرتد وينتكس في وعيه ورشده وفي معلوماته وذاكرته وفي تقديره وتدبيره ويرتد طفلاً في عواطفه وانفعالاته… أقل شيء يرضيه واقل شيء يبكيه، وهو بهذا الحال آية عظيمة بينة تدل على الله الخالق جل جلاله وعلى قدرته وعلمه، وبرهان ساطع يدل على اليوم الآخر.
واليك بيان ذلك…
آيات العلم والقدرة الإلهية تتجلى في أرذل العمر
قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير.)) (الروم: 54).
فخلق الإنسان يبدأ بطور النطفة، وهو طور غاية من الضعف والوهن والافتقار إلى العلم والقدرة والهداية الإلهية الكريمة الحكيمة التي تأخذ بيد هذه النطفة في طريق التطور والنمو لتصبح جنيناً كامل الخلقة ثم تهيئ له سبيل الخروج إلى الحياة الدنيا. ثم هذا الطفل الرضيع الضعيف المحتاج المفتقر أيضاً إلى العناية الربانية التي تأخذ بيده حتى يشتد عوده ويقوى صلبه ليصبح شاباً أو رجلاً متكامل القوى والقدرات البدنية والعقلية والنفسية التي تؤهله لحمل مسؤولية التكليف الرباني. ثم بعد ذلك يرتد وينتكس لمرحلة ضعف ثانية تكون له خاتمة لحياته على هذه الأرض.
وإن هذه الأطوار التي لا يفلت منها أحد من أبناء الدنيا، والتي لا تتخلف مرة فيمن يمد له في العمر، ولا تبطئ مرة فلا تجيء في موعدها المضروب، إن هذه الأطوار التي تتعاور تلك الخليقة البشرية لتشهد بأنها في قبضة مدبرة، تخلق ما تشاء، وتقدر ما تشاء، وترسم لكل مخلوق أجله وأحواله وأطواره، وفق علم وثيق وتقدير دقيق ((يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)).
انتكاس الخلق في ارذل العمر دليل على الخالق جل جلاله
قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون.)) (يس: 68)، فالشيخوخة نكسة في الخلق ومن أكثر الأعضاء شهادة بصدق تقدم العمر هي العظام لما يطرأ عليها من تغيرات ملحوظة نذكر منها:
ضعف العظام وزيادة قابليتها للكسر بأقل الصدمات مثل رأس عظم الفخذ وفقرات العمود الظهري والطرف الرسغي لعظمة الكعبرة.
تقلص الغضاريف بين الفقرات فتنقص المسافة بين كل فقرتين مما يؤدي إلى نقص طول الجسم في الرجال عند سن الأربعين بحوالي (0,3) سم، وعند سن السبعين يكون الجسم قد نقص طوله بحوالي (2,5) سم في الرجال و(5) سم في النساء.
انحناء الظهر للأمام.
انفراج زاوية الفك السفلي بعدما كانت قائمة أو حادة في سن الشباب، وعند البلوغ، وبذا تعود إلى سيرتها الأولى فالطفل زاوية فكه السفلى تكون منفرجة.
تغيرات أخرى
تغيرات في الجلد.
نقص المناعة.
تأخذ الجروح فترة أطول في الالتئام.
يقل معدل الاستقلاب.
تقل قوة العضلات.
ينقص وزن المخ.
وعلى مستوى الخلية فإن معدل نمو الخلايا يقل، بل ويزداد معدل الهدم.
فالخلق الجميل الحسن يذهب ويبلى وينتكس فلا يغتر أحد بخلقه الحسن فالخالق هو الله، وإذا ساورك يوماً الشك في هذه الحقيقة وتوهمت أنك صاحب فضل في هذا الخلق فادفع الشيخوخة عنك وامنع انتكاسك وارتدادك إلى أرذل العمر ((أفلا يعقلون))؟!!.
عقلك وعلمك وتفكيرك نعمة من الله وهبها لك فاصرفه في الحق ولا تصرفه في الباطل
قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً…)) (الحج: 5).
ومن يرتد إلى أرذل العمر يفقد علمه ورشده وحافظته، وتضعف ذاكرته فلا تستحضر شيئاً، ويضعف في أخذه الأحداث والتجارب فرادى لا يربط بينها رابط، ولا تؤدي في حسه ووعيه إلى نتيجة، لأنه ينسى أولها قبل أو يأتي على آخرها، لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً، ولكي يفلت من عقله ووعيه ذلك العلم الذي ربما تخايل به وتطاول، وجادل به بالباطل.
فهذا العقل والعلم وهذا الرشد والتفكير موهوب لك من بعد الضعف وقلة العقل والرشد، فلا تغتر به لأنك سوف ترتد حتماً إلى أرذل العمر فينتكس عندها عقلك ورشدك وعلمك، فاصرفه في طلب العلوم الحقة المفيدة النافعة وفي الوصول به إلى معرفة الخالق جل جلاله، خالق العقل والعلم والرشد، ولا تصرفه في السفاسف والتوافه والمجادلة بالباطل.
أطوار الإنسان حتى الارتداد إلى أرذل العمر دليل على البعث واليوم الآخر
قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنه يبعث من في القبور.)) (الحج: 6-7)
فأطوار الإنسان المتعاقبة والمختومة في هذه الحياة الدنيا بالارتداد إلى أرذل العمر تدل دلالة واضحة وصريحة على أن الله سبحانه وتعالى هو الحق الذي لا تختل سننه ولا تتخلف، وأن اتجاه الحياة هذا الاتجاه في هذه الأطوار ليدل على الإرادة التي تدفعها وتنسق خطاها وترتب مراحلها، فهناك ارتباط وثيق بين أن الله هو الحق، وبين هذا الاطراد والثبات والاتجاه الذي لا يحيد. ((وأنه يحيي الموتى)) فإحياء الموتى هو إعادة للحياة، والذي أنشأ الحياة الأولى هو الذي ينشئها للمرة الأخيرة. ((وأن الله يبعث من في القبور)) ليلاقوا ما يستحقونه من جزاء، فهذا البعث تقتضيه حكمة الخلق والتدبير.
وإن هذه الأطوار لتشير إلى أن الإرادة المدبرة لهذه الأطوار ستدفع بالإنسان إلى حيث يبلغ كماله الممكن في دار الكمال، إذ أن الإنسان لا يبلغ كماله في حياة الأرض، فهو يقف ثم يتراجع ((لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً))، فلا بد من دار أخرى يتم فيها تمام الإنسان.
فدلالة هذه الأطوار على البعث دلالة مزدوجة، فهي تدل على البعث من ناحية أن القادر على الإنشاء قادر على الإعادة، وهي تدل على البعث لأن الإرادة المدبرة تكمل تطوير الإنسان في الدار الآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم: ((يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج. ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.)) (الحج: 5-7).
منقول
>>>d
تعليق