فقال الحجاج: لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك
فقال الغلام:لو كان أجلي بيدك ما عبدت سواك ولكن أعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبه مدينة رسول الله
فقال الحجاج: نعم المدينة وأهلها أهل الإيمان و الإحسان فمن أي قبيلة أنت؟
فقال الغلام: من بني غالب من سلالة علي بن أبي طالب وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا ونسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فإغتاظ الحجاج غيظا شديدا وأمر بقتله
فقال له كل من حضر من الوزراء: ولكنه لايستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير
فقال الحجاج: لا بد من قتله ولو ينادي مناد من السماء
فقال الغلام: ما أنت نبي حتى يناديك مناد من السماء
فقال الحجاج:ومن يحول بيني وبين قتلك
قال الغلام: ما يحول بين المرء وقلبه
فقال الحجاج:وهو الذي يعينني على قتلك
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك وأعوذ بالله منك ومنه
فقال الحجاج: أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟
فقال الغلام: الصوم والصلاة والزكاة والحج
فقال الحجاج:أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك ابن الحسن والحسين
فقال الغلام: من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد الرسول إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد أخرتك
فأجابه الحجاج:أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام:قال الله تعالى( ولا تلقوا بأنفسكم في التهلكة)
قال الحجاج: ابن من أنت؟
قال الغلام: ابن أبي وأمي
فسأله:من أين جئت؟
قال الغلام:على رحب الأرض
قال الحجاج: أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام:بنو طي
قال الحجاج: ولم ذلك؟
قال الغلام:لأن حاتم الأصم منهم
فقال الحجاج:فمن أشرف العرب؟
قال الغلام: بنو مضرلأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم
قال الحجاج:فمن أشجع العرب؟
قال الغلام:بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم
فقال الحجاج:فمن أنجس العرب وأبخلهم وأقلها خيرا؟
فقال الغلام:بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بني ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فاغتاظ الحجاج غيظا شديدا وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه
وقال الحجاج:أين تركت الإبل ذات القرون؟
قال الغلام:تركتها ترعى أوراق الصوان
فصاح الحجاج به قائلا: يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوان ورق؟
فقال الغلام: وهل للإبل قرون؟
فقال الحجاج: هل حفظت القرآن؟
قال الغلام:هل القرآن هارب مني حتى أحفظه
فسأله الحجاج:هل جمعت القرآن ؟
قال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه؟
فقال له الحجاج:أما فهمت سؤالي؟
فقال الغلام:ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه؟
فقال الحجاج:فأخبرني عن آية في القرآن أعظم وآية أحكم وآية أعدل وأية أخوف وآية أرجى وآية فيها عشر آيات بينات وآية كذب فيها أولاد الأنبياء وآية صدق فيها اليهود والنصارى وآية قال الله تعالى لنفسه وآية فيها قول الملائكة وآية فيها قول أهل الجنة وآية فيها قول أهل النار وآية فيها قول إبليس؟
قال الغلام:أما أعظم آيه فهي آية الكرسي وأحكم آية (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) وأعدل آية (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وأخوف آية (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة النعيم)وأرجى آية (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) وآية فيها عشر آيات بينات هي (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي (وجاءوا على قميصه بدم كاذب) وهم أخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء)فصدقوا ودخلوا النار والآية التي قالها الله لنفسه هي (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) وآية فيها قول الأنبياء (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وآية فيها قول الملائكة (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)وآية فيها قول أهل الجنة (الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) وآية فيها قول أهل النار (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فأنا ظالمون )وآية فيها قول إبليس (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)
فسأل الحجاج الغلام: أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ومن حُفظ بالهواء؟ومن هُلك بالهواء؟
فقال الغلام:الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم عاد
فسأله الحجاج: أخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب؟ والذي هُلك بالخشب؟
قال الغلام ؟ الذي خلق من خشب عصا سيدنا موسى والذي حفظ بالخشب سيدنا نوح والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام
فقال الحجاج: أخبرني عمن خلق بالماء؟ ومن نجا؟ من الماء ومن هلك بالماء؟
فقال الغلام: الذي خلق من ماء أبونا آدم والذي نجا من الماء سيدنا موسى والذي هلك بالماء فرعون
فقال الحجاج:أخبرني عن أنهار الجنة وعددها
فقال الغلام :أنهار الجنة عديدة لا يعلموها إلا الله كما قال في كتابه فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهر من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بني آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب
فقال الحجاج:إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا؟
قال الغلام: الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط
فقال الحجاج: فما أول قطره من دم؟
قال الغلام: هي حيض حواء
فقال الحجاج: أخبرني عن العقل؟والإيمان؟والحياء؟ والسخاء؟ والشجاعة؟والكرم؟ والشهوة؟
فقال الغلام:إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة أقسام في الرجال وواحد في النساء والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحد في بقية الدنيا والحياء عشر تسعة في النساء وواحد في الرجال والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحد في النساء والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحد في بقية العالم والشهوة عشرة تسعة في النساء وواحد في الرجال
فقال الحجاج: أخبرني ما يجب على المسلم في السنة مره؟
قال الغلام :صيام رمضان
فقال الحجاج:وما يجب في العمرة مره؟
قال الغلام:الحج إلى بيت الله الحرام
فقال الحجاج: أخبرني عن أقرب شي لك ؟
قال الغلام :الآخرة
قال الحجاج: سبحان الله يؤتي الحكمة من يشاء ومن عباده وما رأيت صبيا أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام
فقال الغلام:أنا أهل لذلك
فقال الحجاج: من أحق الناس بالخلافة؟
قال الغلام:الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس
فقال الحجاج :أخبرني عن أول من نطق بالشعر؟
قال الغلام:آدم عليه السلام لما قتل قابيل أخاه هابيل
أنشد آدم يقول:
بكت عيني وحق لها بكاها
ودمع العين منهمل يسيح
فما لي لا أجود بسكب دمع
وهابيل تضمنه الضريح
رمى قابيل هابيلا أخاه
وألحد في الثرى الوجه الصبيح

فقال الحجاج: أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم؟
قال الغلام : هو بيت حاتم الطائي
حيث يقول :
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني
قبل العيال على عسر وإيسار
فقال الحجاج :أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة وجارية وسيف وفرس
وقال الحجاج في نفسه: إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له
ثم قال الحجاج: خذ ما تريد فغمزته الجارية
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجه وأنشد يقول:
وقرقعت اللجان برأس حمرا
أحب إلي مما تغمزني
أخاف إذا وقعت على فراشي
وطالت علتي لا تصحبيني
أخاف إذا وقعنا في مضيق
وجار الدهر بي لا تنصريني
أخاف إذا فقدت المال عندي
تميلي للخصام وتهجريني

فأجابته الجارية تقول :
معاذ الله أفعل ما تقول
ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجي في ضميري
وأقنع باليسير وما يجيني
إذا عاشرتني وعرفت طبعي
ستعلم أنني خير قرين

فقال الحجاج: ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر
قال الغلام: إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع
فقال الحجاج: خذهم لا بارك الله لك فيهم
قال الغلام:قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مره أخرى
ثم قال الغلام: من أين أخرج يا حجاج؟
قال الحجاج:أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام
فقال الجلساء للحجاج: هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب؟
قال الحجاج: إنه استشارني والمستشار مؤتمن

وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالما وغانما بفضل ذكائه ومعرفته وحسن إطلاعه



وفي نهاية هذه القصه أدعو الله عزوجل أن يضع هذا في ميزان حسناتنا ويهدينا ويفتح علينا أبواب الرزق والجنة ويلهم أجيالنا القادمة الفطن والذكاء


والسلام عليكم ورحمة من الله وبركاته