سمية النبهانية-
يحكى أنّ طفلا صغيرًا كان يحلم بأن يصبح طيرًا أبيض وجميلا.. حيث كان دائما ما يحاول يلصق قودام الريش على طول ذراعيه كيما يطير.. ويتبع ذلك بدعوات وصلوات؛ على أمل أن يستجيب له الخالق حتى يصبح طيرًا سابحا في السموات..
وما أن يفتح عينيه باكرًا بعد سبات الليل حتى يسرع نحو مرآة دولابه ليتفحص جسده إن أصابه أي تغيير أو نبتت على أطرافه أي بوادر تدل على نمو الريش.. كان يحلم بالطيران.. ولأنّ الأحلام في جوانبها الإيجابية حديث نفس وتمنيات طموحة فقد أتم المولى عزّ وجل مراده وتحقق حلمه الجميل بأن أصبح أحد أفضل قائدي الطائرات في عصره.
من المهم جدا أن نحلم وأن نرسم الغد، فليس جميع مفاجآت الغد جميلة.. لذا تكون الأحلام الجميلة دومًا شيئا لطيفا نرغب به بشدة ونتمنى أن تتحقق.. لقد حلمت كثيرًا في حياتي، ولكن الأحلام التي تحققت هي تلك التي اخترتها لنفسي وبمحض إرادتي والتي تمسكت بها.
حلمت - وأنا طفلة لم تشب عن الطوق بعد- بأن أصبح طبيبة نفسية، أواسي عذابات النفوس وتباريح الوجدان، فقد كنت أحس وأستشعر أوجاع هذه الفئة من المرضى ويدمي قلبي من أجلهم..
وأذكر أيضًا أنني كنت أحلم بأن أصبح كاتبة مشهورة أو أديبة نحريرة أو عالمة معروفة؛ تأثرًا بالأفلام الوثائقية التي كنت أشاهدها في التلفاز عن شخصيات مشهورة تركت أثرًا في التاريخ وفي نفسي.. ولكن بعد أن سارت بي مراحل الصبا نحو النضوج أكثر فأكثر؛ حططت رحال أحلامي عند مدن الكتابة وأسوار الحروف، وتعرفت على الصحافة المدرسية فوجدت فيها متنفسا لنفسي، حتى غدت عالمي وحلمي الذي أتمنى أن يكبر ويكبر.
أعشق الأحلام حتى في أبسط معانيها اللذيذة، بما فيها أحلام المنام المنطقية المتفائلة وأحلام اليقظة العقلانية التي تخفف من توتر الإنسان وقلقه، وربما ترسم له طريق أهدافه.. الأحلام هي الأمر الوحيد الذي لا سقف له، ويجعل عقلك يبحر في مدى الخيال اللامحدود والمتطاول بقامة طموحك وأماني نفسك، وهي العالم الوحيد الذي يمكن أن أعيش فيه حياة أحد آخر دون أن أسأل عن ذلك، وهي الصور الصادقة لما نريده في الحياة ونرغب فيه.. ويكفي أنّ بعض الشعوب القديمة مثل الإغريق والسومريين كانوا يعتقدون أنّ الأحلام هبة من الآلهة.
قد تأتينا الأحلام في أبهى لحظات الحب والهوى، وقد تراودنا في لحظات الاستسلام والضعف حينما يفقد ما حولنا أهميته. وقد تأتي في لحظات الجنون والتمرد، والتي أظنّها أفضل لحظات الحلم، لأنّ حدود الإبداع والسعادة التي تتملكنا حينها هي وحدها من تضع حدودًا لأحلامنا، ولا أقصد بهذه الأحلام ما يُسمى الوهم، فهو مرض خطير؛ كأن تتوهم مثلا بأنك ستصبح مهندسا فذا وأنت لا تفقه في الرياضيات شرو نقير.
يقال إنّ الناس الذين يؤمنون أنّ بإمكانهم تغيير العالم، هم الوحيدون القادرون على ذلك.. فنصيحتي لكم أن تطلقوا العنان لأحلامكم بلا حدود.. فلا يوجد شيء اسمه المستحيل.. ولا تظلم نفسك بأن تتخلى عن أحلامك الجميلة، أو أن تجعل أحدًا آخر يرسم لك غدك ومستقبلك.. وقبل ذلك كله لابد أن تمتلك الدوافع والقدرات التي تحول حلمك إلى واقع ماثل للعيان.
[email protected]
أكثر...