د.صلاح أمين
اللغــز الأمريكاني
برغم ما لدى أمريكا من مراكز أبحاث لا حصر لها تزود إدارتها بآلاف الدراسات المختلفة ، إلا أن أمريكا لم تفهم ولا تريد أن تفهم حتى اللحظة أنها لا يمكن أن تساوي بين العقيدة المتشابكة في الخارطة الجينية وتسري في الدم وبين الأيديولوجية النابعة عن فكر فلسفي وضعي من صنع عقول البشر ، هي تتعامل مع الإسلام كأنه أيديولوجية يمكن إضعافها أو تسييسها بطريقتها الهامبورجرية كما حدث مع الشيوعية برغم أن أمريكا أيضاً لم تنجح بشكل نهائي في هذا الشأن ومازال التنين الصيني يخرج لها لسانه ويضحك متذكراً تلك القصة الشهيرة عن رواد الفضاء الأمريكان حين عجزوا عن استخدام الأقلام في الفضاء الخارجي بسبب انعدام الجاذبية التي منعت تدفق الحبر على الورق فأنفقوا الملايين في معاملهم لحل تلك المشكلة التي كلفت الاتحاد السوفيتي عشر سنتات فقط حيث استبدلوا أقلام الحبر بأخرى من الجرافيت وخلاص.
هذه العقلية الأمريكية المعملية المادية في أغلبها لا تريد أن تفهم أن العقيدة تأتي أولاً لدى كل الشعوب وليس المسلم وحده المعني بهذا وإن كان هو الأكثر ارتباطاً ودفاعاً عن عقيدته التي تعتبر الجهاد في سبيل الله أحد أهم أركانها الأساسية مهما حاولوا غسل دماغه وإعادة برمجته على غرار برمجيات بيل جيتس الحاسوبية . فمتى تفهم أمريكا أنها تسير في درب مظلم لا نهاية له تماماً كالفراغات الكونية التي ينقلها التليسكوب هابل لوكالة ناسا ؟ يبدو أنها بحاجة إلى هابل إنساني يسبر لها أغوار الشخصية الإسلامية والعربية حتى تكف عن غيها إن شاءت هي وشاء لها حكماء بني صهيون أن ترى وتعي وتفهم . في سياق ما يجري يحاول الكثيرون فهم التفكير الأمريكي وتفسير متناقضاته الصارخة ، فمنهم من وجد لها العذر لخطأ أساسي في تجاربها على عينات إسلامية وعربية متحيزة وغير معبرة عن المجتمع العربي والإسلامي محل الدراسة وهو خطأ منهجي في أساليب البحث الأمريكية إذ أن العينات المأخوذة لم تك عشوائية لتعبر عن الواقع ولكنها اختيارية استندت إلى تأدب الحكام مع أمريكا وموافقتهم على ما تريد .. فهموا التأدب خطأ.ومنهم من ذهب إلى أبعد من الخطأ المنهجي في الأبحاث الأمريكية فقال أن كثيراً من الحكام العرب والمسلمين ملوا الضغوط الأمريكية المذلة .. ملوا دورهم كعينات تجارب للأبحاث الأمريكية في دراستها للشخصية العربية والمسلمة فراحوا يضللون الباحث الأمريكي ويتظاهرون أمامه بخنوع أكثر مما في نفوسهم فضللوه وخربوا نتائج البحث حقداً منهم وانتقاماً من التسلط الأمريكي عليهم . غير أن أخرين يرون أن الحكام العرب والمسلمين هم من ساهم مباشرة في توريط أمريكا إذ هيأ لها الجو العربي والإسلامي وأغراها بالتمادي في سياساتها الامبريالية وتركوها تلقى مصيرها مع الشعوب وتصطدم بمقاومة شرسة تتلهى بها عنهم ووقفوا هم يتفرجون ويطالعون ورطة أمريكا من بعيد في سعادة تعيد لهم بعض الكرامة وفي نفس الوقت هم موقنون بسرعة ملل أمريكا وهروبها من المنطقة ظناً من هؤلاء الحكام أن مفاتيح هذه الشعوب لديهم هم فقط وهم من يملك شيفرة قيادتها وليس أمريكا ، وعاجلاً أم آجلاً سترحل أمريكا تاركة لهم الشعوب المنهكة ليقودوها كيفما شاءوا فيما بعد .
لكن الحكام أيضاً أخطأوا كثيراً بهذا الرهان الذي لن يقضي على مشاريع أمريكا في المنطقة فقط ولكن على مفاتيح وشيفرات الحكام العرب والمسلمين أيضاً لأنهم خذلوا شعوبهم فوضعتهم الشعوب في ذات السلة مع أمريكا ، لقد نسي الحكام أن ما ليدهم من مفاتيح قد اعتراها الصدأ ولم تعد صالحة وسوف تلد تلك الأوضاع الحبلى شيفرات جديدة لا تقوى جحافل الأمن الداخلي على حلها ، وعندما تتسلم الشعوب مفاتيحها وشيفراتها سيولد بالفعل شرق أوسط جديد ولكن على طريقة الشعوب وليس أمريكا مهما طال النضال لأن هذا ما يقرره التاريخ والجغرافيا أيضاً .. الأرض للشعب وليست للحكام أو للمستعمر مهما كان قوياً .. الهند ، الجزائر ، فيتنام أمثلة قريبة جداً ومازال أبطالها أحياء يرزقون
تعليق