دخل الفصل ككل يوم محملا بجهاز تسجيل وبضعة كتب، وانزوى في كرسيه المعتاد وقال: مرحبا أيها الطلبة، اليوم سنخرج عن أجواء الدراسة لنرتاح قليلا من أعبائه، وسأحدثكم عن مهنتي في أمريكا قبل أن أصبح معلما لديكم بدرجة "امتياز"
اممم هل يتقن أحدكم الرقص؟!!
انفتحت أعين الطلبة على مصراعيها، واندلقت ألسنتهم متفاجئين
وصرخوا: الرقص؟؟!!!!!!
- نعم الرقص ..!
صاح أحد الطلبة: أستاذ ذلك غير مسموح به في ديننا وثقافتنا
صاح آخر: لا أستاذ لا تصدقه نحن مجتمع متفتح على الشعوب الأخرى، ونعرف الكثير من حركات الروك والهيب هوب، هل ترغب أن أريك بعضا منها..؟
وارتفعت أصوات الطلبة بين مؤيد للرقص ومعارض له
والأستاذ يستمع لهم
وبعد برهة من الزمن صاح الأستاذ بصوت عالٍ: ليصمت الجميع
،حقا لم أسمع بثقافة تمنع الرقص وحركاته أبدا، إنه فن وثقافة ورسالة وسمو.
نقطة
لندع الرقص جانبا ولنتحدث عما جرى في الفصل، أستاذ أمريكي أتى ليتحدث عن "الرقص" وفنونه لديهم في أمريكا، وطلاب عمانيون حائرون، منهم من رأى أن الرقص ممنوع في ثقافته، ومنهم من تباهى بمعرفته التامة بحركات الرقص "الأمريكية"، ومنهم ربما من فضَّل الصمت بين المعارضين، والأهم من ذلك (أستاذ حائر عن ثقافة تمنع الرقص الذي يعتبه أسمى الفنون وأعرقها)
بين الهند وبريطانيا وأمريكا وكندا وأفريقيا وبين مختلف المناطق العربية تستقطب مؤسسات التعليم العالي مجموعة من المدرسين والأساتذة؛ ليكوِّنوا لبنة أساسية للطالب الجامعي من آفاق الخبرة المكتسبة لديهم طوال أعوام؛ وليقفوا بجانب الطالب الجامعي، ويسعون بقصارى جهدهم للرقي بالتعليم الجامعي.
ولنترك الرقابة من الوزارة الموقرة بعيدا قليلا –إن كانت هناك رقابة أصلا-
ولنطرح تساؤلا مهما:
هل لدى جميع الأساتذة (الأجانب) هدف المعلم النبيل والذي يقتضي نقل المعرفة المكتسبة للطالب وإشباع حاجاته المعرفية أم أن هنالك أغراض وخبايا أخرى مستورة لا ندركها؟
قطعا ليس جميع المدرسين يسعون لذاك الهدف، فمنهم من يأتي لينقل رسالة العلم، ومنهم من يأتي لنقل ثقافته، ومنهم من يأتي لأغراض اقتصادية بحتة همه كسب لقمة العيش بغض النظر عن أمنيات الطالب بالحصول على تعليم راق.
تلك الأهداف تنعكس بشكل تلقائي على ثقافة المدرس شاء أم أبى، وبالتالي تنتقل تلك الانعكاسات للطالب المتلقي الذي ينظر في كثير من الأحيان للمدرس على أنه (صورة مقدسة) يتوجب عليه الإنصياع التام لجميع ما يقوله.
قد لا ندرك خطورة التحدي الكبير الذي يواجه الطالب لشرائح متباينة من ثقافات المعلم، والذي يحاول الكثير منهم بسط مفاهيم مغلوطة ومعاكسة للثقافة الحقيقية للطلبة فيغرسون في نفوسهم أنساقا وأبعادا متعارضة بكثير من الأمور عن ثقافة الطلبة، ويصبح الطالب تائها حائرا تتشكل لديه بوتقة من الثقافة (متعددة الجنسيات) تأخذ طابعا دينيا وفكريا وإجتماعيا بعيدا كل البعد عن الثقافة الأصلية.
قال لنا أحد المدرسين ذات مرة مثالا ذكيا- اعترف لكم بذلك حقا:
ألست تدفع مبلغا معينا من المال حين تستأجر منزلا ما مقابل استهلاكك له؟
هذا ما ينبغي لك أن تفعله تماما حين تستقرض مالا وتستهلكه، أن تعطي المقرض ثمن وعلاوة استهلاكك لماله..
حقيقة لم يكن ذاك المثال إلا أحد أشكال "تحليل الربا" ..
بالعودة لمثال الرقص في بداية المقال وإن كانت هنالك ثمة ثقافات تعتبر الرقص أحد أعمدة الفنون ولست بصدد مناقشة ذلك، ولكن ما يهمني من كل المثال هو الإختلاف القائم بين الطلبة الذين لم ينقلوا الصورة الواضحة للأستاذ عن ثقافتهم، لم يوضحوا أبدا أن لكل ثقافة طقوس معينة سواء في الرقص أو غيره بل كان همُّ أحدهم (الدفاع عن هوية المجتمع فقط من دون تقديم أسباب واضحة لفرد من دولة أخرى، والآخر التباهي والتفاخر بأن لديه خلفية كبيرة عن الرقص الذي أعتقد أن الأستاذ يؤمن به).
لا أحتاج للإشارة أن الطلبة كان باستطاعتهم توضيح بعض الفنون الشعبية العمانية للمدرس التي تأخذ طابع الرقص كاليولة والرزحة وغيرها، وأنه بخلاف ذلك فالرقص الغربي يعتبر إنتقاصا لقيمة الفرد لدينا
و (فول ستوب)
ذاك الصدام الثقافي بين المحاضر والمتلقي يحتم حقا على الطالب الجامعي –بل يتوجب عليه- أن يتسلح بمجموعة من المعارف والخبرات بعيدا أن أجواء الدراسة المختلفة: كالثقافة الدينية، والمعرفية، والهوية الخاصة ببلده، مع التأكيد على عدم التعصب لأي منها، واحترام وإمكانية التحاور مع الطرف الآخر، بالإضافة إلى الاحتفاظ والتمسك بالمبادئ التي يؤمن بها لمنعها من أي ازدواجية فكرية قد تنتج من خلال تلقين المدرس، وليجعله قابلا للتعرف على الشعوب الأخرى وثقافاتهم ومن دون أي مس "جذري" لثقافته الخاصة.
اممم هل يتقن أحدكم الرقص؟!!
انفتحت أعين الطلبة على مصراعيها، واندلقت ألسنتهم متفاجئين
وصرخوا: الرقص؟؟!!!!!!
- نعم الرقص ..!
صاح أحد الطلبة: أستاذ ذلك غير مسموح به في ديننا وثقافتنا
صاح آخر: لا أستاذ لا تصدقه نحن مجتمع متفتح على الشعوب الأخرى، ونعرف الكثير من حركات الروك والهيب هوب، هل ترغب أن أريك بعضا منها..؟
وارتفعت أصوات الطلبة بين مؤيد للرقص ومعارض له
والأستاذ يستمع لهم
وبعد برهة من الزمن صاح الأستاذ بصوت عالٍ: ليصمت الجميع
،حقا لم أسمع بثقافة تمنع الرقص وحركاته أبدا، إنه فن وثقافة ورسالة وسمو.
نقطة
لندع الرقص جانبا ولنتحدث عما جرى في الفصل، أستاذ أمريكي أتى ليتحدث عن "الرقص" وفنونه لديهم في أمريكا، وطلاب عمانيون حائرون، منهم من رأى أن الرقص ممنوع في ثقافته، ومنهم من تباهى بمعرفته التامة بحركات الرقص "الأمريكية"، ومنهم ربما من فضَّل الصمت بين المعارضين، والأهم من ذلك (أستاذ حائر عن ثقافة تمنع الرقص الذي يعتبه أسمى الفنون وأعرقها)
بين الهند وبريطانيا وأمريكا وكندا وأفريقيا وبين مختلف المناطق العربية تستقطب مؤسسات التعليم العالي مجموعة من المدرسين والأساتذة؛ ليكوِّنوا لبنة أساسية للطالب الجامعي من آفاق الخبرة المكتسبة لديهم طوال أعوام؛ وليقفوا بجانب الطالب الجامعي، ويسعون بقصارى جهدهم للرقي بالتعليم الجامعي.
ولنترك الرقابة من الوزارة الموقرة بعيدا قليلا –إن كانت هناك رقابة أصلا-
ولنطرح تساؤلا مهما:
هل لدى جميع الأساتذة (الأجانب) هدف المعلم النبيل والذي يقتضي نقل المعرفة المكتسبة للطالب وإشباع حاجاته المعرفية أم أن هنالك أغراض وخبايا أخرى مستورة لا ندركها؟
قطعا ليس جميع المدرسين يسعون لذاك الهدف، فمنهم من يأتي لينقل رسالة العلم، ومنهم من يأتي لنقل ثقافته، ومنهم من يأتي لأغراض اقتصادية بحتة همه كسب لقمة العيش بغض النظر عن أمنيات الطالب بالحصول على تعليم راق.
تلك الأهداف تنعكس بشكل تلقائي على ثقافة المدرس شاء أم أبى، وبالتالي تنتقل تلك الانعكاسات للطالب المتلقي الذي ينظر في كثير من الأحيان للمدرس على أنه (صورة مقدسة) يتوجب عليه الإنصياع التام لجميع ما يقوله.
قد لا ندرك خطورة التحدي الكبير الذي يواجه الطالب لشرائح متباينة من ثقافات المعلم، والذي يحاول الكثير منهم بسط مفاهيم مغلوطة ومعاكسة للثقافة الحقيقية للطلبة فيغرسون في نفوسهم أنساقا وأبعادا متعارضة بكثير من الأمور عن ثقافة الطلبة، ويصبح الطالب تائها حائرا تتشكل لديه بوتقة من الثقافة (متعددة الجنسيات) تأخذ طابعا دينيا وفكريا وإجتماعيا بعيدا كل البعد عن الثقافة الأصلية.
قال لنا أحد المدرسين ذات مرة مثالا ذكيا- اعترف لكم بذلك حقا:
ألست تدفع مبلغا معينا من المال حين تستأجر منزلا ما مقابل استهلاكك له؟
هذا ما ينبغي لك أن تفعله تماما حين تستقرض مالا وتستهلكه، أن تعطي المقرض ثمن وعلاوة استهلاكك لماله..
حقيقة لم يكن ذاك المثال إلا أحد أشكال "تحليل الربا" ..
بالعودة لمثال الرقص في بداية المقال وإن كانت هنالك ثمة ثقافات تعتبر الرقص أحد أعمدة الفنون ولست بصدد مناقشة ذلك، ولكن ما يهمني من كل المثال هو الإختلاف القائم بين الطلبة الذين لم ينقلوا الصورة الواضحة للأستاذ عن ثقافتهم، لم يوضحوا أبدا أن لكل ثقافة طقوس معينة سواء في الرقص أو غيره بل كان همُّ أحدهم (الدفاع عن هوية المجتمع فقط من دون تقديم أسباب واضحة لفرد من دولة أخرى، والآخر التباهي والتفاخر بأن لديه خلفية كبيرة عن الرقص الذي أعتقد أن الأستاذ يؤمن به).
لا أحتاج للإشارة أن الطلبة كان باستطاعتهم توضيح بعض الفنون الشعبية العمانية للمدرس التي تأخذ طابع الرقص كاليولة والرزحة وغيرها، وأنه بخلاف ذلك فالرقص الغربي يعتبر إنتقاصا لقيمة الفرد لدينا
و (فول ستوب)
ذاك الصدام الثقافي بين المحاضر والمتلقي يحتم حقا على الطالب الجامعي –بل يتوجب عليه- أن يتسلح بمجموعة من المعارف والخبرات بعيدا أن أجواء الدراسة المختلفة: كالثقافة الدينية، والمعرفية، والهوية الخاصة ببلده، مع التأكيد على عدم التعصب لأي منها، واحترام وإمكانية التحاور مع الطرف الآخر، بالإضافة إلى الاحتفاظ والتمسك بالمبادئ التي يؤمن بها لمنعها من أي ازدواجية فكرية قد تنتج من خلال تلقين المدرس، وليجعله قابلا للتعرف على الشعوب الأخرى وثقافاتهم ومن دون أي مس "جذري" لثقافته الخاصة.
أعتذر إن كان خطي رديء بعض الشيء
هزياف
تعليق