إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حمّى الوهم المزمن..!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حمّى الوهم المزمن..!!

    إضاءة-

    مسعود الحمداني -

    قبل سنوات قليلة استيقظ الناس في إحدى الولايات على حدث غريب، سرعان ما انتشر خبره كانتشار النار في الهشيم، مختصر الخبر يقول: إنّ نبع ماء سائغ لذة للشاربين تفجّر فجأة من جوف الأرض في (الخور) وهو مكان شديد الملوحة، وتهافت البشر من كل حدب وصوب نحو ذلك النبع (المبارك)، كلٌ له حاجة فيه، فمنهم من يريده للشفاء من مرض مستعصٍ، ومنهم من يريده ليتطهر من رجس الشيطان، ومنهم من يريد التبرّك به، وهكذا لم يبق ذو حاجة إلا وحجّ إلى ذلك المكان، وقامت الجهات المختصة بتطويق المكان منعاً لأي انتهاكٍ لحرمة النبع..وكاد أن يحصل خلاف على ملكية الأرض!!..غير أن الحقيقة (المرة) ظهرت بعد حين..حين اكتشف الناس أن ذلك النبع (الربانيّ) الجوفيّ ما هو إلا أنبوب ماء يمر عبر الخور تلف نتيجة الملوحة الزائدة!!.
    هذه الحادثة ليست الأولى التي تحصل في هذا الكوكب، والتي تنشأ عن طريقها (الخزعبلات)، ويبدأ من خلالها (الوهم الأكبر) بأن هناك قوى خارقة يمكنها تحقيق المعجزات، والأحلام، وشفاء المرضى، وهي مسألة ترتبط بالعامل النفسي الباحث عن الأمل بكل وسيلة، حتى وإن كانت خارج نطاق المنطق..وهو ما حدث في الماضي، ويحدث اليوم، ولن يتوقف مسلسله حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولن يستطيع العلم، أو المعرفة، ومحو الأمية، وثورات (التنوير) السيطرة عليها، لأن من يعتقد بمثل هذه (الأوهام) أحياناً هم من فئة المتعلّمين، والمثقفين، والفنانين، بل والساسة، لأن بعضهم يعتقدون أنّ الإيمان بالقوى الخفيّة قادر على تحقيق الأمل ومواجهة المصير المظلم، حين لا يبقى أمام الخيال البشري سوى التمسّك بالخيط غير المرئي للوصول إلى الغاية.
    ولا يزال في السلطنة كغيرها من دول الكون، الكثير من المعتقدات الماورائية، والتي يؤمن الناس من خلالها بقدرة الحجر، أو القبر، أو نبع ماء على تحقيق المعجزات، ويقطع الناس إليها آلاف الكيلومترات طلباً للشفاء، أو التبرّك، وكل هذه (الأشياء) لا يُعرف بالقطع زمان نشأتها، أو كيفية ظهورها، ولكن الحكّائين نسجوا حولها خيالاتهم، وأعطوها تلك الهالة من التقديس، إما لمصلحة خاصة، أو بحسن نية، ولكنهم كانوا أوّل من كذب على الآخرين، وأول من صدّق ما قال!!..والغريب أن (سمعة) بعض القبور لدينا وصلت إلى دول خليجية وآسيوية، ولا يفوّت بعض مواطني تلك الدول فرصة زيارتها في أول سانحة لهم.
    هناك حكاية شعبية تقول إنه منذ زمن طويل، وحين لم يكن هناك كهرباء، أو طرق مرصوفة، زار أحدهم صديقاً له في منطقة بعيدة، وفي طريق العودة، مرض (حمار) هذا الرجل، ومات، ولشدة حب ووفاء صاحبنا لحماره، قام بدفنه في قبر يليق بـ(مكانته)، وحين استيقظ الناس في اليوم التالي وجدوا هذا القبر الغريب، فألبسوه ذلك المعتقد الجاهز، بأنّه لأحد الأولياء الصالحين، الذين وافتهم المنية في ذلك الموقع، وقاموا بالتالي ببناء سور عليه، وعيّنوا له أحد المنقطعين للعبادة، للعناية به، و(تبخيره، وتعطيره)، والقيام بخدمته، وبدأت الوفود من كل حدب وصوب تفد إلى ذلك المكان، للطواف، والتبرّك، والاستشفاء، وتقديم النذور، وبعد سنوات عاد صاحب (صاحب القبر) لزيارة صديقه القديم، وحين مر على مكان دفن الحمار، وجد أممًا محتشدة، وأخرى تنتظر عند موقع يعرفه جيدًا، وبدهشةٍ سأل أحد الزوار عن سبب هذا الازدحام، فأجابه: أنّ ولياً من أولياء الله الصالحين وجدوا قبره ذات صباح في هذا المكان، ولا يُعرف كيف ولا من أين جاء، ولذلك يأتي النّاس من كل فج عميق للتبرّك بقبر هذا (الوليّ)الطاهر..ضحك الرجل وهو يقول: رحم الله عقول النّاس.. وحميرهم !!.
    [email protected]






    أكثر...
يعمل...
X