910.jpg
المكتبة الرقمية العمانية كوكب المعرفة
http://www.al-kawkab.net/
بدأ تصوير الجزء الثاني من برنامج "قيم"أكد الدكتور صالح الفهدي في حوار خاص لـ "الرؤية" – بمناسبة تصوير الجزء الثاني من برنامج "قيم" – أننا كمجتمعات عربية إسلامية لها هُويتها الخاصة التي يجب أن نحافظ عليها، وألا تُفهم المحافظة على انه ضد التجديد، فهذا فهم مغلوط، إنّما المحافظة في التجديد مع الانطلاق من الثوابت.
وقال: ليس لكل الماديات من ناتج حقيقي للشعوب إن لم تؤسسها قاعدة رصينة من القِيم الإنسانية، وقد شاهدنا سقوط شركات عظمى في الغرب لها من الموازنات ما تفوق دول بحالها، انهارت فجأة بسبب خواء القِيم فيها ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك.
* بداية؛ نبارك لكم البدء بتصوير الجزء الثاني من برنامج قِيم، والذي لاقى احتفاءً واسعاً.. فهل لك أن تحدثنا عن الأصداء التي أحدثها الجزء الأول من البرنامج؟
شكراً جزيلاً.. كان فضل الله علينا كبيرا في إنجاح البرنامج، حيث يقاسُ النجاح من ردود فعل النّاس على مختلف مستوياتهم الثقافية، وأثبت حاجة المواطنين لمشاهدة هذا البرنامج الذي لمسوا فيه القرب من واقعهم. إنني هنا لا أتحدث عن العمل بصفتي صاحب المشروع ولكنني أوجزُ نقل آراء الكثرة الغالبة ممن قابلتهم أو قرأتُ لهم.. وهم يمثلون شرائح ومستوياتٍ مختلفة ثقافيا وعُمرياً. لقد وصلني الكثير مما أسعدني من قصص التغيير التي أحدثها البرنامج وكتب لي أصحابها عنها أو نقلوها لي شفاهةً. أؤمنُ تماماً بأن التغيير الثقافي هو أصعبُ مهمّةٍ على وجه الأرض، فلكي تغيّر طَبع إنسانٍ فلا بد أن تقنعه بعدم جدوى ذلك الطبع، وكي تغيّر خصيصةً فيه فعليك أن تكون حذقاً في أساليب الإقناع التي تستخدمها.. والنّاس متفاوتون في تلقي الرسالة، فما يقنع هذا لا يقنع ذاك، فالله عز وجل يقول: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" (هود – 119). هي حقيقة إذن، ونحن نتقبلها بواقعيتها.. هناك من يرى أن ما نفعله في الرقي بالأخلاق، والسمو بالفضائل أمر عفا عليه الزّمن.. وهو يعبّر عما في نفسه، وذلك شأنه، ولن نحقد عليه، بل نأمل منه أن يتبصر بما تحيك له نفسه، وما يكادُ له ولمجتمعه! إننا كمجتمعات عربية إسلامية لها هُويتها الخاصة التي يجب أن تحافظ عليها، ولا يجب أن تفهم المحافظة بعدم التجديد فهذا فهم مغلوط.. إنّما المحافظة في التجديد مع الانطلاق من الثوابت.. لنرى ما يحدث حين تسقط الأخلاقيات، وتعطّل القِيم؛ لقد سافرنا وعشنا في بلدان غربية ورأينا بأم أعيننا النتيجة الوخيمة لذلك..! أفنترك مجتمعاتنا تتجه إلى نفس المصير؟! العولمة تريد ذلك وترى – وهذا منطق الذين تأثروا بخطابها السلبي – أن المتمسّك بقيمه الأصيلة هو المتحجّر الذي لم يعرف إلى التحضّر سبيلاً! لذلك سوّقوا عبارات من مثل "الحرية الشخصية"، و"التصرّف الفردي"، و"هذا ما يريده الجمهور" وكلّها مقولات داخلتها سموم الابتذال الأخلاقي.
لهذا يأتي برنامج قِيم في وقت يريد فيه الكثيرون ممن ساءهم الاستخفاف بالأخلاق، واعتبار القِيم ضربًا من الخيال.. يريدون أن تعلو الأصوات للحفاظ على ثوابت الأخلاقيات الفاضلة؛ فكم من الناس من استوقفني في طريقي ولم يكن له من طلب سوى أن أواصل هذا المشروع.
نعم قد تبنى الصروح المادية، وقد تعلو الأبنية، وتسمق الأبراج، وتكثر المؤسسات، وتنتشر المصانع، ولكن ليس لكل هذه الماديات من ناتج حقيقي للشعوب إن لم تؤسسها قاعدة رصينة من القِيم الإنسانية، وقد شاهدنا سقوط شركات عظمى في الغرب لها من الموازنات ما يفوق دول بحالها، انهارت فجأة بسبب خواء القِيم فيها ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك.
* في الآونة الأخيرة وتحديداً بعد عرض البرنامج تلقيت العديد من الدعوات وتمت استضافتك في الكثير من المؤسسات التعليمية والصحية والرياضية والاجتماعية الأخرى.. فهل لك أن تحدّثنا حول ذلك؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة".. فنحن والحمد لله ولدنا وعشنا في مجتمع تأسس على الفضيلة، وكبر على الأخلاق الكريمة؛ لهذا لم يكن من الغريب أن أتلقى الكثير من الدعوات من المدارس والكليات والجامعات والمؤسسات الصحية والرياضية وغيرها، وكنتُ حريصاً أن ألبيِّ الدعوات بقدر ما تسمح التزاماتي ووقتي.. معتبر ذلك واجبا وطنيا عليّ – كما على كل مواطن مخلص ووفي لدينه ووطنه – القيام به.. ولقد لفت نظري التفاعل الكبير من قبل جيل الشباب.. هذا الجيل الذي – وإن تأثّرت قلّة منه بأفكار غريبة عليه- إلاّ أنّه يحتفظ في قرارة نفسه بقِيمه الأصيلة التي تحتاجُ إلى تفعيل وهذا يتم بالإحياء – كإحياء الخلايا- والإرادة والعزيمة.
هناك شعورٌ عام بأننا يجب أن ننتصر لأخلاقياتنا بالمحافظة عليها، وأن تكون قِيمنا هي أساس هُويتنا الثقافية، وأن يكون انتماؤنا لديننا انتماءً حقيقياً لا مجرّد ادعاءٍ، وذلك على قاعدة الحديث الشريف: "الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل".. وهناك وعي بالتحديات التي تواجهنا جميعاً، وأخطرها التحدي الأخلاقي الذي تحدّثت عنه في كثير من جلسات النقاش.
* وما أوجه هذا التحدي الذي تتحدث عنه؟
نظرة على الخارج تكفينا للحكم، قبل أن نلج إلى العقليات بما تنتجه من أفكار تنطلق من مرجعيات غريبة.. الخارج يتمثل في طريقة اللباس، والعبارات التي تصاحبه، وفي الأطعمة ونوعيتها والثقافة التي تصاحبها، والموسيقات، والبرامج الإعلامية والأفلام الهوليودية.. وبشكل عام منتجات المجتمع الترفي الاستهلاكي، والذي ترمي إليه العولمة..! أمّا داخلياً فهناك مخططات لا تخفى للتحلل الأخلاقي، وتسفيه الفضائل من أجل تفكيك المجتمعات المحافظة، وقد وعى لهذه المخططات حتى بعض الدول الغربية فكيف نتغافل عنها نحن؟!!
أن يقابلك شاب بعبارة صادمة، خادشة للحياء على صدره فذلك تحدٍّ..! أن تقابلك فتاة وهي ترشف الشيشة أمام العيان فذلك تحدٍّ..! أن تواجهك بنات في عمر الزهور وهن ينحدرن إلى معتقدات الماسونية دون دراية منهن فذلك تحدٍّ..! أن يشاهد طفلك رسومًا متحرّكة لشخصيات تكرس فيها الميوعة فذلك تحدّ..! أن تلعب طفلتك لعبة فيها عنف ودماء فذلك تحدّ..! أن يبتعد شباب عن دينهم فيعتنقون معتقدات شيطانية فذلك تحدٍّ..! أن تنتشر القيم السلبية والازدواجيات في القول والفعل فتلك تحديات.
* أسستم مؤخراً مركز قِيم، فما الغاية أو الأهداف من وراء تأسيس هذا المركز؟
مركز قِيم هو مركز خاص، كان حلماً شخصياً داعب مخيلتي في السنوات الأخيرة.. ذلك لأنني أرى ضرورة أن يكون هناك مركز يُعنى بالقِيم وتكريسها، وتفعيلها في المجتمع الذي يبرهن كل يوم حاجته إليها. المركز له غايات طموحة، وهو لا يسعى إلى الربحية التجارية بل هو بعيدٌ عن ذلك. سيركز المركز على تكريس القِيم بوسائل مختلفة وسيعقد لذلك الورش والملتقيات والندوات وجلسات النقاش لسائر المؤسسات الحكومية والخاصة برسوم رمزية، كذلك إقامة برامج قيمية للناشئة لتكريس القيم فيهم.. كما نأمل إنتاج البرامج الهادفة التي لها خط يتّسق مع أهداف المركز وغاياته، ويأتي برنامج "قِيم" الذي ينتجه المركز على رأس هذه البرامج، كما نأمل الاهتمام بالإنتاج الفكري؛ مثل الكتب والدراسات والأبحاث التي تهدف إلى دراسة واقع المجتمع ومشكلاته واقتراح الحلول المناسبة. وسيقوم المركز على التطوع في جوانب عديدة منه؛ آملين وقفات القطاع الخاص للمساهمة في القيام بهذه الرسالة الاجتماعية التي بلا شك تهم الجميع لأنها تهدف إلى بناء جيل يعي مفهوم القيم ويدرك القيمة الأخلاقية للإنسان.
كوكب المعرفة
http://www.al-kawkab.net/
kwkb_index_02.gif