ديار بكر (تركيا)- الوكالات-
أمر زعيم المتمردين الأكراد المسجون عبد الله أوجلان رجاله بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي التركية في خطوة تستهدف إنهاء صراع أودى بحياة 40 ألف شخص وأثار انقسامًا في البلاد وعرقل اقتصادها.
وهلل مئات الآلاف من الأكراد المحتشدين في بلدة ديار بكر التي تقطنها غالبية كردية بجنوب شرق تركيا ورفعوا صور أوجلان عندما قرأ سياسي مؤيد للأكراد عليهم رسالة من زعيم المتمردين المحتجز منذ عام 1999 في جزيرة ببحر مرمرة. وقال السياسي أمام الحشد الذي يلوح بالأعلام الكردية "ليتوقف صوت السلاح ويطلق العنان للسياسة. لقد وصلنا إلى المرحلة التي يجب أن تنسحب فيها قواتنا المسلحة إلى ما وراء الحدود... وليست تلك النهاية. إنّها بداية عهد جديد". ورحّب اردوغان- الذي يزور هولندا- بوقف إطلاق النار لكنه قال إنّ الاختبار الحقيقي هو في تطبيقه. وقال "بدءًا من اللحظة التي ينفذ فيها (وقف إطلاق النار) سيتغير المناخ العام في تركيا. أثق في ذلك". غير أنّه أدان غياب العلم التركي عن تجمع ديار بكر. ولم يحدد أوجلان إطارًا زمنيًا لوقف إطلاق النار. ومن المقرر أن ينسحب كافة المتمردين إلى قواعدهم في منطقة جبل قنديل شمال العراق والتي استخدموها كنقطة انطلاق لهجماتهم في تركيا وقصفتها القوات الجوية التركية من قبل.
وقال روج ويلات المسؤول بحزب العمال الكردستاني "إننا جميعا نسير وراء زعيمنا".
وتعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. وشنّ الحزب حملته في عام 1984 مطالبًا بإقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرق تركيا ثمّ خفف مطالبه بعد ذلك لتتمثل في الحصول على الاستقلال السياسي وحقوق ثقافية أوسع في منطقة حظرت فيها اللغة الكردية رسميًا منذ فترة طويلة.
وقال البرلماني ارتوجرول كوركجو من حزب السلام والديمقراطية المؤيد للأكراد "هناك تحول استراتيجي يحدث... فحركة التحرير الكردية تتحول من حملة مسلحة إلى حملة ثقافية. وحزب العمال الكردستاني يقبل ذلك".
وبعيدًا عن وقف إطلاق النار لا تزال هناك خطورة لحدوث انقسام بشأن شروط الاتفاق أو بين شخصيات حزب العمال الكردستاني التي تتفاوض بشأنه. وقد تزداد العملية تعقيدًا بسبب تطلعات الجماعات الكردية الأخرى في سوريا وإيران والعراق. ومن شأن التوصل إلى تسوية أن يزيل عبئا ثقيلا عن كاهل تركيا رغم أنّ القوميين المتشددين قد ينظرون إليها بعين الشك لخوفهم من أن يستأنف الأكراد حملتهم للحصول على الاستقلال.
وقال البرلماني أوزجان ينيجري من حزب الحركة القومية أكبر أحزاب المعارضة القومية في تركيا "يتحدى حزب العمال الكردستاني الدولة وهذا استعراض للقوة من جانبهم". وأضاف "بدلا من الجمهورية التركية يتمهد الطريق لتأسيس دولة كردية اتحادية مستقلة". وتحدث عبد الله ديميرباس رئيس بلدية في مدينة ديار بكر عن فرصة أخيرة للسلام.
وقال "الجيل القادم مثل العاصفة. فهو أكثر تشددًا. ولم يعرف قط السلام بين الأكراد والأتراك. ولكن تستطيعون الآن إقناع الكثيرين منهم وبإمكاننا كسب قلوبهم. ولكن إذا خسرناهم هذه المرة فلن ينصتون إلينا مجددا".
من جهتها، رحبت الولايات المتحدة بدعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان متمردي الحزب إلى "إلقاء السلاح"، ووصفتها بأنّها "خطوة إيجابية". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فكتوريا نولاند إنّ "هذا العنف كلف الكثير من الأرواح ويجب أن ينتهي"، مضيفة أنّ إعلان أوجلان وقف إطلاق النار يمكن أن يساعد في إنهاء "العنف المأساوي المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود في تركيا". وأضافت نولاند إنّ الولايات المتحدة تحيي كذلك "الجهود الشجاعة التي بذلتها الحكومة التركية وجميع الأطراف المعنية لتحقيق الحل السلمي الذي سيعزز الديمقراطية في تركيا، ويحسن حياة جميع المواطنين الأتراك"، مؤكدة أنّ "الولايات المتحدة ستواصل دعم الشعب التركي في مساعيه لحل هذه القضية، والتقدم باتجاه مستقبل أكثر إشراقا".
والمعروف أنّ الولايات المتحدة صنفت حزب العمال الكردستاني "منظمة إرهابية أجنبية" في 1997، بسبب هجماته على البعثات الدبلوماسية التركية في مدن أوروبية، إضافة إلى تفجير مواقع سياحية في تركيا في مطلع التسعينيات.
ودعا أوجلان إلى إنشاء نموذج يتعايش فيه الجميع بأخوّة داخل تركيا، وإلى إرساء الحرية والديمقراطية، قائلا إنّ من يحاولون إراقة الدماء في المستقبل سيتم عزلهم. لكنّه لم يوضح في رسالته جدولا زمنيًا لسحب مقاتليه الذين يقدر عددهم بخمسة آلاف موزعين بين جنوب شرق تركيا وقواعده الخلفية في شمال العراق.
وفي تطور لاحق، تعهد حزب العمال الكردستاني باحترام دعوة زعيمه أوجلان إلى إلقاء السلاح. وقال القائد العسكري للحزب الكردي مراد كرايلان - من شمال العراق حيث توجد القيادة العسكرية للحزب- إنه ينبغي أن يعرف كل العالم أن حزب العمال مستعد للسلام وللحرب معا، مشيرا إلى أنّ مقاتليه سيحترمون إعلان أوجلان.
وأثار تصريح أوجلان غضب نواب حزب "أن أتش بي" التركي القومي الذين وضعوا على مكاتبهم خريطة لتركيا ممهورة بالعلم التركي. وقال أحدهم يدعى محمد صندير "هناك في ديار بكر تمّ تحدي الشعب التركي ودولته. لقد رفعنا في المجلس علم الثورة"، وعرض عدد من نواب هذا الحزب تحت قبة البرلمان صور عسكريين سقطوا في معارك مع المتمردين الأكراد.
وترى المعارضة التركية أنّ أردوغان يريد منح الأكراد حقوقًا جديدة مقابل دعمهم إيّاه في سعيه لإعادة صياغة الدستور بما يعزز نفوذ الرئيس. وأردوغان المجبر على مغادرة منصبه في 2015 يأمل تولي منصب الرئاسة في 2014. ويأتي إعلان أوجلان هذا في إطار مفاوضات مباشرة أجرتها معه السلطات التركية منذ ديسمبر الماضي لوضع حد للنزاع المسلح بين الطرفين. وكان أوجلان أعلن منذ بدء حركة التمرد في 1984 أربع مرات وقفًا لإطلاق النار من جانب واحد. وحتى الآن لم تؤدّ هذه المبادرات إلى تسوية النزاع الذي أودى بحياة أكثر من 45 ألف شخص.
أكثر...