قمة مسقط وأزمة المال العالمية
تتخذ الجهود الإقليمية والعربية والعالمية المبذولة لمواجهة آثار أزمة المال العالمية، أشكالاً متعددة، تناولناها في مقالاتٍ سبقت، بهدف التعمق في أسباب الأزمة وجذورها في مختلف الأوجه والتداعيات. ونتوقع أن تتضح آثار هذه الجهود خلال الفصل الأول من السنة المقبلة، ونأمل في أن تكون إيجابية تعطي دفعة لمواصلتها وتعزيزها على الأصعدة كافة .
وبمثل الحديث عن قمة الكويت العربية الاقتصادية وأهمية انضمام الدول العربية إلى الجهود الدولية لمواجهة الأزمة، نتطرق اليوم الى موضوع قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي المزمع عقدها في مسقط مطلع الأسبوع المقبل، بحيث نأمل أن يحظى موضوع مواجهة تداعيات أزمة المال العالمية بوفرٍ من المناقشات، ودرس أثر التداعيات ونتائج الركود الاقتصادي العالمي على اقتصادات دول المجلس، واتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لدعم هذه الاقتصادات، وتمكين القطاع الخاص من أن يواصل تنفيذ دوره المأمول في برامج التنمية الاقتصادية، واستكمال أطر التكامل الاقتصادي الخليجي ومقوماته .
فدول مجلس التعاون الخليجي تتمتّع بوضع اقتصادي ومالي جيد، يؤهلها لمواصلة النمو والتطور في الأجل المتوسط ولو بمعدلات ادنى مما كان مقدراً سابقاً. ويتوقع أن يعتدل النشاط الاقتصادي خلال السنة المقبلة ويسجل نمواً بمستوى 3 إلى4 في المئة، كما يتوقع أن تتراجع معدلات التضخم.
وإذا استبعدنا انخفاضاً طويل المدى في أسعار النفط، فلن تتعرض دول مجلس التعاون لأية صدمات في نظامها الاقتصادي بفضل متانة أسسها المالية والمصرفية. لكن تبقى تكهنات في شأن المستويات التي ستستقر عليها أسعار النفط في المدى المتوسط، وما يشكله ذلك من تحدٍ رئيس لتوقعات النمو في دول مجلس التعاون في الأجل البعيد، بغض النظر عن تحدياتٍ تطرحها تقلبات الأسواق الحالية.
وتطرح تحديات التنمية في الأجل البعيد بدورها، قضية الإصلاحات المؤسسية. فالنمو الاقتصادي يمنح القطاع الخاص قوة دفع قوية. ما يوجب على دول مجلس التعاون العمل على تأمين استقرار أكبر في سياساتها الاقتصادية الكلية، بخاصة على صعيد الأسعار، بهدف تأمين ثقة اكبر للقطاع الخاص، في تنمية حصته من الناتج الإجمالي غير النفطي. وفي المقابل يحتاج القطاع الخاص أيضاً إلى إضفاء مرونة اكبر على أسواق العمل، وتوفير العمالة الماهرة من خلال إصلاحات في سوق العمل تسعى دول المجلس الى تنفيذها أملاً في استثمار مبالغ كبيرة في التنمية البشرية، وهي خطوة مهمة ومطلوبة لاعتماد القطاع الخاص بصورة أكبر على العمالة الوطنية وتخفيف اعتماده على العمالة الوافدة.
وتحتاج دول مجلس التعاون أيضاً، إلى مواصلة جهودها في تقوية أنظمة عمل المؤسسات وإدارة المال العام. وهي مطالبة بإحداث توازن بين توفير فرص عمل مرضية للمواطنين وتحسين مستويات المعيشة لدى الأجيال الحالية، وبين الاحتفاظ بجزء متساوٍ من ثرواتها إلى الأجيال المقبلة. ولتحقيق هذا الهدف، أنشأ العديد من هذه الدول صناديق استثمار للأجيال المقبلة، وحظيت هذه الصناديق باهتمام عالمي كبير في الآونة الأخيرة، بحيث واجهت دعوات لتحسين إدارتها توفير الشفافية والمهنية في استثماراتها. وأبرزت الأزمة الراهنة أهمية هذه القضايا. كما أن الرقابة على المصارف وأنشطتها في حاجة إلى مواصلة التدعيم نظراً إلى حيوية دورها الاقتصادي. ويحتاج القطاع الخاص إلى تمتين بنيته المؤسساتية ودوره التنموي ومواصلة برامج التخصيص وتعزيزها.
أما في شأن القرارات المتوقعة من قمة مسقط، إزاء قضايا التكامل الاقتصادي الخليجي، فشهد مطلع 2008 الإعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة، بإجمالي دخل قومي يناهز تريليون دولار. والقضية المهمة الآن هي قيام دول المجلس كافة بإصدار الأدوات التشريعية التي تكفل تحرير عناصر الإنتاج والاستثمار والعمل في صورها كافّةً ليتحقق انتظام السوق على أرض الواقع.
أما الوحدة النقدية الخليجية، فأكد معالي الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، أن القمة الخليجية المقبلة التي تعقد في العاصمة العمانية، ستعتمد اتفاق الاتحاد النقدي ومجلس النقد وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية للتعاون. وتضمَّن الاتفاق النقدي التشريعات القانونية ولوائح السياسات التي يتطلبها إطلاق الوحدة النقدية ما يعني أن دول المجلس ماضية بالفعل في إنجاز هذا المشروع.
إن التعامل مع كل هذه القضايا مرتبط بوجود الإرادة السياسية والرسمية للوصول إلى الوحدة النقدية الخليجية عام 2010، ونحن واثقون من توفر هذه الإرادة، وستتضح بصورة جلية خلال قمة مسقط.
المصدر: دار الحياة
تتخذ الجهود الإقليمية والعربية والعالمية المبذولة لمواجهة آثار أزمة المال العالمية، أشكالاً متعددة، تناولناها في مقالاتٍ سبقت، بهدف التعمق في أسباب الأزمة وجذورها في مختلف الأوجه والتداعيات. ونتوقع أن تتضح آثار هذه الجهود خلال الفصل الأول من السنة المقبلة، ونأمل في أن تكون إيجابية تعطي دفعة لمواصلتها وتعزيزها على الأصعدة كافة .
وبمثل الحديث عن قمة الكويت العربية الاقتصادية وأهمية انضمام الدول العربية إلى الجهود الدولية لمواجهة الأزمة، نتطرق اليوم الى موضوع قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي المزمع عقدها في مسقط مطلع الأسبوع المقبل، بحيث نأمل أن يحظى موضوع مواجهة تداعيات أزمة المال العالمية بوفرٍ من المناقشات، ودرس أثر التداعيات ونتائج الركود الاقتصادي العالمي على اقتصادات دول المجلس، واتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لدعم هذه الاقتصادات، وتمكين القطاع الخاص من أن يواصل تنفيذ دوره المأمول في برامج التنمية الاقتصادية، واستكمال أطر التكامل الاقتصادي الخليجي ومقوماته .
فدول مجلس التعاون الخليجي تتمتّع بوضع اقتصادي ومالي جيد، يؤهلها لمواصلة النمو والتطور في الأجل المتوسط ولو بمعدلات ادنى مما كان مقدراً سابقاً. ويتوقع أن يعتدل النشاط الاقتصادي خلال السنة المقبلة ويسجل نمواً بمستوى 3 إلى4 في المئة، كما يتوقع أن تتراجع معدلات التضخم.
وإذا استبعدنا انخفاضاً طويل المدى في أسعار النفط، فلن تتعرض دول مجلس التعاون لأية صدمات في نظامها الاقتصادي بفضل متانة أسسها المالية والمصرفية. لكن تبقى تكهنات في شأن المستويات التي ستستقر عليها أسعار النفط في المدى المتوسط، وما يشكله ذلك من تحدٍ رئيس لتوقعات النمو في دول مجلس التعاون في الأجل البعيد، بغض النظر عن تحدياتٍ تطرحها تقلبات الأسواق الحالية.
وتطرح تحديات التنمية في الأجل البعيد بدورها، قضية الإصلاحات المؤسسية. فالنمو الاقتصادي يمنح القطاع الخاص قوة دفع قوية. ما يوجب على دول مجلس التعاون العمل على تأمين استقرار أكبر في سياساتها الاقتصادية الكلية، بخاصة على صعيد الأسعار، بهدف تأمين ثقة اكبر للقطاع الخاص، في تنمية حصته من الناتج الإجمالي غير النفطي. وفي المقابل يحتاج القطاع الخاص أيضاً إلى إضفاء مرونة اكبر على أسواق العمل، وتوفير العمالة الماهرة من خلال إصلاحات في سوق العمل تسعى دول المجلس الى تنفيذها أملاً في استثمار مبالغ كبيرة في التنمية البشرية، وهي خطوة مهمة ومطلوبة لاعتماد القطاع الخاص بصورة أكبر على العمالة الوطنية وتخفيف اعتماده على العمالة الوافدة.
وتحتاج دول مجلس التعاون أيضاً، إلى مواصلة جهودها في تقوية أنظمة عمل المؤسسات وإدارة المال العام. وهي مطالبة بإحداث توازن بين توفير فرص عمل مرضية للمواطنين وتحسين مستويات المعيشة لدى الأجيال الحالية، وبين الاحتفاظ بجزء متساوٍ من ثرواتها إلى الأجيال المقبلة. ولتحقيق هذا الهدف، أنشأ العديد من هذه الدول صناديق استثمار للأجيال المقبلة، وحظيت هذه الصناديق باهتمام عالمي كبير في الآونة الأخيرة، بحيث واجهت دعوات لتحسين إدارتها توفير الشفافية والمهنية في استثماراتها. وأبرزت الأزمة الراهنة أهمية هذه القضايا. كما أن الرقابة على المصارف وأنشطتها في حاجة إلى مواصلة التدعيم نظراً إلى حيوية دورها الاقتصادي. ويحتاج القطاع الخاص إلى تمتين بنيته المؤسساتية ودوره التنموي ومواصلة برامج التخصيص وتعزيزها.
أما في شأن القرارات المتوقعة من قمة مسقط، إزاء قضايا التكامل الاقتصادي الخليجي، فشهد مطلع 2008 الإعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة، بإجمالي دخل قومي يناهز تريليون دولار. والقضية المهمة الآن هي قيام دول المجلس كافة بإصدار الأدوات التشريعية التي تكفل تحرير عناصر الإنتاج والاستثمار والعمل في صورها كافّةً ليتحقق انتظام السوق على أرض الواقع.
أما الوحدة النقدية الخليجية، فأكد معالي الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، أن القمة الخليجية المقبلة التي تعقد في العاصمة العمانية، ستعتمد اتفاق الاتحاد النقدي ومجلس النقد وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية للتعاون. وتضمَّن الاتفاق النقدي التشريعات القانونية ولوائح السياسات التي يتطلبها إطلاق الوحدة النقدية ما يعني أن دول المجلس ماضية بالفعل في إنجاز هذا المشروع.
إن التعامل مع كل هذه القضايا مرتبط بوجود الإرادة السياسية والرسمية للوصول إلى الوحدة النقدية الخليجية عام 2010، ونحن واثقون من توفر هذه الإرادة، وستتضح بصورة جلية خلال قمة مسقط.
المصدر: دار الحياة
تعليق