كلنا يكره الالم ويشفق على من يتالم .. و لكن هل الالم كله شر؟ اليست له جوانب ايجابيه ؟ و اقول بل له جوانب ايجابيه كثيره! و الله تبارك و تعالى لا يخلق شيئا الا لحكمه ندركها او لا ندركها .. و لكن للالم حكمه ندرك بعض جوانبها و سوف نعرض لها لعلنا نكون اكثر فهما لظاهره الالم التى نتعامل معها كارهين - عاده - و قد نتعامل معها راغبين .. كيف؟!
ربما كان الالم هو ثمن ندفعه طائعين لدخول الجنه و قد رغب الله المؤمنين فى قتال الكفار بقوله تعالى ( إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون و كان الله عليما حكيما ) النساء-104
اى ان ما سوف تعانونه من وطأه القتال و الجراح التى يمكن ان تصيبكم فى المعركه و قد تكون قاتله ،ترجون عليها الثواب و هو دخول الجنه ،اما هم (اى الكفار) فيصابون و يتالمون او يقتلون بلا اى عائد.. بل ماواهم النار و بئس المصير و فى سوره التوبه آيه اخرى فى نفس المعنى: ( ما كان لاهل المدينه و من حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصه فى سبيل الله و لا يطئون موطنا يغيظ الكفار و لا ينالون من عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ) التوبه - 120 فما يصيبهم من عطش او مشقه او جوع هى الام يثابون عليها
على ان الالم له فوائد اخرى كثيره .. منها انه احد وسائل التربيه ، فانت حينما تربى ابنك و تريد ان تقومه و تعوده على العادات الحسنه و تقتلع منه العادات السيئه ،فالالم هو اداتك فى ذلك .. ليس بالضروره الم حسي .. فالالم النفسي قد يؤدى الغرض ،بل قد يكون فعالا الى اقصى حد ،مثل الحرمان من شئ يحبه الطفل .. فهذا الالم من شانه تقويم الابن او الابنه و تحسين سلوكياتهم (هذا طبعا الى جانب القدوه الحسنه فى المقام الاول)
الالم ينبه الانسان الى مرض او اختلال فى وظائف عضو من اعضائه ،و بدون الالم لسرح المرض فى جسم الانسان دون ان يشعر به او يتنبه اليه او يقاومه بالادويه او وسائل العلاج المناسبه الاخرى .
ثم كيف يرتدع العاصون دون الخوف من عذاب النار و هو العذاب الاليم مالم يحس الواحد منهم بالالم الذى يسببه عود ثقاب مشتعل اذا اقترب من اصبعه ،او مس سطحا ساخنا لوعاء او نحو ذلك ،و هو شئ هين بالمقارنه بنار جهنم التى تحيط بالانسان و تنغلق عليه : (نار الله الموقده *التى تطلع على الافئده*انها عليهم موصده) الهمزه 6-8 و تطلع على الافئده اى ينفذ لهيبها الى القلوب .. و هى عليهم مؤصده اى مغلقه لا سبيل الى الخروج منها .. كيف كان يمكن تخويفهم بعذاب النار اذا لم يكونوا قد احسوا بنوع الالم الناتج عنها ،و لو فى اهون صوره و ادنى درجاته؟!
و الالم ينبه الانسان الى انه تجاوز الحد المقبول لاحتماله الجسدى ،فالذى يبذل فى عمله جهدا عضليا كبيرا ،او الذى يمارس رياضه عنيفه لو لم يشعر بالتعب لاستمر فى العمل او ممارسه الرياضه حتى يهلك... فالتعب - و هو من نظائر الالم - ينقذ الانسان من الهلاك ..و الرياضيون الذين يتعاطون عقاقير منشطه قبيل بدء المسابقات ،يعرضون صحتهم و حياتهم لخطر جسيم ،لانها تقلل احساسهم بالتعب او تؤجله
و احساس الناس بالام الاخرين الحسيه و المعنويه يختلف من شخص الى اخر ،فمن الناس من هو شديد الاحساس بالام الاخرين فيرحمهم و يتعاطف معهم و يبذل لهم من وقته و جهده و ماله ما يخفف عنهم الامهم ، و من الناس من هو قليل الاحساس بالام الاخرين ،فلا يرحمهم و لا يبدى اهتماما بهم ،و يمر عليهم دون اكتراث او مبالاه .. الرحماء الذين يحسون بالام الاخرين و يتفاعلون معها ،هم خير عند الله و عند الناس من الذين لا يرحمون و لا يحسون انما يرحم الله من عباده الرحماء
و الالم له دور كبير فى تحول بعض الناس الى ما هو خير لانفسهم .. فالانسان حين يمرض و تعتصره الامه يدرك اشياء لم يكن يدركها و هو فى عنفوان قوته و تمام صحته ، يدرك - بين اشياء اخرى -ان دوام الحال من المحال ،و ان الصحه نعمه يمكن ان تزول ،و انها ليست امرا بديهيا مفروغا منه، ،فيبتهل الى الله تعالى ان يشفيه و يعافيه ،هذا الابتهال يدنيه من الله و يعرفه طريقه... و كثيرا ما يعود الشخص من هذه الرحله المرضيه انسانا مختلفا عما كان عليه .. انسانا رقيق الحاشيه بعد ان كان فظا غليظ القلب فالالم قد يكون هكذا نعمه بينما نحسبه نقمه و شرا مستطيرا ( و عسى ان تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى ان تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و انتم لا تعلمون ) البقره 216
و الالم يطهر النفس و يزكيها ، و كلما زاد الالم كلما كان اكثر تاثيرا .. انظر الى الالم النفسي المبرح الذى يجتاح الانسان حين يفقد عزيزا لديه .. ابن او ابنه ،اب او ام ،اخ او اخت ،زوج او زوجه ،فان الم الفراق الذى يكابده الانسان حرى بان يلين قلبه و يقوم سلوكياته ، و يجعله يتجه لفعل الخيرات بدلا من السيئات .. الحزن العميق لفقد انسان غال علينا يصهر النفس و يكون مفعوله كالنار التى تصهر الحديد فتقويه و تزيد من مقاومته .. فالاحزان و الامها قد ينتج عنها خير وفير و اجر عظيم اذا احسن الانسان استقبال الصدمه و احتسبها عند الله ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) الزمر- 10
منقول للافاده
تعليق