إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مصارعة الثيران.. بين الحفاظ على الثراث والعنف المرفوض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصارعة الثيران.. بين الحفاظ على الثراث والعنف المرفوض

    أشهرها الظلام ونار والذهب والناموس-

    مسقط - حنيفة العبرية - يوسف الحبسي-

    تنتشر حلبات مناطحة الثيران على الخط الساحلي لمنطقة الباطنة؛ انطلاقًا من اعتبار القائمين عليها أنها عادة من العادات والتقاليد التي يجب المحافظة عليها وتجارة مربحة وهواية ممتعة، ووضعوا لها من تلقاء أنفسهم قواعد وأحكامًا لمن يشترك فيها، إلا أن هذه العادة تؤدي إلى هلاك الثيران وتعذيبهم، وقد نهى الإسلام عن المناوشة بين الحيوانات ويجب على من يقوم بعمل هذه الحلبات أن يدرك حكم هذه اللعبة وتأثيرها على الحيوانات، حيث تسعى معظم منظمات حقوق الحيوان في العالم إلى إبادة هذه العادة التي تؤدي إلى تعذيب الثيران وهلاكهم.
    تمتد حلبات مصارعة الثيران أو ما يسمونه الناروز أو النيروز في سلطنة عمان على مسار خط منطقة الباطنة، وتوجد حلبتان رئيسيتان إحداهما في صحار والأخرى في بركاء، وتختلف المصارعة في عمان اختلافا كبيرا عنها في اسبانيا وفرنسا، ففي السلطنة هناك نوعان للمصارعة داخل الحلبة، مصارعة بدون حبال: بمعنى أن الثيران لا يتم وضع الحبال في أقدامها الأربعة، وتستخدم هذه الحالة عندما يكون هنالك تحدٍ بين شخصين لإثبات قوة الثور الذي يمتلكه، وفي هذا النوع من المصارعة يتم تقييم الثور وتحديد سعره، ويزداد سعر الثور الفائز، ويتم الإعلان عن مثل هذه المصارعة قبل أسبوع بعد أن يختار العقيد شخصين ويحدد لهم أن الحوطة القادمة سيكون فيها تحدٍ بين فلان وفلان، وهناك مصارعة بحبال، وهي مصارعة يتم استخدام الحبال فيها، وفي أثناء النزال يستخدم المعلق صفارة إذا كانت هناك منافسة قوية بين ثورين، وتستخدم هذه الصفارة أيضا لشد انتباه الجمهور إلى مشاهدة الجولة بين الثوريين، وكذلك تنبيه المتفرجين إلى رؤية مكان الثور تفاديا لخروجه بدون سابق إنذار خارج الحوطة وإصابته المتفرجين.
    ويقول أحد المشاركين في حلبات المناطحة محمد بن إبراهيم بن شاهوب البلوشي بأنه يمتلك ثلاثة ثيران وكل واحد منها له اسم يختلف عن الآخر: هوجن، الحمير، الريح.. وذكر أنه اشترى هوجن بقيمة ألفين وسبعمائة ريال عماني، ويشير إلى أنه بدأ بممارسة عادة المناطحة أو ما يدعى الناروز منذ أيام احتفالات العيد الوطني الخامس عشر أي منذ ربع قرن.
    وأضاف: مصارعة الثيران مثل الأسهم التجارية في هذه الفترة، أي أن الثور إذا فاز في الجولة تزيد قيمته، وإذا خسر تقل قيمته، ويشير إلى أن حلبة المصارعة هي المكان الوحيد في هذه الفترة لاجتماع الشباب مع أقاربهم وأهالي المنطقة؛ حيث إن تجمع الشباب لمشاهدة المصارعة وسيلة للأهل لحفظ أبنائهم لعدم الذهاب للتفحيط خصوصا بعد انتشار هذا الظاهر في الآونة الأخيرة.
    ويقول محمد محمود العجمي صاحب أغلى ثور في السلطنة: "مناطحة الثيران هواية أحببتها وتجارة في نفس الوقت، وتاريخ مصارعة الثيران ضارب في عمق التاريخ"، حيث يمتلك محمد ثلاثين ثورا، ومن وجهة نظره فإن أفضل الثيران التي يمتلكها هي الظلام ونار والذهب والناموس ويقول: تحتاج الثيران لتربية خاصة لذا ليس بمقدور الكل تربيتها، وذكر بأن أغلى ثور لديه هو النار الذي بلغت قيمته ستين ألف ريال عماني والذي كان قد اشتراه بثلاثة عشر ألف ريال عماني واهتم برعايته وميزه عن الثيران الأخرى من حيث التدريب على المناطحة داخل المزرعة واهتم بإعطاء (النار) أجود أنواع الأعلاف والذرة مما زاد من قوته وقدرته على المناطحة، ويتقدم به في الكثير من الحلبات وفي كل حلبة يفوز مما زاد من شهرته وسعره في الوقت ذاته، ويشير العجمي إلى أن عدد الجمهور يبلغ الخمسة آلاف متفرج عندما يكون النار حاضرا في الحلبة وبعد كل فوز للنار يقومون بعمل مسيرة في الشارع للثور، ويقول: ازدياد عدد الجماهير زاد من شهرتي وشهرة الثور ولا أفكر في بيعه " النار " لأنه سبب شهرتي، وقد جلب لي المعارف من مختلف محافظات ومناطق السلطنة، ويشير إلى أنه أصبح مشهورا في المواقع والمنتديات ويصعب عليه أن يبيع "النار" سبب شهرته ويخسر شهرته.
    التجمع في الحوطة
    ويعتبر عبدالله بن علي المعمري أقدم مشجع لهذه الرياضة، حيث أمضى أكثر من ثلاثين عاما وهو يحضر إلى مكان حوطة مصارعة الثيران أيا كان مكان إقامتها، ويقول حسب ما سمعه من أجداده أن هذه الرياضة بدأت في عام 1910م ويؤكد على أنه في السابق لا يوجد سوى هذه الرياضة وكان الهدف منها إثبات قوة الشخص في المجتمع؛ لأن الناس في السابق اعتادت أن تقيس وتميز شخص دون غيره بالثور الذي يمتلكه ومدى قوته، ويكمل حديثه قائلا: كان لأصحاب الثيران القوية مكانة عالية في المجتمع ويحترمهم الكبير والصغير، ويشير إلى أن الحوطة لم تكن في السنوات الماضية مكانا لمصارعة الثيران فقط بل كان أهالي المنطقة يستغلون تجمعهم في الحوطة لمناقشة أمور منطقتهم، وعند سؤاله عمَّا إذا كانت هذه المصارعة تسبب أذى للثور أجاب: إن هذه المصارعة ليست مؤذيه للثور؛ لأن الثور معروف ببنيته القوية، ويرى بأن هذه المصارعة وسيلة تستخدم لتقوية الثور والاهتمام به.
    شراء الدواء
    ويقول الدكتور محمد قاسم الشرقاوي طبيب بيطري في دائرة التنمية الزراعية ببركاء: إن ديننا الإسلامي أمرنا بالاهتمام بالحيوان وخير مثال على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ( دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي جعلتها تأكل من خشاش الأرض)، فأيا كان نوع الحيوانات فنحن ملزومون بالعناية بها ولا يجوز لنا أن نتسبب بالضرر لها، وذكر بأن الدائرة تستقبل حالة كل أسبوعين من الثيران المتضررة بسبب المصارعة، ويشير إلى أن المناطحة تهدر أموال الحكومة في شراء العلاج للحالات المتضررة نتيجة المصارعة، ومعظم الحالات التي تأتي عبارة عن كسور بسبب الارتطام بين الثيران داخل حلبات المناطحة، وبعض الحالات الخطرة لا يمكن معالجتها لذا يكون مصير الثور الذبح في تلك اللحظة، وذكر الدكتور الشرقاوي بأنه استقبل مؤخرا حالة لثور قد دخل في نزال مع ثور آخر على إحدى الحلبات مما سبب له خراج بجانب وريد رئيسي في الرقبة وقام بعمل عملية لفتح مكان الخراج، ويضيف الشرقاوي: هذه المصارعات تشكل ضررا على الثيران، بالإضافة إلى نقص بعض الأدوية مما يجعل دائرة التنمية الزراعية تجلب مزيدا من كمية الأدوية لمعالجة الثيران.
    مناطحة الثيران.. حرام
    وللتعرف على حكم حلبات المصارعة كان لنا لقاء مع علي بن سليمان بن محمد الجهضمي باحث بمكتب المفتي العام للسلطنة، وفي بداية حديثنا معه أوضح لنا أن الإسلام دين الرحمة بمفهومها الشامل، فجميع الأحكام الشرعية إنما جاءت رحمة عامة للعالمين، ولا ريب أن الرفق في كل شيء أساس من أسس الإسلام في التعامل مع أي مخلوق فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه"، والحيوان هو جزء من منظومة الكون المسخر الذي جعل الله تعالى الإنسان خليفة فيه، كي يحقق معنى العبودية لله عزوجل؛ لذلك جعل للحيوان من الحقوق ما يحقق معنى الرفق والرحمة، وقد سبق بذلك جميع الدساتير والقوانين الوضعية التي تدعي أنها تحفظ حقوق الحيوان، ويشير الجهضمي إلى حكم مناطحة الثيران مدعما كلامه بالأدلة والبراهين.. قائلا: الإساءة إلى الحيوان أمر حرمه الشرع الحنيف فهو مسخر من الله سبحانه وتعالى ولا يصح الاعتداء عليه بأي حال من الأحوال، فإن ذلك يدخل ضمن الإفساد المنهي عنه يقول الله تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، ويقول سبحانه: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"، وقد دلت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجوب الرفق بالحيوان فقد مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة"، فكونها مسخرة للإنسان لا يعني تعذيبها بأي حال من الأحوال فالانتفاع بها يجب أن يكون في حدود الرحمة والرفق دون تعسف ومبالغة، ذلك لأن الحيوان يتألم ويحس فلا يجوز تعذيبه، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت"، ويكمل حديثه قائلا: عد الإحسان والرفق بالحيوان أمرا يثاب المسلم عليه، بل إن الشرع أوجب الرفق بالحيوان حتى في التذكية التي هي إزهاق روح الحيوان من أجل المنفعة المعتبرة شرعا بأكله، فالإحسان مطلوب شرعا في كل شيء، فعند التذكية يجب تهيئة أداة الذبح كي تكون حادة فتسهل عملية التذكية، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العبث بالحيوان واتخاذه غرضا فقد ورد عنه أنه قال:"لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا"، كما نهى عليه أفضل الصلاة والسلام عن صبر البهائم وهو أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت، ولما تقدم ذكره فإن عادة مناطحة الثيران أمر محرم شرعا فهو تعذيب للحيوان وإساءة إليه وهو إضاعة للمال وإتلاف له وتعريض الحيوان للقتل لغير داع معتبر شرعا وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة فأي مصلحة في إزهاق روح حيوان لمجرد اللهو والعبث؟






    أكثر...
يعمل...
X