أحببت أن أشارككم بهذا الموضوع الذي أعجبني كثيرا متمنيا لكم قراءة مفيدة وممتعه
كتب الشاعر الفرنسي الكبير ألفونس دا لامارتين * في القرن التاسع عشر الميلادي نصا نثريا يمدح فيه سيدنا محمدا ويمجد صفاته وشمائله..
النص من ترجمة د. محمد مختار ولد أباه .**
أضعه بين أيديكم :
"لا أحد يستطيع أبدا أن يتطلع، عن قصد أو عن غير قصد، إلى بلوغ ما هو أسمى من ذلك الهدف، إنه هدف يتعدى الطاقة البشرية، ألا وهو تقويض الخرافات التي تجعل حجابا بين الخالق والمخلوق،وإعادة صلة القرب المتبادل بين العبد وربه، ورد الاعتبار إلى النظرة العقلية لمقامالألوهية المقدس، وسط عالم فوضى الآلهة المشوهة التي اختلقتها أيدي ملةالإشراك.
لا يمكن لإنسان أن يقدم على مشروع يتعدى حدود قوى البشر بأضعف الوسائل، وهو لا يعتمد فيتصور مشروعه وإنجازه إلا على نفسه ورجال لا يتجاوزعددهم عدد أصابع اليد الواحدة، يعيشون في منكب من الصحراء.
ما أنجز أحد أبدا في هذا العالم ثورة عارمة دائبة في مدة قياسية كهذه؛ إذ لم يمض قرنان بعد البعثة حتى أخضع الإسلام، بقوته ودعوته، أقاليم جزيرة العرب الثلاثة، وفتح بعقيدة التوحيد بلاد فارس وخراسان، وماوراء النهر، والهند الغربية، وأراضي الحبشة، والشام، ومصر، وشمال القارة الإفريقية،ومجموعة من جزر البحر المتوسط، وشبه الجزيرة الأيبيرية، وطرفا من فرنساالقديمة.
فإذا كانسمو المقصد، وضعف الوسائل، وضخامة النتائج، هي السمات الثلاث لعبقرية الرجال، فمنذا الذي يتجاسر أن يقارن محمدا بأي عظيم من عظماء التاريخ؟.
ذلك أن أكثر هؤلاء لم ينجح إلا في تحريك العساكر، أو تبديل القوانين، أو تغيير الممالك، وإذا كانوا قد أسسوا شيئا، فلا تذكرلهم سوى صنائع ذات قوة مادية، تتهاوى غالبا قبل أن يموتوا.
أما هو فقد استنفر الجيوش، وجدد الشرائع،وزعزع الدول والشعوب، وحرك ملايين البشر فوق ثلث المعمورة، وزلزل الصوامع والبيع والأرباب والملل والنحل والنظريات والعقائد، وهز الأرواح.
واعتمد على كتاب صار كل حرف منه دستورا،وأسس دولة القيم الروحية فشملت شعوبا من كل الألسنة والألوان، وكتب في قلوب أهلهابحروف لا تقبل الاندثار كراهية عبادة الأصنام المصطنعة، ومحبة الإنابة إلى الواحدالأحد المنزه عن التجسيم.
ثم دفع حماسة أبناء ملته لأخذ الثأر من العابثين بالدين السماوي، فكان فتحثلث المعمورة على عقيدة التوحيد انتصارا معجزا، ولكنه ليس في الحقيقة معجزة لإنسان،وإنما هو معجزة انتصار العقل.
كلمة التوحيد التي صدع بها أمام معتقدي نظم سلالات الأرباب الأسطورية، كانت شعلتها حينما تنطلق من شفتيه تلهب معابد الأوثانالبالية، وتضيء الأنوار على ثلث العالم.
وإن سيرة حياته، وتأملاته الفكرية، وجرأتهالبطولية على تسفيه عبادة آلهة قومه، وشجاعته على مواجهة شرور المشركين، وصبره علىأذاهم طوال 15 سنة في مكة، وتقبله لدور الخارج على نظام الملأ، واستعداده لمواجهةمصير الضحية بين عشيرته، وهجرته، وعمله الدءوب على تبليغ رسالته، وجهاده مع عدمتكافؤ القوى مع عدوه، ويقينه بالنصر النهائي، وثباته الخارق للعادة عند المصائب،وحلمه عندما تكون له الغلبة، والتزامه بالقيم الروحية، وعزوفه التام عن الملك،وابتهالاته التي لا تنقطع، ومناجاته لربه، ثم موته، وانتصاره وهو في قبره، إن كلهذا يشهد أن هناك شيئا يسمو على الافتراء، ألا وهو الإيمان؛ ذلك الإيمان الذي منحهصلى الله عليه وسلم قوة تصحيح العقيدة، تلك العقيدة التي تستند إلى أمرين هما: التوحيد، ونفي التجسيم؛ أحدهما يثبت وجود البارئ، والثاني يثبت أن ليس كمثله شيء. وأولهما يحطم الآلهة المختلقة بقوة السلاح، والثاني يبني القيم الروحية بقوةالكلمة.
إنه الحكيم، خطيب جوامع الكلم، الداعي إلى الله بإذنه، سراج التشريع.
إنه المجاهد، فاتح مغلق أبواب الفكر، باني صرح عقيدة قوامها العقل، وطريق عبادة مجردةمن الصور والأشكال، مؤسس عشرين دولة ثابتة على الأرض، ودعائم دولة روحية فرعها فيالسماء، هذا هو محمد، فبكل المقاييس التي نزن بها عظمة الإنسان، فمن ذا الذي يكونأعظممنه؟."
------------------------------------
* شاعر فرنسي كبير، أحد أشهر شعراء فرنسا في القرنالتاسع عشر، وحامل لواء الشعر الرومانسي، لقب بشاعر البحيرة نسبة إلى أشهرقصائده.
** علامة موريتاني، حائزعلى التبريز والدكتوراة من جامعة السوربون، وهو صاحب مؤلفات عدة في الفقهواللغويات، ومترجم كتاب في السيرة النبوية طبع مرات عدة في المشرق والمغرب، كما أنله ديوانا في السيرة النبوية بالفرنسية. وترجم أخيرا معاني القرآن الكريم إلى اللغةالفرنسية، واعتمدت الترجمة لدى المجامع الإسلامية.
-----------------------------------
الموضوعنقلا عن إسلام أون لاين
تعليق