المقال أدناه هو مقالة للكاتب العماني حشر بن خميس المنذري في " عمان الاقتصادي" بجريدة عمان اليومية، المقالة صدرت في عدد اليوم الاحد 18 أكتوبر 2009
راجعوا علاماتكم التجارية
حشر بن خميس المنذري
يعتقد البعض أن العلامة التجارية هي شعار الشركة، وهذا خطأ كبير، فالشعار أحد مكونات العلامة التجارية، أما المفهوم الحقيقي فإن العلامة التجارية تمثل كل رمز أو سمة أو فعل يشير إلى هوية الشركة من شعار وإعلانات وموظفين ومبان، كلها تصنع تلك العلامة التجارية، وتشكل صورتها في أذهان جميع الجهات التي تتعامل معها.
فأنت عندما تقول سيارة آمنة فكأنك تلمح إلى سيارة معينة استطاعت ترسيخ علامتها التجارية في سوق السيارات. قد لا تكون الأسرع، قد لا تكون الأجمل، قد لا تكون بخيارات متعددة في الشكل والألوان، ولكنها الأفضل في الأمان.
وتعد العلامة التجارية أصلا من أصول الشركة (Assets) تستثمر فيها الشركة مبالغ مالية طائلة من خلال إنشاء هذه العلامة التجارية وترويجها والمحافظة عليها. فمع هذا الكم الهائل من العلامات التجارية في مختلف المنتجات، كيف يمكن لشركة أن توصل علامتها التجارية إلى مستوى الوعي بها وتميزها ثم الولاء لها؟! مهمة ليست بالسهلة، تحتاج إلى الكثير من الجهد والمال.
ويستغرق الوقت سنوات طويلة لتصل العلامة التجارية إلى القمة، ولكنها عندما تصل يصعب إنزالها. ومثال على ذلك شركة بيبسي في منطقتنا، فكثير من الناس هنا في السلطنة عندما يريدون شرب أي مشروب غازي يقولون نرغب في شرب (بيبسي)! وحين يذهبون إلى الثلاجة يأخذون ديو أو ميرندا أو حتى كوكاكولا. وهذا يعطيك مؤشرا على قوة العلامة التجارية التي أصبحت لصيقة بالمنتج وتعرف به. وهناك الكثير من الأمثلة مثل: كلينكس، ونيفيا.
ولكن يجب على الشركات دائما مراجعة علامتها التجارية، لأن العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على الشركة بشكل عام تؤثر على تلك العلامة. فقد تدخل الشركة خطا إنتاجيا جديدا، أو تتحول من شركة محلية إلى شركة عالمية، أو تتحد مع شركة أخرى، أو قد تفقد علامتها التجارية بريقها مع الوقت، لذلك يجب أن تعدل العلامة التجارية.
أنشأت جامعة جريفث الاسترالية في بداية السبعينيات، وكانت جامعة يقصدها الأستراليون في ولاية كوينزلاند وغيرها من الولايات الاسترالية. وكانت تعبر عن نمط التعليم في ذلك الوقت المتسم بالصرامة والجدية.
وكانت العلامة التجارية للجامعة تمثل هذا المفهوم، وكان شعار الجامعة عبارة عن أسدين متقابلين كحال معظم الشعارات ذات السمة البريطاينة الذي يدل على القوة والالتزام. ولكن مع الوقت فتحت استراليا أبوابها للمبتعثين للدارسة في جامعاتها، وجريفث كانت إحدى تلك الجامعات التي وصل فيها عدد الطلاب الأجانب أكثر من عدد الطلاب الأستراليين. هذا التغير الذي طرأ على الجامعة جعلها جامعة دولية أكثر منها جامعة استرالية. ومع هذا التغيير بدأت أشياء أخرى تتبدل، منها تخصيص مراكز لاستقبال هؤلاء الطلاب، ووجود مدرسين من مختلف الجنسيات ليتفاهموا مع الطلبة الجدد، واضافة فعاليات ومرافق تحتفي بثقافات الآخرين، وبدأت تنكسر تلك الصرامة في جزئيات اللباس والحضور والكثير من التفاصيل. عندها أدركت جامعة جريفث ضرورة إعادة بناء هويتها التجارية حتى تتوافق مع هذه المتغيرات، فقامت بتغيير العديد من القوانين وأضافت الكثير من المرافق حتى تتماشى مع الهوية الجديدة، بعد ذلك قامت بتغيير شعار الجامعة من أسدين متقابلين إلى رسم مبسط لكتاب مفتوح، وفي هذا تعبير عن هوية الجامعة الجديدة في توفيرها للتعليم بطريقة سهلة ولجميع الطلبة من مختلف مناطق العالم.
لم تقم جامعة جريفث بتغيير الشعار فحسب، بل أنجزت الكثير من الخطوات التي من شأنها رسم علامة تجارية جديدة، فالخطأ الجسيم إن تم تعديل العلامة التجارية من خلال الشكل فحسب. نعم إن الأمور الفنية جدا مهمة، ولكن العلامة التجارية تدخل في جوهر عمل المؤسسة، والتغيير يجب أن يشمل كل القطاعات، مثل الإدارة والموظفين وخدمة الزبائن والدعاية والإعلان.
وتأخذ إعادة بناء الهوية التجارية طابعا مباغتا للمنافسين في بعض القطاعات من الأعمال، ففي ظرف أيام قليلة تبدل الشركة ألوانها الخارجية بعد اجراءات التغيير الداخلية، مثلما فعل البنك الوطني العماني حين أعاد بناء علامته التجارية مؤخرا، فبسرعة كبيرة غير شكله الخارجي في مختلف اللوحات الإعلانية وآلات السحب، وقاد عملية التغيير بحملة إعلانية كبيرة كان شعارها: من أجلك.. من أجل الوطن.
وتأخذ العملية وقتا أطول في قطاعات أخرى مثل قطاع الطيران، فقد استغرق الطيران العماني وقتا طويلا حتى غير الشكل الخارجي لهويته الجديدة، فحتى وقت قريب كانت العديد من الطائرات لا تزال بالألوان القديمة للشعار، وقد يعود ذلك لأن الطائرات تعمل بشكل متواصل خارج أوقات الصيانة. تمشي المؤسسات بشكل عام والشركات بشكل خاص وهي تحمل علامتها التجارية على كفها، تخشى عليها مما قد يخدشها، لأن أي خدش بسيط يعني خسائر جمة.
http://www.omandaily.com/business/business13.htm
راجعوا علاماتكم التجارية
حشر بن خميس المنذري
يعتقد البعض أن العلامة التجارية هي شعار الشركة، وهذا خطأ كبير، فالشعار أحد مكونات العلامة التجارية، أما المفهوم الحقيقي فإن العلامة التجارية تمثل كل رمز أو سمة أو فعل يشير إلى هوية الشركة من شعار وإعلانات وموظفين ومبان، كلها تصنع تلك العلامة التجارية، وتشكل صورتها في أذهان جميع الجهات التي تتعامل معها.
فأنت عندما تقول سيارة آمنة فكأنك تلمح إلى سيارة معينة استطاعت ترسيخ علامتها التجارية في سوق السيارات. قد لا تكون الأسرع، قد لا تكون الأجمل، قد لا تكون بخيارات متعددة في الشكل والألوان، ولكنها الأفضل في الأمان.
وتعد العلامة التجارية أصلا من أصول الشركة (Assets) تستثمر فيها الشركة مبالغ مالية طائلة من خلال إنشاء هذه العلامة التجارية وترويجها والمحافظة عليها. فمع هذا الكم الهائل من العلامات التجارية في مختلف المنتجات، كيف يمكن لشركة أن توصل علامتها التجارية إلى مستوى الوعي بها وتميزها ثم الولاء لها؟! مهمة ليست بالسهلة، تحتاج إلى الكثير من الجهد والمال.
ويستغرق الوقت سنوات طويلة لتصل العلامة التجارية إلى القمة، ولكنها عندما تصل يصعب إنزالها. ومثال على ذلك شركة بيبسي في منطقتنا، فكثير من الناس هنا في السلطنة عندما يريدون شرب أي مشروب غازي يقولون نرغب في شرب (بيبسي)! وحين يذهبون إلى الثلاجة يأخذون ديو أو ميرندا أو حتى كوكاكولا. وهذا يعطيك مؤشرا على قوة العلامة التجارية التي أصبحت لصيقة بالمنتج وتعرف به. وهناك الكثير من الأمثلة مثل: كلينكس، ونيفيا.
ولكن يجب على الشركات دائما مراجعة علامتها التجارية، لأن العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على الشركة بشكل عام تؤثر على تلك العلامة. فقد تدخل الشركة خطا إنتاجيا جديدا، أو تتحول من شركة محلية إلى شركة عالمية، أو تتحد مع شركة أخرى، أو قد تفقد علامتها التجارية بريقها مع الوقت، لذلك يجب أن تعدل العلامة التجارية.
أنشأت جامعة جريفث الاسترالية في بداية السبعينيات، وكانت جامعة يقصدها الأستراليون في ولاية كوينزلاند وغيرها من الولايات الاسترالية. وكانت تعبر عن نمط التعليم في ذلك الوقت المتسم بالصرامة والجدية.
وكانت العلامة التجارية للجامعة تمثل هذا المفهوم، وكان شعار الجامعة عبارة عن أسدين متقابلين كحال معظم الشعارات ذات السمة البريطاينة الذي يدل على القوة والالتزام. ولكن مع الوقت فتحت استراليا أبوابها للمبتعثين للدارسة في جامعاتها، وجريفث كانت إحدى تلك الجامعات التي وصل فيها عدد الطلاب الأجانب أكثر من عدد الطلاب الأستراليين. هذا التغير الذي طرأ على الجامعة جعلها جامعة دولية أكثر منها جامعة استرالية. ومع هذا التغيير بدأت أشياء أخرى تتبدل، منها تخصيص مراكز لاستقبال هؤلاء الطلاب، ووجود مدرسين من مختلف الجنسيات ليتفاهموا مع الطلبة الجدد، واضافة فعاليات ومرافق تحتفي بثقافات الآخرين، وبدأت تنكسر تلك الصرامة في جزئيات اللباس والحضور والكثير من التفاصيل. عندها أدركت جامعة جريفث ضرورة إعادة بناء هويتها التجارية حتى تتوافق مع هذه المتغيرات، فقامت بتغيير العديد من القوانين وأضافت الكثير من المرافق حتى تتماشى مع الهوية الجديدة، بعد ذلك قامت بتغيير شعار الجامعة من أسدين متقابلين إلى رسم مبسط لكتاب مفتوح، وفي هذا تعبير عن هوية الجامعة الجديدة في توفيرها للتعليم بطريقة سهلة ولجميع الطلبة من مختلف مناطق العالم.
لم تقم جامعة جريفث بتغيير الشعار فحسب، بل أنجزت الكثير من الخطوات التي من شأنها رسم علامة تجارية جديدة، فالخطأ الجسيم إن تم تعديل العلامة التجارية من خلال الشكل فحسب. نعم إن الأمور الفنية جدا مهمة، ولكن العلامة التجارية تدخل في جوهر عمل المؤسسة، والتغيير يجب أن يشمل كل القطاعات، مثل الإدارة والموظفين وخدمة الزبائن والدعاية والإعلان.
وتأخذ إعادة بناء الهوية التجارية طابعا مباغتا للمنافسين في بعض القطاعات من الأعمال، ففي ظرف أيام قليلة تبدل الشركة ألوانها الخارجية بعد اجراءات التغيير الداخلية، مثلما فعل البنك الوطني العماني حين أعاد بناء علامته التجارية مؤخرا، فبسرعة كبيرة غير شكله الخارجي في مختلف اللوحات الإعلانية وآلات السحب، وقاد عملية التغيير بحملة إعلانية كبيرة كان شعارها: من أجلك.. من أجل الوطن.
وتأخذ العملية وقتا أطول في قطاعات أخرى مثل قطاع الطيران، فقد استغرق الطيران العماني وقتا طويلا حتى غير الشكل الخارجي لهويته الجديدة، فحتى وقت قريب كانت العديد من الطائرات لا تزال بالألوان القديمة للشعار، وقد يعود ذلك لأن الطائرات تعمل بشكل متواصل خارج أوقات الصيانة. تمشي المؤسسات بشكل عام والشركات بشكل خاص وهي تحمل علامتها التجارية على كفها، تخشى عليها مما قد يخدشها، لأن أي خدش بسيط يعني خسائر جمة.
http://www.omandaily.com/business/business13.htm
تعليق