إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يوم ( المباهلة ) ونصارى نجران

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يوم ( المباهلة ) ونصارى نجران

    اللهم صلِّ على سيد المرسلين محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين

    قال تعالى في كتابه الكريم : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1)


    جاء في تفسير القرآن لعبد العزيز بن عبد السلام :
    { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ } الضمير لعيسى عليه الصلاة السلام ، أو للحق [ { فَقُلْ تَعَالَوْاْ } ] المدعو للمباهلة نصارى نجران . { نَبْتَهِلْ } نلتعن ، أو ندعو بالهلاك .

    أي دعا عليهم بالهلاك ، لما نزلت أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيد علي وفاطمة وولديها رضي الله تعالى عنهم ثم دعاهم إلى المباهلة فقال بعضهم لبعض : « إن باهلتموه اضطرم عليكم الوادي ناراً فامتنعوا » .(2)

    وقد روى مسلم في صحيحه:
    عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ فَقَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ
    سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ ادْعُوا لِي عَلِيًّا فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
    { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ }
    دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي.
    (3)



    وكما جاء في تفسير الخطيب في السراج المنير:

    {فقل} لهم {تعالوا} أي: هلموا بالرأي والعزم {ندع} جزم في جواب الأمر وعلامة جزمه سقوط الواو {أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} أي: ليدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وإنما قدّمهم على النفس؛ لأنّ الرجل يخاطر بنفسه لأجلهم ويحارب دونهم فنجمعهم {ثم نبتهل} أي: نتضرع في الدعاء ونبالغ فيه {فنجعل لعنت الله على الكاذبين} بأن نقول: اللهم إلعن الكاذب بأمر عيسى، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غداً، فخلا بعضهم ببعض وقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمداً نبيّ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما بأهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكنّ، فإن أبيتم إلا الإقامة على دينكم وعلى ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها رضي الله عنها وهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم: «إذا أنا دعوت فأمنوا» فقال أسقف نجران ـ وهو اسم سرياني لرئيس النصارى وعاملهم وهو غير العاقب : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.(4)

    وقد اورد الحاكم في مستدركه:
    عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : لما نزلت هذه الآية : ( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم (1) ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم ، فقال : « اللهم هؤلاء أهلي »(5)

    ـــــــــــــ
    (1) سورة :آل عمران آية: 61
    (2) تفسير عبد السلام 3 ج 127 ص
    (3) صحيح مسلم 12 ج 129 ص

    (4) تفسير السراج المنير محمد بن احمد الخطيب ج 1 ص 493
    (5) المستدرك الحاكم 26 ج 11 ص
    « إعمل لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبداً *واعمل لآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدَاً »

  • #2
    > > > الميزان في تفسير القرآن
    > > سورة آل عمران
    > > 61 - 63
    > > فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
    > >تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ
    > >وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى
    > >الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ
    > >إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِن
    > >تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
    > > بيان
    > > قوله تعالى: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، الفاء للتفريع، و هو
    > >تفريع المباهلة على التعليم الإلهي بالبيان البالغ في أمر عيسى بن مريم
    > >(عليهما السلام) مع ما أكده في ختمه بقوله: الحق من ربك فلا تكن من الممترين.
    > > و الضمير في قوله: فيه راجع إلى عيسى أو إلى الحق المذكور في الآية
    > >السابقة.
    > > و قد كان البيان السابق منه تعالى مع كونه بيانا إلهيا لا يرتاب فيه مشتملا
    > >على البرهان الساطع الذي يدل عليه قوله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية،
    > >فالعلم الحاصل فيه علم من جهة البرهان أيضا، و لذلك كان يشمل أثره رسول الله
    > >(صلى الله عليه وآله وسلم) و غيره من كل سامع فلو فرض تردد من نفس السامع
    > >المحاج من جهة كون البيان وحيا إلهيا لم يجز الارتياب فيه من جهة كونه برهانا
    > >يناله العقل السليم، و لعله لذلك قيل: من بعد ما جاءك من العلم و لم يقل: من
    > >بعد ما بيناه لهم.
    > > و هاهنا نكتة أخرى و هي أن في تذكيره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعلم
    > >تطييبا لنفسه الشريفة أنه غالب بإذن الله، و أن ربه ناصره و غير خاذله البتة.
    > > قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا
    > >و أنفسكم، المتكلم مع الغير في قوله: ندع، غيره في قوله: أبناءنا و نساءنا و
    > >أنفسنا فإنه في الأول مجموع المتخاصمين من جانب الإسلام و النصرانية، و في
    > >الثاني و ما يلحق به من جانب الإسلام، و لذا كان الكلام في معنى قولنا: ندع
    > >الأبناء و النساء و الأنفس فندعو نحن أبناءنا و نساءنا و أنفسنا و تدعون أنتم
    > >أبناءكم و نساءكم و أنفسكم، ففي الكلام إيجاز لطيف.
    > > و المباهلة و الملاعنة و إن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين رسول الله و بين
    > >رجال النصارى لكن عممت الدعوة للأبناء و النساء ليكون أدل على اطمينان الداعي
    > >بصدق دعواه و كونه على الحق لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم و
    > >الشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه، و يركب الأهوال و المخاطرات دونهم، و في سبيل
    > >حمايتهم و الغيرة عليهم و الذب عنهم، و لذلك بعينه قدم الأبناء على النساء لأن
    > >محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد و أدوم.
    > > و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين: أن المراد بقوله: ندع أبناءنا و
    > >أبناءكم «الخ» ندع نحن أبناءكم و نساءكم و أنفسكم، و تدعوا أنتم أبناءنا و
    > >نساءنا و أنفسنا.
    > > و ذلك لإبطاله ما ذكرناه من وجه تشريك الأبناء و النساء في المباهلة.
    > > و في تفصيل التعداد دلالة أخرى على اعتماد الداعي و ركونه إلى الحق، كأنه
    > >يقول: ليباهل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين حتى يشمل
    > >اللعن و العذاب الأبناء و النساء و الأنفس فينقطع بذلك دابر المعاندين، و ينبت
    > >أصل المبطلين.
    > > و بذلك يظهر أن الكلام لا يتوقف في صدقه على كثرة الأبناء و لا على كثرة
    > >النساء و لا على كثرة الأنفس فإن المقصود الأخير أن يهلك أحد الطرفين بمن عنده
    > >من صغير و كبير، و ذكور و إناث، و قد أطبق المفسرون و اتفقت الرواية و أيده
    > >التاريخ: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضر للمباهلة و لم يحضر معه
    > >إلا علي و فاطمة و الحسنان (عليه السلام) فلم يحضر لها إلا نفسان و ابنان و
    > >امرأة واحدة و قد امتثل أمر الله سبحانه فيها.
    > > على أن المراد من لفظ الآية أمر، و المصداق الذي ينطبق عليه الحكم بحسب
    > >الخارج أمر آخر، و قد كثر في القرآن الحكم أو الوعد و الوعيد للجماعة، و
    > >مصداقه بحسب شأن النزول واحد كقوله تعالى: «الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما
    > >هن أمهاتهم» الآية: المجادلة - 2، و قوله تعالى: «و الذين يظاهرون من نسائهم
    > >ثم يعودون لما قالوا»: المجادلة - 3، و قوله تعالى: «لقد سمع الله قول الذين
    > >قالوا إن الله فقير و نحن أغنياء»: آل عمران - 181، و قوله تعالى: «و يسألونك
    > >ما ذا ينفقون قل العفو»: البقرة - 219، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي
    > >وردت بلفظ الجمع و مصداقها بحسب شأن النزول مفرد.
    > > قوله تعالى: ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، - الابتهال - من
    > >البهلة بالفتح و الضم و هي اللعنة، هذا أصله ثم كثر استعماله في الدعاء و
    > >المسألة إذا كان مع إصرار و إلحاح.
    > > و قوله: فنجعل لعنة الله، كالبيان للابتهال، و قد قيل: فنجعل، و لم يقل،
    > >فنسأل إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة حيث يمتاز بها الحق من الباطل على طريق
    > >التوقف و الابتناء.
    > > و قوله: الكاذبين مسوق سوق العهد دون الاستغراق أو الجنس إذ ليس المراد جعل
    > >اللعنة على كل كاذب أو على جنس الكاذب بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي
    > >المحاجة الواقعة بينه (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين النصارى حيث قال (صلى
    > >الله عليه وآله وسلم): إن الله لا إله غيره و إن عيسى عبده و رسوله، و قالوا:
    > >إن عيسى هو الله أو إنه ابن الله أو إن الله ثالث ثلاثة.
    > > و على هذا فمن الواضح أن لو كانت الدعوى و المباهلة عليها بين النبي (صلى
    > >الله عليه وآله وسلم) و بين النصارى أعني كون أحد الطرفين مفردا و الطرف الآخر
    > >جمعا كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الانطباق على المفرد و الجمع معا
    > >كقولنا: فنجعل لعنة الله على من كان كاذبا فالكلام يدل على تحقق كاذبين بوصف
    > >الجمع في أحد طرفي المحاجة و المباهلة على أي حال: إما في جانب النبي (صلى
    > >الله عليه وآله وسلم) و إما في جانب النصارى، و هذا يعطي أن يكون الحاضرون
    > >للمباهلة شركاء في الدعوى فإن الكذب لا يكون إلا في دعوى فلمن حضر مع رسول
    > >الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و هم علي و فاطمة و الحسنان (عليه السلام)
    > >شركة في الدعوى و الدعوة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا من
    > >أفضل المناقب التي خص الله به أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما
    > >خصهم باسم الأنفس و النساء و الأبناء لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين
    > >رجال الأمة و نسائهم و أبنائهم.
    > > فإن قلت: قد مر أن القرآن يكثر إطلاق لفظ الجمع في مورد المفرد و أن إطلاق
    > >النساء في الآية مع كون من حضرت منهن للمباهلة منحصرة في فاطمة (عليها السلام)
    > >فما المانع من تصحيح استعمال لفظ الكاذبين بهذا النحو؟.
    > > قلت: إن بين المقامين فارقا و هو أن إطلاق الآيات لفظ الجمع في مورد المفرد
    > >إنما هو لكون الحقيقة التي تبينها أمرا جائز التحقق من كثيرين يقضي ذلك
    > >بلحوقهم بمورد الآية في الحكم، و أما فيما لا يجوز ذلك لكون مورد الآية مما لا
    > >يتعداه الحكم، و لا يشمل غيره الوصف فلا ريب في عدم جوازه نظير قوله تعالى: «و
    > >إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك و اتق الله»:
    > >الأحزاب - 37 و قوله تعالى: «لسان الذي يلحدون إليه أعجمي و هذا لسان عربي
    > >مبين»: النحل - 103 و قوله تعالى: «إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن -
    > >إلى أن قال: و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها
    > >خالصة لك من دون المؤمنين»: الأحزاب - 50.
    > > و أمر المباهلة في الآية مما لا يتعدى مورده و هو مباهلة النبي مع النصارى
    > >فلو لم يتحقق في المورد مدعون بوصف الجمع في كلا الطرفين لم يستقم قوله:
    > >الكاذبين بصيغة الجمع البتة.
    > > فإن قلت: كما أن النصارى الوافدين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
    > >أصحاب دعوى و هي أن المسيح هو الله أو ابن الله أو هو ثالث ثلاثة من غير فرق
    > >بينهم أصلا و لا بين نسائهم و بين رجالهم في ذلك كذلك الدعوى التي كانت في
    > >جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هي أن الله لا إله إلا هو و أن
    > >عيسى بن مريم عبده و رسوله كان القائمون بها جميع المؤمنين من غير اختصاص فيه
    > >بأحد من بينهم حتى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يكون لمن أحضره فضل
    > >على غيره غير أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحضر من أحضر منهم على سبيل
    > >الأنموذج لما اشتملت عليه الآية من الأبناء و النساء و الأنفس، على أن الدعوى
    > >غير الدعوة و قد ذكرت أنهم شركاء في الدعوة.
    > > قلت: لو كان إتيانه بمن أتى به على سبيل الأنموذج لكان من اللازم أن يحضر
    > >على الأقل رجلين و نسوة و أبناء ثلاثة فليس الإتيان بمن أتى به إلا للانحصار و
    > >هو المصحح لصدق الامتثال بمعنى أنه لم يجد من يمتثل في الإتيان به أمره تعالى
    > >إلا من أتى و هو رجل و امرأة و ابنان.
    > > و إنك لو تأملت القصة وجدت أن وفد نجران من النصارى إنما وفدوا على المدينة
    > >ليعارضوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و يحاجوه في أمر عيسى بن مريم
    > >فإن دعوى أنه عبد الله و رسوله إنما كانت قائمة به مستندة إلى الوحي الذي كان
    > >يدعيه لنفسه، و أما الذين اتبعوه من المؤمنين فما كان للنصارى بهم شغل و لا
    > >لهم في لقائهم هوى كما يدل على ذلك قوله تعالى في صدر الآية: فمن حاجك فيه من
    > >بعد ما جاءك من العلم فقل، و كذا قوله تعالى - قبل عدة آيات -: فإن حاجوك فقل
    > >أسلمت وجهي لله و من اتبعن.
    > > و من هنا يظهر: أن إتيان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن أتى به
    > >للمباهلة لم يكن إتيانا بنحو الأنموذج إذ لا نصيب للمؤمنين من حيث مجرد
    > >إيمانهم في هذه المحاجة و المباهلة حتى يعرضوا للعن و العذاب المتردد بينهم و
    > >بين خصمهم، و إنما أتى (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن أتى به من جهة أنه (صلى
    > >الله عليه وآله وسلم) كان طرف المحاجة و المداعاة فكان من حقه أن يعرض نفسه
    > >للبلاء المترقب على تقدير الكذب فلو لا أن الدعوى كانت قائمة بمن أتى به منهم
    > >كقيامها بنفسه الشريفة لم يكن لإتيانه بهم وجه فإتيانه بهم من جهة انحصار من
    > >هو قائم بدعواه من الأبناء و النساء و الأنفس بهم لا من جهة الإتيان بالأنموذج
    > >فقد صح أن الدعوى كانت قائمة بهم كما كانت قائمة به.
    > > ثم إن النصارى إنما قصدوه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا لمجرد أنه كان يرى
    > >أن عيسى بن مريم (عليهما السلام) عبد الله و رسوله و يعتقد ذلك بل لأنه كان
    > >يدعيه و يدعوهم إليه فالدعوة هي السبب العمدة التي بعثهم على الوفود و المحاجة
    > >فحضوره و حضور من حضر معه للمباهلة لمكان الدعوى و الدعوة معا فقد كانوا
    > >شركاءه في الدعوة الدينية كما شاركوه في الدعوى كما ذكرناه.
    > > فإن قلت: هب أن إتيانه بهم لكونهم منه، و انحصار هذا الوصف بهم لكن الظاهر
    > >- كما تعطيه العادة الجارية - أن إحضار الإنسان أحباءه و أفلاذ كبده من النساء
    > >و الصبيان في المخاطر و المهاول دليل على وثوقه بالسلامة و العافية و الوقاية
    > >فلا يدل إتيانه (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم على أزيد من ذلك و أما كونهم
    > >شركاء في الدعوة فهو بمعزل عن أن يدل عليه فعله.
    > > قلت: نعم صدر الآية لا يدل على أزيد مما ذكر لكنك قد عرفت أن ذيلها أعني
    > >قوله: على الكاذبين، يدل على تحقق كاذبين في أحد طرفي المحاجة و المباهلة
    > >البتة، و لا يتم ذلك إلا بأن يكون في كل واحد من الطرفين جماعة صاحبة دعوى إما
    > >صادقة أو كاذبة فالذين أتى بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مشاركون معه
    > >في الدعوى و في الدعوة كما تقدم فقد ثبت أن الحاضرين كانوا بأجمعهم صاحبي دعوى
    > >و دعوة معه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و شركاء في ذلك.
    > > فإن قلت: لازم ما ذكرته كونهم شركاء في النبوة.
    > > قلت: كلا فقد تبين فيما أسلفناه من مباحث النبوة أن الدعوة و التبليغ ليسا
    > >بعين النبوة و البعثة و إن كانا من شئونها و لوازمها، و من المناصب و المقامات
    > >الإلهية التي يتقلدها، و كذا تبين مما تقدم من مبحث الإمامة أيضا أنهما ليسا
    > >بعين الإمامة و إن كانا من لوازمها بوجه.
    > > قوله تعالى: إن هذا لهو القصص الحق و ما من إله إلا الله، هذا إشارة إلى ما
    > >تقدم من قصص عيسى (عليه السلام)، و الكلام مشتمل على قصر القلب أي ما قصصناه
    > >هو الحق دون ما تدعيه النصارى من أمر عيسى.
    > > و في الإتيان بإن و اللام و ضمير الفصل تأكيد بالغ لتطييب نفس رسول الله
    > >(صلى الله عليه وآله وسلم) و تشجيعه في أمر المباهلة بإيقاظ صفة يقينه و
    > >بصيرته و وثوقه بالوحي الذي أنزله الله سبحانه إليه، و يتعقبه التأكيد الثاني
    > >بإيراد الحقيقة بلازمها و هو قوله: و ما من إله إلا الله فإن هذه الجملة لازمة
    > >كون القصص المذكور حقا.
    > > قوله تعالى: و إن الله لهو العزيز الحكيم معطوف على أول الآية، و هو بما
    > >فيه من التأكيد البالغ تطييب آخر و تشجيع لنفس النبي (صلى الله عليه وآله
    > >وسلم) إن الله لا يعجز عن نصرة الحق و تأييده، و لا أنه يغفل أو يلهو عن ذلك
    > >بإهمال أو جهل فإنه هو العزيز فلا يعجز عما أراده الحكيم فلا يجهل و لا يهمل
    > >لا ما عملته أوهام خصماء الحق من إله غير الله سبحانه.
    > > و من هنا يظهر وجه الآيتان بالاسمين: العزيز الحكيم، و أن الكلام مسوق لقصر
    > >القلب أو الإفراد.
    > > قوله تعالى: فإن الله عليم بالمفسدين، لما كان الغرض من المحاجة و كذا
    > >المباهلة بحسب الحقيقة هو إظهار الحق لم يكن يعقل التولي عن الطريق لمريد
    > >الغرض و المقصد فلو كانوا أرادوا بذلك إظهار الحق و هم يعلمون أن الله سبحانه
    > >ولي الحق لا يرضى بزهوقه و دحوضه لم يتولوا عنها فإن تولوا فإنما هو لكونهم لا
    > >يريدون بالمحاجة ظهور الحق بل الغلبة الظاهرية و الاحتفاظ على ما في أيديهم من
    > >حاضر الوضع، و السنة التي استحكمت عليه عادتهم، فهم إنما يريدون ما تزينه لهم
    > >أهواؤهم و هوساتهم من شكل الحياة، لا الحياة الصالحة التي تنطبق على الحق و
    > >السعادة فهم لا يريدون إصلاحا بل إفساد الدنيا بإفساد الحياة السعيدة فإن
    > >تولوا فإنما هو لأنهم مفسدون.
    > > و من هنا يظهر أن الجزاء وضع فيه السبب مكان المسبب أعني الإفساد مكان عدم
    > >إرادة ظهور الحق.
    > > و قد ضمن الجزاء وصف العلم حيث قيل فإن الله عليم ثم أكد بإن ليدل على أن
    > >هذه الصفة متحققة في نفوسهم ناشبة في قلوبهم فيشعر بأنهم سيتولون عن المباهلة
    > >لا محالة، و قد فعلوا و صدقوا قول الله بفعلهم.
    > > بحث روائي
    > > في تفسير القمي، عن الصادق (عليه السلام): أن نصارى نجران لما وفدوا على
    > >رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و كان سيدهم الأهتم و العاقب و السيد، و
    > >حضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون الناقوس و صلوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول
    > >الله هذا في مسجدك؟ فقال دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا إلى ما
    > >تدعو؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، و أني رسول الله، و أن عيسى عبد
    > >مخلوق يأكل و يشرب و يحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلى
    > >الله عليه وآله وسلم) فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أ كان عبدا مخلوقا يأكل
    > >و يشرب و يحدث و ينكح؟ فسألهم النبي، فقالوا نعم: قال فمن أبوه؟ فبهتوا فأنزل
    > >الله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية، و قوله: فمن حاجك
    > >فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى قوله: فنجعل لعنة الله على الكاذبين فقال
    > >رسول الله: فباهلوني فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، و إن كنت كاذبا أنزلت
    > >علي فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد
    > >و العاقب و الأهتم إن باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس نبيا، و إن باهلنا بأهل
    > >بيته خاصة لم نباهله فإنه لا
    > > يقدم إلى أهل بيته إلا و هو صادق فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله (صلى الله
    > >عليه وآله وسلم) و معه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهما
    > >السلام) فقال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم هذا ابن عمه و وصيه و ختنه علي بن
    > >أبي طالب، و هذا ابنته فاطمة، و هذا ابناه الحسن و الحسين ففرقوا فقالوا لرسول
    > >الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول
    > >الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجزية و انصرفوا.
    > > و في العيون، بإسناده عن الريان بن الصلت عن الرضا (عليه السلام): في حديثه
    > >مع المأمون و العلماء في الفرق بين العترة و الأمة، و فضل العترة على الأمة، و
    > >فيه قالت العلماء: هل فسر الله الاصطفاء في كتابه؟ فقال الرضا (عليه السلام):
    > >فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا و ذكر المواضع من
    > >القرآن، و قال فيها: و أما الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه، و أمر نبيه
    > >بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عز و جل فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
    > >العلم - فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم - و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و
    > >أنفسكم، قالت العلماء: عنى به نفسه، قال أبو الحسن: غلطتم إنما عنى به علي بن
    > >أبي طالب، و مما يدل على ذلك قول النبي: لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم
    > >رجلا كنفسي يعني علي بن أبي طالب، و عنى بالأبناء الحسن و الحسين، و عنى
    > >بالنساء فاطمة فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد، و فضل لا يلحقهم فيه بشر، و
    > >شرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه، الحديث.
    > > و عنه، بإسناده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام): في حديث له مع الرشيد، قال
    > >الرشيد له: كيف قلتم إنا ذرية النبي، و النبي لم يعقب، و إنما العقب للذكر لا
    > >للأنثى، و أنتم ولد البنت و لا يكون له عقب. فقلت: أسأله بحق القرابة و القبر
    > >و من فيه إلا ما أعفاني عن هذه المسألة، فقال: تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي و
    > >أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم، كذا أنهي إلي، و لست أعفيك في كل ما أسألك
    > >عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، و أنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط
    > >عنكم منه شيء لا ألف و لا واو إلا تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عز و جل: ما
    > >فرطنا في الكتاب من شيء، و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم. فقلت: تأذن
    > >لي في الجواب؟ فقال: هات، قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن
    > >الرحيم و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون و كذلك نجزي
    > >المحسنين و زكريا و يحيى و عيسى و إلياس، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال:
    > >ليس له أب فقلت: إنما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم، و كذلك ألحقنا الله
    > >تعالى بذراري النبي من أمنا فاطمة، أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات، قلت:
    > >قول الله عز
    > > و جل، فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم - فقل تعالوا ندع أبناءنا و
    > >أبناءكم - و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم - ثم نبتهل فنجعل لعنة الله
    > >على الكاذبين، و لم يدع أحد أنه أدخل النبي تحت الكساء عند المباهلة مع
    > >النصارى إلا علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين فكان تأويل قوله
    > >أبناءنا الحسن و الحسين، و نساءنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب: و في
    > >سؤالات المأمون عن الرضا (عليه السلام): قال المأمون: ما الدليل على خلافة جدك
    > >علي بن أبي طالب؟ قال: آية أنفسنا قال: لو لا نساءنا قال لو لا أبناءنا.
    > > أقول: قوله: آية أنفسنا يريد أن الله جعل نفس علي كنفس نبيه (صلى الله عليه
    > >وآله وسلم) و قوله: لو لا نساءنا معناه: أن كلمة نساءنا في الآية دليل على أن
    > >المراد بالأنفس الرجال فلا فضيلة فيه حينئذ، و قوله: لو لا أبناءنا معناه أن
    > >وجود أبناءنا فيها يدل على خلافه فإن المراد بالأنفس لو كان هو الرجال لم يكن
    > >مورد لذكر الأبناء.
    > > و في تفسير العياشي، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
    > >إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها ثم قالوا له زدنا
    > >فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاه حبران من أحبار النصارى من
    > >أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل الله هذه الآية: إن مثل عيسى عند الله
    > >كمثل آدم إلى آخر الآية فدخل رسول الله فأخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة
    > >ثم خرج و رفع كفه إلى السماء، و فرج بين أصابعه، و دعاهم إلى المباهلة، قال: و
    > >قال أبو جعفر (عليه السلام) و كذلك المباهلة يشبك يده في يده يرفعهما إلى
    > >السماء فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: و الله لئن كان نبيا لنهلكن و إن
    > >كان غير نبي كفانا قومه فكفا و انصرفا.
    > > أقول: و هذا المعنى أو ما يقرب منه مروي في روايات أخر من طرق الشيعة و في
    > >جميعها أن الذين أتى بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمباهلة هم علي و
    > >فاطمة و الحسنان فقد رواه الشيخ في أماليه، بإسناده عن عامر بن سعد عن أبيه، و
    > >رواه أيضا فيه، بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق (عليه السلام)، و
    > >رواه فيه، أيضا بإسناده عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر رضوان الله
    > >عليه، و رواه أيضا فيه، بإسناده عن ربيعة بن ناجد عن علي (عليه السلام)، و
    > >رواه المفيد في كتاب الاختصاص، بإسناده عن محمد بن الزبرقان عن موسى بن جعفر
    > >(عليه السلام)، و رواه أيضا فيه، عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جده، و رواه
    > >العياشي في تفسيره، عن محمد بن سعيد الأردني عن موسى بن محمد بن الرضا عن
    > >أخيه، و رواه أيضا عن أبي جعفر الأحول عن الصادق (عليه السلام) و رواه أيضا
    > >فيه، في رواية أخرى عن الأحول عنه (عليه السلام)، و عن المنذر عن علي (عليه
    > >السلام)، و رواه أيضا فيه، بإسناده عن عامر بن سعد، و رواه الفرات في تفسيره،
    > >معنعنا عن أبي جعفر و عن أبي رافع و الشعبي و علي (عليه السلام) و شهر بن
    > >حوشب، و رواه في روضة الواعظين، و في
    > > إعلام الورى، و في الخرائج، و غيرها.
    > > و في تفسير الثعلبي، عن مجاهد و الكلبي: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما
    > >دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع و ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا
    > >رأيهم يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: و الله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا
    > >نبي مرسل، و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش
    > >كبيرهم، و لا نبت صغيرهم و لئن فعلتم لنهلكن فإن أبيتم إلا ألف دينكم، و
    > >الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم. فأتوا رسول
    > >الله و قد غدا محتضنا بالحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه، و علي خلفها
    > >و هو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى
    > >وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا، و
    > >لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا
    > >أن لا نباهلك، و أن نقرك على دينك و نثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة
    > >فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، و عليكم ما عليهم فأبوا، قال: فإني أناجزكم،
    > >فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك على أن لا تغزونا، و لا تخيفنا،
    > >و لا تردنا عن ديننا
    > > على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة: ألف في صفر، و ألف في رجب، و ثلاثين درعا
    > >عادية من حديد فصالحهم على ذلك. و قال: و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى
    > >على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لاضطرم عليهم الوادي نارا،
    > >و لاستاصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر، و لما حال الحول على
    > >النصارى كلهم حتى يهلكوا.
    > > أقول: و روي القصة: قريبا منه في كتاب المغازي، عن ابن إسحاق، و رواه أيضا
    > >المالكي في الفصول المهمة، عن المفسرين قريبا منه، و رواه الحموي عن ابن جريح
    > >قريبا منه.
    > > و قوله: ألف في صفر المراد به المحرم و هو أول السنة عند العرب و قد كان
    > >يسمى صفرا في الجاهلية فيقال صفر الأول و صفر الثاني و قد كانت العرب تنسىء في
    > >الصفر الأول ثم أقر الإسلام الحرمة في الصفر الأول فسمي لذلك بشهر الله المحرم
    > >ثم اشتهر بالمحرم.
    > > و في صحيح مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن
    > >أبي سفيان سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب، قال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن
    > >رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن أسبه، لئن يكون لي واحدة منهن أحب
    > >إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول حين خلفه في
    > >بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء و الصبيان؟ فقال له
    > >رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من
    > >موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ و سمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب
    > >الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليا
    > >فأتي به أرمد العين فبصق في عينيه و دفع الراية إليه ففتح الله على يده. و لما
    > >نزلت هذه الآية: قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم - و
    > >أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل، دعا رسول الله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال:
    > >اللهم هؤلاء أهل بيتي.
    > > أقول: و رواه الترمذي في صحيحه، و رواه أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب
    > >فضائل علي، و رواه أيضا أبو نعيم في الحلية، عن عامر بن سعد عن أبيه، و رواه
    > >الحمويني في كتاب فرائد السمطين،.
    > > و في حلية الأولياء، لأبي نعيم بإسناده عن عامر بن أبي وقاص عن أبيه قال:
    > >لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا و فاطمة و
    > >حسنا و حسينا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و فيه، بإسناده عن الشعبي عن جابر
    > >قال: قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العاقب و الطيب فدعاهما إلى
    > >الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد فقال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من
    > >الإسلام فقالا: فهات إلينا، قال: حب الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير،
    > >قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى أن يفداه بالغداة فغدا رسول الله
    > >(صلى الله عليه وآله وسلم) و أخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة فأرسل
    > >إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرا له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
    > >و الذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر عليهم الوادي نارا قال جابر: فيهم نزلت: ندع
    > >أبناءنا و أبناءكم، قال جابر: أنفسنا و أنفسكم رسول الله و علي، و أبناءنا
    > >الحسن و الحسين، و نساءنا فاطمة.
    > > أقول: و رواه ابن المغازلي في مناقبه، بإسناده عن الشعبي عن جابر، و رواه
    > >أيضا الحمويني في فرائد السمطين، بإسناده عنه، و رواه المالكي في الفصول
    > >المهمة، مرسلا عنه، و رواه أيضا عن أبي داود الطيالسي عن شعبة الشعبي مرسلا، و
    > >رواه في الدر المنثور، عن الحاكم و صححه و عن ابن مردويه و أبي نعيم في
    > >الدلائل، عن جابر.
    > > و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح
    > >عن ابن عباس: أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله (صلى الله عليه
    > >وآله وسلم) و هم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم السيد و هو الكبير، و العاقب
    > >و هو الذي يكون بعده و صاحب رأيهم ثم ساق القصة نحوا مما مر و فيه، أيضا أخرج
    > >البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده: أن رسول الله
    > >(صلى الله عليه وآله وسلم) كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان: بسم
    > >الله إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران و أهل
    > >نجران إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، أما بعد
    > >فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، و أدعوكم إلى ولاية من الله من
    > >ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية، و إن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب و السلام، فلما
    > >قرأ الأسقف الكتاب فظع به و ذعر ذعرا شديدا، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال
    > >له: شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرأه،
    > >فقال له الأسقف: ما رأيك؟ فقال شرحبيل. قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية
    > >إسماعيل من النبوة فما يؤمن
    > > أن يكون هذا الرجل؟ ليس لي في النبوة رأي، لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت
    > >عليك فيه، و جهدت لك، فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قالوا
    > >مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، و عبد الله بن
    > >شرحبيل و جبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
    > >فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألهم و سألوه
    > >فلم نزل به و بهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؟ فقال رسول
    > >الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم
    > >بما يقال في عيسى صبح الغد، فأنزل الله هذه الآية: إن مثل عيسى عند الله كمثل
    > >آدم خلقه من تراب إلى قوله: فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فأبوا أن يقروا
    > >بذلك، فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغد بعد ما أخبرهم
    > >الخبر أقبل مشتملا على الحسن و الحسين في خميلة له و فاطمة تمشي خلف ظهره
    > >للملاعنة، و له يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: إني أرى أمرا مقبلا إن
    > >كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر و لا ظفر إلا
    > >هلك فقالا له: ما رأيك؟ فقال: رأيي
    > > أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا، فقالا له: أنت و ذلك، فتلقى
    > >شرحبيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إني قد رأيت خيرا من
    > >ملاعنتك، قال: و ما هو؟ قال حكمك اليوم إلى الليل و ليلتك إلى الصباح فمهما
    > >حكمت فينا فهو جائز، فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يلاعنهم و
    > >صالحهم على الجزية: و فيه، أخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري، قال: لما
    > >نزلت هذه الآية، قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم الآية، أرسل رسول الله (صلى
    > >الله عليه وآله وسلم) إلى علي و فاطمة و ابنيهما الحسن و الحسين، و دعا اليهود
    > >ليلاعنهم، فقال شاب من اليهود: ويحكم أ ليس عهدتم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا
    > >قردة و خنازير؟ لا تلاعنوا فانتهوا.
    > > أقول: و الرواية تؤيد أن يكون الضمير في قوله تعالى: فمن حاجك فيه، راجعا
    > >إلى الحق في قوله: الحق من ربك، فيتم بذلك حكم المباهلة لغير خصوص عيسى بن
    > >مريم (عليهما السلام)، و تكون حينئذ هذه قصة أخرى واقعة بعد قصة دعوة وفد
    > >نجران إلى المباهلة على ما تقصه الأخبار الكثيرة المتظافرة المنقولة أكثرها
    > >فيما تقدم.
    > > و قال ابن طاووس في كتاب سعد السعود، رأيت في كتاب تفسير ما نزل من القرآن
    > >في النبي و أهل بيته تأليف محمد بن العباس بن مروان: أنه روى خبر المباهلة من
    > >أحد و خمسين طريقا عمن سماه من الصحابة و غيرهم، و عد منهم الحسن بن علي
    > >(عليهما السلام) و عثمان بن عفان و سعد بن أبي وقاص و بكر بن سمال و طلحة و
    > >الزبير و عبد الرحمن بن عوف و عبد الله بن عباس و أبا رافع مولى النبي و جابر
    > >بن عبد الله و البراء بن عازب و أنس بن مالك.
    > > و روي ذلك في المناقب، عن عدة من الرواة و المفسرين و كذا السيوطي في الدر
    > >المنثور،.
    > > نقل من الميزان تفسير القران
    > > تحياتي......
    التعديل الأخير تم بواسطة بوظبي عنواني; الساعة 05-01-2008, 05:19 PM.
    http://www.n5555n.com/folder1/n55n.com_Kmq70XR09j.jpg

    جيتك أسألك سيدي فــــــــاطمه مدفونه في وين
    في الروضه القبرموضعه خله تزوره الملااااااين
    لوعنك بعد سيدي بالبقيع مغيب سنيـن
    جيت آزورك وانثر آلامي بابك وآمالي قدامي
    ياحبيبي الحشى ظامي أسألك يـازاير الهادي
    لوقفت بقبره تنادي ترتشف من نوره البادي

    جيتك أسألك سيدي فــــــــــاطمه مدفونه في وين!!!!؟؟؟؟

    يارســـــــول الله

    http://shiavoice.com/cat-943.html

    تعليق


    • #3
      حقيقة المباهلة

      إبراهيم بن صالح الحميضي(*)



      احتوى القرآن الكريم على أفضل الأساليب، وأحكم المناهج، وأقوى الحجج في الجدال مع المخالفين من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وغيرهم.

      ومن المناهج التي سلكها القرآن الكريم في معاملة المخالفين المبطلين المباهلة؛ فقد أمر الله ـ تعالى ـ بها نبيه صلى الله عليه وسلم ـ حينما جادله نصارى نجران في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ فلم يقبلوا الحق الذي جاء به من عند الله ـ تعالى ـ وأصروا على باطلهم وضلالهم.

      ونظراً لكثرة الخلاف في هذا العصر ـ مع الأسف ـ وقلة العلم أسيء استخدام هذا المنهج، فأخذ بعض الناس يدعو إلى المباهلة من غير معرفة لضوابطها وفقه لأحكامها.

      ولذلك أحببت أن أطرق هذا الموضوع من خلال ما أنزل الله ـ تعالى ـ فيه من آيات في سورة آل عمران، وما ذكره أهل العلم من المفسرين وغيرهم حول هذه الآيات.



      * تعريف المباهلة:

      قال ابن منظور: «البَهْل: اللعن، وبَهَله الله بَهْلاً أي: لعنه، وباهل القوم بعضهم بعضاً وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا، والمباهلة: الملاعنة، يقال: باهلت فلاناً: أي لاعنته»(1).

      وقال الراغب الأصفهاني: «والبهل والابتهال في الدعاء الاسترسال فيه، والتضرع؛ نحو قوله ـ عز وجل ـ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أن الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن»(2).

      والخلاصة: أن معنى المباهلة في اللغة: الدعاء باللعنة بتضرع واجتهاد.

      وبعد التأمل في الآية الكريمة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].

      وما ورد في تفسيرها من الأحاديث والآثار، ومن خلال ما سبق من كلام أهل اللغة يتبين أن المراد بالمباهلة الشرعية: هي أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء مصطحبين أبناءهم ونساءهم فيدعون الله ـ تعالى ـ أن يحل لعنته وعقوبته بالكاذب من الفريقين.

      * المباهلة في القرآن الكريم:

      سلك القرآن الكريم هذا الأسلوب ـ المباهلة ـ في مجادلة المشركين المبطلين الذين يتكبرون عن قبول الحق، ويصرون على باطلهم وضلالهم مع قيام الحجة عليهم، وظهور الحق لهم؛ حيث أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يباهل نصارى نجران حينما جادلوه في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ فلم يقبلوا الحق الذي جاء به من عند الله ـ تعالى ـ بل أصروا على عقيدتهم الفاسدة، ومقولتهم الباطلة في عيسى عليه السلام.

      قال ـ تعالى ـ: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْـحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُن مِّنَ الْـمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْـحَقُّ وَمَا مِنْ إلَهٍ إلاَّ اللَّهُ وَإنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ (62) فَإن تَوَلَّوْا فَإنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْـمُفْسِدِينَ}

      [آل عمران: 59 - 63].

      * سبب نزول الآيات:

      قال الواحدي: «قال المفسرون: قدم وفد نجران، وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم؛ فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح، والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيْهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان شَرُف فيهم ودرس كتبهم حتى حَسُن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده.

      فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحِبَرات(1)، جباب وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب(2)، يقول من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم. فصلوا إلى المشرق.

      فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أسلما، فقالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: إن لم يكن عيسى ولداً لله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعاً في عيســى، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألسـتم تعلمــون أنـه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى! قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فإن ربنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يُحدِث، قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويُحدِث؟ قالوا: بلى! قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا، فأنزل الله ـ عز وجل ـ فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آيه منها»(3).

      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، وذلك أن رهطاً من أهل نجران قدموا على محمد صلى الله عليه وسلم، وكان فيهم السيد والعاقب، فقالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسى؛ تزعم أنه عبد الله، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: أجلْ! إنه عبد الله. قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئتَ به؟ ثم خرجوا من عنده، فجاء جبريل صلى الله عليه وسلم بأمر ربنا السميع العليم، فقال: قل لهم إذا أتوك: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] إلى آخر الآية(4).

      وكان وفودهم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة، كما ذكر ابن كثير(5).

      * عرض إجمالي للآيات:

      في هذه الآيات الكريمة يقول الله ـ تعالى ـ منكراً على النصارى الذين يزعمون أن عيسى ـ عليه السلام ـ إله أو ابن إله: {إنَّ مَثَــــلَ عِيسَى عِنـــــدَ اللَّهِ} [آل عمــــــــــــران: 59]، في قــدرتـه ـ سبحانه ـ على خلقه من غير أب {كَمَثَلِ آدَمَ}(6)؛ حيث خلقه ـ جل وعلا ـ من غير أب ولا أم، بل {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}؛ فالذي خلق آدم من غير أب ولا أم قادر على أن يخلق عيسى ـ عليه السلام ـ من غير أب بطريق الأوْلى والأحرى.

      فإن كانت شبهتكم في ادعائكم بنوة عيسى ـ عليه السلام ـ أنه خلق من غير أب فإن آدم أحق بذلك منه وأوْلى؛ لأنه خلق من غير أم ولا أب، ومع ذلك فقد اتفق الناس كلهم على أنه عبد من عباد الله، وأن دعوى بنوته باطلة؛ فدعوى ذلك في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً.

      «وهذا من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه»(7).

      وهذا الأسلوب من الأقيسة الإضمارية التي استخدمها القرآن الكريم في مجادلة الخصم، «وهي التي تحذف فيها إحدى المقدمات مع وجود ما ينبئ عن المحذوف»(1).

      ثم بيّن ـ سبحانه وتعالى ـ أن ما ذكره في شأن عيسى ـ عليه السلام ـ وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه هو القول الحق الذي لا ريب فيه، لا كما يزعم النصارى من أنه إله أو ابن إله؛ كما نهى ـ سبحانه ـ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يشك في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ بعدما جاءه البلاغ المبين من ربه عز وجل.

      وتوجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم مع استحالة وقوع الشك منه له فائدتان:

      إحداهما: أنه صلى الله عليه وسلم إذا سمع مثل هذا الخطاب تحركت منه الأرْيَحيَّة(2) فيزداد في الثبات على اليقين نوراً على نور.

      والثانية: أن السامع يتنبه بهذا الخطاب على أمر عظيم، فينزع وينزجر عما يورث الامتراء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مع جلالته وعلو قدره خوطب بمثل هذا فكيف بغيره؟»(3).

      وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته(4).

      ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يباهل من جادله في شأن عيسى ـ عليه السلام ـ بعد قيام الحجة عليه، وظهور الحق له بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة؛ «وذلك بأن يحضر هو وأهله وأبناؤه، وهم يحضرون بأهلهــم وأبنائهــم ثم يدعــون الله ـ تعالى ـ أن ينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين»(5).

      «وإنما ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النفس الأبناء والنساء مع أن القصد من المباهلة تبين الصادق من الكاذب وهو مختص به وبمن يباهله؛ لأن ذلك أتم في الدلالة على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، وأكمل نكادية بالعدو، وأوفر إضراراً به لو تمت المباهلة»(6).

      ثم أكد ـ سبحانه وتعالى ـ صدق ما قصه وأخبر به من أمر عيسى ـ عليه السلام ـ وأنه هو الحق الذي لا جدال فيه، لا ما يدّعيه النصارى وغيرهم، مبيناً ـ سبحانه ـ أنه هو المتفرد بالربوبية المستحق للألوهية، وأنه هو العزيز في ملكه، الحكيم في تدبيره.

      وفي ختام الآيات هدد الله ـ تعالى ـ نصارى نجران الضالين إن هم أعرضوا عن الحق بعدما تبين لهم في هذه الآيات البينات التي سمعوها فلم يرجعوا عن دينهم الباطل وقولهم الفاسد، مبيناً أنه عليم بهم، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء، بل يحصيها عليهم ثم يجازيهم بها(7).

      وقد أخـرج البخاري في صحيحه عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما: لا تفعل؛ فوالله لئن كان نبياً فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وأبعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعث معنا إلا أميناً، فقال: لأبعثن معكم رجلاً أميناً حقَّ أمين، فاستشرف له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح! فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أمين هذه الأمة»(8).

      وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير(9): «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بملاعنتهم دعاهم إلى ذلك، فقالوا: يا أبا القاسم! دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما تريد أن تفعل فيما دعوتنا إليه، ثم انصرفوا عنه، ثم خَلَوْا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً لنبيٌّ مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه لَلاستئصال منكم إن فعلتم؛ فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

      فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم! قد رأينا ألاَّ نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجع على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا، فإنكم عندنا رضى»(10).

      وأخرج ابن جرير عن السدي(11) في قوله ـ تعالى ـ: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: 61]: «فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد الحسن والحسين وفاطمة، وقال لعلي: اتبعنا، فخرج معهم، فلم يخرج يومئذٍ النصارى، وقالوا: إنا نخاف أن يكون هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، وليس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كغيرها، فتخلفوا عنه يومئذٍ، فقال النبي #: لو خرجوا لاحترقوا، فصالحوه على صلح: على أن له عليهم ثمانين ألفاً، فما عجزت الدراهم ففي العروض: الحُلَّة(1) بأربعين، وعلى أنه له عليهم ثلاثاً وثلاثين درعاً، وثلاثاً وثلاثين بعيراً، وأربعة وثلاثين فرساً غازية كل سنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضامن لها حتى نؤديها إليهم»(2).

      وأخرج مسلم في صحيحه مـن حـديث سـعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: «ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي»(3).

      * هل المباهلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

      المباهلة ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هي عامة لجميع الأمة إلى قيام الساعة، كما أنها ليست خاصة مع النصارى، بل هي عامة مع كل مخالف، إذا قامت عليه الحجة وظهر له الحق، فلم يرجع عن قوله، بل أصر على ضلاله وعناده.

      قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في فوائد قصة نصارى نجران: «ومنها أن السُّنَّة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة، وقد أمر الله ـ سبحانه ـ بذلك رسوله، ولم يقل: إن ذلك ليس لأمتك من بعدك، ودعا إليه ابن عمه عبد الله بن عباس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع(4)، ولم ينكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين ولم ينكر ذلك عليه(5)، وهذا من تمام الحجة»(6).

      قلت: وقد دعا إليها أيضاً ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقد أخرج النسائي عنه أنه قال: «من شاء لأعنته ما أنزلت: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، إلا بعد آية المتوفى عنها زوجهــا، إذا وضعـت المتوفـى عنها زوجهـا فقـد حلت»(7).

      كما دعا إليها ابن القيم بعض من خالفه في مسائل صفات الله ـ تعالى ـ فلم يجبه إلى ذلك، وخاف سوء العاقبة(8).

      وممن دعا إليها أيضاً الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ حيث قال ـ رحمه الله ـ في إحدى رسائله: «وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دعوته إلى المباهلة»(9).

      وقال الحافظ ابن حجر في فوائد قصة أهل نجران: «وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة، وقد دعا ابن عباس إلى ذلك، ثم الأوزاعي، ووقع ذلك لجماعة من العلماء»(10).

      وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية: هل المباهلة خاصة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والنصارى؟

      فأجابت بأنها ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم مع النصارى، بل حكمها عامٌّ له وأمته مع النصارى وغيرهم(11).

      * شروط المباهلة:

      يشترط للمباهلة شروط خمسة لا بد من توافرها قبل أن يقدم الإنسان عليها، وقد اجتهدت في استنباط هذه الشروط من القرآن الكريم، والأحاديث، والآثار الواردة في قصة نصارى نجران، وكلام بعض العلماء على هذه الواقعة، ثم عرضتها على فضيلة الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فأقرها، وهي كما يلي:

      1 - إخلاص النية لله ـ تعالى ـ فإن المباهلة دعاء وتضرع إلى الله ـ تعالى ـ كما تقدم، ولا بد لقبول الدعاء من إخلاص النية فيه لله ـ تعالــى ـ كما هــو الشأن في جميــع العبادات، فلا يجوز أن يكون الغرض منها الرغبة في الغلبة، والانتصار للهوى، أو حب الظهور وانتشار الصيت، بل تكون للدفاع عن الحق وأهله، وإظهار الحق، والدعوة إلى الله ـ تعالى ـ والذب عن دينه.

      2 - العلم؛ فإن المباهــلة لا بد أن يسبقها حــوار وجــدال، ولا جدال بلا علم، والمجادل الجاهل يفسد أكثر مما يصلح(1)، وقد ذم الله ـ تعالى ـ المجادل بغير علم فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [الحج: 8].

      كما ذم الله أهل الكتاب لمحاجتهم بغير علم فقال ـ تعالى ـ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنجِيلُ إلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 65 - 66].

      قال القرطبي: «في الآية دليل على المنع عن الجدال لمن لا علم له ولا تحقيق عنده»(2).

      3 - أن يكون طالب المباهلة من أهل الصلاح والتقى؛ إذ إنها دعاء، ومن أعظم أسباب قبول الدعاء الاستجابة لله ـ تعالى ـ بفعل الطاعات واجتناب المحرمات كما قال ـ تعالى ـ: {وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] (3).

      4 - أن تكون بعد إقامة الحجة على المخالف، وإظهار الحق له بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة؛ فإذا أصر على رأيه وبقي على ضلاله وعناده، ولم يقبل الحق، ولم تُجْدِ معه المحاورة والمناقشة؛ فعند ذلك يأتي دور المباهلة، وتقدم قول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «إن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة»(4).

      وبهذا يتبين خطأ من يلجأ إلى المباهلة بسبب ضعف أدلته وانقطاع حجته، وعدم قدرته على إقناع خصمه وتفنيد أدلته والرد على شبهته، وأن هذا المنهج خلاف ما جاء في الكتاب والسنة.

      5 - أن تكون المباهلة في أمر مهم من أمور الدين، ويرجى في إقامتها حصول مصلحة للإسلام والمسلمين، أو دفع مفسدة كذلك.

      قال الدواني(5): «إنها (أي المباهلة) لا تجوز إلا في أمر مهم شرعاً وقع فيه اشتباه وعناد لا يفسر دفعه إلا بالمباهلة، فيشترط كونها بعد إقامة الحجة، والسعي في إزالة الشبهة وتقديم النصح والإنذار، وعدم نفع ذلك، ومساس الضرورة إليها»(6)، فلا ينبغي أن يدعو الإنسان إليها في كل مسألة يقع فيها الخلاف، ويسوغ فيها الاجتهاد كما يفعل بعض الجهال، وتأمل قول الله ـ تعالى ـ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]؛ أفرأيت من ذهب إلى رأي ظهرت له قوته، وبانت له رجاحته معتمداً على أدلة ثبتت عنده صحتها، وبدت له صراحتها، هل يعد كاذباً مبطلاً ظالماً تجب مباهلته والقضاء عليه وملاعنته؟!

      وأما ما ورد عن ابن عباس وابن مسعود والأوزاعي من دعوتهم للمباهلة في مسائل الفروع؛ فقد سألت فضيلة الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ عن ذلك فقال: إنه اجتهاد منهم رضي الله عنهم.

      * عاقبة المباهلة:

      قال ابن حجر: «ومما عُرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة، وقد وقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين»(7).

      وقد دلت السنة على ذلك؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: «ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً»(8).

      وقال صدِّيق حسن خان القنوجي: «أردت المباهلة في ذلك الباب ـ يعني باب صفات الله تعالى ـ مع بعضهم فلم يقم المخالف غير شهرين حتى مات»(9).

      ومما وقع أيضاً في هذا العصر: أن المتنبئ غلام أحمد القادياني الذي ظهر في شبه القارة الهندية في القرن المنصرم باهل أحد العلماء الذين ناقشوه وناظروه وأظهروا كذبه وبطلان دعــوتـه، وهــو الشيخ الجليل ثناء الله الأمرتسـري، فأهلك الله ـ عز وجل ـ المتنبئ الكذاب بعد سنة من مباهلته، وبقي الشيخ ثناء الله بعده قريباً من أربعين سنة، يهدم بنيان القاديانية ويجتث جذورها»(10).

      ------------------------------------------------

      (*) محاضر في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم.

      (1) لسان العرب، 1/375، وانظر معجم مقاييس اللغة، 1/310.

      (2) المفردات، ص 149، وانظر تفسير ابن جرير، 3/ 296.

      (1) الحبرات: ثياب يمانية، انظر مختار الصحاح، ص 51.

      (2) هو الحارث بن كعب بن عمرو بن علة، من مذحج من كهلان، جد جاهلي، الأعلام، 2/ 157.

      (3) أسباب النزول للواحدي، ص 83، وقد ذكرها ابن كثير عن ابن إسحاق مطولة جداً، انظر: تفسير ابن كثير، 1/ 376، وانظر: سيرة ابن هشام، 1/ 573.

      (4) تفسير ابن جرير الطبري، 3/ 293، وانظر: لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي، ص 76.

      (5) انظر: تفسير ابن كثير، 1/ 378.

      (6) قال الألوسي: «والمثل هنا ليس هو المثل المستعمل في التشبيه، بل بمعنى الحال والصفة العجيبة، أي صفة عيسى كصفة آدم وحاله العجيبة، تفسير الألوسي، 3/ 186، بتصرف يسير.

      (7) الكشاف، 1/ 192.

      (1) مناهج الجدل في القرآن الكريم، ص 86.

      (2) الأرْيَحيَّة: الارتياح للشيء ومحبته والفرح به، والنشاط إلى المعروف، والأرْيَحيَّ: الرجل الواسع الخلق، النشيط إلى المعروف، يرتاح لما طلبت ويراخ قلبه سروراً، انظر: لسان العرب، 3/ 1766.

      (3) تفسير الألوسي، 3/ 187 بتصرف.

      (4) انظر: تفسير القرطبي، 4/ 66.

      (5) تفسير السعدي، 1/ 388.

      (6) تفسير الألوسي، 3/ 189، وانظر: تفسير أبي السعود، 2/ 46.

      (7) انظر: تفسير ابن جرير، 3/ 293، وتفسير ابن كثير، 1/ 374، وتفسير السعدي، 1/ 387.

      (8) صحيح البخاري، 8/ 93، ح/ 4380، وأخرجه مسلم مختصراً، 4/ 1882، ح/ 2420.

      (9) هو محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، تابعي ثقة، من فقهاء المدينة وقرائها، مات سنة بضع عشرة ومائة، انظر: تهذيب التهذيب، 9/ 93، وتقريب التهذيب، ص 171.

      (10) تفسير ابن جرير، 3/ 298، وانظر: ابن كثير، 1/ 376.

      (11) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السدي، أبو محمد الكوفي، وهو السدي الكبير، صدوق يهم، ورمي بالتشيع، مات سنة 127هـ، انظر: تقريب التهذيب، ص 108، وتهذيب التهذيب، 1/ 314.

      (1) الحلة: إزار ورداء، مختار الصحاح، ص 63.

      (2) تفسير ابن جرير، 3/ 298، وفي بعض الآثار أن علياً ـ رضي الله عنه ـ لم يكن معهم.

      (3) صحيح مسلم، 4/ 1871، ح/ 2404.

      (4) وهي مسألة العول في باب الفرائض، حيث قال ـ رضي الله عنه ـ: «من شاء باهلته أن المسائل لا تعول»، انظر: سنن البيهقي، 6/ 53، وسنن سعيد بن منصور، 1/ 44، والمغني، لابن قدامة، 9/28.

      (5) سير أعلام النبلاء، 7/112.

      (6) زاد المعاد، 3/ 643.

      (7) سنن النسائي، 6/ 197، ح/ 3522، وصحح إسناده الألباني، انظر: صحيح سنن النسائي، 2/ 746، ح/ 396.

      (8) انظر: نونية ابن القيم بشرح الدكتور محمد خليل هراس، ص 12.

      (9) انظر: الدرر السنية، 1/55.

      (10) فتح الباري، 8/ 95.

      (11) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 4/ 160.

      (1) انظر: الحوار مع أهل الكتاب، لخالد القاسم، ص 148.

      (2) تفسير القرطبي، 4/ 70.

      (3) أيسر التفاسير، 1/ 326.

      (4) انظر: ص 308.

      (5) هو العلامة محمد بن أسعد الصديقي الدواني الشافعي، عالم العجم بأرض فارس، فاق في جميع العلوم لا سيما العقلية، وله مصنفات كثيرة، مات سنة 918 هـ، انظر: الأعلام، 6/32، ومعجم المؤلفين، 9/ 47.

      (6) الفتوحات الإلهية، 1/ 326.

      (7) فتح الباري، 8/ 95.

      (8) مسند الإمام أحمد، 1/ 248، وصححح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند، 3/ 51.

      (9) عون الباري لحل أدلة صحيح البخاري، 5/ 334.

      (10) القاديانية دراسات وتحليل للأستاذ إحسان إلهي ظهير، ص 154 ـ 159.
      http://www.alamuae.com/up/Folder-012...aaaah12345.jpg

      قال عليه السلام والسلام
      "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه"
      السلسلة الصحيحة

      [ ربحت الصحابة ولم أخسر آل البيت ]

      تعليق

      يعمل...
      X