ما أجمل الحياة !! ما أجمل الحياة عندما تكون واضحة و تكون الشمس مشرقة و السماء صافية و لا شك فيها .... و لكن ليس هناك شخص أو شيء كامل في هذه الحياة سوى الله عز و جل فهي كالألوان متنوعة بمواقفها و مراحلها وبأشخاصها ففيها الأبيض النقيو الأسود المعتم و تختلف الدرجات من لون إلى آخر . هكذا هو حال الانسان سواء كان رجلا أم إمراءة او طفلا أم شيخا أو أبيضا أم أسودا ...لا يهم فإن أخطأ أو أصاب فمن الاثنين سيتعلم ...... عبدالله فتى خلوق مرتب يحب دراسته جدا ، يحلم بأن يصبح مشهورا فهو شاعر بدأ حفظ الأشعار من الصغر و لكن شاعره المفضل هو الأصمعي ، لذلك اجتهد في دراسته منذ نعومة أظافره فكان الأول في صفه و لم يتراجع مستواه قط و هذا ما أدى به إلى إحراز نسبة عالية في درجات الثالث الثانوي و دخوله إلى الكلية بجدارة ...أما مالك فهو فتى حسن المنظر طيب القلب على الرغم من ذكائه الحاد فهو كسول لم يهتم لدراسته فقد كان يؤجل عمل اليوم للغد ..كان حلم الشهرة هو نقطة الاشتراك بين عبداللهومالك فـمالك يتمنى أن يصبح رياضي محترف في نادي عالمي ، لذلك هو يمارس لعبة كرة السلة في النادي أيضا منذ الصغر ..أما بالنسبة لمجموعه في الثالث ثانوي لم يكن مرتفعا بل كان متواضعا و لكنه دخل إلى الكلية و ذلك لعلاقات والده الكثيرة ... إنه اليوم الأول للدراسة و عند الباب الرئيسي للمبنى " أ " حيث يقف عبدالله و مالك.... مالك : السلام عليكم يا صديقي . عبدالله : و عليكم السلام كيف الحال ؟ مالك : بخير و الحمد لله ، و كيف حالك أنت ؟ عبدالله : الحمد لله ، هل سجلت جميع المواد المطروحة لك بهذا الفصل ؟ مالك : نعم ، سجلتها و لكن تبقت لدي مادة واحدة لم أستطع تسجيلها ، و لكن لا يهم (ترسم على وجهه ضحكة اللا مبالاة) و أنت يا عبدالله ؟؟ عبدالله : أنا لقد سجلت جميع المواد و لكن عندما طبعت الجدول هذا الاسبوع - يقصد اسبوع الحذف و الاضافة - اكتشفت بأنه لدي مادة محذوفة من الجدول مع أنني متيقن بأنني سجلت جميع المواد .. مالك - مقاطعا كلام عبدالله - : ألم يتم الاعلام عن أي تغيير أو حذف بالرسائل النصية ؟؟ عبدالله : كلا ، و هذا ما جعل الأمر أكثر حيرة بالنسبة إلي و قد جئت اليوم لأستفسر من القبول و التسجيل عن الموضوع ؟ مكتب القبول و التسجيل عبارة عن غرفة كبيرة قـُسمت لنصفين الأول للذكورو الآخر خاص بالإناث ، يقف عبدالله و مالك في القسم الخاص بالذكور أمام المنضدة حيث لا أحد هناك غيرهما و هما في انتظار أحد الاساتذة للقدوم... بعد برهة من الزمن قدم الأستاذ أحمد ،، الأستاذ أحمد - مخاطبا عبدالله و مالك - : تفضلا ؟ مالك : أنا ليست لدي مشكلة ...(مبتسما) عبدالله : أما أنا فمشكلتي هي أنني سجلت جميع المواد المطروحة لدي و حين قمت بطباعة الجدول اكتشفت بأن مادة اللغة العربية محذوفة ..... أحمد - مقاطعا حديث عبدالله - : لماذا ؟ هل هناك تعارض مع المواد الأخرى ؟؟ عبدالله : لا يا استاذي ....- يصمت قليلا - الحقيقة ...لا أعرف السبب ؟ أحمد : حسنا ، سأرى ...اعطني رقمك الجامعي ؟؟ عبدالله : تفضل هذه البطاقة الجامعية بأكملها ؟ يفحص الاستاذ أحمد الحاسب الآلي و ينظر في موضوع عبدالله... أحمد : يا بني لا تستطيع أن تسجل المادة ؟ عبدالله : لماذا ؟ أحمد : لأن الحد الأقصى للساعات المتاحة لك هي 15 ساعة ، و أنت قد استوفيت هذه الساعات ؟ عبدالله : كيف و لم أقم إلا بتسجيل المواد المطروحة إضافة لمادتين أخرتين ... أحمد : نعم ، لقد قمت بتسجيل على حسب الخطة و لكن لديك مادة متبقية ألا و هي مادة الرياضيات و رمزها math5002 لذلك لم تستطع المادة التي التريد ...و هذا إلى جانب مادتي الاقتصاد و الاسلامية ... عبدالله : نعم لقد سجتها بالفعل لأن المادة بقيت لي من السنة الماضية - السنة التأسيسية - يصمت الجميع لوهلة من الزمن عبدالله : إذا ما الحل يا أستاذي ؟؟!! أحمد : الحل الوحيد لديك يا بني هو أن تحذف مادة الرياضيات و تسجل مادتك التي تريد ... عبدالله : لا أستطيع ، لأنني سأتأخر عن التخرج في السنوات القادمة ... أحمد : إذا احذف احدى المادتين الاقتصاد أو الثقافة الاسلامية عبدالله : لا أريد ...لأنني أريد أن أركز في التخصص في الفصول القادمة و لا اريد أي من هذه المواد - مواد المتطلبات العامة - إزعاجي أو تغييري عن مساري العلمي ... أحمد: يا بني لا يهم إن تأخرت في التخرج ...و بالنسبة للمادتين فهما موضوعتان حسب الخطة ... - بسخرية - و لكن في كل الأحوال ستدرس جميع المواد سواء كان هذا الفصل أو الفصل القادم أو بعد مائة عام ..فهذه قوانينا عبدالله بإنفعال شديد : عذرا أستاذي لا أسمح لك بالتحدث معي بهذه الطريقة و انا لست في موقف يسمح لي بالمزاح ، - يعلو صوته - ويجب أن أسجل المادة رغما عنك و عن جميع القوانين... تمالك الأستاذ أعصابه ثم ... أحمد : لا تخاطبني مجددا بهذه الطريقة ، و لا أستطيع أن أفيدك بشيء الآن ...يستحسن ان تراجع العميد في هذا الأمر ... خرج عبدالله و مالك من مكتب القبول و التسجيل و انطلقا نحو مكتب العميد ثم أخذ عبدالله يردد هذه الأبيات : أسهر الليالي في إعداد الجداولِ و ترفضون ....لأني أسير على المنوالِ ألا تدرون بحالي ؟؟!! إلى أين المآل؟؟ بئس الجداولِ و بئس سهر الليالي دخل عبدالله إلى العميد بينما ذهب مالك إلى محاضرته .. العميد : السلام عليكم عبدالله : و عليكم السلام و رحمته الله و بركاته العميد : لقد اتصل بي الأستاذ أحمد منذ قليل و حدثني في موضوعك ...و لكن يا بني إن طريقتك في التحدث ليست صحيحة فلا يجوز أن تصيح في وجه الاستاذ و تقول له سأسجل المادة رغما عنك ، حمدا لله أن الاستاذ كان طيبا لأنه هناك الكثير من الطلاب يتجاوزون حدودهم في الحديث فلا ينالون مرادهم ... نظر عبدالله إلى عيني العميد ... عبدالله : أدرك يا سيدي بأنني مخطئ ورجاءا أبلغ الأستاذ اعتذاري ، و أما بالنسبة لموضوعي ؟؟ العميد : يا بني إن القوانين و ضعت لتخدم الطالب لا لتعطله عن دراسته أما بالنسبة لحالتك يستطيع مركز القبول و التسجيل أن يتيح لك تسجيل المادة و لكن ذلك فقط إذا ألغيت مادة الاقتصاد أو الاسلامية .. عبدالله مقاطعا : و لكن يا سيدي إن اختياري لمواد المتطلبات العامة دفعة واحدة ليس ذلك إلا لكي أتفرغ لمواد التخصص في السنوات القادمة و خاصة مواد التخصص الدقيق في السنة الأخيرة ... العميد : لكنك الآن لا تسير على الخطة الموضوعة لذلك لذلك حدث ان هناك ساعات إضافية لا تحتاجها الآن ... إن الحل الوحيد الآن هو الذهاب إلى القبول و التسجيل لكي تحذف مادتي الاقتصاد و الاسلامية و تضيف اللغة العربية ... عبدالله : حسنا ، سأقوم بما أمرتني ..لأنني أعلم أنك تريد الأفضل لي و لجميع الطلاب في الكلية ... عاد عبدالله إلى القبول و التسجيل و اعتذر من الأستاذ فقبل الاستاذ اعتذاره ثم طلب عبدالله من الاستاذ أن يقوم كما أمر العميد ... أحمد : يا بني لقد تعذر الجهاز على تسجيل المادة لأنه لا يوجد شاغر لك ... عبدالله : كيف ؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ أحمد : هذا ما حدث لذلك يجب أن تنتظر إلى نهاية الاسبوع - الحذف و الاضافة - لعلّ يشغر مكان لك ... خرج عبدالله في ذلك اليوم و عاد إلى البيت خائب الأمل .. ففكر كثيرا و لم يجد سبيل إلا أن يرضى بالأمر الواقع و أن يرجع المادتين السابقتين ... في صباح اليوم التالي .. ذهب عبدالله إلى القبول و التسجيل و هو مقتنع بأنه ما حدث له هو قدره ...لأنه هو مؤمن بمقولة : حِب ما تعمل كي تعمل ما تحب .... بينما عبدالله ينتظر الاستاذ أحمد ليكمل إجراءات تسجيل المادتين - الاقتصاد و الاسلامية - يدخل مالك إلى المكتب .... مالك : مرحبا يا عبدالله... عبدالله : مرحبا يا مالك ... ماذا هناك ؟؟ خيرا !!! مالك بحسرة و حزن : لقد اكتشف يا عبدالله بأنني لم أسجل غير مادتين فقط !! عبدالله متعجبا : كيف ألم تسجل المواد الأربع كاملة ... مالك : هذا ما ظننته في البداية و لكنني اكتشفت بأنني سجلت في مادة اللغة الإنجليزية 2 و قد تم حذف هذه المادة من عندي لأنني لم ادرس مادة اللغة الانجليزية 1 بعد ...و حينما سجلت المادة حصل تضارب مع مادة اللغة العربية و اضطررت لحذفها فجئت أخبرك لتسجيلها ... كانت الفرحة لدى عبدالله كبيرة جدا ... ولم يستطع إلا شكر الله و حمده على هذا الحظ و في نهاية ذاك اليوم نام عبدالله سعيدا مرتاح البال .....و أيضا أصبح مالك سعيدا لحذف اللغة العربية من جدوله فهو على كل حال لا يحب الدراسة ... بعد عدة شهور و بعد أن استلم عبدالله و مالك نتائج الفصل وجدا أن معدلهما متدني و خاصة مالك كيف ذلك ؟؟ هذا هو السؤال الذي دار في ذهنيهما في ذات الوقت و ذهبا إلى العميد للاستفسار ... دخل عبدالله و مالك إلى مكتب العميد و شرحا له الموضوع .... العميد : يا عبدالله أنت قمت بتسجيل الكثير من المواد و على الرغم من اجتهادك فإنها كانت فوق قدر استطاعتك و هذا ما سبب لك ضغطا في الامتحانات و أدى إلى تدني درجاتك ... أما بالنسبة إليك يا مالك فلم تسجل غير 3 مواد و لم تهتم بدراستك على عكس عبدالله ، وهذا أيضا أدى إلى تدني درجاتك .... صمت الاثنان لوهلة من الزمن ثم استئذنا العميد و رحلا ... مالك مخاطبا عبدالله : أليس في جعبتك ما يقال عن حالنا هذا ؟ عبدالله : و ماذا بعد ؟ و ماذا بعد ؟ سكين غدرك في الحشا تتربعُ سلمت يداك بقدر ما أتوجعُ حذرت نفسي من جداول و أوقات لكن نفسي لا ترى أو تسمعُ و ماذا بعد ؟ و ماذا بعد ؟