بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياتى للجميع
كتب أبن القيم الجوزية رحمه الله تعالى فى كتابه زاد الميعاد فى هدى خير العباد حيث قال
وَنَحْنُ نُتْبِعُ ذَلِكَ بِذِكْرِ فُصُولٍ نَافِعَةٍ فِي هَدْيِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الطّبّ الّذِي تَطَبّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ وَنُبَيّنُ مَا فِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ الّتِي تَعْجِزُ عُقُولُ أَكْثَرِ الْأَطِبّاءِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَأَنّ نِسْبَةَ طِبّهِمْ إلَيْهَا كَنِسْبَةِ طِبّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبّهِمْ فَنَقُولُ وَبِاَللّهِ الْمُسْتَعَانُ وَمِنْهُ نَسْتَمِدّ الْحَوْلَ وَالْقُوّةَ .
[ الْمَرَضُ نَوْعَانِ ]
الْمَرَضُ نَوْعَانِ مَرَضُ الْقُلُوبِ وَمَرَضُ الْأَبَدَانِ وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ .
[ نَوْعَا مَرَضِ الْقَلْبِ ] وَمَرَضُ الْقُلُوبِ نَوْعَانِ مَرَضُ شُبْهَةٍ وَشَكّ وَمَرَضُ شَهْوَةٍ وَغَيّ وَكِلَاهُمَا فِي الْقُرْآنِ . قَالَ تَعَالَى فِي مَرَضِ الشّبْهَةِ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا [ الْبَقَرَةُ 10 ] وَقَالَ تَعَالَى : وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلًا [ الْمُدّثّرُ 31 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقّ مَنْ دُعِيَ إلَى تَحْكِيمِ الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ فَأَبَى وَأَعْرَضَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ [ النّورُ 48 و 49 ] فَهَذَا مَرَضُ الشّبُهَاتِ وَالشّكُوكِ . وَأَمّا مَرَضُ الشّهَوَاتِ فَقَالَ تَعَالَى : يَا نِسَاءَ النّبِيّ لَسْتُنّ كَأَحَدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ اتّقَيْتُنّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [ الْأَحْزَابُ 32 ] . فَهَذَا مَرَضُ شَهْوَةِ الزّنَى وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
[ مَرَضُ الْأَبْدَانِ ]
وَأَمّا مَرَضُ الْأَبَدَانِ فَقَالَ تَعَالَى : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [ النّورُ 61 ] وَذَكَرَ مَرَضَ الْبَدَنِ فِي الْحَجّ وَالصّوْمِ وَالْوُضُوءِ لِسِرّ بَدِيعٍ يُبَيّنُ لَك عَظَمَةَ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِغْنَاءَ بِهِ لِمَنْ فَهِمَهُ وَعَقَلَهُ عَنْ سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنّ قَوَاعِدَ طِبّ الْأَبْدَانِ ثَلَاثَةٌ حِفْظُ الصّحّةِ وَالْحِمْيَةُ عَنْ الْمُؤْذِي وَاسْتِفْرَاغُ الْمَوَادّ الْفَاسِدَةِ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأُصُولَ الثّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثّلَاثَةِ . فَقَالَ فِي آيَةِ الصّوْمِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَر [ الْبَقَرَةُ 184 ] فَأَبَاحَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَلِلْمُسَافِرِ طَلَبًا لِحِفْظِ صِحّتِهِ وَقُوّتِهِ لِئَلّا يُذْهِبَهَا الصّوْمُ فِي السّفَرِ لِاجْتِمَاعِ شِدّةِ الْحَرَكَةِ وَمَا يُوجِبُهُ مِنْ التّحْلِيلِ وَعَدَمِ الْغِذَاءِ الّذِي يُخْلِفُ مَا تَحَلّلَ فَتَخُورُ الْقُوّةُ وَتَضْعُفُ فَأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ حِفْظًا لِصِحّتِهِ وَقُوّتِهِ عَمّا يُضْعِفُهَا . وَقَالَ فِي آيَةِ الْحَجّ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ الْبَقَرَةُ 196 ] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ حِكّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ اسْتِفْرَاغًا لِمَادّةِ الْأَبْخِرَةِ الرّدِيئَةِ الّتِي أَوْجَبَتْ لَهُ الْأَذَى فِي رَأْسِهِ بِاحْتِقَانِهَا تَحْتَ الشّعَرِ فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ تَفَتّحَتْ الْمَسَامّ فَخَرَجَتْ تِلْكَ الْأَبْخِرَةُ مِنْهَا فَهَذَا الِاسْتِفْرَاغُ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلّ اسْتِفْرَاغٍ يُؤْذِي انْحِبَاسُهُ . وَالْأَشْيَاءُ الّتِي يُؤْذِي انْحِبَاسُهَا وَمُدَافَعَتُهَا عَشَرَةٌ الدّمُ إذَا هَاجَ وَالْمَنِيّ إذَا تَبَيّغَ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرّيحُ وَالْقَيْءُ وَالْعُطَاسُ وَالنّوْمُ وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ . وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ يُوجِبُ حَبْسُهُ دَاءً مِنْ الْأَدْوَاءِ بِحَسْبِهِ . وَقَدْ نَبّهَ سُبْحَانَهُ بِاسْتِفْرَاغِ أَدْنَاهَا وَهُوَ الْبُخَارُ الْمُحْتَقَنُ فِي الرّأْسِ عَلَى اسْتِفْرَاغِ مَا هُوَ أَصْعَبُ مِنْهُ كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ التّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى .
[ الْحِمْيَةُ ]
وَأَمّا الْحِمْيَةُ : فَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدًا طَيّبًا [ النّسَاءُ 43 ] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ الْعُدُولَ عَنْ الْمَاءِ إلَى التّرَابِ حِمْيَةً لَهُ أَنْ يُصِيبَ جَسَدَهُ مَا يُؤْذِيهِ وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْحِمْيَةِ عَنْ كُلّ مُؤْذٍ لَهُ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ فَقَدْ أَرْشَدَ - سُبْحَانَهُ - عِبَادَهُ إلَى أُصُولِ الطّبّ وَمَجَامِعِ قَوَاعِدِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَدْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ وَنُبَيّنُ أَنّ هَدْيَهُ فِيهِ أَكْمَلُ هَدْيٍ .
[ طِبّ الْقُلُوبِ ]
فَأَمّا طِبّ الْقُلُوبِ فَمُسَلّمٌ إلَى الرّسُلِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِهِ إلّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَإِنّ صَلَاحَ الْقُلُوبِ أَنْ تَكُونَ عَارِفَةً بِرَبّهَا وَفَاطِرِهَا وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضَاتِهِ وَمُحَابّهِ مُتَجَنّبَةً لِمَنَاهِيهِ وَمَسَاخِطِهِ وَلَا صِحّةَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ الْبَتّةَ إلّا بِذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَلَقّيهِ إلّا مِنْ جِهَةِ الرّسُلِ وَمَا يُظَنّ مِنْ حُصُولِ صِحّةِ الْقَلْبِ بِدُونِ اتّبَاعِهِمْ فَغَلَطٌ مِمّنْ يَظُنّ ذَلِكَ وَإِنّمَا ذَلِكَ حَيَاةُ نَفْسِهِ الْبَهِيمِيّةِ الشّهْوَانِيّةِ وَصِحّتُهَا وَقُوّتُهَا وَحَيَاةُ قَلْبِهِ وَصِحّتُهُ وَقُوّتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ وَمَنْ لَمْ يُمَيّزْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَلْيَبْكِ عَلَى حَيَاةِ قَلْبِهِ فَإِنّهُ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَعَلَى نُورِهِ فَإِنّهُ مُنْغَمِسٌ فِي بِحَارِ الظّلُمَاتِ .
[ طِبّ الْأَبْدَانِ ] وَأَمّا طِبّ الْأَبْدَانِ فَإِنّهُ نَوْعَانِ نَوْعٌ قَدْ فَطَرَ اللّهُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانَ نَاطِقَهُ وَبَهِيمَهُ فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُعَالَجَةِ طَبِيبٍ كَطِبّ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْبَرْدِ وَالتّعَبِ بِأَضْدَادِهَا وَمَا يُزِيلُهَا .
وَالثّانِي : مَا يَحْتَاجُ إلَى فِكْرٍ وَتَأَمّلٍ كَدَفْعِ الْأَمْرَاضِ الْمُتَشَابِهَةِ الْحَادِثَةِ فِي الْمِزَاجِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ إمّا إلَى حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ أَوْ رُطُوبَةٍ أَوْ مَا يَتَرَكّبُ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهَا وَهِيَ نَوْعَانِ إمّا مَادّيّةٌ وَإِمّا كَيْفِيّةٌ أَعْنِي إمّا أَنْ يَكُونَ بِانْصِبَابِ مَادّةٍ أَوْ بِحُدُوثِ كَيْفِيّةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ أَمْرَاضَ الْكَيْفِيّةِ تَكُونُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَوَادّ الّتِي أَوْجَبَتْهَا فَتَزُولُ مَوَادّهَا وَيَبْقَى أَثَرُهَا كَيْفِيّةً فِي الْمِزَاجِ . وَأَمْرَاضُ الْمَادّةِ أَسْبَابُهَا مَعَهَا تَمُدّهَا وَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْمَرَضِ مَعَهُ فَالنّظَرُ فِي السّبَبِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ أَوّلًا ثُمّ فِي الْمَرَضِ ثَانِيًا ثُمّ فِي الدّوَاءِ ثَالِثًا . أَوْ الْأَمْرَاضُ الْآلِيّةُ وَهِيَ الّتِي تُخْرِجُ الْعُضْوَ عَنْ هَيْئَتِهِ إمّا فِي شَكْلٍ أَوْ تَجْوِيفٍ أَوْ مَجْرًى أَوْ خُشُونَةٍ أَوْ مَلَاسَةٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ وَضْعٍ فَإِنّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ إذَا تَأَلّفَتْ وَكَانَ مِنْهَا الْبَدَنُ سُمّيَ تَأَلّفُهَا اتّصَالًا وَالْخُرُوجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ فِيهِ يُسَمّى تَفَرّقَ الِاتّصَالِ أَوْ الْأَمْرَاضُ الْعَامّةُ الّتِي تَعُمّ الْمُتَشَابِهَةَ وَالْآلِيّةَ . وَالْأَمْرَاضُ الْمُتَشَابِهَةُ هِيَ الّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْمِزَاجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَهَذَا الْخُرُوجُ يُسَمّى مَرَضًا بَعْدَ أَنْ يَضُرّ بِالْفِعْلِ إضْرَارًا مَحْسُوسًا . وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَضْرُبٍ أَرْبَعَةٌ بَسِيطَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مُرَكّبَةٌ فَالْبَسِيطَةُ الْبَارِدُ وَالْحَارّ وَالرّطْبُ وَالْيَابِسُ . وَالْمُرَكّبَةُ الْحَارّ الرّطْبُ وَالْحَارّ الْيَابِسُ وَالْبَارِدُ الرّطْبُ وَالْبَارِدُ الْيَابِسُ . وَهِيَ إمّا أَنْ تَكُونَ بِانْصِبَابِ مَادّةٍ أَوْ بِغَيْرِ انْصِبَابِ مَادّةٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرّ الْمَرَضُ بِالْفِعْلِ يُسَمّى خُرُوجًا عَنْ الِاعْتِدَالِ صِحّةً .
[ أَحْوَالُ الْبَدَنِ ]
وَلِلْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ طَبِيعِيّةٌ وَحَالٌ خَارِجَةٌ عَنْ الطّبِيعِيّةِ وَحَالٌ مُتَوَسّطَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ .
فَالْأُولَى : بِهَا يَكُونُ الْبَدَنُ صَحِيحًا
وَالثّانِيَةُ بِهَا يَكُونُ مَرِيضًا .
وَالْحَالُ الثّالِثَةُ هِيَ مُتَوَسّطَةٌ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَإِنّ الضّدّ لَا يَنْتَقِلُ إلَى ضِدّهِ إلّا بِمُتَوَسّطٍ وَسَبَبُ خُرُوجِ الْبَدَنِ عَنْ طَبِيعَتِهِ إمّا مِنْ دَاخِلِهِ لِأَنّهُ مُرَكّبٌ مِنْ الْحَارّ وَالْبَارِدِ وَالرّطْبِ وَالْيَابِسِ وَإِمّا مِنْ خَارِجٍ فَلِأَنّ مَا يَلْقَاهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُوَافِقٍ وَالضّرَرُ الّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ سُوءِ الْمِزَاجِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَسَادٍ فِي الْعُضْوِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَعْفٍ فِي الْقُوَى أَوْ الْأَرْوَاحِ الْحَامِلَةِ لَهَا وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةِ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ زِيَادَتِهِ أَوْ نُقْصَانُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ نُقْصَانِهِ أَوْ تَفَرّق مَا الِاعْتِدَالُ فِي اتّصَالِهِ أَوْ اتّصَالُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي تَفَرّقِهِ أَوْ امْتِدَادُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي انْقِبَاضِهِ أَوْ خُرُوجُ ذِي وَضْعٍ وَشَكْلٍ عَنْ وَضْعِهِ وَشَكْلِهِ بِحَيْثُ يُخْرِجُهُ عَنْ اعْتِدَالِهِ .
نكتفى بهذا القدر ونواصل إن شاء الله بما جاء فى زاد الميعاد
اخوكم عبدالله عمر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياتى للجميع
كتب أبن القيم الجوزية رحمه الله تعالى فى كتابه زاد الميعاد فى هدى خير العباد حيث قال
وَنَحْنُ نُتْبِعُ ذَلِكَ بِذِكْرِ فُصُولٍ نَافِعَةٍ فِي هَدْيِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الطّبّ الّذِي تَطَبّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ وَنُبَيّنُ مَا فِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ الّتِي تَعْجِزُ عُقُولُ أَكْثَرِ الْأَطِبّاءِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَأَنّ نِسْبَةَ طِبّهِمْ إلَيْهَا كَنِسْبَةِ طِبّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبّهِمْ فَنَقُولُ وَبِاَللّهِ الْمُسْتَعَانُ وَمِنْهُ نَسْتَمِدّ الْحَوْلَ وَالْقُوّةَ .
[ الْمَرَضُ نَوْعَانِ ]
الْمَرَضُ نَوْعَانِ مَرَضُ الْقُلُوبِ وَمَرَضُ الْأَبَدَانِ وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ .
[ نَوْعَا مَرَضِ الْقَلْبِ ] وَمَرَضُ الْقُلُوبِ نَوْعَانِ مَرَضُ شُبْهَةٍ وَشَكّ وَمَرَضُ شَهْوَةٍ وَغَيّ وَكِلَاهُمَا فِي الْقُرْآنِ . قَالَ تَعَالَى فِي مَرَضِ الشّبْهَةِ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا [ الْبَقَرَةُ 10 ] وَقَالَ تَعَالَى : وَلِيَقُولَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلًا [ الْمُدّثّرُ 31 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقّ مَنْ دُعِيَ إلَى تَحْكِيمِ الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ فَأَبَى وَأَعْرَضَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ [ النّورُ 48 و 49 ] فَهَذَا مَرَضُ الشّبُهَاتِ وَالشّكُوكِ . وَأَمّا مَرَضُ الشّهَوَاتِ فَقَالَ تَعَالَى : يَا نِسَاءَ النّبِيّ لَسْتُنّ كَأَحَدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ اتّقَيْتُنّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [ الْأَحْزَابُ 32 ] . فَهَذَا مَرَضُ شَهْوَةِ الزّنَى وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
[ مَرَضُ الْأَبْدَانِ ]
وَأَمّا مَرَضُ الْأَبَدَانِ فَقَالَ تَعَالَى : لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [ النّورُ 61 ] وَذَكَرَ مَرَضَ الْبَدَنِ فِي الْحَجّ وَالصّوْمِ وَالْوُضُوءِ لِسِرّ بَدِيعٍ يُبَيّنُ لَك عَظَمَةَ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِغْنَاءَ بِهِ لِمَنْ فَهِمَهُ وَعَقَلَهُ عَنْ سِوَاهُ وَذَلِكَ أَنّ قَوَاعِدَ طِبّ الْأَبْدَانِ ثَلَاثَةٌ حِفْظُ الصّحّةِ وَالْحِمْيَةُ عَنْ الْمُؤْذِي وَاسْتِفْرَاغُ الْمَوَادّ الْفَاسِدَةِ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأُصُولَ الثّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثّلَاثَةِ . فَقَالَ فِي آيَةِ الصّوْمِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَر [ الْبَقَرَةُ 184 ] فَأَبَاحَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَلِلْمُسَافِرِ طَلَبًا لِحِفْظِ صِحّتِهِ وَقُوّتِهِ لِئَلّا يُذْهِبَهَا الصّوْمُ فِي السّفَرِ لِاجْتِمَاعِ شِدّةِ الْحَرَكَةِ وَمَا يُوجِبُهُ مِنْ التّحْلِيلِ وَعَدَمِ الْغِذَاءِ الّذِي يُخْلِفُ مَا تَحَلّلَ فَتَخُورُ الْقُوّةُ وَتَضْعُفُ فَأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ حِفْظًا لِصِحّتِهِ وَقُوّتِهِ عَمّا يُضْعِفُهَا . وَقَالَ فِي آيَةِ الْحَجّ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ الْبَقَرَةُ 196 ] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ حِكّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ اسْتِفْرَاغًا لِمَادّةِ الْأَبْخِرَةِ الرّدِيئَةِ الّتِي أَوْجَبَتْ لَهُ الْأَذَى فِي رَأْسِهِ بِاحْتِقَانِهَا تَحْتَ الشّعَرِ فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ تَفَتّحَتْ الْمَسَامّ فَخَرَجَتْ تِلْكَ الْأَبْخِرَةُ مِنْهَا فَهَذَا الِاسْتِفْرَاغُ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلّ اسْتِفْرَاغٍ يُؤْذِي انْحِبَاسُهُ . وَالْأَشْيَاءُ الّتِي يُؤْذِي انْحِبَاسُهَا وَمُدَافَعَتُهَا عَشَرَةٌ الدّمُ إذَا هَاجَ وَالْمَنِيّ إذَا تَبَيّغَ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرّيحُ وَالْقَيْءُ وَالْعُطَاسُ وَالنّوْمُ وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ . وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ يُوجِبُ حَبْسُهُ دَاءً مِنْ الْأَدْوَاءِ بِحَسْبِهِ . وَقَدْ نَبّهَ سُبْحَانَهُ بِاسْتِفْرَاغِ أَدْنَاهَا وَهُوَ الْبُخَارُ الْمُحْتَقَنُ فِي الرّأْسِ عَلَى اسْتِفْرَاغِ مَا هُوَ أَصْعَبُ مِنْهُ كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ التّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى .
[ الْحِمْيَةُ ]
وَأَمّا الْحِمْيَةُ : فَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدًا طَيّبًا [ النّسَاءُ 43 ] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ الْعُدُولَ عَنْ الْمَاءِ إلَى التّرَابِ حِمْيَةً لَهُ أَنْ يُصِيبَ جَسَدَهُ مَا يُؤْذِيهِ وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْحِمْيَةِ عَنْ كُلّ مُؤْذٍ لَهُ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ فَقَدْ أَرْشَدَ - سُبْحَانَهُ - عِبَادَهُ إلَى أُصُولِ الطّبّ وَمَجَامِعِ قَوَاعِدِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَدْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ وَنُبَيّنُ أَنّ هَدْيَهُ فِيهِ أَكْمَلُ هَدْيٍ .
[ طِبّ الْقُلُوبِ ]
فَأَمّا طِبّ الْقُلُوبِ فَمُسَلّمٌ إلَى الرّسُلِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِهِ إلّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَإِنّ صَلَاحَ الْقُلُوبِ أَنْ تَكُونَ عَارِفَةً بِرَبّهَا وَفَاطِرِهَا وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضَاتِهِ وَمُحَابّهِ مُتَجَنّبَةً لِمَنَاهِيهِ وَمَسَاخِطِهِ وَلَا صِحّةَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ الْبَتّةَ إلّا بِذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَلَقّيهِ إلّا مِنْ جِهَةِ الرّسُلِ وَمَا يُظَنّ مِنْ حُصُولِ صِحّةِ الْقَلْبِ بِدُونِ اتّبَاعِهِمْ فَغَلَطٌ مِمّنْ يَظُنّ ذَلِكَ وَإِنّمَا ذَلِكَ حَيَاةُ نَفْسِهِ الْبَهِيمِيّةِ الشّهْوَانِيّةِ وَصِحّتُهَا وَقُوّتُهَا وَحَيَاةُ قَلْبِهِ وَصِحّتُهُ وَقُوّتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ وَمَنْ لَمْ يُمَيّزْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَلْيَبْكِ عَلَى حَيَاةِ قَلْبِهِ فَإِنّهُ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَعَلَى نُورِهِ فَإِنّهُ مُنْغَمِسٌ فِي بِحَارِ الظّلُمَاتِ .
[ طِبّ الْأَبْدَانِ ] وَأَمّا طِبّ الْأَبْدَانِ فَإِنّهُ نَوْعَانِ نَوْعٌ قَدْ فَطَرَ اللّهُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانَ نَاطِقَهُ وَبَهِيمَهُ فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُعَالَجَةِ طَبِيبٍ كَطِبّ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْبَرْدِ وَالتّعَبِ بِأَضْدَادِهَا وَمَا يُزِيلُهَا .
وَالثّانِي : مَا يَحْتَاجُ إلَى فِكْرٍ وَتَأَمّلٍ كَدَفْعِ الْأَمْرَاضِ الْمُتَشَابِهَةِ الْحَادِثَةِ فِي الْمِزَاجِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ إمّا إلَى حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ أَوْ رُطُوبَةٍ أَوْ مَا يَتَرَكّبُ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهَا وَهِيَ نَوْعَانِ إمّا مَادّيّةٌ وَإِمّا كَيْفِيّةٌ أَعْنِي إمّا أَنْ يَكُونَ بِانْصِبَابِ مَادّةٍ أَوْ بِحُدُوثِ كَيْفِيّةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ أَمْرَاضَ الْكَيْفِيّةِ تَكُونُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَوَادّ الّتِي أَوْجَبَتْهَا فَتَزُولُ مَوَادّهَا وَيَبْقَى أَثَرُهَا كَيْفِيّةً فِي الْمِزَاجِ . وَأَمْرَاضُ الْمَادّةِ أَسْبَابُهَا مَعَهَا تَمُدّهَا وَإِذَا كَانَ سَبَبُ الْمَرَضِ مَعَهُ فَالنّظَرُ فِي السّبَبِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ أَوّلًا ثُمّ فِي الْمَرَضِ ثَانِيًا ثُمّ فِي الدّوَاءِ ثَالِثًا . أَوْ الْأَمْرَاضُ الْآلِيّةُ وَهِيَ الّتِي تُخْرِجُ الْعُضْوَ عَنْ هَيْئَتِهِ إمّا فِي شَكْلٍ أَوْ تَجْوِيفٍ أَوْ مَجْرًى أَوْ خُشُونَةٍ أَوْ مَلَاسَةٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ وَضْعٍ فَإِنّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ إذَا تَأَلّفَتْ وَكَانَ مِنْهَا الْبَدَنُ سُمّيَ تَأَلّفُهَا اتّصَالًا وَالْخُرُوجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ فِيهِ يُسَمّى تَفَرّقَ الِاتّصَالِ أَوْ الْأَمْرَاضُ الْعَامّةُ الّتِي تَعُمّ الْمُتَشَابِهَةَ وَالْآلِيّةَ . وَالْأَمْرَاضُ الْمُتَشَابِهَةُ هِيَ الّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْمِزَاجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَهَذَا الْخُرُوجُ يُسَمّى مَرَضًا بَعْدَ أَنْ يَضُرّ بِالْفِعْلِ إضْرَارًا مَحْسُوسًا . وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَضْرُبٍ أَرْبَعَةٌ بَسِيطَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مُرَكّبَةٌ فَالْبَسِيطَةُ الْبَارِدُ وَالْحَارّ وَالرّطْبُ وَالْيَابِسُ . وَالْمُرَكّبَةُ الْحَارّ الرّطْبُ وَالْحَارّ الْيَابِسُ وَالْبَارِدُ الرّطْبُ وَالْبَارِدُ الْيَابِسُ . وَهِيَ إمّا أَنْ تَكُونَ بِانْصِبَابِ مَادّةٍ أَوْ بِغَيْرِ انْصِبَابِ مَادّةٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرّ الْمَرَضُ بِالْفِعْلِ يُسَمّى خُرُوجًا عَنْ الِاعْتِدَالِ صِحّةً .
[ أَحْوَالُ الْبَدَنِ ]
وَلِلْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ طَبِيعِيّةٌ وَحَالٌ خَارِجَةٌ عَنْ الطّبِيعِيّةِ وَحَالٌ مُتَوَسّطَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ .
فَالْأُولَى : بِهَا يَكُونُ الْبَدَنُ صَحِيحًا
وَالثّانِيَةُ بِهَا يَكُونُ مَرِيضًا .
وَالْحَالُ الثّالِثَةُ هِيَ مُتَوَسّطَةٌ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَإِنّ الضّدّ لَا يَنْتَقِلُ إلَى ضِدّهِ إلّا بِمُتَوَسّطٍ وَسَبَبُ خُرُوجِ الْبَدَنِ عَنْ طَبِيعَتِهِ إمّا مِنْ دَاخِلِهِ لِأَنّهُ مُرَكّبٌ مِنْ الْحَارّ وَالْبَارِدِ وَالرّطْبِ وَالْيَابِسِ وَإِمّا مِنْ خَارِجٍ فَلِأَنّ مَا يَلْقَاهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُوَافِقٍ وَالضّرَرُ الّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ سُوءِ الْمِزَاجِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَسَادٍ فِي الْعُضْوِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَعْفٍ فِي الْقُوَى أَوْ الْأَرْوَاحِ الْحَامِلَةِ لَهَا وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةِ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ زِيَادَتِهِ أَوْ نُقْصَانُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ نُقْصَانِهِ أَوْ تَفَرّق مَا الِاعْتِدَالُ فِي اتّصَالِهِ أَوْ اتّصَالُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي تَفَرّقِهِ أَوْ امْتِدَادُ مَا الِاعْتِدَالُ فِي انْقِبَاضِهِ أَوْ خُرُوجُ ذِي وَضْعٍ وَشَكْلٍ عَنْ وَضْعِهِ وَشَكْلِهِ بِحَيْثُ يُخْرِجُهُ عَنْ اعْتِدَالِهِ .
نكتفى بهذا القدر ونواصل إن شاء الله بما جاء فى زاد الميعاد
اخوكم عبدالله عمر
تعليق