64.jpg
المكتبة الرقمية العمانية كوكب المعرفة
http://www.al-kawkab.net/
في تاريخ التراث العربي اللغوي ظهرت منظومات نحوية كثيرة، توالى تأليف تلك المنظومات منذ نشأة النحو العربي، مصاحبا لتلك الفترة التي عاشها الخليل والتي بدأ فيها علم النحو يأخذ شكلا اشبه بالعلم المتكامل والذي نضج على يد عالم النحو الاكبر سيبويه تلميذ الخليل. ولعل توالي تأليف هذه المنظومات منذ ايام الخليل الى أيامنا هذه أيام الشاعر العماني السمائلي (أبو سرور) (1) لم ينقطع، واستمر هذا التوالي بطيئا مرة وسريعا مرة أخرى، حنا التاريخ على بعضها فظهرت واشتهرت بين الدارسين وأصبحت مضرب المثل، مثل ألفية ابن مالك وألفية ابن معط وألفية السيوطي، وجار التأريخ على بعضها وتخلى عنه فظلت حبيسة بين أحضان المخطوطات القديمة تحنو عليها الاوراق وتستأثر بها وكأن الافلات من بين طيات هذه المخطوطات جريمة للبشرية، وقد تمثل هذا النوع من المنظومات التي لم تأخذ حظها من الظهور في المنظومة النحويةالتي كتبها الخليل بن احمد الفراهيدي في القرن الثاني الهجري والتي تجسدت فيها ميزات عدة منها:
(1) كونها اول منظومة نحوية كتبت. في تاريخ النحو العربي.
(2) نستطيع من خلالها التأريخ لكثير من المصطلحات النحوية التي حملها تاريخ النحو العربي لنا نحن المتأخرين الحريصين على معرفة الكثير عن نشأة النحو والتأريخ له.
(3) معرفة كنه وطبيعة التأليف النحوي في تلك الفترة المتقدمة نسبيا في تاريخ هذا العلم.
(4) تحمل لنا ريادة مدرسة المبصرة وسبقها للمدرسة الكوفية المتأخرة عنها، وتوضح كيف أن المبصرة لها اليد الطول د والنصيب الأوفى في تأصيل هذا العلم وبناء منهج متكامل له.
وهناك ميزات أخرى ستحملها الدراسة الفنية لهذه القصيدة من خلال الدراسة التي أقوم بها لهز» القصيدة، فالموقف هنا ليس موقف الكلام عن ميزات هذه القصيدة، لأننا – فقط -سنقوم بالتعريف بها وتحقيق نسبتها الى الخليل. أما النوع الثالث من المنظومات النحوية فهو الذي كتب وضاع او احترق ولم يعرف إلا عنوانه، فقط وقد امتلأت كتب التراجم والتاريخ بهذا النوع والاشارة اليه دون معرفة أين هو ؟ أو ذلك النوع الذي ما زال في الطريق الى الظهور ومثل هذا ما يفعله الشاعر (أبو سرور) فقد ألف منظومته النحوية (ألفية أبي سرور النحوية ) ولم يقدمها حتى الآن نظرا لانه سيقوم بشرحها اولا ثم يقدمها للقارىء فيما بعد.
اولا: وصف محام لمنظومة الخليل
جاءت منظومة الخليل النحوية في 293 بيتا من النظم الذي اقترب من الشعر في لفته الرقيقة، وصاغها الخليل على وزن عر وهي يسمى "بحر الكامل التام" الصحيح العروض والضرب وتفعيلات هذا الوزن تأتي على الصورة التالية:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
متفاعلن متفاعلن متفاعلن.
ضمت الكثير من أبواب النحو العربي وتركت القليل منها، جاءت مقدمتها التي وصلت الى 26 بيتا تمهيدا للقارىء وتوطئة نفسية له بدلا من الدخول الى النحو مباشرة. يقول في اولها: الحمد لله الحميد بمنه
أول وأفضل ما ابتدأت واوجب
حمدا يكون مبلغي رضوانه
وبه اصير ال النجاة واقرب
وعلى الغبي محمد من وبه
صلواته وسلام ربي الأطيب
اني نظمت قصيدة حبرتها
فيها كلام مؤنق وتأدب
لذوي المروءة والعقول ولم أكن
الا الى امثالهم أتقرب
عربية لا عيب في أبياتها
مثل القناة أقيم فيها الأكعب
تزهو بها الفصحا عند نشيدها
عجبا ويطوق عندها المتأدب
الى أن وصل الى نهاية المقدمة وبداية الموضوع النحوي الاول قائلا:
فاذا نطقت فلا تكن لحانة
فيظل يسخر من كلامك معرب
النحو رفع في الكلام وبعضه
خفض وبعض في التكلم ينصب
الى ان وصل الخليل الى نهاية القصيدة فقال:
النحو بحر ليس يدرك قعره
وعر السبيل عيونه لا تنضب
فاقصد اذا ما عمت في آذيه
فالقصا ابلغ في الأمور وأذوب
واستغن أنت ببعضه عن بعضه
وصن الذي علمت لا يتشذب
وبين المقدمة والنهاية عالج أمورا نحوية كثيرة بأسلوب يتسم بالسهولة والابتعاد عن التعقيد جاء متسقا مع سهولة عرض القضايا النحوية فكأنه رجل عصري يعيش معنا الآن باسلوبه الذي يصل الى متلقيه سريعا وابتعاده عن الجدل النحوي.
ثائيا: نسخ المخطوطة
من خلال البحث والتنقيب بين صفحات المخطوطات المختلفة وخاصة المجاميع منها. استطعت العثور عل عثر نسخ مخطوطة من قصيدة الخليل بن احمد في النحو، كتبت كلها بخطوط مخالفة، من هذه النسخ ثماني نسخ كانت ضمن مجاميع ضمتها مكتبة دائرة المخطوطات والوثائق التابعة لوزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان. هذه النسخ هي:
(1) نسخة رقم 2988 ورمز لها بالرهن (أ)
(2) نسخة رقم 3122 ورمز لها بالرهن (ب)
(3) نسخة رقم 3072 ورمز لها بالرمز (ب)
(4) نسخة رقم 3371 ورمز لها بالرمز (ج)
(5) نسخة رقم 3245 ورمز لها بالرمز (د)
(6) نسخة رقم 1974 ورمز لها بالرمز (و)
(7) نسخة رقم 2318 ورمز لها بالرمز (ز)
(8) نسخة رقم 3058 ورمز لها بالرمز (ح)
والنسختان الاخريان وجدتا في مكتبتين خاصتين، هاتان النسختان هما:
(9) نسخة رقم 434 (نحو) بمكتبة السيد محمد بن احمد البوسعيدي بالسيب – عمان ورمز لها بالرمز (ط )
(10) نسخة بمكتبة الفاضل سالم بن احمد بن سليمان الحارثي في ولاية القابل بسلطنة عمان ورمز لها بالرمز(ي) وقال الخليل بن احمد:
الحمد لله الحميد بمنه اولى
وافضل ما ابتدأت واوجب
حمدا يكون مبلغي رضوانه
وبه اصير الى النجاة وأقرب
وعلى النبي محمد من ربه
صلواته وسلام ربي الأطيب
اني نظمت قصيدة حبرها
فيها كلام مؤنق وتأدب
لذوي المروءة والعقول ولم أكن
الا الى امثالهم اتقرب
عربية لا عيب في ابياتها
مثل القناة أقيم فيها الأكعب
تزهو بها الفصحا عند نشيدها
عجبا ويطرق عندها المتأدب
وعلامة المتأدبين منيرة لا مثل
من لم يكتنفه مؤدب
يا من يعيب على الفصاحة أهلها
ان التتابع في الفهامة أعيب
ان الفصاحة غير شك فاعلمن
مما يزيدك حظوة ويقرب
والناس اعداء لما لم يعلموا
فتراهم من كل فج يجلب
يتغامزون اذا نطقت لديهم
وتكاد لولا دفع ربك تحصب
يتعجبون من الصواب ركاكة
وخطاهم في لفظهم هو أعجب
الصفحة الأولى من النسخة (أ)
ثالثا. تحقيق نسبة هذه المنظوهة الى الخليل
من المؤكد ان هذه المنظومة النحوية لم تأخذ حقها في الظهور ولم تشتهر عل الساحة النحوية شهرة غيرها من المنظومات النحوية الاخري التي جاءت بعدها في عصور تالية، ولعل ذلك يثير بعض التساؤلات عن اسباب خفاء هذه المنظومة حتى هذا الوقت المتأخر في حقل الدراسات النحوية واللغوية. هل تخوف الدارسون من فكرة نسبتها للخليل ؟ وهو من هو في حقل الدراسات النحوية واللغوية ؟ هل ظلت طول كل هذا الزمن مغمورة لا يعرف من أمرها شي ء ؟ ولم تصل اليها أيدي الدارسين فظلت في خدرها لم يقترب منها أحد أم هل عزف عنها الدارسون لأسباب فنية أخرى؟
لاشك أن البحث والتنقيب داخل المخطوطات المحفوظة في المكتبات الخاصة او العامة، وعدم تمكن عناوين هذه المخطوطات من خداع القارىء المثابر الذي يتوقع أن يجد عنوانا مخالفا للمضمون او مضمونا مخالفا للعنوان، أو يجد مجموعا به عدة مخطوطات وضع له عنوان لمخطوطة واحدة من هذا المجموع، أقول لا شك أن كل هذا يمكن أن يكشف النقاب عن الكثير من المفاجآت سلبا او ايجابا لو كانت محاولات الكشف جادة تتسم بالصبر والدأب.
ولعل تلك المثابرة هي التي كشفت النقاب عن هذه المنظومة المنسوبة الى الخليل. فقد وجدت عشر نسخ مخطوطة لها. كل هذه النسخ ضمن مجاميع مخطوطة، سواء بالمكتبات الخاصة او العامة وربما كان هذا مدخلا مهما للاجابة عن السؤال: لماذا لم تكتشف منظومة الخليل النحوية من قبل ؟
فلقد كانت نسخ هذه المنظومة مطمورة ضمن مجاميع مخطوطة. هذه المجاميع احتو دن في معظمها على نصوص مهمة، بعضها اشعار للامام علي بن أبي طالب والشافعي والبوصيري، وبعضها نحوي لقدامى النحاة وبعضها منظومات نحوية او نصوص لغوية كمثلثات تطرب او اللحمي.«. الخ ومن الواضح الاهتمام بأمر هذه المجاميع من قبل اصحابها، والعناية بنسخها عن طريق نساخ متخصصين، وبل ومراجعتها احيانا على نسخ أصلية أقدم للوصول الى نص صحيح. والملاحظ انني لم اجد نسخة واحدة في مخطوطة مستقلة من نص المنظومة، على الرغم من الاهتمام بأمر الخليل بن احمد وأعماله بشكل لافت للنظر. ويبدو أن ذلك كان سببا قويا في عدم الكشف عنها او الاهتمام بأمرها حتى الآن وربما كان السبب استصغارا لحجمها بالقياس للمنظومات النحوية الاخري التي تصل الى ألف بيت او يزيد، وربما كان السبب الشك في صحة نسبتها الى الخليل بن احمد، اذ كيف تكون هذه المنظومة كتبت في القرن الثاني الهجري ولم تظهر للنور حتى الآن ؟
كل هذا دار في خلدي وانا بين الاقبال مرة والاحجام مرات على تحقيقها الى أن عثرت على نص لخلف الأحمر (2) الذي كان معاصرا للخليل، وكانت وفاته بعد وفاة الخليل بعشر سنوات تقريبا. هذا النص يشير الى تلك المنظومة النحوية للخليل، بل وينقل بيتين من تلك المنظومة مستشهدا بهما على قضية نحوية نواها في نص خلف الاحمر الذي يقول فيه تحت عنوان "باب حروف النسق" يقول خلف الأحمر عن هذه الحروف في كتابه "مقدمة في النحو" (3).
"فنسق بها، فإذا اتيت برفع ثم نسقت بشيء من حروف التنسيق رددت على الأول "أي عطفت على الأول" وكذلك إذا نصبت وخفضت ثم اتيت بحروف النسق رددت على الأول. وحروف النسق خمسة. وتسمى حروف العطف. وقد ذكرها الخليل بن احمد في قصيدته في النحو، وهي قول الشاعر:
فانسق وصل بالوار قولك كله
وبلا وثم وأو، فليست تصعب
الفاء ناسقة كذلك عندنا
وسبيلها رحب المذاهب مشعب
وهذان البيتان يحملان رقمي 157، 158 من منظومة الخليل النحوية، وان كانت كلمة القافية في البيت الاول جاءت على اشكال متنوعة فمرة "تعقب" ويكون القصد منها أن (أو) ليست للتعقيب مثل ثم الواقعة قبلها مباشرة، ومرة جاءت "تعصب" وجاء التركيب "ولست تعصب" اي لست متشددا عند استخدام حروف العطف هذه، ومرة جاءت "ولست تغضب" من الغضب… الخ
وهذه كلها اشكال متغايرة جاءت باختلاف النسخ وكلها جاءت في شكل اختلافات يسيرة لا تمثل خللا في صلب القضية موطن الحديث، وفي نهاية الامر قد تأكد وجود البيتين في منظومة الخليل التي اشار اليها خلف الأحمر، بل وجاءت تحت عنوان "باب النسق" في قصيدة الخليل الذي قال تحت هذا الباب مباشرة:
واذا نسقت اسما على اسم قبله
اعطيته اعراب ما هو معرب
وانسق وقل بالوار….
والفاء ناسقة…..
فتقول حدثنا هشام وغيره
ما قال عوف او حسين الكاتب
واستمر الخليل في التمثيل لحروف العطف رفعا ونصبا وجرا حتى البيت رقم 162 من المنظومة.
لعل تساؤلا ملحا يطرح نفسه بقوة امامنا الآن، هذا التساؤل مفاده هو: كيف نعتمد على اقوال واخبار خلف الاحمر وقد كثر اتهام المؤرخين له بالانتحال والوضع ونقل الأخبار غير الموثوق بصحتها ؟ الا يمكن ان يكون ذكر خلف الاحمر لهذه المنظومة النحوية ونسبتها للخليل على لسانه مثارا للشك في تلك النسبة ؟ حيث يتهم في اخباره واشعاره ونسبتها الى اصحابها.
وللاجابة على هذا انه يمكن ان يكون لهذا السؤال وجاهته ومجاله لو ان الامر كان متعلقا بأبيات او بقصيدة لها غرض آخر، مثل المدح او الذم او ذكر يوم من أيام العرب او ذكر مثالب قبيلة ما او اثبات نسبة ما لبعض الاشخاص او غير ذلك من الاشياء التي يمكن ان تكون مثارا للوضع والانتحال، ان ثبت ذلك عن خلف الاحمر، اما وان الامر متعلق بقصيدة نحوية ليس الفرض منها اجتماعيا او سياسيا او مدحا او ذما، فان امر الشك لا مجال له هنا والسؤال القابل الذي يطرح نفسه في وجه هذا الشك هو لماذا يتخيل احد اسبابا غير حقيقية لخلف الاحمر كانت عاملا على نسبة هذه القصيدة للخليل بن أحمد ؟ واي اسباب هذه تلك التي تجعل خلف الاحمر حريصا على نسبة هذه القصيدة للخليل غير الحقيقة في وجود هذه النسبة ؟
واذا كان هناك من يشك في رواية خلف الاحمر للاشعار فان هناك ايضا من يثبت له الثقة والنزاهة يقول صلاح الدين الصفدي عن خلف (4) "كان راويه ثقة علامة يسلك الاصمعي طريقه ويحذو حذوه حتى قيل ؟ هو معلم الاصمعي، وعر والاصمعي فتقا المعاني واوضحا المذاهب وبينا المعالم" بل ان الزركلي ينقل قول معمر بن المثنى ان خلف الأحمر معلم الأصمعي ومعلم اهل البصرة (5) ولاشك ان كل هذه شهادات علمية جيدة في حق خلف واذا كان خلف كان ينتحل الشعر على بعض العرب فربما كان ذلك في بداية حياته وكان يقلد القدماء ليحاكي الفاظهم، يقول الصفدي (6).. "ولم يكن فيه ما يعاب به الا انه كان يعمل القصيدة يسلك فيها ألفاظ العرب القدماء وينحلها أعيان الشعراء" والخليل بن احمد كان معاصرا له فقد توفي خلف عام 180هـ 79م – تقريبا – على حد تعبير الزركلي في الاعلام (7) بالاضافة الى ان ألفاظ القصيدة لا تشابه ألفاظ القدماء فقد عبرت عن الخليل خير تعبير وتساوقت مع اشعاره الاخري في ألفاظها ومعانيها.
اما انتحال خلف للشعر الذي أشار اليه المؤرخون، فربما قد تم لفترة محدودة في مقتبل حياته. اقلع عن ذلك وتنسك وأعلن عن كل شيء انتحله ولنقرأ هذا النص المنقول عن ابي الطيب اللغوي (8) حيث يقول: "كان خلف الاحمر يصنع الشعر وينسبه الى العرب فلا يعرف ثم نسك وكان يختم القرآن كل يوم وليلة، وبذل له بعض الملوك العظماء مالا عظيما على أن يتكلم في بيت شعر شكوا فيه فأبى ذلك وقال: قد مضى لي فيه ما لا أحتاج أن أزيد عليه. وكان قد قرأ أهل الكوفة عليه أشعارهم فكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية، فلما نسك خرج الى أهل الكوفة يعرفهم الاشعار التي أدخلها في أشعار الناس".
ان تنسكه وختمه القرآن كل يوم وليلة ورفضه لعرض بعض الملوك واصراره على اخبار الناس بما انتحله لتوبة صادقة وصارت بعد ذلك حياته أقرب الى الثقة منه الى الانتحال، ولهذا يبقى ما ورد في كتابه "مقدمة في النحو" عن نسبة المنظومة النحوية الى الخليل بن أحمد يقينا لا يرقى اليه شك اذ لو كانت القصيدة ليست للخليل لكان أعلن ذلك للناس أو حذفها من كتابه، لانه كان يشير الى المنحول المسموع فما بالنا بالمكتوب لديه، ولا أظن ان كتابه قد اشتهر وخرج الى الناس في حياته، ولو كان ذلك قد تم لكان قد أعلن انتحال هذه القصيدة أيضا على الخليل، ان الانتحال في رأيي لا يكون في نسبة قصيدة نحوية لصاحبها ولا اظن ان في الامر شيئا آخر غير الحقيقة. في هذه النسبة.
كوكب المعرفة
http://www.al-kawkab.net/
http://www.al-kawkab.net/
ولعل فيما يلي – اضافة الى قول خلف الاحمر – لدليلا على صحة نسبة المنظومة للخليل.
(1) وجود عشر نسخ من نص المنظومة المنسوبة للخليل، بخطوط لنساخ مختلفين بعضها في دائرة المخطوطات والوثائق التابعة لوزارة الثقافة والتراث القومي بسلطنة عمان، وبعضها في مكتبات خاصة مثل نسخة السيد محمد أحمد البوسعيدي ونسخة مكتبة الفاضل سالم بن حمد بن سليمان الحارثي بالمضيرب بشرقية عمان.
(2) نسبت القصيدة في النسخ السابقة الى الخليل بن احمد، باستثناء النسخة (ب) التي لم يذكر ناسخها نسبتها الى احد، والملاحظ ايضا ان قصيدة الخليل في النسخة (ب) لم تنسب لغير الخليل،فربما سقط من الناسخ ذكر مؤلفها نسيانا، وعلى هذا يلاحظ ان احدا لم ينسبها لغير الخليل بن أحمد ولم يشك احد من النساخ في ~ملك النسبة. وما ورد في نهاية النسخة (أ) من نص منظومة الخليل لا يعد من هذا القبيل. يقول الناسخ في نهاية منظمومة الخليل: "تمت قصيدة الخليل بن احمد العروضي رحمة الله عليه وعلى جميع المسلمين والمسلمات.آمين وصلى الله على محمد النبي الامي وآله وسلم تسليما، تم معروضا على حسب الطاقة والامكان والله أعلم بصحته"، فقد كان الناسخ أمينا مع نفسه وكان حريصا في مجموعه الذي ضم منظومة الخليل ان يقول تلك العبارة أو قريبا منها حتى تبرأ ذمته، بل ذكر صراحة في مرة من المرات ان مخطوطه الذي نسخه عرض على نسخة من بعض النسخ" وهذا يظهر امانته التي اقتضت منه تلك العبارة "والله أعلم بصحته" اذ لو كان يشك في تلك النسبة ما كان قد نسب المنظومة الى الخليل بن احمد صراحة في أولها، والقصد أن الله أعلم بصحة النص المقدم الذي نسخه.
(3) لم أجد أحدا من النساخ أو من غير النساخ يشك في صحة نسبة هذه المنظومة الى الخليل بن احمد إلا ما ورد على لسان الدكتور ابراهيم السامرائي عندما كان يتكلم عن المصطلحات النحوية في كتابه "المدارس النحوية" وتوقف امام مصطلح النسق. نجده يقول (9):"النسق من مصطلحات
الخليل، فقد جاء في "مقدمة في النحو" (10) ان للخليل قصيدة في النحو، جاء فيها بيتان يتحدث فيهما عن النسق وحروفه، مستعملا كلمة النسق، وهما:
فانسق وصل بالوار قولك كله
وبلا وثم واو فليست تعقب (ا1)
الفاء ناسقة كذلك عندنا
وسبلها(12) رحب المذاهب مشعب
واذا صحت هذه الابيات، ولا اراها تصح، فالذي يعنينا أن النسق قديم، وقد التزم به الكوفيون كما استعمله البصريون ليفرقوا في باب العطف بين عطف البيان وعطف النسق".
ولست ادري بالمقصود بصحة هذه الأبيات عند الدكتور السامرائي ؟ هل يكون المقصود بصحة الأبيات صحة دلالتها على القضية المستشهد لها ؟ أم يكون المقصود صحة نسبة هذه الابيات على سبيل حذف المضاف من كلام الدكتور السامرائي، مع ملاحظة انه كان من الأفضل الا يترك هذا الأمر غامضا بحذف المضاف لما يترتب عليه من أحكام.
ويتأمل كلام الدكتور السامرائي نقول: لو كان المقصود بالكلام دلالته وصحته لكان هو المسؤول عن ذلك، لانه نقل الكلام خطأ من كتاب خلف الاحمر فأدى ذلك الى الاخلال بموسيقى البيت الثاني، وعدم انسجام المعنى في البيت الأول (تقعب). ولو كان القصد عدم صحة نسبة الأبيات الى الخليل فلم يقدم لنا دليلا على شكه، فما اسهل ان ينفي الإنسان شيئا دون تعليل، علاوة على انه استشهد بالابيات على قضية استخدام البصريين – ومنهم الخليل – لكلمة النسق قائلا:"استعمله البصريون ليفرقوا في باب العطف بين عطف البيان وعطف النسق" وفي هذا اعتراف له بانها قصيدة الخليل وكأن كل همه كان في اثبات وجود مصطلح النسق عند البصريين. ويبدو ان الدكتور السامرائي لم يشأ أن يتعب نفسه في التأكد من استخدام الخليل لهذا المصطلح. ولو توجه الى كتاب الجمل الذي حققه الدكتور فخر الدين قباوة، والذي نسب الى الخليل لكان قد وجد هذا المصطلح يتردد كثيرا على لسان الخليل في كتابه "الجمل" (13).
(4) لعل تعليق الاستاذ "عزالدين التنوخي" الذي حقق كتاب خلف الاحمر "مقدمة في النحو" يحمل دلالة خاصة على ما نحن فيه. فعندما اشار خلف الاحمر الى حروف العطف قال: "وقد ذكرها الخليل بن احمد في قصيدته في النحو، وهى قول الشاعر… الخ" حينئذ يعلق عزالدين التنوخي على "قول الشاعر" قائلا (14): "وصواب التعبير أن يقال (وهي قوله) لعودة التعبير على متقدم ولعله اراد ان يشير الى ان الخليل كان شاعرا، وكان بالفعل شاعرا، والنحاة لا يذكرون ان له قصيدة في النحو، وان كانت كتب المصنفين، لا تذكر بأجمعها في اثبات مصنفاتهم، فعلى هذا تكون هذه القصيدة _ ان صحت نسبتها ~ هي من جملة ما ضاع من كتب الخليل”.
هذا النص – على قصره يكشف عما يلي:
(أ) ان كتب المصنفين لا تذكر بأجمعها في اثبات مصنفاتهم، وعلى هذا فلا غرابة ان يكون للخليل تلك القصيدة النحوية دون أن تذكرها الكتب، وبالتالي دون نسبتها اليه.
(ب) ضياع جزء كبير من مؤلفات الخليل، وهذا واضح أيضا من خلال كتب التراجم والسير ومعاجم المؤلفين، وبهذا يمكن ان تكون تلك القصيدة النحوية قد طمرت حبيسة المجاميع اللغوية وغير اللغوية حتى كشف عنها الستار.
(ج) تكشف هذه القصيدة عن شاعرية الخليل بن احمد العميقة بأمثلتها الغزلية ومعانيها الرقيقة وابتعادها عن الاسلوب الجاف الذي يحكم المنظومات النحوية غالبا مما يجعلنا نميل الى تسميتها "قصيدة” لا "منظومة" ولعل هذا ما جعلها مطمورة ضمن أعمال الخليل الشعرية دون اهتمام من النحاة بها حيث انها دالة على شاعر يته لا على كونه ناظما او قائلا منظومة نحوية.
(5) من الادلة الواردة التي تثبت صحة نسبة هذه القصيدة الى الخليل بن احمد ألفراهيدي ما قاله صاحب كتاب "اتحاف الاعيان" (15) من ان للخليل عدة اشعار منها البيتان والثلاثة ومنها أكثر من ذلك، ثم قال: "ومن نظمه قصيدة في النحو أولها:
الحمد لله الحميد بمنه أولى وأفضل ما ابتدأت وأوجب
حمدا يكون مبلغي رضوانه وبه أصير الى النجاة وأقرب
واستمر المؤلف في ذكر قصيدة الخليل حتى البيت رقم 26 الذي يقول فيه الخليل:
فاذا نطقت فلا تكن لحانة فيظل يسخر من كلامك معرب
ثم قال بعد هذا البيت مباشرة (16) عن قصيدة الخليل النحوية:
وهي اطول من هذا يقول في آخرها:
النحو بحر ليس يدرك قعره
وعر السبيل عيونه لا تنضب
فاستغن أنت ببعضه عن بعضه
وصن الذي علمت لا يتشعب
واستمر في ذكر ما جاء عن الخليل، من اشعار أخرى مثل قوله:
يا ويح قلبي من دواعي الهوى
اذ وحل الجيران عند الغروب
اتبعتهم طرفي وقد أزمعوا
ودمع عيني كغيض الغروب
بانوا وفيهم طفلة حرة
تفتر مثل أقاحي الغروب
ولعل ذكر منظومة الخليل النحوية ضمن اشعاره في المؤلفات المختلفة لدليل على ما سبق وقلناه من ان ذلك كان سببا في عدم ظهور وكشف هذه المنظومة الشعرية للخليل، وايضا فان النص الوارد في كتاب "اتحاف الأعيان" لدليل على صحة نسبة هذه القصيدة للخليل بن احمد دون شك في تلك النسبة.
رابعا: الخليل وقطرب
لقد ذكر الخليل في منظومته النحوية (قطربا) (17) النحوي لا على سبيل التمثيل، بل ان ذكره تجاوز ذلك فقد ذكر الخليل رأيا لتطرب في باب "التاء الأصلية وغير الأصلية" أي ما آخره ألف وتاء دالا على الجمع حيث يشير الخليل الى انه اذا كانت التاء زائدة فانها تنصب بالخفض (بالكسرة) وهو المعروف لدينا جميعا بجمع المؤنث السالم مثل: عمات جمع عمة. اما اذا كانت التاء زائدة فان نصبها يكون بالفتحة وقد عبر الخليل عن الأولى بقوله: "فخفض نصبها" في قوله: (18)
والتاء ان زادت فخفض نصبها
ما عن طريق الخفض عنها مهرب
فتقول ان بنات عمك خرد
بيض الوجوه كانهن الربرب
اما الثانية -وهى التاء الزائدة – فقد عبر عنها بالنصب فقط مشيرا الى ان "قطربا" – كذلك -ينصبها يقول الخليل (19)
ودخلت أبيات الكرام فاكرموا
زوري وبشوا في الحديث وقربوا
وسمعت أصواتا فجئت مبادرا
والقوم قد شهروا السيوف واجلبوا
فنصبت كا أن أتت أصلية
وكذاك ينصبها أخونا قطرب
ويمكن ان يكون الأمر لا اشكال فيه لو انه ذكر "قطربا" في تمثيل لقاعدة ما، اما وان الامر هو نسبة رأي اليه فان الاشكال واقع من هذه الزاوية وهنا تثور في الذهن أسئلة كثيرة، اذ كيف يذكر الخليل (قطربا) وهو_ اي تطرب _ لم يتتلمذ على يديه ؟ بل انه تتلمذ على يد أحد تلاميذ الخليل وهو سيبويه، الا يمكن يكون ذكر الخليل لتطرب مدعاة لان نشك في نسبة هذه القصيدة للخليل وانها منحولة عليه، فلم تذكر كتب التراجم والسير والتاريخ اية علاقة بين الخليل وتطرب، اضافة الى ذلك ان الخليل مات قبل موت تطرب باحدي وثلاثين سنة، هذا على شهرة تلك الرواية التي تذكر أن وفاة الخليل كانت عام 175هـ (20) ووفاة تطرب كانت عام 206هـ (21) فكيف يذكر الخليل "قطربا" مع وجود هذا الفارق الزمني بينهما – ويظل يقين نسبة القصيدة الى الخليل قائما، وهذا موطن التشكك الذي يهدم فكرة ان تكون هذه القصيدة من عمل الخليل.
ساورتني شكوك كثيرة، وانا في بادىء أمر تحقيق نسبة هذه القصيدة عندما كنت اعيد قراءة هذا البيت واسترجع تواريخ الوفاة بشكل خاص لكل من الخليل وتطرب وتلاميذ الخليل، لكن تأمل هذه التواريخ جيدا والاطلاع على طبيعة الحياة في البصرة في ذلك الوقت، بالاضافة الى عوامل أخرى، منها امور نصية، كل هذا هو الذي فك طلاسم المشكلة واضاء الطريق، بل واضاف الى كثيرا من الراحة لتحقيق نسبة هذه القصيدة الى الخليل، ولنتتبع مراحل هذا التحقيق فيما يلي:
يشير صاحب كتاب الاعلام، الى ان وفاة قطرب كانت سنة 206 هـ – 821م (22) على الرأي الاشهر، وكتب التراجم لم تشر الى انه تتلمذ على يد الخليل بن احمد، لكنها تشير الى انه تتلمذ على يد سيبويه، وسيبويه تتلمذ على يد الخليل، والخليل توفي عام 175 هـ – كما أوردنا سلفا – واذا كان الامر كذلك فلا لقاء متخيلا بين الخليل وقطرب، بل ليست هناك علاقة علمية مباشرة بينهما متخيلة او مجسدة، والحقيقة ان المتأمل في حياة تلاميذ الخليل يمكن أن يستنبط أشياء مهمة تغير مجرى التخيل او التصور الذي يطر أعلى الذهن من اول وهلة.
ان كتب التراجم تشير الى ان النضر بن شميل بن مالك بن عمرو التميمي النحوي البصري الثقة كان من تلاميذ الخليل (23)، بل ان بعض الكتب تشير الى انه كان من أصحاب الخليل (24) أما عن وفاته فيقول ابن خلكان (25) عنه "وتوفي في سلخ ذي الحجة سنة اربع ومئتين وقيل في اولها وقيل سنة ثلاث ومئتين بمدينة مرو من بلاد خراسان" والنظر القريب والمقارنة يؤكدان ذلك التقارب الشديد بين وفاة قطرب (206/هـ) ووفاة النضر بين شميل (204هـ) اي ليس بينهما سوى عامين فقط بالنسبة لتاريخ الوفاة. ولم تذكر كتب التراجم عن الأول انه تتلمذ او قابل الخليل، والثاني ذكر عنه انه تتلمذ على يد الخليل وكان صديقا له والسؤال الذي يواجهنا بشدة هو هل يمكن ان يكون العامان فرقا زمنيا كبيرا الى هذا الحد الذي يجعل النضر بن شميل تلميذا للخليل وصديقا له، ويجعل تطربا بعيدا عن الخليل فلا صداقة ولا ذكر ولا معرفة اطلاقا؟ اعتقد ان العامين ليس لهما هذا التأثير الكبير، وانما لابد من وجود شيء ما جعل المؤرخين يقفون من تطرب موقفا سلبيا بصمتهم عن تلك العلاقة بين الخليل وتطرب وخاصة اذا تأملنا ما يلي:
(أ) امتلأت كتب التراجم والتاريخ عن ان سيبويه قد تتلمذ عل يد الخليل وأن الاول كان أنجب تلاميذه على الاطلاق وعلى ما تذكره كتب التراجم توفي سيبويه عام 161161 هـ أو 177 هـ (26) ,,,, الخ وقيل غير ذلك. اي كانت وفاته قبل الخليل (وهو مستبعد) او بعد الخليل بزمن يسير (وهو الاقرب الى المنطق ) وذكرت الكتب ايضا ان قطربا كان يبكر الى سيبويه قبل حضور احد من تلاميذه فقال له "ما أنت الا قطرب ليل فبقى عليه هذا اللقب" (27).
واستمرار قطرب في التبكير الى سيبويه يحتاج الى زمن ليس بالقليل حتى يشعر به سيبويه ويطلق عليه هذا اللقب، وهذا يدل ايضا على حرص تقرب على تحصيل العلم منذ صغر سنه اذا اضفنا الى ذلك وجود تطرب في بصرة الخليل حيث كان الخليل مل ء العين والسمع فلنا ان نتخيل سعي قطرب للاخذ من علم الخليل وان الخليل كان عالما به عارفا اياه، وان ذكر الخليل لقطرب ليس مستغربا.
(ب) والخليل نفسه ذكر سيبويه في نص من نصوصه التي نسبت اليه محققة، فقد ورد في كتاب الجمل في النحو (28) تصنيف الخليل بن احمد الفراهيدي في باب جمل الواوات عندما كان الخليل يتكلم عن واو الاقحام وذكر قول الله تعالى(29): (ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) ان معناه:
يصدون، والوار فيه اقحام. قال الخليل: "ومثله قول الله عز وجل (30): (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا) معناه: ناديناه والوار حشو على ما ذكر سيبويه النحوي هكذا ذكر الخليل تلميذه سيبويه (31) ونسب رأيا له ولا ضير في ان يذكر الاستاذ تلميذه، ولهذا فذكر الخليل لتطرب لا يدعو الى الدهشة اذا تأكد لنا حرص تطرب عل العلم والتبكير اليه وشففه به فليس من المعقول ان يعيش بالبصرة في تلك الفترة ولا يقابل الخليل او لا يأخذ منه شفافة ولهذا نجد ابن خلكان يقول عن قطرب انه "اخذ الادب عن سيبويه وعن جماعة من العلماء البصريين " (32) ترى من هم هؤلاء العلماء ؟ لا ندري !! وايضا لا ندري لم سر هذا التجاهل لتلك العلاقة
العلمية المنطقية، واذا كان ابو محمد اليزيدي بن المغيرة العدوي قد توفي متزامنا مع تطرب كما يذكر ابن خلكان سنة 202 هـ (33) ولكنه "أخذ عن الخليل من اللغة امرا عظيما وكتب عنه العروض في ابتداء وضعه له (34)، اقول اذا كان "اليزيدي" تتلمذ على يد الخليل واخذ عنه من اللغة امرا عظيما، بل عاش معه فترة اكتشافه لعلم العروض، وكانت وفاته متزامنة مع قطرب. أفلا يكون الأمر مثيرا ان تجاهلت كتب التراجم شأن تلك العلاقة.
(جـ) من الملاحظ أن قطربا قد اهتم ببعض الموضوعات التي اهتم بها الخليل فتذكر الكتب (35) ان له كتاب القوافي وكتاب العلل في النحو والخليل كان من اوائل النحاة الذين اهتموا بالعلة ان لم يكن اولهم على الاطلاق. يقول ابو القاسم الزجاجي (36): "وذكر بعض شيوخنا ان الخليل بن احمد، سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك ؟ فقال: ان العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله وان لم ينقل ذلك عنها، واعتللت انا بما عندي انه علة لما عللته منه فان أكن أصبت العلة فهو الذي التمست، وان تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام وقد صحت عنده حكمة بانيها…" وعلق الزجاجي في نهاية نص الخليل قائلا: "وهذا كلام مستقيم وانصاف من الخليل رحمة الله عليه".
واذا كان _على ما يبدو من الخبر السابق – ان الخليل أول من تحدث عن العلة، وقطرب أول من ألف عنها كتابا مستقلا. الا يمكن أن يكون هذا تأثيرا مباشرا من أستاذه الخليل ؟ ومثل هذا ايضا يقال عن علم القوافي الذي كان أول من تحدث عنه وكان قطرب من اوائل – ان لم يكن أول – من ألف كتابا عنه الا يكون الأمر منطقيا عندما نقول انه تأثير من الخليل مباشر على قطرب ؟
ونضيف الى ما سبق كثرة مؤلفات تطرب الى حد لافت للنظر ويمكن ان تؤدي هذه الكثرة الى التأكيد على وجود سر ما في تجاهل كتب التراجم لعرض حياة قطرب تفصيلا، فقطرب "له من التصانيف كتاب معاني القرآن وكتاب الاشتقاق وكتاب القوافي وكتاب النوادر وكتاب الازمنة وكتاب الفرق وكتاب الاصوات وكتاب الصفات وكتاب العلل في النحو وكتاب الأضداد وكتاب خلق الفرس، وكتاب خلق الانسان وكتاب غريب الحديث وكتاب الهمز، وفعل وافعل والرد على الملحدين في تشابه القران وغير ذلك" ( 37).
ولعل فيما مضى أدلة على عدم الغرابة في ان يذكر الخليل قطربا وينسب رأيا ما له مما يؤدي _في نهاية الأمر الى القول بأن ذكر قطرب في المنظومة النحوية للخليل لا يمثل مشكلة ما في نسبتها اليه او التشكك في تلك النسبة.
وفي نهاية المطاف نستطيع أن نؤكد أن هذه المنظومة النحوية انما هي للخليل بن احمد الفراهيدي، وان نسبتها اليه صحيحة لا شك فيها، وسنقوم بدراسة هذه القصيدة فنيا لمعرفة مذهب الخليل النحوي، ويبقى لهذه المنظومة أنها أول منظومة نحوية كتبت في تاريخ النحو العربي.
الهوامش
(1) أبو سرور حميد بن عبدالله بن حميد بن سرور الجامعي، رجل سنة وفقيه عماني من مؤلفاته كتاب الفقه في اطار الادب، قصيدة رائية في النحو – دوران شعر. له «ألفية في النحو» لم تطبع بعد، ويقوم بشرحها الآن.
(2) خلف الأحمر هو ابو محرز مولى بلال بن ابي بردة راوية عالم بالأدب شاعر من أهل المبصرة له ديران شعر وكتاب جبال العرب وكتاب مقدمة في النحو.
(3) كتاب «مقدمة في النحو» لخلف الاحمر 180هـ ص 85، 86 تحقيق الاستاذ عزالدين التنوخي وزارة الثقافة والارشاد القومي مطبوعات مديرية احياء التراث القديم _دمشق 1381هـ – 1961م.
(4) الوافي بالوفيات 17/ 354
(5) الأعلام للزركلي 2لم 310
(6) الوافي بالوفيات 13 / 354
(7) الاعلام 2/310 وانظر الوافي بالوفيات 13/353
(8) الوافي بالوفيات 13/355
(9) في كتابه «المدارس النحوية » اسطورة وواقع ص 135/ 136 دار الفكر_ الاردن _ عمنان الطبعة الأولى 1987م
( 10) يقصد كتاب خلف الاحمر
(11) تلاحظ كلمة القافية "تقعب" التي جاءت مخالفة لما جاء في كتاب خلف الاحمر نفسه وكل نسخ المخطوطة فقد وردت الكلمة «تعقب»
(12) وردة كلمة "وسبلها" بدلا من وسبيلها، والاول خطأ لانها تؤدي الى الاخلال بموسيقى البيت، وهي ايضا مخالفة لما جاء في كتاب خلف «مقدمة في النحو» وكذلك لما ورد في جميع نسخ المخطوطة.
(13) نسب هذا الكتاب الى الخليل بن احمد وقد قرأت جزءا من هذا الكتاب مخطوطا اثناء زيارتي للمكتبة السليمانية عام 1994م باستانبول في تركيا وقد ورد جزء من هذا الكتاب بعنوان «جملة الآلات الاعرابية في النحو»، وقد طبع كتاب «الجمل في النحو العربي تصنيف الخليل بن احمد الفراهيدي تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة. مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1407هـ_ 1987م.
وقد ورد هذا المصطلح في مواضع كثيرة نذكر موضعا واحدا على سبيل المثال يقول الخليل ص 285، 286 تحت عنوان «وراو العطف وان شئت قلت واو النسق» «وكل واو تعطف بها آخر الاسم على الاول او آخر الفعل على الاول (1و آخر الظرف على الاول ) فهي واو العطف. مكر قولك: كلمت زيدا ومحمدا، ورأيت عمرا وبكرا نصبت (زيدا) بايقاع الفعل عليه، ونصبت محمدا، لانك نسقته بالوار على زيد، وهو مفعول به» والملاحظ هذا التناسق والتوافق بين ما ورد في منظومة الخليل وما ورد على لسانه في كتابه «الجمل في النحو العربي».
(14) هامش صفحة رقم 86 من كتاب «مقدمة في النحو».
(15) اتحاف الاعيان في تاريخ بعض علماء عمان تأليف الشيخ سيف بن حمود بن حامد البطاشي. الطبعة الأولى 1413هـ 1992م الجزء الاول
(16) السابق نفسه.
(17) هو محمد بن المستنير بن احمد ابو علي الشهير بقطرب، نحوي عالم بالادب واللغة من أهل البصرة من الموالي، هو اول من وضع المكث في اللغة، أخذ الادب عن سيبويه وعن جماعة من العلماء البصريين، وكان حريصا على الاشتغال بالعلم والتعلم، وكان يبكر الى سيبويه قبل حضور احد من التلاميذ، فقال له ما انت الا تطرب ليل، فبقى عليه هذا اللقب، وقطرب اسم دويبة لا تزال تدب ولا تفتر، توفي سنة 206هـ.
انظر الاعلام للزركلي 7/95، وفيات الاعيان لابن خلكان 4/ 312 تحقيق احسان عباس دار صادر بيروت 1999م وانظر في معنى «قطرب» معجم «العين» للخليل بن احمد 5/257 دار ومكتبة الهلال سلسلة المعاجم والفهارس تحقيق الدكتور ابراهيم السامرائي والدكتور مهدي المخزومي.
(18) البيتان 86، 87من المنظومة النحوية للخليل.
(19) الابيات من 89_ 91.
(20) وفيات الاعيان 2/248، اتحاف الاعيان 1/67 اعلام العرب 69 تأليف عبدالصاحب عمران الدجيلي الطبعة الثانية مطبعة النعمان النجف 1386هـ / 1966م.
(21) الاعلام 7/ 95 وفيات الاعيان 4/312.
(22) الاعلام 7/ 95، وفيات الاعيان 4/312.
(23) هو ابو الحسن النضر بن شميل المازني التميمي اخذ عن الخليل ويقال انه أقام بالبادية اربعين سنة، وهو اول من اظهر السنة بمرو وخراسان وقد غلبت عليه اللغة وله فيها كتاب الصفات وله ايضا المدخل الى كتاب العين وغريب الحديث والمصادر وتوفي سنة 203هـ،
انظر وفيات الاعيان 5/ 379هـ – مراتب النحويين 68.
( 24) وفيات الاعيان 5/ 379.
(25) السابق 5 / 404.
(26) السابق 3/ 464.
(27) السابق 4/ 312.
(28) ص 288.
(29) سورة الحج الآية 25.
(30) سورة الصافات الآيات من 103_ 105.
(31) انظر رأي سيبويه في الكتاب 3/ 163 وقد علق سيبويه على الآية الكريمة: (وناديناه أن…) قائلا: «كإنه قال جل وعز: ناديناه أنك قد صدقت الرؤيا يا ابراهيم ».
(32) وفيات الاعيان 4/ 2ا3.
(33) السابق 7/ 189.
(34) السابق 7/ 184.
(35) الاعلام 7/ 95 وفيات الاعيان 4/ 312.
(36) الايضاح في علل النحو تحقيق الدكتور مازن المبارك دار النفائس بيروت الطبعة الخامسة 1406هـ -1986 م انظر ص 65من الايضاح
(37) الاعلام 7/ 95وفيات الاعيان 4/312.
أحمد عفيفي (أستاذ اللغة بجامعة السلطان قابوس)