ناقش "الأصول العربية في العلم الحديث" في محاضرة بالجامع الأكبر-
الرؤية - مدرين المكتومية-
ناقش أمس البروفيسور والمفكر الأمريكي اللبناني الأصل جورج صليبا الأصول العربية في العلم الحديث، وذلك في محاضرة احتضنتها قاعة المحاضرات في جامع السلطان قابوس الأكبر، وذلك بتنظيم من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
وصليبا هو أستاذ العلوم العربية والإسلامية في جامعة كولومبيا بنيويورك، وله عدة كتب وأبحاث حول تاريخ العلوم وتطورها في الحضارة الإسلامية وإسهام المسلمين في المعرفة الإنسانية، ولاقت مؤلفاته صدى علميا واسعا في إبراز هذه المآثر للعالم العربي، وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة تاريخ العلوم الأكاديمية، و"العالم الثالث للعلوم" في عام 1993، وله العديد من المؤلفات في التاريخ والعلوم الإنسانية والفلكية.
وقال صليبا في تصريحات لـ"الرؤية" إنّ آباءنا وأجدادنا واجهوا في القرن الثامن والتاسع من الميلاد أزمة في لغة العلوم، حيث كانت لديهم مشكلة في أن العلوم تأتيهم باللغة اليونانية والسيريالية، لكنهم تغلبوا عليها، وفي غضون 20 سنة أو أقل قام علماء مثل الحجاجبن مطر وثابت بن قرة ومحمد بن موسى الخوارزمي بخلق مفردات جديدة في اللغة العربية لم تكن معروفة من قبل، وهي مفردات تحمل معانٍ في العلوم وإنتاج الفكر". وأضاف صليبا إنّ ترجمة العلوم تثري المعارف، وتساعد طلاب العلم على الاستزادة من نيل العلوم في مختلف المشارب، مشيرا إلى أنّ الجهل بالعلوم لن يخلق تقدمًا أو يحدث طفرة، فالذي لم يطلع على العلوم ولا يعرف كيفية عمل الآلات سيظل بعيدًا عن ركب التقدم والحضارة، ولن تكون هناك إنتاجات علمية. وتابع أنّ العرب في القرن التاسع كانت لديهم ذات الإشكالية في كيفية نقل وترجمة العلوم، غير أن العقل الذي كان يجمع العلوم وينقلها كان عقل العالِم الفعّال، وهو الذي يفتي ويترجم ويصنع نظريات جديدة. وأوضح أنّه من الأمور المدهشة أنه في عام 820م كان هناك من يسمى بالمترجم، ويقوم بمهمة عظيمة لم يسبقه أحد غيره، وحرص على جمع المفردات العلمية دون الاستعانة بمن جاء قبله، وهذا يعني أنّه هو من خلقها وهذا من الطبيعي أن يكون عقلا فعالا ومنتجًا، موضحا أنّ العقل الفعال لا يعترف بالحدود، وعندما يبدأ في العمل والإنتاج ينطلق لا نهاية، متجاوزا كافة المعوقات.
وأشار صليبا إلى أن تاريخ علمائنا يثبت أنهم كانوا يعملون دون دعم، لافتا إلى أنه في العصر الحديث تتعدد اللغات في بعض البلدان نتيجة للاستعمار، لكنهم يعودون إلى اللغة الأم والحضارة الأم في النهاية. ويؤكد أن الطلاب العرب يمتلكون مواهب حقيقية في سرعة التعلم والنبوغ، ما يعكس أنّ العقل العربي لا يتوقف عن التفكير والإبداع.
وتابع أنّ العالم العربي والاسلامي الآن يمر بفترة مخاض صعبة جدا، ويخشى صليبا من ألا ينجو العرب والمسلمين من هذه الفترة في حالة سليمة، فالعالم الآن يعيش فترة من الاحداث المترابطة في أي منطقة على الأرض، والجميع منغمس في الصراعات الدولية والاقتصادية والحضارية التي عادت الآن تخلق نوعًا من الاستعمار، وهو نوع جديد يمكن تسميته بأنّه "الاستعمار متعدد الأوجه"، حيث تختلف مشاربه وينهج مناهج لم نكن نعرفها من قبل، وكل هذه الأمور يمكن أن تودي بحياة الشعوب.
ويحذر صليبا من مخاطر التفتيت الطائفي، حيث يؤكد أنّه على الرغم من بشاعة الاستعمار في الماضي إلا أنّه لم ينجح في تحقيق العنف الطائفي كما هو الحال حاليا، داعيًا إلى استيقاظ الضمير الوطني في كل الدول العربية، وأن يدركوا المخاطر التي تحدق بالأمة من كل حدب وصوب.
وأكد أنّ الطائفية لم تكن موجودة من قبل كما هو الحال الآن، حتى إنّ بعض الدول يتم انتخاب نواب البرلمان فيها على أساس طائفي مقيت.
وأضاف أنّ المشكلة لا تختلف كثيرًا عمّا واجهه الإمام أبوحنيفة، في عهد الخليفة المنصور، فعندما تطلب السلطة السياسية من مفكر أو فقيه بمستوى ابو حنيفة أن يخضع للسلطة السياسية، كان يقابل ذلك بالرفض، مؤكدا أنّ الفقهاء الذين صنعوا الفكر الإسلامي، يرفضون السياسية المتغيرة كل يوم.
ويرى صليبا أن مهمة علماء الدين تفرض عليهم الابتعاد عن مناخ السياسة المتقلب وخلافاتها الصاخبة، حتى يتمكنوا من التفكير بذهن صاف قادر على فهم الرسالة السماوية والأخلاقية والروحية، والمساهمة في إرشاد العالم إلى معاني الحق والخير والجمال. ويشدد صليبا على أنّ أخطر ما يتهدد الأمة العربية والإسلامية الوقوع مجددا في مستنقع الخلافات السياسية التي تذكيها الطائفية البغيضة، التي تهدم الأوطان ولا تبني. وضرب مثالا بلبنان الذي يضم نحو 18 طائفة لا تجتمع على رأي واحد وتتسبب في العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية، وكذلك الوضع في العراق، معبرًا عن مخاوفه من أن تتمدد هذه الطائفية إلى باقي الدول بشكل أكبر مما هي عليه حاليًا.
أكثر...
الرؤية - مدرين المكتومية-
ناقش أمس البروفيسور والمفكر الأمريكي اللبناني الأصل جورج صليبا الأصول العربية في العلم الحديث، وذلك في محاضرة احتضنتها قاعة المحاضرات في جامع السلطان قابوس الأكبر، وذلك بتنظيم من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
وصليبا هو أستاذ العلوم العربية والإسلامية في جامعة كولومبيا بنيويورك، وله عدة كتب وأبحاث حول تاريخ العلوم وتطورها في الحضارة الإسلامية وإسهام المسلمين في المعرفة الإنسانية، ولاقت مؤلفاته صدى علميا واسعا في إبراز هذه المآثر للعالم العربي، وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة تاريخ العلوم الأكاديمية، و"العالم الثالث للعلوم" في عام 1993، وله العديد من المؤلفات في التاريخ والعلوم الإنسانية والفلكية.
وقال صليبا في تصريحات لـ"الرؤية" إنّ آباءنا وأجدادنا واجهوا في القرن الثامن والتاسع من الميلاد أزمة في لغة العلوم، حيث كانت لديهم مشكلة في أن العلوم تأتيهم باللغة اليونانية والسيريالية، لكنهم تغلبوا عليها، وفي غضون 20 سنة أو أقل قام علماء مثل الحجاجبن مطر وثابت بن قرة ومحمد بن موسى الخوارزمي بخلق مفردات جديدة في اللغة العربية لم تكن معروفة من قبل، وهي مفردات تحمل معانٍ في العلوم وإنتاج الفكر". وأضاف صليبا إنّ ترجمة العلوم تثري المعارف، وتساعد طلاب العلم على الاستزادة من نيل العلوم في مختلف المشارب، مشيرا إلى أنّ الجهل بالعلوم لن يخلق تقدمًا أو يحدث طفرة، فالذي لم يطلع على العلوم ولا يعرف كيفية عمل الآلات سيظل بعيدًا عن ركب التقدم والحضارة، ولن تكون هناك إنتاجات علمية. وتابع أنّ العرب في القرن التاسع كانت لديهم ذات الإشكالية في كيفية نقل وترجمة العلوم، غير أن العقل الذي كان يجمع العلوم وينقلها كان عقل العالِم الفعّال، وهو الذي يفتي ويترجم ويصنع نظريات جديدة. وأوضح أنّه من الأمور المدهشة أنه في عام 820م كان هناك من يسمى بالمترجم، ويقوم بمهمة عظيمة لم يسبقه أحد غيره، وحرص على جمع المفردات العلمية دون الاستعانة بمن جاء قبله، وهذا يعني أنّه هو من خلقها وهذا من الطبيعي أن يكون عقلا فعالا ومنتجًا، موضحا أنّ العقل الفعال لا يعترف بالحدود، وعندما يبدأ في العمل والإنتاج ينطلق لا نهاية، متجاوزا كافة المعوقات.
وأشار صليبا إلى أن تاريخ علمائنا يثبت أنهم كانوا يعملون دون دعم، لافتا إلى أنه في العصر الحديث تتعدد اللغات في بعض البلدان نتيجة للاستعمار، لكنهم يعودون إلى اللغة الأم والحضارة الأم في النهاية. ويؤكد أن الطلاب العرب يمتلكون مواهب حقيقية في سرعة التعلم والنبوغ، ما يعكس أنّ العقل العربي لا يتوقف عن التفكير والإبداع.
وتابع أنّ العالم العربي والاسلامي الآن يمر بفترة مخاض صعبة جدا، ويخشى صليبا من ألا ينجو العرب والمسلمين من هذه الفترة في حالة سليمة، فالعالم الآن يعيش فترة من الاحداث المترابطة في أي منطقة على الأرض، والجميع منغمس في الصراعات الدولية والاقتصادية والحضارية التي عادت الآن تخلق نوعًا من الاستعمار، وهو نوع جديد يمكن تسميته بأنّه "الاستعمار متعدد الأوجه"، حيث تختلف مشاربه وينهج مناهج لم نكن نعرفها من قبل، وكل هذه الأمور يمكن أن تودي بحياة الشعوب.
ويحذر صليبا من مخاطر التفتيت الطائفي، حيث يؤكد أنّه على الرغم من بشاعة الاستعمار في الماضي إلا أنّه لم ينجح في تحقيق العنف الطائفي كما هو الحال حاليا، داعيًا إلى استيقاظ الضمير الوطني في كل الدول العربية، وأن يدركوا المخاطر التي تحدق بالأمة من كل حدب وصوب.
وأكد أنّ الطائفية لم تكن موجودة من قبل كما هو الحال الآن، حتى إنّ بعض الدول يتم انتخاب نواب البرلمان فيها على أساس طائفي مقيت.
وأضاف أنّ المشكلة لا تختلف كثيرًا عمّا واجهه الإمام أبوحنيفة، في عهد الخليفة المنصور، فعندما تطلب السلطة السياسية من مفكر أو فقيه بمستوى ابو حنيفة أن يخضع للسلطة السياسية، كان يقابل ذلك بالرفض، مؤكدا أنّ الفقهاء الذين صنعوا الفكر الإسلامي، يرفضون السياسية المتغيرة كل يوم.
ويرى صليبا أن مهمة علماء الدين تفرض عليهم الابتعاد عن مناخ السياسة المتقلب وخلافاتها الصاخبة، حتى يتمكنوا من التفكير بذهن صاف قادر على فهم الرسالة السماوية والأخلاقية والروحية، والمساهمة في إرشاد العالم إلى معاني الحق والخير والجمال. ويشدد صليبا على أنّ أخطر ما يتهدد الأمة العربية والإسلامية الوقوع مجددا في مستنقع الخلافات السياسية التي تذكيها الطائفية البغيضة، التي تهدم الأوطان ولا تبني. وضرب مثالا بلبنان الذي يضم نحو 18 طائفة لا تجتمع على رأي واحد وتتسبب في العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية، وكذلك الوضع في العراق، معبرًا عن مخاوفه من أن تتمدد هذه الطائفية إلى باقي الدول بشكل أكبر مما هي عليه حاليًا.
أكثر...