محمد الشحري-
اسمح لي يا معالي الفريق أن اكتب لكم هذه الرسالة المفتوحة في حادثة صارت لي مع أحد موظفي جهازكم المشكور، منذ أيام جئت إلى مطار مسقط قادماً من اسطنبول ومباشرة توجهت لاستقبال أهلي القادمين من صلالة على متن الطيران العماني، ولا أخفيكم معالي الفريق شوقي لابنتي إرم حيث كنت انتظر انفراج الأبواب لاحتضانها، وربما كان أحد أفراد الشرطة ينادي عليّ لكنني لم أسمعه، بسبب طنين محركات الطائرات في أذني وشوقي العارم لإرم، وما أن وصل أهلي واحتضنت إرم حتى وصل الشرطي يطلب مني بطاقتي الشخصية وهو يرفع صوته فمددت له البطاقة وسط استغراب وذهول بعض المسافرين الذين حاولوا التدخل لصالحي، فطلبت منهم التوقف وترك الرجل يمارس عمله، وحين استلمنا الحقائب، جاء ذلك الشرطي وأرجع لي البطاقة، والقضية ليست في أخذ البطاقة وإرجاعها، بل الأمر يتعدى ذلك بكثير، فالشرطي الذي لاحظ الجميع رفع صوته العالي في المطار، وهو ينادي العمال وبعض الأجانب، رجل كبير في السن ويعمل وحيداً في ذلك المكان، أضف إلى ذلك أن رتبته العسكرية لا تزال عند مستوى العضد، ولم ترتفع إلى الكتف، ولذلك تعاطفت معه، وأصدقكم القول يا معالي الفريق أنني لم أحقد على ذلك الشرطي بل جعلني أتعاطف معه، لكبره في السن وعمله وحيداً أمام زحمة المسافرين، وعدم انصياعهم للأوامر- وأنا ربما كنت منهم-، وفسرت ارتفاع صوته بأحواله الشخصية التي لا يعلم بها إلا هو، وتخيلت أن راتبه الشهري لا يكفي لإطعام أسرته ودفع تكاليف الحياة الباهظة من إيجار البيت إلى أقساط السيارة ومصاريف دراسة الأبناء، إلى الالتزامات الاجتماعية، فماذا سيوفر هذا الرجل وهو يقترب ربما من سن التقاعد؟!، أضف إلى ذلك يا معالي الفريق أن رجال الشرطة يقومون بدورهم المنوط بهم بأكمل وجه، ولا شك أنكم تقدرون ذلك، ولكن نأمل بل ونتمنى أن تتحسن أوضاع رجال الشرطة، لأنّهم يقومون بواجباتهم الوطنية خير قيام وهذه شهادة قليلة في حقهم، فمن يقرأ مثلاً عن كميات المخدرات التي ضبطها رجال الشرطة، فله أن يتخيل كمية الدمار والموت التي كانت ستصل إلى أيدي أبنائنا وبناتنا ولولا يقظة رجال الشرطة والمخلصين من هذا الشعب.
معالي الفريق إن تصرّف هذا الفرد في مطار مسقط لا يعمم على بقية الأفراد، والحقيقة التي ربما لا تخفى على أحد أن كل من يزور هذا البلد، يشعر بالأمان ويقول في ذات الوقت، إنه مع هذا الشعور لا يرى شرطياً واقفاً في الشارع أو يتجول بين النّاس كما يحدث في الكثير من البلدان، ونقول له إن الشعب العُماني مسالم بفطرته، واثق بنفسه معتز بثقافته وأصالته، محافظ على كرمه، ولذلك فإنّ رجال الشرطة هم أبناء هذا المجتمع، ولهذا فإنّ المطلوب من الجميع وضع هذا الأمر في عين الاعتبار، فإنّ قسا الشرطي على أحد المواطنين فهو يقسو على أحد أفراد مجتمعه، والعكس صحيح.
أكثر...