"الجمعية الاقتصادية" تدشن "عمان التي نريد" بهدف الاستجابة لمتطلبات الواقع ومواكبة تحديات المستقبل-
- الدليل استجابة للحاجة إلى التكامل بين ركائز التنمية والاستخدام الأمثل لكافة طاقات المجتمع لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد-
- إيجاد اقتصاد متين ذي قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على المنافسة.. الغاية النهائية للدليل-
- تبني تخطيط تنموي طويل الأجل بهدف إجراء تعديل هيكلي في منظومة الإنتاج الاقتصادي مع تقليل الاعتماد "المفرط " على النفط-
- تقييّم الممارسات وتحديد الخيارات المستقبلية واكتشاف مكامن قدراتنا التنافسية.. من أهداف الدليل-
- ترجمة معدلات النمو الاقتصادي في إعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت لتحقيق تنمية إنسانية شاملة ومتوازنة-
- توسيع الخيارات المعرفية والعملية والمعيشية أمام المواطن-
- مراجعة برامج التنمية السابقة وأوليات الإنفاق الانمائي والاستثماري والاستهلاكي-
- توفير نظام إدارة للمجتمع يمتلك ضوابط صارمة للمحاسبة والشفافية والنزاهة-
- إيجاد فرص عمل حقيقية تلبي طموح أبناء الوطن بالتخطيط السليم والتركيز على الاستثمار في تطوير المعرفة ورفع الكفاءة الإنتاجية-
الرؤية – فايزة الكلبانية-
تصوير / راشد الكندي-
أبرز الدليل الوطني للتنمية " عمان التي نريد" الذي دشنته الجمعية الاقتصادية العمانية مساء أمس الإثنين ويتضمن تصوراتها الأولية لمتطلبات التخطيط لبدائل التنمية وتحقيق التنمية المستدامة، أهمية البدء الفوري في صياغة رؤية مستقبلية جديدة لتكون بديلا عن الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني ( عمان2020م)، على أن تتضمن تحديدًا للمسارات التي يتوجب علينا أن نسلكها بدءًا من الخطة الخمسية القادمة، ويكون محورها الأساسي "عمان التي نريد" ويتم من خلالها تقييم الممارسات وتحديد الخيارات المستقبلية، إضافة إلى اكتشاف مكامن قدراتنا التنافسية، وإعادة النظر في الفكر التنموي وكيفية إدارة الاقتصاد الوطني وتبني نموذج جديد للتنمية يعكس واقع المجتمع العماني وخصوصيته وينبثق عن نتائج النقاشات التي يجب أن تتم بين مختلف شرائح المجتمع بما في ذلك المؤسسات الحكومية والأكاديميين ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأكدت الجمعية أنّ الدليل يأتي استجابة للحاجة إلى إيجاد تكامل بين ركائز التنمية المختلفة، ويسعى إلى ضمان حدوث استخدام أمثل لكافة طاقات المجتمع البشرية والطبيعية لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد، ومن ثمّ ترجمة معدلات النمو الاقتصادي العالية في إعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت نحو تحقيق تنمية إنسانية شاملة ومتوازنة.
وقالت الجمعية إنّ الغاية النهائية للأجندة تتمثل في إيجاد اقتصاد متين ذي قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على المنافسة من خلال التوظيف الأمثل لكافة الطاقات البشرية والثروات الطبيعية وتسخيرها بكفاءة لضمان توفر مستوى معيشي رفيع مترافق مع الارتقاء بالجودة النوعية لحياة أفراد المجتمع العُماني، وذلك من خلال تبني تخطيط تنموي طويل الأجل يهدف إلى إجراء تعديل هيكلي في منظومة الإنتاج الاقتصادي في البلاد والتخفيض المتدرج للاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية مع توسيع الخيارات المعرفية والعملية والمعيشية أمام المواطن .
وأفادت أنّ الدليل الوطني للتنمية يهدف إلى صياغة رؤية مستقبلية متطورة للسلطنة تستجيب لمتطلبات الواقع المعاصر وتواكب تحديات المستقبل .
وأشارت الجمعية إلى أنّ الدليل جاء بناءً على مطالبات من أفراد وجهات مختلفة عقب مؤتمر الجمعية الاقتصادية العمانية السادس "التنمية المستدامة والإنصاف.. بين التخطيط والواقع" والذي عقد بتاريخ 16 - 17 فبراير 2013م وأبرز الحاجة لصياغة رؤية إستراتيجية جديدة للسلطنة تحقق التنمية المستدامة وأوصى بـ" إعداد دليل وطني للتنمية يمثل رؤية استراتيجية جديدة للسلطنة تتسم بالديناميكية لمواجهة التحديات المستجدة، وضمان تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية يكون محورها الأساس "عمان التي نريد" وأن يتم من خلاله تقييم الخطط الحالية، وتحديد الخيارات المستقبليّة بناءً على معايير ومؤشرات تنموية ذات أهداف محددة قابلة للقياس .
وتستعرض "الرؤية " فيما يلي أهم مضامين الدليل الوطني للتنمية الذي يبدأ بتعريف شامل وهو أنه عبارة عن الاستراتيجية التي يتم صياغاتها ووضعها لرسم وتوجيه الرؤى بين مختلف أطياف المجتمع لتكون بمثابة خارطة طريق يرسم معالمها في كثير من الدول جهد مشترك بين الحكومة والأكاديميين ورجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني.
ويهدف الدليل الوطني للتنمية إلى توحيد الأهداف المختلفة للمجتمع والرؤى المستقبلية للسيّر بها نحو تحقيق طموحات وآمال المجتمع وهذا من شأنه توحيد الصفوف والقوى المتعددة، وتفعيل طاقات المجتمع مما يسهل عملية تحقيق تلك الطموحات والآمال.
ويستعرض الملامح الرئيسية للتنمية في السلطنة، والتطرق إلى تجارب بعض الدول في صياغة رؤاها المستقبلية، وتعريف الدليل الوطني للتنمية وتحديد دورالجمعية الاقتصادية العمانية في إعداد الدليل الوطني للتنمية ومنهجية إعداده وبدائل ومنهج الإعداد لدليل التنمية، وأخيراً اقتراح الجهات المحتملة لرعاية المشروع.
ملامح التنمية
كان لاكتشاف خام النفط في باطن أرض السلطنة دورُ هامُ في تحول هيكل الإنتاج في الاقتصاد الوطني من اقتصاد قائم على الكفاف يعتمد على قطاع الزراعة والأسماك (والذي لم يكن بأي حال يدر مردوداً مادياً ملحوظاً) إلى اقتصاد حديث يعتمد على تصدير النفط وتلعب فيه قوى العرض والطلب دور أساسي في تحريك رأس المال وتحديد عمليات الإنتاج. وبفضل الموارد النفطية استطاعت السلطنة تحقيق نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4 % سنويًا في الفترة 1995 – 2011م واستغلت الحكومة الموارد النفطية للإنفاق على البنية الأساسيّة، مثل بناء الطرق والموانئ والكهرباء وتوفير الخدمات والمرافق العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم، وغيرها من خلال خطط خمسية توجه عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد اتضحت الرؤية منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي بأنّ التحدي الذي يواجه اقتصاد السلطنة المتمثل في الاعتماد على الموارد النفطية يمكن تجاوزه بتنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع الاستثمارات في مشاريع الصناعات التحويلية والتعدين، والزراعة والأسماك، ومشاريع التصدير بإعتبار أنّ أهداف التنمية الأخرى بما في ذلك المحافظة على المكتسبات المحققة، وتنمية الموارد البشرية وتنمية القطاع الخاص، وتحقيق التنمية المستدامة، مرتبطة بشكل مباشر بهدف تنويع مصادر الدخل. وسعت الحكومة إلى التقليل من الاعتماد على الموارد النفطية وإلى تنويع مصادر الدخل، وذلك لأنّ الموارد النفطية تعتمد على سعر النفط وحجم إنتاجه، وإذا انخفضت أسعار النفط أو قل إنتاجه فإنّها ستؤثر وبشكل مباشر على النمو الاقتصادي. كما أنّ سعر النفط متقلب، وتقلبات الدخل تؤثر سلبًا على اقتصاديات الدول، والنفط مورد غير متجدد. وقد تصدّر هدف تنويع القاعدة الإنتاجية بعد ذلك قوائم جميع الخطط الخمسية المتعاقبة منذ الخطة الخمسية الأولى بما في ذلك الخطة الخمسية الحالية الثامنة والرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني - عمان2020م .
الرؤية المستقبلية
بعد عقدين ونصف من الاعتماد شبه المطلق على العوائد النفطية قامت الحكومة بوضع "الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني – عمان 2020م"، معتبرة أنّ "الخطة تمثل مفترق الطرق والحد الفاصل بين مرحلتين في غاية الأهمية من مراحل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة"؛ مرحلة تميّزت بوضع "الدعائم الأساسيّة للتحول الاقتصادي والاجتماعي" من ناحية، ومن ناحية أخرى "بداية الانطلاق نحو آفاق المستقبل اعتمادًا على مصادر ذاتية متجددة لتحقيق التنمية المستدامة ".
تحديات الاقتصاد العماني
كما هو الحال مع الخطط الخمسية المتعاقبة، فإنّ من أهم أهداف الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 هو (استدامة التنمية من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتوازن المالي والسعى إلى إحداث تغيرات جوهرية واسعة في هيكل الاقتصاد الوطني بغرض تنويع قاعدته الإنتاجية وتعزيز دور القطاع الخاص وتنمية الموارد البشرية) .
إنّ المفهوم الحالي للاستدامة في الرؤية المستقبلية العمانية يركز على البعد الاقتصادي كمحور جوهري، وقد تطرق كذلك إلى بعض جوانب التنمية البشرية، من خلال الاسترشاد بمؤشرات كمية تتمثل في المحاور التالية: التوازن الاقتصادي والنمو؛ وتنمية القطاع الخاص؛ والتنويع الاقتصادي؛ وتنمية الموارد البشرية، وهذا التعريف بحاجة الى إعادة صياغة لينسجم مع مفهوم التنمية المستدامة كما عرفها تقرير التنمية البشرية 2011م بأنّها " توسيع الحريات الحقيقية للذين يعيشون اليوم مع الحرص على عدم المساس بحريات من سيعيشون في المستقبل. " حيث إن مفهوم الاستدامة الوارد في الرؤية 2020 يركز على جانب التنمية الاقتصادية في الأساس، ولا يغطي بشكل كافٍ البعد الاجتماعي والثقافي والسياسي الأوسع كما هو وارد في أدبيات التنمية المستدامة، والتي تشمل كذلك البعد البيئي. وبتقييم أداء محاور الاقتصاد العماني وفق مفهوم الاستدامة في الرؤية المستقبلية يتضح أنّ قطاعات الإنتاج السلعي القابل للتصدير مثل الزراعة والأسماك والتعدين لم يحقق أداؤها توقعات الرؤية، وقطاعات الإنتاج الخدمي غير القابل للتصدير مثل النقل والاتصالات والخدمات المالية والخدمات الخاصة تجاوزت أهداف الرؤية في العام 2010م، واستراتيجية التنويع الاقتصادي المرتكزة على التصدير والمنافسة في السوق العالمي من خلال تطوير القطاعات غير النفطية في إجمالي الناتج المحلي يصعب تحقيقها خلال الفترة المتبقية من الرؤية، مما يستدعي مراجعة سياسات وأهداف محور التنويع الاقتصادي، كما أنّ مؤشرات الصادرات والواردات لم تنسجم كنسبة من الناتج المحلي مع سياسة التنويع الاقتصادي التي سعت إلى تخفيض هذه النسبة وتوسّع دور الحكومة في النشاط الاقتصادي خلال العقد الماضي نتيجة للنمو السريع في المصروفات الحكومية، ويستبعد تحقيق تقدم في هذين المؤشرين خلال العقد القادم في حالة ثبات أسعار النفط على مستوياتها الحالية حول 100 دولار للبرميل.
وفيما يتعلق بالمحاور، فإنّ محور تنمية القطاع الخاص المتمثل برفع نسبة مساهمة استثماراته في الناتج المحلي لم ترق إلى أهداف الرؤية، ويستبعد تحقيقها مع نهاية الفترة. ولابد من مراجعتها والتركيز على تفعيل سياسات تنمية القطاع الخاص، وتعزيز دوره في النمو والمنافسة ، حيث أنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي؛ الموظف الأساسي للباحثين عن العمل من المواطنين. وتشير الإحصائيات المنشورة في العام 2010م إلى أنّ 44% من القوة العاملة العمانية تعمل في القطاع الحكومي المدني ومعظم الوظائف المتاحة في القطاع الخاص هي وظائف غير ماهرة أو شبه ماهرة ولا يقبل عليها العمانيون.
وفي محور تنمية الموارد البشرية في الرؤية يشتمل على قطاعات الصحة والتعليم والعمل. ففي حين تمّ تجاوز تحقيق أهداف قطاع الصحة (والتي تعتبر متواضعة في الأساس) في عام 2010م، فإنّ أهداف قطاع التعليم وخاصة التعليم العالي، وقطاع العمل الخاص لا تتسم بالواقعية وبحاجة إلى مراجعة وتطوير سياسات جديدة أكثر تلمساً لحاجة المرحلة القادمة، والتي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في السلطنة التي نص عليها المرسوم السلطاني (رقم 30/2012) الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط.
غياب التنويع
ويخلص إلى أنه ومن القراءة الأولية لهذه المؤشرات يتضح أنه بالرغم من جهود التنمية السابقة لا يزال النشاط الكلي للاقتصاد العماني يعتمد على قطاع النفط ولم يتمكن الاقتصاد من تنويع مصادر الدخل، كما لم تتمكن الهياكل الانتاجية من الاعتماد على مصادر ذاتية متجددة وقابلة للاستمرار، وأنّه لا يمكن لقطاع الخدمات في هذه المرحلة أن يقود النمو الاقتصادي. والصادرات النفطيّة هي المصدر الأساسي من دخل الاقتصاد من العملة الأجنبية، ولا يزال القطاع العام يعتمد على عائدات النفط لتمويل الإنفاق وبرامج التنمية، ويزداد الاعتماد على العمالة الأجنبية في كثير من الأنشطة الاقتصادية في الوقت الذي يزداد فيه عدد الباحثين عن فرص عمل من المواطنين، ولم تنجح جهود وسياسات التنمية في الخطط الخمسية وفي الموازنات السنويّة - إلى حد ما- في إيجاد توازن بين إنشاء البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية من جهة وتنمية القطاعات الإنتاجية من جهة أخرى، ولم تتمكن من تحقيق معظم أهداف الرؤية، إمّا لقصور بين الأهداف المحددة والمتحققة فعليًا وإما نتيجة لقصور البناء المنهجي للرؤية.
مراجعة برامج التنمية
ويرى التصور أنّ التحدي المتمثل في الاعتماد على النفط لا يمكن تجاوزه بأسلوب المرحلة السابقة من التخطيط، وبعد ما يزيد على أربعين عاما من محاولات تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، لا يزال قطاع النفط يسيطر على الناتج المحلي الإجمالي وهيكل الإنتاج الكلي للاقتصاد تبقى العديد من التساؤلات بحاجة منها: هل يمكن المحافظة على وتيرة النمو الحالية والاستهلاك القائم عندما تقل الموارد النفطية على المدى القصير وعندما تنفد كليًا على المدى الطويل؟
ويرى الدليل أنّ معرفة أوجه القصور والخلل وتجاوز المأزق الاقتصادي المحتمل والمحنة القادمة، في ظل احتياطيات نفطية محدودة، يتطلب مراجعة برامج التنمية السابقة وأوليات الإنفاق الحكومي الإنمائي والمتكرر والاستثماري والاستهلاكي، والاستفادة من تجارب الدول التي استطاعت أن تحقق إنجازات اقتصادية والانتقال باقتصادياتها إلى مصاف الدول القابلة للنمو والاستدامة. كما يتطلب الأمر القيام بمقارنات ومراجعات لكفاءة كل برامج التنمية الماضية بما في ذلك: الإنفاق على البنية التحتية؛ والإنفاق على الخدمات الاجتماعية (الصحة - التعليم - الكهرباء والماء)؛ والإنفاق الحكومي المدني الانمائي والمتكرر؛ والإنفاق الحكومي غير المدني الانمائي والمتكرر؛ والإنفاق على الدراسات والبحوث؛ بجانب الاهتمام بقضايا المساءلة والشفافية والحوكمة والبدائل الأخرى المتاحة.
إنّ دراسة الوثائق الخاصة بالرؤية المستقبلية: عمان 2020 تشير إلى وجود خلط بين مفهوم الرؤية المستقبلية والأهداف الإستراتيجية والسياسات والبرامج، كما أنّها لم تتضمن تسلسلا منهجيا بين هذه العناصر. كما أنّ الاجتهادات الحالية لإيجاد الحلول العاجلة لن يكون بوسعها إصلاح هيكلة الاقتصاد العماني بسبب ضعف منهجية إعداد الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني الحالي، والتي لم تتمكن من تحقيق أهم أهدافها ولن تتمكن من مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، وتوفير أكثر من 400.000 ألف فرصة عمل للمواطنين الباحثين عن عمل وللذين سيدخلون سوق العمل لأول مرة خلال الفترة الممتدة من الآن إلى سنة 2020 م.
مسار جديد للتنمية
ويشتمل التصور على ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية للدول التي قامت بوضع إستراتيجيات وطنية تستشرف آفاق المستقبل. ومن الأمثلة على الرؤى المستقبليّة الوطنية: رؤية ماليزيا 2020م، والكويت 2025م، وإيرلندا 2030م، ورؤية اليابان 2025م وغيرها .
ويؤكّد على الحاجة إلى تحديد مسار التنمية والنموذج الذي يمكن تبنيه لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بعيدًا عن الاعتماد على النفط كمصدر دخل أساسي، وقائم على أساس التوزيع العادل للثروات والحكم الرشيد. وهذا يعني إمّا أن يتم تبني مفهوم التنمية الذي يركز على المحور الاقتصادي فقط وعليه يأخذ مما تمّ إنجازه في السابق ويبني عليه (الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020) أو أنه يتبنى مفهوماً أكثر شمولية للتنمية ليشمل بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والبيئية.
ولمواكبة التغيرات التي تمر بها الدول العربية والحراك الشعبي الذي يتطلع إلى تحقيق العدل الاجتماعي وتحقيق الرفاه يمكن دراسة البدائل التي تطرحها بعض المنظمات غير الحكومية مثل "شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية" التي حذرت من الاستمرار في النموذج الاقتصادي السابق أو العودة إليه.
محليًا فقد تغيّرت الأوضاع تغيرًا جذريًا عما كانت عليه عند إعداد الرؤية المستقبلية عمان 2020، وقد أدى حراك سنة 2011م الذي بدأ بمطالبات من قبل مجموعة صغيرة من المواطنين بتحسين أوضاعهم المعيشية إلى تغييرات جذرية في هيكلية الدولة، وطال معظم مؤسساتها ولم يسلم منها أحد سوى المتسببة الأولى لمشاكل ذلك الحراك وهي الرؤية المستقبلية لعمان 2020، ولقد دفع الثمن بدلا منها وزارة الاقتصاد الوطني، والوزراء المعنيين بالملفات الاقتصادية الذين تمت إقالتهم بجانب المسؤولين عن الملفات الأمنية. وتمّ بعد ذلك معالجة أمور ذات طابع اقتصادي بحت بقرارات سياسية مثل توفير آلاف الوظائف المقنعة وتخصيص منح شهرية للباحثين عن عمل وزيادة رواتب الموظفين، وقبول أعداد كبيرة من مخرجات الدبلوم العام للدراسة الجامعية على نفقة الحكومة.
أهداف الدليل
بالنسبة لعُمان في هذه المرحلة، فإنّ الدليل الوطني هو بيان عن أهداف عمان الطويلة الأمد ( ستكون قصيرة الأمد إذا كانت حتى2020م ستكون في حدود 6 أعوام فقط) وعن التحديات التي تواجهها السلطنة والفرص المتاحة أمامها مستقبلاً. ويحاول الدليل الوطني الموازنة ما بين ثقافة وتقاليد السلطنة العريقة وعمليتي التحديث والتنمية الاقتصادية.
ويهدف الدليل الوطني إلى المساعدة في توجيه صناع القرار في السلطنة نحو تحقيق التنمية المستدامة وخلق مجتمع عصري قادر على الإسهام بشكل فعّال في تقدم الإنسانية. وعليه، فإنّ الدليل الوطني المقترح يسعى إلى ضمان حدوث استخدام أمثل لكافة طاقات المجتمع البشرية والطبيعية لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد، ومن ثمّ ترجمة معدلات النمو الاقتصادي العالية في إعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت نحو تحقيق تنمية إنسانية شاملة ومتوازنة. ولذا، فإنّ هذا الدليل يأتي استجابة للحاجة إلى إيجاد تكامل بين ركائز التنمية المختلفة والمتمثلة في خمس ركائز مترابطة هي:
- التنمية البشرية: العمل على تمكين الإنسان العماني وتعزيز مشاركته الفاعلة في تطور المجتمع من خلال ضمان وصوله إلى أفضل الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، وتوفير السبل لصقل مهاراته المعرفية والإبداعية، وتوسيع الخيارات المتاحة أمامه للتمتع بحياة معيشية كريمة.
- التنمية الاجتماعية: السعيّ إلى بناء مجتمع ينعم بالسلم الاجتماعي وتسوده العدالة والتآلف.
- التنمية الاقتصادية: وجود اقتصاد وطني مرن قادر على المنافسة ويشارك بكفاءة في إنتاج السلع والخدمات التي تعزز من رفاهية المجتمع الإنساني المعاصر.
- التنمية المؤسسية: توفر نظام إدارة للمجتمع يتصف بالاستقرار ويمتلك ضوابط صارمة للمحاسبة والشفافية وضمان النزاهة.
- التنمية البيئية: الوصول إلى نظم استغلال للثروات الطبيعية للبلاد تمتاز بالكفاءة وتضمن استدامة هذه الثروات وانتفاع الأجيال اللاحقة من مردوداتها.
محاور الدليل
يسلط الدليل الوطني الضوء على التحديات الراهنة وأساليب مواجهتها في ظل تحديات التطوير الاقتصادي وذلك من خلال المحاور التالية:
استغلال عائدات النفط لتحقيق تنمية مستدامة
تواجه السلطنة العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتنمية في مضمونها أو أهدافها؛ تشمل خيارات متعددة يتعين الالتزام بتحقيقها وفق جداول زمنية وخطة شاملة للتنمية، وعلى الرغم مما حققتها السلطنة من تقدم ملموس في مسارات التنمية، فإنّها لا تزال تواجه تحديات تنموية أساسية يقع في الصدارة منها: ضعف النمو الاقتصادي الحقيقي وتقلّبه، التضخّم وأثره على المستوى المعيشي للمجتمع، ارتفاع معدلات الباحثين عن عمل وتزايدها، زيادة الاعتماد على واردات الغذاء وغالبية السلع الأساسية، ضعف الأداء في قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة والثروة السمكية، تزايد مشاكل المياه وندرتها والنفط وتقلب أسعاره، وهي بحاجة إلى تعظيم الاستفادة من الأثر المضاعف للمشاريع والذي يزيد من الروابط الأمامية والخلفيّة للقطاعات الرائدة من خلال تشجيع إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المكملة للمشروعات العاملة في هذه القطاعات.
لقد عملت حكومة السلطنة على مدار العقود الأربعة الماضية على تطوير البنى التحتية والتعليم والصحة وتطوير العمل في القطاع الحكومي، ومع التوجه العالمي نحو الاقتصاد المبني على المعرفة فإنّ الأمر يتطلب وضع سياسات اقتصادية تتفق مع الاقتصاد الجديد، وتعمل على معالجة القضايا الهامة مثل زيادة معدلات النمو واستدامته وإعادة توزيع الدخول، وإيجاد فرص العمل، وتنويع الاقتصاد، وجلب الاستثمار ورفع كفاءته، وتطوير بنية السياسات النقدية والمالية. والأمر يتطلب استغلال العائدات الحالية للنفط، والتي تقدم فرصة يجب ألا تفوت من أجل التوجّه نحو الاقتصاد الجديد، وإطلاق المبادرات الخلاقة ودفع بناء البنية التحتية المعرفيّة وتأهيل العمالة الوطنية لزيادة الاستثمار في الطلب على المعرفة من خلال مبادرات وطنيّة ترفع الطاقات المولدة والداعمة للإنتاجية والمحققة للتنافسية في قطاعات الإنتاج والخدمات، ومما لاشك فيه أنّ تهيئة الظروف والرؤية المجتمعية الداعمة للتحول السريع إلى مجتمع المعرفة وللحاق بالتطورات السريعة للاقتصاد العالمي نحو الاقتصاد الجديد يتطلب وجود سياسات للعلم والتكنولوجيا والابتكار، مع آليات تنفيذها، عبر مبادرات وطنية مهمّة تعني بالتعاون مع القطاع الخاص عبر شراكة اجتماعية واسعة وجديدة توجه الجهود بمشاركة الجميع.
التشوّهات الهيكليّة في سوق العمل
يرى الدليل أنّ مشكلة الباحثين عن عمل ستظل التحدي الأكبر الذي تواجهه السطنة، وهناك حاجة إلى وضع مسار جديد للتنمية الشاملة المستدامة والمنصفة ومراجعة السياسات التنموية لمعالجة هذه الإشكالية حيث إنّ إيجاد فرص عمل حقيقية تلبي طموح أبناء الوطن يتطلب التخطيط السليم وتجنب تناقض الأهداف والسياسات والتركيز على الاستثمار في المجالات التي من شأنها تطوير المعرفة ورفع الكفاءة الإنتاجية لدى المواطنين بدلا من المشاريع التي تفاقم الخلل السكاني ولا تحقق عوائد اقتصادية واجتماعية حقيقية، والسعي بالتعاون مع قطاعات المجتمع المختلفة على تحقيق العدالة وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحقيق المكونات الأساسية الثلاثة للتنمية كما ذكرتها تقارير التنمية البشرية الدولية وهي: تحقيق الرفاهية وتحقيق التمكين والقدرة على التغيير.
يتطلب الأمر إعادة النظر في برامجنا ونمط خططنا التنموية لمواجهة تحدي التوظيف في القطاع الخاص دون إحداث تشوّهات كبيرة في السوق وفرض تكاليف كبيرة لتنفيذ الأعمال والتي من شأنها الحد من القدرة التنافسية وخفض النمو، وإيجاد التوازن بين الإجراءات الإدارية المرهقة وسياسات تقديم الحوافز لاكتساب المهارات التي يتطلبها القطاع الخاص من أجل توظيف المواطنين، مع تفعيل استراتيجيات تنمية الموارد البشرية وتطوير منظومة واضحة وشفافة للتعليم والتدريب لحل إشكالية المواءمة بين مناهج وسياسات التعليم والتدريب المهني ومتطلبات أسواق العمل والشراكة مع القطاع الخاص في تصميم برامج توفير فرص العمل، ووجود استراتيجيات وطنية متوسطة وطويلة الأجل للتشغيل والإحلال، تتضمن الآليات الكفيلة بإيجاد التوازن في سوق العمل والربط بين الأجور والإنتاجية والقدرة التنافسية الدولية، ودراسة القضايا المتعلقة بتنمية المهارات، والإنتاجية، والهجرة والعلوم والتكنولوجيا، مع أهميّة فتح قنوات التواصل مع جيل الشباب لفهم تطلعاتهم وإشراكهم في عملية اتخاذ القرار وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي المرتبط بالتوظيف، مع ضرورة وضع استراتيجيات وطنية لتطوير الأعمال الصغيرة والمتوسطة وإيجاد البيئة الكفيلة بنماء أعمالها وتوزيع مكتسبات التنمية بهدف تعزيز الروح الريادية والمبادرات الشخصية التي تكفل العيش الكريم لدى فئة الشباب مع ضرورة استغلال المشتريات الحكومية والمؤسسات العامة كأداة لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وعلى المدى القصير لا مناص من أن تقوم الدولة بدورها الحالي، بطريقة مستمرة ومعلنة تحفز الاقتصاد على توليد الوظائف التى يحتاجها أبناء الوطن والتي بدورها ستعمل على دعم الطلب المحلي الفعّال والذي سيؤدي بدوره إلى تدعيم القطاع الخاص، ليقوم بهذا الدور على المدى البعيد ولحين استكمال قدراته. ولحفز الباحثين عن عمل للانضام لمنظومة القطاع الخاص المنتجة يقترح أن يتم التفكير في تبني الدولة برنامج دعم الوظائف - فبدلاً من خلق الوظائف في القطاع الحكومي بصورة مباشرة – يتم توجيه تلك المخصصات في برامج تهدف لتقديم دعم جزئي مباشر أو غير مباشر للمواطنين العاملين في القطاع الخاص لتحفيز العمل والانتقال التدريجي من القطاع العام للقطاع الخاص، ويتم ذلك خاصة في مرحلة بناء القطاع الخاص ثمّ تنسحب تلك الحوافز حال استكمال إمكانيات القطاع الخاص للقيام بدوره بصورة مناسبة، ويجب التنبيه هنا على أهمية القطاعات الإنتاجية المدعومة التي يجب استهدافها في الاقتصاد للاستفادة القصوى من آنية ريع النفط.
دور الحكومة والقطاع الخاص في التنمية
لقد استفادت الكثير من مؤسسات القطاع الخاص من الإجراءات الحكومية الداعمة لها طوال السنين الماضية إلا أنّ مردودها على العملية التنموية كان دون المستوى المأمول، وتتطلب المرحلة القادمة تعزيز دور الدولة في إدارة المجتمع، فالدولة ممثلة في الحكومة يجب أن تلعب دوراً بارزاً كممثلة للإدارة الجماعية للمجتمع. ويتطلب هذا الدور إعلانًا لأهداف المجتمع ووضع السياسات اللازمة لتحقيقها. وعلى الحكومة أن تعزز المناخ اللازم لازدهار الأعمال. ومن ذلك تطوير الإطار التشريعي والقضائي وإصلاح القطاع المالي ووضع قواعد عمل الأسواق التي تضمن التنافس وحرية ممارسة الأعمال وتمنع الاحتكار وتوفّر البيانات اللازمة لاتخاذ قرارات رشيدة.
يتزايد دور القطاع الخاص بإتاحة الفرصة له في بناء مشاريع استثمارية جديدة من خلال شراكات وطنية وأجنبية أو عن طريق دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة العامة ليصبح أحد الركائز الأساسية في تنفيذ إستراتيجيات تنويع مصادر الدخل للدولة، ودعوة القطاع الخاص كفئة مجتمعية باللالتزام واحترام القانون والابتعاد عن تعميق الممارسات غير الشفافة بما في ذلك اتباع الطرق الفاسدة لتعظيم الأرباح، ولابد في هذا الصدد من تقوية الأجهزة الرقابية على القطاع الخاص وتدعيم آليات الحوكمة لمنع الفساد المدمر لأجواء الاستثمار.
الأمن الاجتماعي
إنّ التنمية الاقتصادية تؤدي إلى جانب وظيفتها الاقتصادية وظيفة أخرى اجتماعية حيث إنّها في المدى البعيد تستهدف رفاهية الإنسان ورفع مستوى معيشته، والتنمية الاجتماعية تؤدي إلى جانب وظيفتها الأساسية وظيفة أخرى اقتصادية حيث إنّها في المدى البعيد تهدف إلى تحقيق أقصى استثمار ممكن للطاقات والإمكانيات البشرية الموجودة في المجتمع والتي اصطلح عليها حديثاً برأس المال البشرى.
ونتيجة للتطورات التي شهدتها السلطنة خلال الأربعة عقود الماضية وما رافقتها من التعقيدات والتي صبغت كافة العلاقات الاجتماعية يتوجب على الحكومة مراجعة العديد من سياساتها الاجتماعية وذلك من أجل رفع مستوى نوعية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستناداً إلى مقاييس مختلفة متصلة بالتعليم والصحة والثقافة والعمل والإسكان، وتشمل كل الفئات الاجتماعية، ولكي تنجح المؤسسات الاجتماعية فلا بد لها أن تتكامل مع السياسات الاقتصادية، كما أن تحقيق الأمان الاجتماعي الشامل والدائم شرط ضروري للنمو والتقدم، ولذلك فلا بد من الوقوف على مفهوم الأمن الاجتماعي وآلياته من خلال مراجعة سياسات أسواق العمل وقطاع التعليم والصحة والبيئة والرعاية الاجتماعية والفقر وقضايا الاندماج والإقصاء الاجتماعي ومجالات أخرى متعلقة بمفهوم التنمية الاجتماعية .
التنمية والحكم الرشيد
ويبين الدليل أنّ الحديث عن التنمية الإنسانية المستدامة والحكامة (الحكم الرشيد) لايزال في مرحلتهما الأولى، حيث إنه حتى عهد قريب كان المقصود بالتنمية هو النمو الاقتصادي، واستبدل التركيز من النمو الاقتصادي، إلى التركيز على مفهوم التنمية البشرية وإلى التنمية المستدامة فيما بعد، أيّ الانتقال من الرأسمال المادي إلى الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي وصولاً إلى التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد إلى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة بالتخطيط الطويل الأمد في حقول التعليم والتربية والثقافة والإسكان والصحة والبيئة وغيرها. من هنا نشأت العلاقة بين مفهوم الحكم (الرشيد) والتنمية الإنسانية المستدامة، لأنّ الحكم الرشيد أو الحوكمة هي الضامن لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية إنسانية مستدامة. ولذا فلا بد من تسليط الضوء على عدد من الموضوعات التي تعيق مسيرة التنمية مثل ضعف المشاركة السياسية، ومركزية الدولة، وضعف الجهاز الإداري للدولة، وترهل هياكله التنظيمية، ودور مؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في عملية التنمية، والتصدي لقضايا الفساد والفقر.
إنّ أهداف التنمية الشاملة تتطلب تحقيق قاعدة واسعة من الإصلاحات بمعنى أنّ التنمية تعتمد في أساسها على الإصلاح الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي، وهنا فإنّ دور الدولة والمؤسسات المختلفة، يُعد عاملاً رئيسياً في تنفيذ برامج العمل لإنجاز الدليل الوطني وصياغة الإستراتيجيات المتوسطة وطويلة المدى، والتي تعتبر الدولة مسؤولة مباشرة بوصفها الضامن الأساسي للعقد الاجتماعي القائم على أساس العدل والمساواة والإنصاف.
ويجب هنا إضافة دور المجتمع المدني وهو دور أصبح رئيسياً في المساعدة في مسار التنمية ممثلا للقطاعات التي هي صاحبة المصلحة، والتي تعيش المشكلة وتعاني من آثار هذه المشاكل، وبناءً عليه فإنّ مستقبل التنمية ممكن ومتاح بشرط أن نقوم بتحمل مسؤوليتنا واتخاذ الخطوات اللازمة لنجعله متاحاً.
لذلك فإنّ مسألة الحكم الرشيد يمكن تلخيصها كما وردت في الأدبيات المختلفة لهذا الموضوع في وضع عملية اختيار ومراقبة وتغيير الحكومة؛ ومقدرة الحكومة على صياغة وتنفيذ سياسات صائبة وبطريقة فعّالة؛ واحترام المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعل السياسي والاجتماعي فيما بينهم.
البعد البيئي
قدّم تقرير التنمية البشرية لعام 2011م مساهمة هامة جديدة في الحوار العالمي حول التحدّيات البيئية ونقاط التلاقي بين الانصاف والبيئة، وأثبت مدى الارتباط الوثيق بين الاستدامة ومبدأ الإنصاف أي مبدأ العدالة الاجتماعية، وإتاحة المزيد من الفرص لحياة أفضل للجميع. وتضمن التقرير الدعوة للإصلاح من أجل تحقيق الإنصاف وحماية حق أجيال اليوم في حياة صحية ولائقة، وضمان حق أجيال المستقبل، باعتبار أنّه التحدّي الإنمائي الكبير للقرن الحادي والعشرين بسبب ما ينجم عنه من مخاطر على رفاه البشر على المستوى الصحي، وعلى موارد الرزق خاصة في المجال الزراعي ومصائد الأسماك. وستعمل الأجندة على توضيح معالم الطريق إلى مستقبل بيئي أفضل من خلال استعراض أهم التحديات البيئية المؤثرة في التنمية في عمان وكيفية الاستفادة من الاقتصاد الأخضر وبدائل الطاقة. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أنه بالرغم من الإشادة العالمية بما حققته السلطنة في مجال البيئة، ليس هناك على أرض الواقع برامج تعنى بإعادة استخدام السلع التي تضر بالبيئة مثل منتجات اللدائن. وطوّرت كثير من دول العالم طرق حديثة لإعادة استخدام والتخلص من النفايات غير الحرق المعمول به حاليًا في السلطنة. كما أنّه وعلى ما يبدو بأنّه لم يتم الاستفادة من الضرر البيئي الذي لحق ببعض المناطق، مثل المناطق المحيطة بمصنع النحاس في صحار ومناطق التعدين في مختلف مناطق السلطنة، وحتى المناطق المأهولة بالسكان مثل فلج سيق بالجبل الأخضر الذي تلوّث بمخلفات وقود الديزل لعدة سنوات ولا تزال آثاره باقية حتى الآن. ويجدر التحذير هنا إلى أنّ الاكتشاف الوحيد في العالم حتى الآن لصخور تعرف بالـ ( (Peridotite والقادرة على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون في أراضي السلطنة، قد يحول أراضي السلطنة إلى مزبلة لكثير من مخلفات المنتجات الصناعية في العالم. عليه وفي هذه المرحلة المبكرة من الضروري توخي عدم إقامة صناعات تضر بالبيئة العمانية خاصة، وأنّ بعض الدول تسعى إلى تصدير صناعات ضارة بالبيئة إلى دول أخرى تحت إغراء نقل التكنولوجيا أو استقدام رأس المال الأجنبي.
نطاق التحديات
وحول تحديد نطاق التحديات، بيّن الدليل أنّه يتطلب تدارس كافة التحديات من حيث: حجم المشكلة وحدتها وعمقها، وشموليتها والحراك (الدينامكية) بشقيه الكمي و النوعي .
ولأغراض التخطيط لمستقبل الاقتصاد والمجتمع العماني يتطلب اعتماد مبدأ ومنهج المقاربة التشخيصة، والاستنباط، والعمل على تحديد القيود الحاسمة المجتمعية والاقتصادية التي تعوق أهداف التنمية.
مراحل إعداد الدليل
إنّ إعداد الأجندة الوطنية يتطلب تخطيطاً إستراتيجياً لجميع القضايا الوطنية للمساعدة في اتخاذ قرار منظم يركز على أهم التحديات وكيفية حلها وهذا يعني بالضرورة تشخيص التحديات التي تواجه التنمية الاقتصادية، وتلك المتعلقة بالأمن الاجتماعي وإدارة الحكم والفرص واستنباط القيود المرتبطة بالبيئة العالمية والتي لها تأثير مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العماني. وعليه يجب أن ينقسم العمل في إعداد الأجندة إلى عدة مراحل يتم من خلالها الإجابة عن الأسئلة الخمسة التالية: تشخيص الموقف الحالي: حيث إنّه عند البدء يجب الإجابة عن السؤال أين نحن الآن؟ وتتم الإجابة من خلال تقييم وضع التنمية في عمان. حيث يتم إجراء مقارنة تحليلية لوضع التنمية في عمان مع أوضاع نخبة من الدول ذات النماذج التنموية" الناجحة" مثل السويد، فنلندا، ايرلندا، سنغافورة، ماليزيا، تايوان، كوريا الجنوبية وغيرها. على أن يتم النظر في مؤشرات التنمية المختلفة للسلطنة ومقارنتها مع الدول التي نسعى إلى الاسترشاد بنماذجها التنموية.
ويتم بعد ذلك تحديد الغايات بعد التعرف على الموقف الحالي من خلال الإجابة عن السؤال أين نريد أن نكون؟ ويتم ذلك من خلال تحديد الرؤية المستقبلية وترجمتها إلى الأهداف. في هذه المرحلة لا بد من تقييم التحديات الراهنة والمستقبلية للاقتصاد الوطني على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، والإمكانيات المتاحة للتعامل معها؛ ثمّ استكشاف وتقييم الخيارات التنموية المتاحة (القطاعات الاستراتيجية) على المدييّن المتوسط والطويل.
ويتم في هذه المرحلة وضع الإرشادات (أو التفاهمات) العامة حول إستراتيجيات التنمية. ومن الأمثلة على ذلك عملية تقاسم وتكامل الأدوار التنموية بين القطاعين العام والخاص (مثل أن يتم الإنفاق على اختيار أحد البديلين التاليين، إمّا التأكيد على مبدأ آليات السوق الحر ودور الدولة يقتصر على التدخل في مواجهة حالات "فشل الأسواق" أو أن تدعم الدولة قطاعات استراتيجية معينة مع السماح لقوى السوق بالعمل بحرية في قطاعات أخرى... إلخ)، تحديد دور الاستثمار الأجنبي فى الاقتصاد، ووضع آليات المحاسبة وضمان النزاهة وغير ذلك من الخطوط العامة المطلوبة في إطار التخطيط التنموي طويل الأجل.
إنّ الغاية النهائية للأجندة تتمثل في إيجاد اقتصاد متين ذي قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على المنافسة من خلال التوظيف الأمثل لكافة الطاقات البشرية والثروات الطبيعية وتسخيرها بكفاءة لضمان توفر مستوى معيشي رفيع مترافق مع الارتقاء بالجودة النوعية لحياة أفراد المجتمع العُماني. ويتأتى ذلك من خلال تبني تخطيط تنموي طويل الأجل يهدف إلى إجراء تعديل هيكلي في منظومة الانتاج الاقتصادي في البلاد والتخفيض المتدرج للاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية، مع توسيع الخيارات المعرفية والعملية والمعيشية أمام المواطن .
ويقترح أن تكون المرحلة الأولى: العمل على وضع أسس خلق القطاعات الإنتاجية ضمن سلسلة القيمة المبنية على عائدات النفط الحالية - والتي بالضرورة لا تعتمد عليه فى المدى الطويل بالشكل المباشر- كالقطاع الصناعي ( خاصة تلك الصناعات التي تعتمد على الموارد المحلية)، الخدمات التي يمكن أن تتميز بها السلطنة، القطاع الزراعي والسمكي، السياحة... إلخ؛ ويقترح العمل في هذه المرحلة على تعزيز نشاط القطاع الخاص، وتوسيع دوره بما يتلاءم مع القطاعات الإنتاجية الجديدة المقترح الدخول فيها والاستفادة من مخرجات هذا القطاع لتعزيز النمو الاقتصادى في إطار تكامل السياسات الاقتصادية الكلية مع الأهداف المرصودة لهذه المرحلة، والمراحل التي تليها.
على أن يتم بعد ذلك تحديد الوسائل من خلال الإجابة عن السؤال: كيف يمكننا الوصول إلى هناك؟ ويتم ذلك من خلال مناقشة الآليات المتبعة في التغيير وتقييم البدائل وإعداد خطة العمل التفصيلية. ويتم في هذه المرحلة تحديد القضايا الأساسية في كل قطاع من قطاعات التنمية الرئيسية والفرعية. ويتم جدولتها وفق أهميتها وتأثيرها على المنظومة الكلية وتشابكها مع القطاعات المختلفة .
ويتم في هذه المرحلة كذلك تحديد بدائل الحلول لكل معضلة من المعضلات التي تواجه القطاعات المختلفة، والبحث في مدى استيفاء الحلول المطروحة في معالجة المعضلات. كما يتم تطوير استراتيجيات ومبادرات مدروسة لمواجهة التحديات القائمة في كل قطاع.
سيناريوهات المستقبل
تتم محاولة الإجابة على التساؤل عن أي التصورات هو الأكثر إحتمالاً للتحقق؟ في هذه المرحلة يتم بناء نموذج اقتصادي شامل لمختلف المؤشرات الاقتصادية والتنموية وفق سيناريوهات مختلفة في درجة احتمالية الحدوث معززاً بإتباع منهجية استكشاف آثار مختلف تدخلات السياسات التى يمكن أن تمثل صدمات إيجابية للمجتمع والاقتصاد. النموذج المقترح يجب أن يكون ملائماً لطبيعة مكونات الاقتصاد العماني ويتطلب جهداً واسعاً على مستوى بناء قواعد البيانات، وهو مطلب أساسي لضمان التخطيط التنموي السليم. كما أنّ عمليات بناء السيناريوهات تتطلب قدرات معرفية واسعة. وإحدى أهم إيجابيات وجود النموذج هي منح الدولة الاستعداد والجاهزية للتعامل مع غالبية التطورات غير المواتية (الصدمات). ومن ثم يأتي البحث عن إجابة للتساؤل حول أي من التصورات هو الأكثر احتمالاً للتحقق.
التنفيذ والمراجعة
عند مباشرة تنفيذ الأجندة يجب أن يصاحبه التساؤل حول أين وصلنا؟ وللإجابة يجب تحديد آلية تضمن التساؤل أولا، ثم الاتفاق على إطار المتابعة والتقييم والتقويم وعلى ضوء النتائج يتم التعديل أوتغيير المسار، إن لزم الأمر. وتوفير كافة مستلزمات ضمان العمل الفعلي من موارد وطاقات. وكذلك يتم إقرار أدوات قياس وتقييم شفافة لتحديد مدى نجاح عملية تطبيق التغيير في كل قطاع. ويتم مراجعة كافة الخطوات المنجزة بالتشاور مع كل الأطراف المساهمة في المشروع .
منهجية العمل
وتتضمن منهجية العمل عدة خطوات وهي :
1. تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتتبنى تنفيذ المشروع.
2. يتولى المجلس الأعلى للتخطيط القيام بدور مدير المشروع ويشكل لجنة فنية رئيسية لإعداد الأجندة الوطنية للتنمية.
3. ينظم المجلس الأعلى للتخطيط / مجلس الشورى ندوات في مختلف محافظات السلطنة بعنوان " عمان التي نريد " ويشارك فيها كافة شرائح المجتمع يحدد من خلالها التنمية المطلوبة قبل نهاية سنة 2013م ويشكل فريق فني لتحليل ما سيتم التوصل إليه في تلك الندوات، وبحيث تنبثق التوصيات من لجان مجلس الشورى المشاركة في الندوة ويتم رفعها للمجلس الأعلى للتخطيط لترجمتها لاستراتيجيات وخطط وبرامج.
4. تشكل اللجنة الفنية الرئيسية مجموعة من فرق العمل لإعداد الدليل الوطني للتنمية يتم تحديدها على أساس الاهتمام والخبرة وفق المراحل المشار إليها وتحدد اللجنة الرئيسية على سبيل المثال لا الحصر :-آلية العمل وتوزيع المهام. البيانات والإحصاءات ذات العلاقة والتي سيتم جمعها. توضيح المخرجات المطلوبة من كل فريق، كي يتسنى لرؤساء اللجان الخروج معاً بالتنسيق المطلوب لمخرجات عامة. تحديد آليات تنفيذ السياسات والتوصيات، إذ أن المشكلة الأكبر قد تكون في آلية التنفيذ وليس تحديد السياسات. إمكانية إضافة مواضيع أخرى يتم دراستها كمحاور جديدة ضمن مفهوم التحديات العامة. إمكانية الاستدعاء والاستعانة بمن تراه الفرق مناسباً لغايات إنجاز عملها. قيام كل فريق بتحديد المواضيع الأكثر أهمية ضمن المحور الخاص بهم، ومن ثمّ التركيز عليها وتقييمها مع الأخذ بعين الاعتبار التداخلات فيما بينها. إقامة مؤتمرات ومحاضرات وندوات وورش عمل لخدمة الأجندة.
5. أن يكون العمل في اللجان وفرق العمل بشكل متوازٍ لتوفير الوقت وإنجاز المطلوب في الربع الأخير من سنة 2014م .
دعم المشروع
ينتظر أن يتمخض عن الدليل الوطني للتنمية في نهاية المطاف الإعلان عن برامج ومشاريع عملية كثيرة تتعلق بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وسيجري تنفيذ البرامج والمشاريع وفق أولويات محددة وضمن إطار زمني وتنظيمي شامل ومتكامل. وهذا يتطلب دعم العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية. وينقسم الدعم المطلوب الى إنجاز هذه المهمة إلى ثلاثة أقسام:
أولا: الدعم المعنوي: ويتمثل الدعم المعنوى فى المباركة والاعتراف الرسمي بالمشروع واحتضانه من قبل السلطات العليا بالسلطنة.
ثانيا: الدعم الفني ويتمثل فى مشاركة المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والمهتمين من الأكادميين والفنيين وصناع القرار والإحصائيين في المشاركة المباشرة في صياغة الدليل الوطني للتنمية بمراحله المختلفة وتزويد الجهات ذات العلاقة بالمشروع بالبيانات والمعلومات المطلوبة.
ثالثا: الدعم المادي واللوجيستي ويتمثل في إيجاد الموارد المالية وتوفير الدعم اللوجيستي اللازمين لتنفيذ المشروع وتوفير الدعم اللوجستى اللازم لتنفيذ المشروع.
أكثر...
- الدليل استجابة للحاجة إلى التكامل بين ركائز التنمية والاستخدام الأمثل لكافة طاقات المجتمع لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد-
- إيجاد اقتصاد متين ذي قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على المنافسة.. الغاية النهائية للدليل-
- تبني تخطيط تنموي طويل الأجل بهدف إجراء تعديل هيكلي في منظومة الإنتاج الاقتصادي مع تقليل الاعتماد "المفرط " على النفط-
- تقييّم الممارسات وتحديد الخيارات المستقبلية واكتشاف مكامن قدراتنا التنافسية.. من أهداف الدليل-
- ترجمة معدلات النمو الاقتصادي في إعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت لتحقيق تنمية إنسانية شاملة ومتوازنة-
- توسيع الخيارات المعرفية والعملية والمعيشية أمام المواطن-
- مراجعة برامج التنمية السابقة وأوليات الإنفاق الانمائي والاستثماري والاستهلاكي-
- توفير نظام إدارة للمجتمع يمتلك ضوابط صارمة للمحاسبة والشفافية والنزاهة-
- إيجاد فرص عمل حقيقية تلبي طموح أبناء الوطن بالتخطيط السليم والتركيز على الاستثمار في تطوير المعرفة ورفع الكفاءة الإنتاجية-
الرؤية – فايزة الكلبانية-
تصوير / راشد الكندي-
أبرز الدليل الوطني للتنمية " عمان التي نريد" الذي دشنته الجمعية الاقتصادية العمانية مساء أمس الإثنين ويتضمن تصوراتها الأولية لمتطلبات التخطيط لبدائل التنمية وتحقيق التنمية المستدامة، أهمية البدء الفوري في صياغة رؤية مستقبلية جديدة لتكون بديلا عن الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني ( عمان2020م)، على أن تتضمن تحديدًا للمسارات التي يتوجب علينا أن نسلكها بدءًا من الخطة الخمسية القادمة، ويكون محورها الأساسي "عمان التي نريد" ويتم من خلالها تقييم الممارسات وتحديد الخيارات المستقبلية، إضافة إلى اكتشاف مكامن قدراتنا التنافسية، وإعادة النظر في الفكر التنموي وكيفية إدارة الاقتصاد الوطني وتبني نموذج جديد للتنمية يعكس واقع المجتمع العماني وخصوصيته وينبثق عن نتائج النقاشات التي يجب أن تتم بين مختلف شرائح المجتمع بما في ذلك المؤسسات الحكومية والأكاديميين ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأكدت الجمعية أنّ الدليل يأتي استجابة للحاجة إلى إيجاد تكامل بين ركائز التنمية المختلفة، ويسعى إلى ضمان حدوث استخدام أمثل لكافة طاقات المجتمع البشرية والطبيعية لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد، ومن ثمّ ترجمة معدلات النمو الاقتصادي العالية في إعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت نحو تحقيق تنمية إنسانية شاملة ومتوازنة.
وقالت الجمعية إنّ الغاية النهائية للأجندة تتمثل في إيجاد اقتصاد متين ذي قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على المنافسة من خلال التوظيف الأمثل لكافة الطاقات البشرية والثروات الطبيعية وتسخيرها بكفاءة لضمان توفر مستوى معيشي رفيع مترافق مع الارتقاء بالجودة النوعية لحياة أفراد المجتمع العُماني، وذلك من خلال تبني تخطيط تنموي طويل الأجل يهدف إلى إجراء تعديل هيكلي في منظومة الإنتاج الاقتصادي في البلاد والتخفيض المتدرج للاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية مع توسيع الخيارات المعرفية والعملية والمعيشية أمام المواطن .
وأفادت أنّ الدليل الوطني للتنمية يهدف إلى صياغة رؤية مستقبلية متطورة للسلطنة تستجيب لمتطلبات الواقع المعاصر وتواكب تحديات المستقبل .
وأشارت الجمعية إلى أنّ الدليل جاء بناءً على مطالبات من أفراد وجهات مختلفة عقب مؤتمر الجمعية الاقتصادية العمانية السادس "التنمية المستدامة والإنصاف.. بين التخطيط والواقع" والذي عقد بتاريخ 16 - 17 فبراير 2013م وأبرز الحاجة لصياغة رؤية إستراتيجية جديدة للسلطنة تحقق التنمية المستدامة وأوصى بـ" إعداد دليل وطني للتنمية يمثل رؤية استراتيجية جديدة للسلطنة تتسم بالديناميكية لمواجهة التحديات المستجدة، وضمان تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية يكون محورها الأساس "عمان التي نريد" وأن يتم من خلاله تقييم الخطط الحالية، وتحديد الخيارات المستقبليّة بناءً على معايير ومؤشرات تنموية ذات أهداف محددة قابلة للقياس .
وتستعرض "الرؤية " فيما يلي أهم مضامين الدليل الوطني للتنمية الذي يبدأ بتعريف شامل وهو أنه عبارة عن الاستراتيجية التي يتم صياغاتها ووضعها لرسم وتوجيه الرؤى بين مختلف أطياف المجتمع لتكون بمثابة خارطة طريق يرسم معالمها في كثير من الدول جهد مشترك بين الحكومة والأكاديميين ورجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني.
ويهدف الدليل الوطني للتنمية إلى توحيد الأهداف المختلفة للمجتمع والرؤى المستقبلية للسيّر بها نحو تحقيق طموحات وآمال المجتمع وهذا من شأنه توحيد الصفوف والقوى المتعددة، وتفعيل طاقات المجتمع مما يسهل عملية تحقيق تلك الطموحات والآمال.
ويستعرض الملامح الرئيسية للتنمية في السلطنة، والتطرق إلى تجارب بعض الدول في صياغة رؤاها المستقبلية، وتعريف الدليل الوطني للتنمية وتحديد دورالجمعية الاقتصادية العمانية في إعداد الدليل الوطني للتنمية ومنهجية إعداده وبدائل ومنهج الإعداد لدليل التنمية، وأخيراً اقتراح الجهات المحتملة لرعاية المشروع.
ملامح التنمية
كان لاكتشاف خام النفط في باطن أرض السلطنة دورُ هامُ في تحول هيكل الإنتاج في الاقتصاد الوطني من اقتصاد قائم على الكفاف يعتمد على قطاع الزراعة والأسماك (والذي لم يكن بأي حال يدر مردوداً مادياً ملحوظاً) إلى اقتصاد حديث يعتمد على تصدير النفط وتلعب فيه قوى العرض والطلب دور أساسي في تحريك رأس المال وتحديد عمليات الإنتاج. وبفضل الموارد النفطية استطاعت السلطنة تحقيق نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4 % سنويًا في الفترة 1995 – 2011م واستغلت الحكومة الموارد النفطية للإنفاق على البنية الأساسيّة، مثل بناء الطرق والموانئ والكهرباء وتوفير الخدمات والمرافق العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم، وغيرها من خلال خطط خمسية توجه عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد اتضحت الرؤية منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي بأنّ التحدي الذي يواجه اقتصاد السلطنة المتمثل في الاعتماد على الموارد النفطية يمكن تجاوزه بتنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع الاستثمارات في مشاريع الصناعات التحويلية والتعدين، والزراعة والأسماك، ومشاريع التصدير بإعتبار أنّ أهداف التنمية الأخرى بما في ذلك المحافظة على المكتسبات المحققة، وتنمية الموارد البشرية وتنمية القطاع الخاص، وتحقيق التنمية المستدامة، مرتبطة بشكل مباشر بهدف تنويع مصادر الدخل. وسعت الحكومة إلى التقليل من الاعتماد على الموارد النفطية وإلى تنويع مصادر الدخل، وذلك لأنّ الموارد النفطية تعتمد على سعر النفط وحجم إنتاجه، وإذا انخفضت أسعار النفط أو قل إنتاجه فإنّها ستؤثر وبشكل مباشر على النمو الاقتصادي. كما أنّ سعر النفط متقلب، وتقلبات الدخل تؤثر سلبًا على اقتصاديات الدول، والنفط مورد غير متجدد. وقد تصدّر هدف تنويع القاعدة الإنتاجية بعد ذلك قوائم جميع الخطط الخمسية المتعاقبة منذ الخطة الخمسية الأولى بما في ذلك الخطة الخمسية الحالية الثامنة والرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني - عمان2020م .
الرؤية المستقبلية
بعد عقدين ونصف من الاعتماد شبه المطلق على العوائد النفطية قامت الحكومة بوضع "الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني – عمان 2020م"، معتبرة أنّ "الخطة تمثل مفترق الطرق والحد الفاصل بين مرحلتين في غاية الأهمية من مراحل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة"؛ مرحلة تميّزت بوضع "الدعائم الأساسيّة للتحول الاقتصادي والاجتماعي" من ناحية، ومن ناحية أخرى "بداية الانطلاق نحو آفاق المستقبل اعتمادًا على مصادر ذاتية متجددة لتحقيق التنمية المستدامة ".
تحديات الاقتصاد العماني
كما هو الحال مع الخطط الخمسية المتعاقبة، فإنّ من أهم أهداف الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 هو (استدامة التنمية من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتوازن المالي والسعى إلى إحداث تغيرات جوهرية واسعة في هيكل الاقتصاد الوطني بغرض تنويع قاعدته الإنتاجية وتعزيز دور القطاع الخاص وتنمية الموارد البشرية) .
إنّ المفهوم الحالي للاستدامة في الرؤية المستقبلية العمانية يركز على البعد الاقتصادي كمحور جوهري، وقد تطرق كذلك إلى بعض جوانب التنمية البشرية، من خلال الاسترشاد بمؤشرات كمية تتمثل في المحاور التالية: التوازن الاقتصادي والنمو؛ وتنمية القطاع الخاص؛ والتنويع الاقتصادي؛ وتنمية الموارد البشرية، وهذا التعريف بحاجة الى إعادة صياغة لينسجم مع مفهوم التنمية المستدامة كما عرفها تقرير التنمية البشرية 2011م بأنّها " توسيع الحريات الحقيقية للذين يعيشون اليوم مع الحرص على عدم المساس بحريات من سيعيشون في المستقبل. " حيث إن مفهوم الاستدامة الوارد في الرؤية 2020 يركز على جانب التنمية الاقتصادية في الأساس، ولا يغطي بشكل كافٍ البعد الاجتماعي والثقافي والسياسي الأوسع كما هو وارد في أدبيات التنمية المستدامة، والتي تشمل كذلك البعد البيئي. وبتقييم أداء محاور الاقتصاد العماني وفق مفهوم الاستدامة في الرؤية المستقبلية يتضح أنّ قطاعات الإنتاج السلعي القابل للتصدير مثل الزراعة والأسماك والتعدين لم يحقق أداؤها توقعات الرؤية، وقطاعات الإنتاج الخدمي غير القابل للتصدير مثل النقل والاتصالات والخدمات المالية والخدمات الخاصة تجاوزت أهداف الرؤية في العام 2010م، واستراتيجية التنويع الاقتصادي المرتكزة على التصدير والمنافسة في السوق العالمي من خلال تطوير القطاعات غير النفطية في إجمالي الناتج المحلي يصعب تحقيقها خلال الفترة المتبقية من الرؤية، مما يستدعي مراجعة سياسات وأهداف محور التنويع الاقتصادي، كما أنّ مؤشرات الصادرات والواردات لم تنسجم كنسبة من الناتج المحلي مع سياسة التنويع الاقتصادي التي سعت إلى تخفيض هذه النسبة وتوسّع دور الحكومة في النشاط الاقتصادي خلال العقد الماضي نتيجة للنمو السريع في المصروفات الحكومية، ويستبعد تحقيق تقدم في هذين المؤشرين خلال العقد القادم في حالة ثبات أسعار النفط على مستوياتها الحالية حول 100 دولار للبرميل.
وفيما يتعلق بالمحاور، فإنّ محور تنمية القطاع الخاص المتمثل برفع نسبة مساهمة استثماراته في الناتج المحلي لم ترق إلى أهداف الرؤية، ويستبعد تحقيقها مع نهاية الفترة. ولابد من مراجعتها والتركيز على تفعيل سياسات تنمية القطاع الخاص، وتعزيز دوره في النمو والمنافسة ، حيث أنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي؛ الموظف الأساسي للباحثين عن العمل من المواطنين. وتشير الإحصائيات المنشورة في العام 2010م إلى أنّ 44% من القوة العاملة العمانية تعمل في القطاع الحكومي المدني ومعظم الوظائف المتاحة في القطاع الخاص هي وظائف غير ماهرة أو شبه ماهرة ولا يقبل عليها العمانيون.
وفي محور تنمية الموارد البشرية في الرؤية يشتمل على قطاعات الصحة والتعليم والعمل. ففي حين تمّ تجاوز تحقيق أهداف قطاع الصحة (والتي تعتبر متواضعة في الأساس) في عام 2010م، فإنّ أهداف قطاع التعليم وخاصة التعليم العالي، وقطاع العمل الخاص لا تتسم بالواقعية وبحاجة إلى مراجعة وتطوير سياسات جديدة أكثر تلمساً لحاجة المرحلة القادمة، والتي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في السلطنة التي نص عليها المرسوم السلطاني (رقم 30/2012) الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط.
غياب التنويع
ويخلص إلى أنه ومن القراءة الأولية لهذه المؤشرات يتضح أنه بالرغم من جهود التنمية السابقة لا يزال النشاط الكلي للاقتصاد العماني يعتمد على قطاع النفط ولم يتمكن الاقتصاد من تنويع مصادر الدخل، كما لم تتمكن الهياكل الانتاجية من الاعتماد على مصادر ذاتية متجددة وقابلة للاستمرار، وأنّه لا يمكن لقطاع الخدمات في هذه المرحلة أن يقود النمو الاقتصادي. والصادرات النفطيّة هي المصدر الأساسي من دخل الاقتصاد من العملة الأجنبية، ولا يزال القطاع العام يعتمد على عائدات النفط لتمويل الإنفاق وبرامج التنمية، ويزداد الاعتماد على العمالة الأجنبية في كثير من الأنشطة الاقتصادية في الوقت الذي يزداد فيه عدد الباحثين عن فرص عمل من المواطنين، ولم تنجح جهود وسياسات التنمية في الخطط الخمسية وفي الموازنات السنويّة - إلى حد ما- في إيجاد توازن بين إنشاء البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية من جهة وتنمية القطاعات الإنتاجية من جهة أخرى، ولم تتمكن من تحقيق معظم أهداف الرؤية، إمّا لقصور بين الأهداف المحددة والمتحققة فعليًا وإما نتيجة لقصور البناء المنهجي للرؤية.
مراجعة برامج التنمية
ويرى التصور أنّ التحدي المتمثل في الاعتماد على النفط لا يمكن تجاوزه بأسلوب المرحلة السابقة من التخطيط، وبعد ما يزيد على أربعين عاما من محاولات تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، لا يزال قطاع النفط يسيطر على الناتج المحلي الإجمالي وهيكل الإنتاج الكلي للاقتصاد تبقى العديد من التساؤلات بحاجة منها: هل يمكن المحافظة على وتيرة النمو الحالية والاستهلاك القائم عندما تقل الموارد النفطية على المدى القصير وعندما تنفد كليًا على المدى الطويل؟
ويرى الدليل أنّ معرفة أوجه القصور والخلل وتجاوز المأزق الاقتصادي المحتمل والمحنة القادمة، في ظل احتياطيات نفطية محدودة، يتطلب مراجعة برامج التنمية السابقة وأوليات الإنفاق الحكومي الإنمائي والمتكرر والاستثماري والاستهلاكي، والاستفادة من تجارب الدول التي استطاعت أن تحقق إنجازات اقتصادية والانتقال باقتصادياتها إلى مصاف الدول القابلة للنمو والاستدامة. كما يتطلب الأمر القيام بمقارنات ومراجعات لكفاءة كل برامج التنمية الماضية بما في ذلك: الإنفاق على البنية التحتية؛ والإنفاق على الخدمات الاجتماعية (الصحة - التعليم - الكهرباء والماء)؛ والإنفاق الحكومي المدني الانمائي والمتكرر؛ والإنفاق الحكومي غير المدني الانمائي والمتكرر؛ والإنفاق على الدراسات والبحوث؛ بجانب الاهتمام بقضايا المساءلة والشفافية والحوكمة والبدائل الأخرى المتاحة.
إنّ دراسة الوثائق الخاصة بالرؤية المستقبلية: عمان 2020 تشير إلى وجود خلط بين مفهوم الرؤية المستقبلية والأهداف الإستراتيجية والسياسات والبرامج، كما أنّها لم تتضمن تسلسلا منهجيا بين هذه العناصر. كما أنّ الاجتهادات الحالية لإيجاد الحلول العاجلة لن يكون بوسعها إصلاح هيكلة الاقتصاد العماني بسبب ضعف منهجية إعداد الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني الحالي، والتي لم تتمكن من تحقيق أهم أهدافها ولن تتمكن من مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، وتوفير أكثر من 400.000 ألف فرصة عمل للمواطنين الباحثين عن عمل وللذين سيدخلون سوق العمل لأول مرة خلال الفترة الممتدة من الآن إلى سنة 2020 م.
مسار جديد للتنمية
ويشتمل التصور على ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية للدول التي قامت بوضع إستراتيجيات وطنية تستشرف آفاق المستقبل. ومن الأمثلة على الرؤى المستقبليّة الوطنية: رؤية ماليزيا 2020م، والكويت 2025م، وإيرلندا 2030م، ورؤية اليابان 2025م وغيرها .
ويؤكّد على الحاجة إلى تحديد مسار التنمية والنموذج الذي يمكن تبنيه لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بعيدًا عن الاعتماد على النفط كمصدر دخل أساسي، وقائم على أساس التوزيع العادل للثروات والحكم الرشيد. وهذا يعني إمّا أن يتم تبني مفهوم التنمية الذي يركز على المحور الاقتصادي فقط وعليه يأخذ مما تمّ إنجازه في السابق ويبني عليه (الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020) أو أنه يتبنى مفهوماً أكثر شمولية للتنمية ليشمل بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والبيئية.
ولمواكبة التغيرات التي تمر بها الدول العربية والحراك الشعبي الذي يتطلع إلى تحقيق العدل الاجتماعي وتحقيق الرفاه يمكن دراسة البدائل التي تطرحها بعض المنظمات غير الحكومية مثل "شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية" التي حذرت من الاستمرار في النموذج الاقتصادي السابق أو العودة إليه.
محليًا فقد تغيّرت الأوضاع تغيرًا جذريًا عما كانت عليه عند إعداد الرؤية المستقبلية عمان 2020، وقد أدى حراك سنة 2011م الذي بدأ بمطالبات من قبل مجموعة صغيرة من المواطنين بتحسين أوضاعهم المعيشية إلى تغييرات جذرية في هيكلية الدولة، وطال معظم مؤسساتها ولم يسلم منها أحد سوى المتسببة الأولى لمشاكل ذلك الحراك وهي الرؤية المستقبلية لعمان 2020، ولقد دفع الثمن بدلا منها وزارة الاقتصاد الوطني، والوزراء المعنيين بالملفات الاقتصادية الذين تمت إقالتهم بجانب المسؤولين عن الملفات الأمنية. وتمّ بعد ذلك معالجة أمور ذات طابع اقتصادي بحت بقرارات سياسية مثل توفير آلاف الوظائف المقنعة وتخصيص منح شهرية للباحثين عن عمل وزيادة رواتب الموظفين، وقبول أعداد كبيرة من مخرجات الدبلوم العام للدراسة الجامعية على نفقة الحكومة.
أهداف الدليل
بالنسبة لعُمان في هذه المرحلة، فإنّ الدليل الوطني هو بيان عن أهداف عمان الطويلة الأمد ( ستكون قصيرة الأمد إذا كانت حتى2020م ستكون في حدود 6 أعوام فقط) وعن التحديات التي تواجهها السلطنة والفرص المتاحة أمامها مستقبلاً. ويحاول الدليل الوطني الموازنة ما بين ثقافة وتقاليد السلطنة العريقة وعمليتي التحديث والتنمية الاقتصادية.
ويهدف الدليل الوطني إلى المساعدة في توجيه صناع القرار في السلطنة نحو تحقيق التنمية المستدامة وخلق مجتمع عصري قادر على الإسهام بشكل فعّال في تقدم الإنسانية. وعليه، فإنّ الدليل الوطني المقترح يسعى إلى ضمان حدوث استخدام أمثل لكافة طاقات المجتمع البشرية والطبيعية لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد، ومن ثمّ ترجمة معدلات النمو الاقتصادي العالية في إعادة توزيع الدخل وتقليل التفاوت نحو تحقيق تنمية إنسانية شاملة ومتوازنة. ولذا، فإنّ هذا الدليل يأتي استجابة للحاجة إلى إيجاد تكامل بين ركائز التنمية المختلفة والمتمثلة في خمس ركائز مترابطة هي:
- التنمية البشرية: العمل على تمكين الإنسان العماني وتعزيز مشاركته الفاعلة في تطور المجتمع من خلال ضمان وصوله إلى أفضل الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، وتوفير السبل لصقل مهاراته المعرفية والإبداعية، وتوسيع الخيارات المتاحة أمامه للتمتع بحياة معيشية كريمة.
- التنمية الاجتماعية: السعيّ إلى بناء مجتمع ينعم بالسلم الاجتماعي وتسوده العدالة والتآلف.
- التنمية الاقتصادية: وجود اقتصاد وطني مرن قادر على المنافسة ويشارك بكفاءة في إنتاج السلع والخدمات التي تعزز من رفاهية المجتمع الإنساني المعاصر.
- التنمية المؤسسية: توفر نظام إدارة للمجتمع يتصف بالاستقرار ويمتلك ضوابط صارمة للمحاسبة والشفافية وضمان النزاهة.
- التنمية البيئية: الوصول إلى نظم استغلال للثروات الطبيعية للبلاد تمتاز بالكفاءة وتضمن استدامة هذه الثروات وانتفاع الأجيال اللاحقة من مردوداتها.
محاور الدليل
يسلط الدليل الوطني الضوء على التحديات الراهنة وأساليب مواجهتها في ظل تحديات التطوير الاقتصادي وذلك من خلال المحاور التالية:
استغلال عائدات النفط لتحقيق تنمية مستدامة
تواجه السلطنة العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتنمية في مضمونها أو أهدافها؛ تشمل خيارات متعددة يتعين الالتزام بتحقيقها وفق جداول زمنية وخطة شاملة للتنمية، وعلى الرغم مما حققتها السلطنة من تقدم ملموس في مسارات التنمية، فإنّها لا تزال تواجه تحديات تنموية أساسية يقع في الصدارة منها: ضعف النمو الاقتصادي الحقيقي وتقلّبه، التضخّم وأثره على المستوى المعيشي للمجتمع، ارتفاع معدلات الباحثين عن عمل وتزايدها، زيادة الاعتماد على واردات الغذاء وغالبية السلع الأساسية، ضعف الأداء في قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة والثروة السمكية، تزايد مشاكل المياه وندرتها والنفط وتقلب أسعاره، وهي بحاجة إلى تعظيم الاستفادة من الأثر المضاعف للمشاريع والذي يزيد من الروابط الأمامية والخلفيّة للقطاعات الرائدة من خلال تشجيع إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المكملة للمشروعات العاملة في هذه القطاعات.
لقد عملت حكومة السلطنة على مدار العقود الأربعة الماضية على تطوير البنى التحتية والتعليم والصحة وتطوير العمل في القطاع الحكومي، ومع التوجه العالمي نحو الاقتصاد المبني على المعرفة فإنّ الأمر يتطلب وضع سياسات اقتصادية تتفق مع الاقتصاد الجديد، وتعمل على معالجة القضايا الهامة مثل زيادة معدلات النمو واستدامته وإعادة توزيع الدخول، وإيجاد فرص العمل، وتنويع الاقتصاد، وجلب الاستثمار ورفع كفاءته، وتطوير بنية السياسات النقدية والمالية. والأمر يتطلب استغلال العائدات الحالية للنفط، والتي تقدم فرصة يجب ألا تفوت من أجل التوجّه نحو الاقتصاد الجديد، وإطلاق المبادرات الخلاقة ودفع بناء البنية التحتية المعرفيّة وتأهيل العمالة الوطنية لزيادة الاستثمار في الطلب على المعرفة من خلال مبادرات وطنيّة ترفع الطاقات المولدة والداعمة للإنتاجية والمحققة للتنافسية في قطاعات الإنتاج والخدمات، ومما لاشك فيه أنّ تهيئة الظروف والرؤية المجتمعية الداعمة للتحول السريع إلى مجتمع المعرفة وللحاق بالتطورات السريعة للاقتصاد العالمي نحو الاقتصاد الجديد يتطلب وجود سياسات للعلم والتكنولوجيا والابتكار، مع آليات تنفيذها، عبر مبادرات وطنية مهمّة تعني بالتعاون مع القطاع الخاص عبر شراكة اجتماعية واسعة وجديدة توجه الجهود بمشاركة الجميع.
التشوّهات الهيكليّة في سوق العمل
يرى الدليل أنّ مشكلة الباحثين عن عمل ستظل التحدي الأكبر الذي تواجهه السطنة، وهناك حاجة إلى وضع مسار جديد للتنمية الشاملة المستدامة والمنصفة ومراجعة السياسات التنموية لمعالجة هذه الإشكالية حيث إنّ إيجاد فرص عمل حقيقية تلبي طموح أبناء الوطن يتطلب التخطيط السليم وتجنب تناقض الأهداف والسياسات والتركيز على الاستثمار في المجالات التي من شأنها تطوير المعرفة ورفع الكفاءة الإنتاجية لدى المواطنين بدلا من المشاريع التي تفاقم الخلل السكاني ولا تحقق عوائد اقتصادية واجتماعية حقيقية، والسعي بالتعاون مع قطاعات المجتمع المختلفة على تحقيق العدالة وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحقيق المكونات الأساسية الثلاثة للتنمية كما ذكرتها تقارير التنمية البشرية الدولية وهي: تحقيق الرفاهية وتحقيق التمكين والقدرة على التغيير.
يتطلب الأمر إعادة النظر في برامجنا ونمط خططنا التنموية لمواجهة تحدي التوظيف في القطاع الخاص دون إحداث تشوّهات كبيرة في السوق وفرض تكاليف كبيرة لتنفيذ الأعمال والتي من شأنها الحد من القدرة التنافسية وخفض النمو، وإيجاد التوازن بين الإجراءات الإدارية المرهقة وسياسات تقديم الحوافز لاكتساب المهارات التي يتطلبها القطاع الخاص من أجل توظيف المواطنين، مع تفعيل استراتيجيات تنمية الموارد البشرية وتطوير منظومة واضحة وشفافة للتعليم والتدريب لحل إشكالية المواءمة بين مناهج وسياسات التعليم والتدريب المهني ومتطلبات أسواق العمل والشراكة مع القطاع الخاص في تصميم برامج توفير فرص العمل، ووجود استراتيجيات وطنية متوسطة وطويلة الأجل للتشغيل والإحلال، تتضمن الآليات الكفيلة بإيجاد التوازن في سوق العمل والربط بين الأجور والإنتاجية والقدرة التنافسية الدولية، ودراسة القضايا المتعلقة بتنمية المهارات، والإنتاجية، والهجرة والعلوم والتكنولوجيا، مع أهميّة فتح قنوات التواصل مع جيل الشباب لفهم تطلعاتهم وإشراكهم في عملية اتخاذ القرار وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي المرتبط بالتوظيف، مع ضرورة وضع استراتيجيات وطنية لتطوير الأعمال الصغيرة والمتوسطة وإيجاد البيئة الكفيلة بنماء أعمالها وتوزيع مكتسبات التنمية بهدف تعزيز الروح الريادية والمبادرات الشخصية التي تكفل العيش الكريم لدى فئة الشباب مع ضرورة استغلال المشتريات الحكومية والمؤسسات العامة كأداة لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وعلى المدى القصير لا مناص من أن تقوم الدولة بدورها الحالي، بطريقة مستمرة ومعلنة تحفز الاقتصاد على توليد الوظائف التى يحتاجها أبناء الوطن والتي بدورها ستعمل على دعم الطلب المحلي الفعّال والذي سيؤدي بدوره إلى تدعيم القطاع الخاص، ليقوم بهذا الدور على المدى البعيد ولحين استكمال قدراته. ولحفز الباحثين عن عمل للانضام لمنظومة القطاع الخاص المنتجة يقترح أن يتم التفكير في تبني الدولة برنامج دعم الوظائف - فبدلاً من خلق الوظائف في القطاع الحكومي بصورة مباشرة – يتم توجيه تلك المخصصات في برامج تهدف لتقديم دعم جزئي مباشر أو غير مباشر للمواطنين العاملين في القطاع الخاص لتحفيز العمل والانتقال التدريجي من القطاع العام للقطاع الخاص، ويتم ذلك خاصة في مرحلة بناء القطاع الخاص ثمّ تنسحب تلك الحوافز حال استكمال إمكانيات القطاع الخاص للقيام بدوره بصورة مناسبة، ويجب التنبيه هنا على أهمية القطاعات الإنتاجية المدعومة التي يجب استهدافها في الاقتصاد للاستفادة القصوى من آنية ريع النفط.
دور الحكومة والقطاع الخاص في التنمية
لقد استفادت الكثير من مؤسسات القطاع الخاص من الإجراءات الحكومية الداعمة لها طوال السنين الماضية إلا أنّ مردودها على العملية التنموية كان دون المستوى المأمول، وتتطلب المرحلة القادمة تعزيز دور الدولة في إدارة المجتمع، فالدولة ممثلة في الحكومة يجب أن تلعب دوراً بارزاً كممثلة للإدارة الجماعية للمجتمع. ويتطلب هذا الدور إعلانًا لأهداف المجتمع ووضع السياسات اللازمة لتحقيقها. وعلى الحكومة أن تعزز المناخ اللازم لازدهار الأعمال. ومن ذلك تطوير الإطار التشريعي والقضائي وإصلاح القطاع المالي ووضع قواعد عمل الأسواق التي تضمن التنافس وحرية ممارسة الأعمال وتمنع الاحتكار وتوفّر البيانات اللازمة لاتخاذ قرارات رشيدة.
يتزايد دور القطاع الخاص بإتاحة الفرصة له في بناء مشاريع استثمارية جديدة من خلال شراكات وطنية وأجنبية أو عن طريق دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة العامة ليصبح أحد الركائز الأساسية في تنفيذ إستراتيجيات تنويع مصادر الدخل للدولة، ودعوة القطاع الخاص كفئة مجتمعية باللالتزام واحترام القانون والابتعاد عن تعميق الممارسات غير الشفافة بما في ذلك اتباع الطرق الفاسدة لتعظيم الأرباح، ولابد في هذا الصدد من تقوية الأجهزة الرقابية على القطاع الخاص وتدعيم آليات الحوكمة لمنع الفساد المدمر لأجواء الاستثمار.
الأمن الاجتماعي
إنّ التنمية الاقتصادية تؤدي إلى جانب وظيفتها الاقتصادية وظيفة أخرى اجتماعية حيث إنّها في المدى البعيد تستهدف رفاهية الإنسان ورفع مستوى معيشته، والتنمية الاجتماعية تؤدي إلى جانب وظيفتها الأساسية وظيفة أخرى اقتصادية حيث إنّها في المدى البعيد تهدف إلى تحقيق أقصى استثمار ممكن للطاقات والإمكانيات البشرية الموجودة في المجتمع والتي اصطلح عليها حديثاً برأس المال البشرى.
ونتيجة للتطورات التي شهدتها السلطنة خلال الأربعة عقود الماضية وما رافقتها من التعقيدات والتي صبغت كافة العلاقات الاجتماعية يتوجب على الحكومة مراجعة العديد من سياساتها الاجتماعية وذلك من أجل رفع مستوى نوعية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستناداً إلى مقاييس مختلفة متصلة بالتعليم والصحة والثقافة والعمل والإسكان، وتشمل كل الفئات الاجتماعية، ولكي تنجح المؤسسات الاجتماعية فلا بد لها أن تتكامل مع السياسات الاقتصادية، كما أن تحقيق الأمان الاجتماعي الشامل والدائم شرط ضروري للنمو والتقدم، ولذلك فلا بد من الوقوف على مفهوم الأمن الاجتماعي وآلياته من خلال مراجعة سياسات أسواق العمل وقطاع التعليم والصحة والبيئة والرعاية الاجتماعية والفقر وقضايا الاندماج والإقصاء الاجتماعي ومجالات أخرى متعلقة بمفهوم التنمية الاجتماعية .
التنمية والحكم الرشيد
ويبين الدليل أنّ الحديث عن التنمية الإنسانية المستدامة والحكامة (الحكم الرشيد) لايزال في مرحلتهما الأولى، حيث إنه حتى عهد قريب كان المقصود بالتنمية هو النمو الاقتصادي، واستبدل التركيز من النمو الاقتصادي، إلى التركيز على مفهوم التنمية البشرية وإلى التنمية المستدامة فيما بعد، أيّ الانتقال من الرأسمال المادي إلى الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي وصولاً إلى التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد إلى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة بالتخطيط الطويل الأمد في حقول التعليم والتربية والثقافة والإسكان والصحة والبيئة وغيرها. من هنا نشأت العلاقة بين مفهوم الحكم (الرشيد) والتنمية الإنسانية المستدامة، لأنّ الحكم الرشيد أو الحوكمة هي الضامن لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية إنسانية مستدامة. ولذا فلا بد من تسليط الضوء على عدد من الموضوعات التي تعيق مسيرة التنمية مثل ضعف المشاركة السياسية، ومركزية الدولة، وضعف الجهاز الإداري للدولة، وترهل هياكله التنظيمية، ودور مؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في عملية التنمية، والتصدي لقضايا الفساد والفقر.
إنّ أهداف التنمية الشاملة تتطلب تحقيق قاعدة واسعة من الإصلاحات بمعنى أنّ التنمية تعتمد في أساسها على الإصلاح الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي، وهنا فإنّ دور الدولة والمؤسسات المختلفة، يُعد عاملاً رئيسياً في تنفيذ برامج العمل لإنجاز الدليل الوطني وصياغة الإستراتيجيات المتوسطة وطويلة المدى، والتي تعتبر الدولة مسؤولة مباشرة بوصفها الضامن الأساسي للعقد الاجتماعي القائم على أساس العدل والمساواة والإنصاف.
ويجب هنا إضافة دور المجتمع المدني وهو دور أصبح رئيسياً في المساعدة في مسار التنمية ممثلا للقطاعات التي هي صاحبة المصلحة، والتي تعيش المشكلة وتعاني من آثار هذه المشاكل، وبناءً عليه فإنّ مستقبل التنمية ممكن ومتاح بشرط أن نقوم بتحمل مسؤوليتنا واتخاذ الخطوات اللازمة لنجعله متاحاً.
لذلك فإنّ مسألة الحكم الرشيد يمكن تلخيصها كما وردت في الأدبيات المختلفة لهذا الموضوع في وضع عملية اختيار ومراقبة وتغيير الحكومة؛ ومقدرة الحكومة على صياغة وتنفيذ سياسات صائبة وبطريقة فعّالة؛ واحترام المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعل السياسي والاجتماعي فيما بينهم.
البعد البيئي
قدّم تقرير التنمية البشرية لعام 2011م مساهمة هامة جديدة في الحوار العالمي حول التحدّيات البيئية ونقاط التلاقي بين الانصاف والبيئة، وأثبت مدى الارتباط الوثيق بين الاستدامة ومبدأ الإنصاف أي مبدأ العدالة الاجتماعية، وإتاحة المزيد من الفرص لحياة أفضل للجميع. وتضمن التقرير الدعوة للإصلاح من أجل تحقيق الإنصاف وحماية حق أجيال اليوم في حياة صحية ولائقة، وضمان حق أجيال المستقبل، باعتبار أنّه التحدّي الإنمائي الكبير للقرن الحادي والعشرين بسبب ما ينجم عنه من مخاطر على رفاه البشر على المستوى الصحي، وعلى موارد الرزق خاصة في المجال الزراعي ومصائد الأسماك. وستعمل الأجندة على توضيح معالم الطريق إلى مستقبل بيئي أفضل من خلال استعراض أهم التحديات البيئية المؤثرة في التنمية في عمان وكيفية الاستفادة من الاقتصاد الأخضر وبدائل الطاقة. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أنه بالرغم من الإشادة العالمية بما حققته السلطنة في مجال البيئة، ليس هناك على أرض الواقع برامج تعنى بإعادة استخدام السلع التي تضر بالبيئة مثل منتجات اللدائن. وطوّرت كثير من دول العالم طرق حديثة لإعادة استخدام والتخلص من النفايات غير الحرق المعمول به حاليًا في السلطنة. كما أنّه وعلى ما يبدو بأنّه لم يتم الاستفادة من الضرر البيئي الذي لحق ببعض المناطق، مثل المناطق المحيطة بمصنع النحاس في صحار ومناطق التعدين في مختلف مناطق السلطنة، وحتى المناطق المأهولة بالسكان مثل فلج سيق بالجبل الأخضر الذي تلوّث بمخلفات وقود الديزل لعدة سنوات ولا تزال آثاره باقية حتى الآن. ويجدر التحذير هنا إلى أنّ الاكتشاف الوحيد في العالم حتى الآن لصخور تعرف بالـ ( (Peridotite والقادرة على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون في أراضي السلطنة، قد يحول أراضي السلطنة إلى مزبلة لكثير من مخلفات المنتجات الصناعية في العالم. عليه وفي هذه المرحلة المبكرة من الضروري توخي عدم إقامة صناعات تضر بالبيئة العمانية خاصة، وأنّ بعض الدول تسعى إلى تصدير صناعات ضارة بالبيئة إلى دول أخرى تحت إغراء نقل التكنولوجيا أو استقدام رأس المال الأجنبي.
نطاق التحديات
وحول تحديد نطاق التحديات، بيّن الدليل أنّه يتطلب تدارس كافة التحديات من حيث: حجم المشكلة وحدتها وعمقها، وشموليتها والحراك (الدينامكية) بشقيه الكمي و النوعي .
ولأغراض التخطيط لمستقبل الاقتصاد والمجتمع العماني يتطلب اعتماد مبدأ ومنهج المقاربة التشخيصة، والاستنباط، والعمل على تحديد القيود الحاسمة المجتمعية والاقتصادية التي تعوق أهداف التنمية.
مراحل إعداد الدليل
إنّ إعداد الأجندة الوطنية يتطلب تخطيطاً إستراتيجياً لجميع القضايا الوطنية للمساعدة في اتخاذ قرار منظم يركز على أهم التحديات وكيفية حلها وهذا يعني بالضرورة تشخيص التحديات التي تواجه التنمية الاقتصادية، وتلك المتعلقة بالأمن الاجتماعي وإدارة الحكم والفرص واستنباط القيود المرتبطة بالبيئة العالمية والتي لها تأثير مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العماني. وعليه يجب أن ينقسم العمل في إعداد الأجندة إلى عدة مراحل يتم من خلالها الإجابة عن الأسئلة الخمسة التالية: تشخيص الموقف الحالي: حيث إنّه عند البدء يجب الإجابة عن السؤال أين نحن الآن؟ وتتم الإجابة من خلال تقييم وضع التنمية في عمان. حيث يتم إجراء مقارنة تحليلية لوضع التنمية في عمان مع أوضاع نخبة من الدول ذات النماذج التنموية" الناجحة" مثل السويد، فنلندا، ايرلندا، سنغافورة، ماليزيا، تايوان، كوريا الجنوبية وغيرها. على أن يتم النظر في مؤشرات التنمية المختلفة للسلطنة ومقارنتها مع الدول التي نسعى إلى الاسترشاد بنماذجها التنموية.
ويتم بعد ذلك تحديد الغايات بعد التعرف على الموقف الحالي من خلال الإجابة عن السؤال أين نريد أن نكون؟ ويتم ذلك من خلال تحديد الرؤية المستقبلية وترجمتها إلى الأهداف. في هذه المرحلة لا بد من تقييم التحديات الراهنة والمستقبلية للاقتصاد الوطني على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، والإمكانيات المتاحة للتعامل معها؛ ثمّ استكشاف وتقييم الخيارات التنموية المتاحة (القطاعات الاستراتيجية) على المدييّن المتوسط والطويل.
ويتم في هذه المرحلة وضع الإرشادات (أو التفاهمات) العامة حول إستراتيجيات التنمية. ومن الأمثلة على ذلك عملية تقاسم وتكامل الأدوار التنموية بين القطاعين العام والخاص (مثل أن يتم الإنفاق على اختيار أحد البديلين التاليين، إمّا التأكيد على مبدأ آليات السوق الحر ودور الدولة يقتصر على التدخل في مواجهة حالات "فشل الأسواق" أو أن تدعم الدولة قطاعات استراتيجية معينة مع السماح لقوى السوق بالعمل بحرية في قطاعات أخرى... إلخ)، تحديد دور الاستثمار الأجنبي فى الاقتصاد، ووضع آليات المحاسبة وضمان النزاهة وغير ذلك من الخطوط العامة المطلوبة في إطار التخطيط التنموي طويل الأجل.
إنّ الغاية النهائية للأجندة تتمثل في إيجاد اقتصاد متين ذي قاعدة إنتاجية متنوعة وقادر على المنافسة من خلال التوظيف الأمثل لكافة الطاقات البشرية والثروات الطبيعية وتسخيرها بكفاءة لضمان توفر مستوى معيشي رفيع مترافق مع الارتقاء بالجودة النوعية لحياة أفراد المجتمع العُماني. ويتأتى ذلك من خلال تبني تخطيط تنموي طويل الأجل يهدف إلى إجراء تعديل هيكلي في منظومة الانتاج الاقتصادي في البلاد والتخفيض المتدرج للاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية، مع توسيع الخيارات المعرفية والعملية والمعيشية أمام المواطن .
ويقترح أن تكون المرحلة الأولى: العمل على وضع أسس خلق القطاعات الإنتاجية ضمن سلسلة القيمة المبنية على عائدات النفط الحالية - والتي بالضرورة لا تعتمد عليه فى المدى الطويل بالشكل المباشر- كالقطاع الصناعي ( خاصة تلك الصناعات التي تعتمد على الموارد المحلية)، الخدمات التي يمكن أن تتميز بها السلطنة، القطاع الزراعي والسمكي، السياحة... إلخ؛ ويقترح العمل في هذه المرحلة على تعزيز نشاط القطاع الخاص، وتوسيع دوره بما يتلاءم مع القطاعات الإنتاجية الجديدة المقترح الدخول فيها والاستفادة من مخرجات هذا القطاع لتعزيز النمو الاقتصادى في إطار تكامل السياسات الاقتصادية الكلية مع الأهداف المرصودة لهذه المرحلة، والمراحل التي تليها.
على أن يتم بعد ذلك تحديد الوسائل من خلال الإجابة عن السؤال: كيف يمكننا الوصول إلى هناك؟ ويتم ذلك من خلال مناقشة الآليات المتبعة في التغيير وتقييم البدائل وإعداد خطة العمل التفصيلية. ويتم في هذه المرحلة تحديد القضايا الأساسية في كل قطاع من قطاعات التنمية الرئيسية والفرعية. ويتم جدولتها وفق أهميتها وتأثيرها على المنظومة الكلية وتشابكها مع القطاعات المختلفة .
ويتم في هذه المرحلة كذلك تحديد بدائل الحلول لكل معضلة من المعضلات التي تواجه القطاعات المختلفة، والبحث في مدى استيفاء الحلول المطروحة في معالجة المعضلات. كما يتم تطوير استراتيجيات ومبادرات مدروسة لمواجهة التحديات القائمة في كل قطاع.
سيناريوهات المستقبل
تتم محاولة الإجابة على التساؤل عن أي التصورات هو الأكثر إحتمالاً للتحقق؟ في هذه المرحلة يتم بناء نموذج اقتصادي شامل لمختلف المؤشرات الاقتصادية والتنموية وفق سيناريوهات مختلفة في درجة احتمالية الحدوث معززاً بإتباع منهجية استكشاف آثار مختلف تدخلات السياسات التى يمكن أن تمثل صدمات إيجابية للمجتمع والاقتصاد. النموذج المقترح يجب أن يكون ملائماً لطبيعة مكونات الاقتصاد العماني ويتطلب جهداً واسعاً على مستوى بناء قواعد البيانات، وهو مطلب أساسي لضمان التخطيط التنموي السليم. كما أنّ عمليات بناء السيناريوهات تتطلب قدرات معرفية واسعة. وإحدى أهم إيجابيات وجود النموذج هي منح الدولة الاستعداد والجاهزية للتعامل مع غالبية التطورات غير المواتية (الصدمات). ومن ثم يأتي البحث عن إجابة للتساؤل حول أي من التصورات هو الأكثر احتمالاً للتحقق.
التنفيذ والمراجعة
عند مباشرة تنفيذ الأجندة يجب أن يصاحبه التساؤل حول أين وصلنا؟ وللإجابة يجب تحديد آلية تضمن التساؤل أولا، ثم الاتفاق على إطار المتابعة والتقييم والتقويم وعلى ضوء النتائج يتم التعديل أوتغيير المسار، إن لزم الأمر. وتوفير كافة مستلزمات ضمان العمل الفعلي من موارد وطاقات. وكذلك يتم إقرار أدوات قياس وتقييم شفافة لتحديد مدى نجاح عملية تطبيق التغيير في كل قطاع. ويتم مراجعة كافة الخطوات المنجزة بالتشاور مع كل الأطراف المساهمة في المشروع .
منهجية العمل
وتتضمن منهجية العمل عدة خطوات وهي :
1. تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتتبنى تنفيذ المشروع.
2. يتولى المجلس الأعلى للتخطيط القيام بدور مدير المشروع ويشكل لجنة فنية رئيسية لإعداد الأجندة الوطنية للتنمية.
3. ينظم المجلس الأعلى للتخطيط / مجلس الشورى ندوات في مختلف محافظات السلطنة بعنوان " عمان التي نريد " ويشارك فيها كافة شرائح المجتمع يحدد من خلالها التنمية المطلوبة قبل نهاية سنة 2013م ويشكل فريق فني لتحليل ما سيتم التوصل إليه في تلك الندوات، وبحيث تنبثق التوصيات من لجان مجلس الشورى المشاركة في الندوة ويتم رفعها للمجلس الأعلى للتخطيط لترجمتها لاستراتيجيات وخطط وبرامج.
4. تشكل اللجنة الفنية الرئيسية مجموعة من فرق العمل لإعداد الدليل الوطني للتنمية يتم تحديدها على أساس الاهتمام والخبرة وفق المراحل المشار إليها وتحدد اللجنة الرئيسية على سبيل المثال لا الحصر :-آلية العمل وتوزيع المهام. البيانات والإحصاءات ذات العلاقة والتي سيتم جمعها. توضيح المخرجات المطلوبة من كل فريق، كي يتسنى لرؤساء اللجان الخروج معاً بالتنسيق المطلوب لمخرجات عامة. تحديد آليات تنفيذ السياسات والتوصيات، إذ أن المشكلة الأكبر قد تكون في آلية التنفيذ وليس تحديد السياسات. إمكانية إضافة مواضيع أخرى يتم دراستها كمحاور جديدة ضمن مفهوم التحديات العامة. إمكانية الاستدعاء والاستعانة بمن تراه الفرق مناسباً لغايات إنجاز عملها. قيام كل فريق بتحديد المواضيع الأكثر أهمية ضمن المحور الخاص بهم، ومن ثمّ التركيز عليها وتقييمها مع الأخذ بعين الاعتبار التداخلات فيما بينها. إقامة مؤتمرات ومحاضرات وندوات وورش عمل لخدمة الأجندة.
5. أن يكون العمل في اللجان وفرق العمل بشكل متوازٍ لتوفير الوقت وإنجاز المطلوب في الربع الأخير من سنة 2014م .
دعم المشروع
ينتظر أن يتمخض عن الدليل الوطني للتنمية في نهاية المطاف الإعلان عن برامج ومشاريع عملية كثيرة تتعلق بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وسيجري تنفيذ البرامج والمشاريع وفق أولويات محددة وضمن إطار زمني وتنظيمي شامل ومتكامل. وهذا يتطلب دعم العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية. وينقسم الدعم المطلوب الى إنجاز هذه المهمة إلى ثلاثة أقسام:
أولا: الدعم المعنوي: ويتمثل الدعم المعنوى فى المباركة والاعتراف الرسمي بالمشروع واحتضانه من قبل السلطات العليا بالسلطنة.
ثانيا: الدعم الفني ويتمثل فى مشاركة المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والمهتمين من الأكادميين والفنيين وصناع القرار والإحصائيين في المشاركة المباشرة في صياغة الدليل الوطني للتنمية بمراحله المختلفة وتزويد الجهات ذات العلاقة بالمشروع بالبيانات والمعلومات المطلوبة.
ثالثا: الدعم المادي واللوجيستي ويتمثل في إيجاد الموارد المالية وتوفير الدعم اللوجيستي اللازمين لتنفيذ المشروع وتوفير الدعم اللوجستى اللازم لتنفيذ المشروع.
أكثر...