السالمي: الواقع يثبت قوة التجربة العمانية في تمكين الشباب بمواقع العمل والإنجاز-
البوسعيدية: الندوة تستشرف آراء الشباب وترصد التطلعات في ظل المتغيرات العالمية-
السليمي: ضرورة الانتباه لتغيرات عالمية تستهدف سحق الهويات الوطنية تحت دعاوى "العولمة"-
الفهدي: آليات القوة الناعمة تفوق العتداد العسكري في تغيير ثقفات الشعوب-
الهوتي: الإعلام الإلكتروني تسبب في سلبيات خطيرة على المجتمع-
التواصل بين الأجيال وأخلاقيات الطريق وآفاق ووسائل التنمية المستدامة.. 3 محاور بالندوة اليوم-
الرؤية- سعاد العريمية-
تصوير/ راشد الكندي-
انطلقت أمس على مسرح وزارة التربية والتعليم بالوطيّة أعمال ندوة "تطلعات الشباب في عالم متغير"، وذلك تحت رعاية معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وحضر الندوة عدد من أصحاب المعالي الوزراء وسعادة الشيخ أمين عام مجلس الشورى وعدد من طلبة الكليّات والجامعات.
وأكّد معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية - في كلمة له لدى افتتاح الندوة التي تستمر لمدة 3 أيام- أنّ التوجه الحكومي يسعى بشكل واضح لتطوير قدرات الشباب، مشيرًا الى أنّ الكثير من الجهود والمساعي في هذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في دعم الشباب وتأهيلهم بما يخدم مصلحة الوطن. وأشار معالي وزير الأوقاف إلى أنّ العالم المتغير لا يمكن مجابهته إلا بثوابت الدين والأخلاق، مؤكدا أنهما سياج منيع يحفظ الشباب، وبمثابة قوة دافعة نحو الإيجابية في الحياة، وكذلك التطلع إلى الأفضل دائمًا مهما كانت إمكانات الإنسان وملكاته. وقال معاليه إنّ التجربة العمانيةأثبتت قوتها في تمكين الشباب بمواقع العمل والإنجاز، ودفعهم نحو الإبداع والابتكار، وإتاحة كل الفرص من أجل تحقيق ذواتهم، مؤكدا أنّ هذه الجهود تسير في المسار الصحيح، وما على الشباب العماني- من الجنسين- إلا أن يكونوا على قدر هذه التجربة بتفاعلهم معا، واستجابتهم لمتطلباتها، لافتا إلى أنّ الوطن ينهض بهم وهم يرتقون بهذا الوطن.
وأوضح السالمي أنّ ندوة تطلعات الشباب- والتي تنظمها وزارة التعليم العالي- تشتمل على محاور مهمة، وجوانب عديدة تهم الشباب، مشددًا على أنّها ستسهم بجانب الجهود الحكيمة الأخرى في تأصيل هذه الجوانب وتسليط الضوء عليها، وأنّ واجب الجميع هو المضي قدمًا في كل ما من شأنه رفعة هذا البلد والولاء لقيادته تحت ظل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-.
وقالت معالي الدكتورة راوية بنت سعود البوسعيدية وزيرة التعليم العالي إنّ الندوة تأتي إيمانًا من وزارة التعليم العالي بواجبها في سبيل عرض ومناقشة تطلعات الشباب العماني، ورغبة منها في الاقتراب أكثر من تطلعاتهم، لذلك ارتأت الوزارة أن تنظم هذه الندوة التي رسمت لها أن يكون الشباب أنفسهم هم من يقدّمها، ومن يناقش محاورها ويحتضن فعالياتها المختلفة. وأضافت أنّ الندوة تسعى إلى سبر أغوار الشباب والاقتراب منهم عبر محاورها السبعة، محاولين من خلالها استشراف آراء الشباب بوصفهم الهدف والوسيلة، والاستماع إليهم ورصد تطلعاتهم في عالم يموج بالمتغيرات، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستفادة من الماضي العريق للسلطنة فيما يعد مزجًا بين الأصالة والمعاصرة، والتطلع لعالم أفضل تسوده المودة والتفاهم وتسيّره مصلحة الوطن. وأكدت أنّ الهوية العمانية وصور الانتماء والتواصل بين الأجيال وثقافة التعبير الإعلامي، والرموز العمانية، وأخلاقيّات الطريق، كلها محاور في غاية الأهميّة، يسهم فيها الشباب بأوراق عمل خضعت للمنافسة والتحكيم، وهذا ما يميز هذه الندوة عن مثيلاتها. وعبّرت معالي الدكتورة وزيرة التعليم العالي عن ثقتها في الشباب بما يمتلكونه من وعي ورؤية بأن يخرجوا بتوصيات قابلة للتطبيق والتنفيذ، مشيرة إلى الفعاليات المصاحبة لهذه الندوة التي تمثلت في مسابقات علمية وأدبية واجتماعية تمثلت في البحوث والمقال ومسابقات التحدي، والبحث عن الكنز، والتصميم الجرافيكي، وهي مسابقات في عمومها تخدم الندوة، وتهدف إلى صقل مواهب الشباب وتعريفهم بالمنجزات المتحققة على هذه الأرض الطيبة وبعض مفرداتها التاريخية والحضارية. وأعربت معاليها عن أملها في أن تخرج الندوة بما يهدف إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، وللجنة المنظمة النجاح لتؤتي هذه الندوة ثمارها.
الهويّة الوطنية
وركزت الندوة في يومها الأول على محور الهوية الوطنية وصور الانتماء، والتي قدمها الدكتور محمود السليمي، ومحور ثقافة التعبير الإعلامي والتي جاءت من تقديم الإعلامي يوسف الهوتي. وبدأت الندوة بكلمة وزارة التعليم العالي ألقاها سعادة الدكتور عبدالله بن محمد الصارمي. وقال الصارمي إنّ الشباب هم عماد المستقبل وعدته، وأنّ جسور التواصل بينهم هو منهاج تقوم عليه قيم الحوار وثقافة التعبير عن الرأي والرأي والآخر دون إقصاء أو تهميش. وأضاف سعادته أنّ هذه الندوة تتضمن 7 محاور هي الهوية الوطنية وصور الانتماء الوطني والتواصل بين الأجيال وثقافة التعبير الإعلامي والشباب وآفاق ووسائل التنمية المستدامة والإنجازات الشبابية والرموز العمانية والعصرنة والانتماء وأخلاقيات الطريق.
وبين سعادة الدكتور وكيل وزارة التعليم العالي أنّه تم استقطاب أسماء لها شأنها في المشهد العماني وإسهاماتها في قطاع الشباب، ودورها البارز في التفاعل مع معطيات الحاضر ومتغيراته، بالإضافة إلى المشاركة الشبابية من مؤسسات التعليم العالي وغيرها بأوراق عمل في محاورها. وأوضح سعادته أنّ فكرة ندوة "تطلعات الشباب في عالم متغير" ولدت منذ ما يقارب عامين من الزمان ومرت بمراحل عدة من المراجعة والتطوير لتخرج بالصورة التي ارتضيناها أخيرًا بمشاركة شبابية واسعة.
وأضاف: "إننا إذ ننطلق في رحلة سير التطلعات الشبابية في هذا العالم المتغير على الدوام، اتخذنا من المزج بين الأصالة والمعاصرة هويةً وأداة، من خلال سبعة محاور توزعتها أيام الندوة الثلاثة، جاءت موزعة كالآتي: "الهوية الوطنية وصور الانتماء الوطني"، و"التواصل بين الأجيال"، و"ثقافة التعبير الإعلامي"، و"الشباب وآفاق ووسائل التنمية المستدامة"، و"الإنجازات الشبابية"، و"الرموز العمانية.. العصرنة والانتماء"، و"أخلاقيات الطريق"، وقد عمدنا من خلالها إلى استقطاب أسماء لها شأنها في المشهد العماني، وإسهاماتها في قطاع الشباب، ودورها البارز في التفاعل مع معطيات الحاضر ومتغيّراته، بالإضافة إلى المشاركة الشبابية من مؤسسات التعليم العالي - وغيرها - بأوراق عمل في محاورها، لتتعدى المشاركة إلى إدارة المحاور وتقديمها من قبل الشباب أنفسهم".
وأكد حرص الوزارة على أن تصاحب أعمال الندوة مسابقات متنوعة؛ حيث من المقرر ان تنطلق مسابقة البحث عن الكنز صباح اليوم، ويتنافس فيها أربعة عشر فريقًا من الشباب يجوبون معالم العاصمة مسقط، وتوجههم في سيرهم خارطة الكنز بصحبة فريق إعلامي يوثق رحلة البحث في قالب متلفز يتم عرضه في حفل الختام وعبر تلفزيون سلطنة عمان، في جو تنافسي وتفاعلي يسعى لغرس قيم التعاون وتأصيل قيم الانتماء الوطني من خلال المرور على المعالم الثقافية والحضارية التي تزخر بها مسقط". وتابع أنّ لمسابقات التحدي والتصميم الجرافيكي حضورهما البارز، وما المعرض المصاحب لفعاليات الندوة إلا خلاصة النتائج التي خرجت بها المنافسات الشبابية على تلك المسابقات، فضلا عن مسابقات كتابة المقال والقصة القصيرة في إطار محاور الندوة وموضوعاتها، والتي سيُعلن عن نتائجها في اليوم الختامي من أعمال الندوة.
وشدد سعادته على أنّ سياسة التواصل مع فئة الشباب واستطلاع طموحاتهم ليس وليد اللحظة الراهنة، إذ دأبت وزارة التعليم العالي على الدوام على استشراف رؤى الشباب من خلال الزيارات الميدانية التي تقوم بها فرق متخصصة من مسؤولي الوزارة وموظفيها من أجل الوقوف عن كثب على احتياجاتهم وآمالهم، وما هذه الندوة إلا نتاج لتلك الشراكة، وخلاصة من خلاصات تلك اللقاءات المستمرة، التي ارتأينا أن نخرج بها في هذه الصيغة من الملتقيات الشبابية المفتوحة.
عروض مرئية
من ثم تم تقديم عرض مرئي يلخص فكرة الندوة وما تحويه من أوراق عمل تثري العنوان الذي حملته الندوة. وفي الورقة الأولى تحدث الدكتور محمود بن مبارك السليمي مستشار بديوان عام وزارة التعليم العالي، مستعرضًا ورقة عمل بعنوان "الهوية الوطنية وصور الانتماء". وقال إنّ العالم يشهد منذ تسعينيات القرن العشرين تحولات سياسية كبرى، تهدد كيان الدول القومية والوطنية، ويجري الحديث عن نظام عالمي جديد، تتلاشى فيه حدود هذه الدول، لتندمج في إطار واسع هو الدولة العالمية، وعن تحوّل تكنولوجي هائل، وعن "صدمة معلوماتيّة" تقود إلى موجة ثالثة من الحداثة، وإلى إحداث تغييرات عميقة في تفكيرنا، وأنماط حياتنا، وعاداتنا اليومية. ويجري الحديث عن انبعاث حضارة جديدة، لم تحدد معالمها النهائية بعد، سيؤدي إلى تشظّي المجتمعات، وإلى إعادة تقدير قيمة الفرد، بحيث تظهر علاقات اجتماعية جديدة، ونرى أنماط حياة متزايدة، تظهر فيها الفردية إلى الوجود، وتتراجع فيها سلطة الدولة. وأضاف أنّ هذه التحولات تترافق سواء على مستوى الدول والمجتمعات، أو على مستوى الأفراد، مع نوع من العنف واللاعقلانية في لعبة الإبعاد والتهميش وسحق هوية الآخرين، يخفي القائمون عليها استعداداً فطرياً للقسوة، وتعمّد سحق أي تيّار فكري يحمل إرثاً فكرياً، ويعبّر عن مُثلٍ إنسانية يحمل لواءها علماء ومفكرون وحكماء، يجدون أنفسهم اليوم ومجتمعاتهم أمام اتجاهات وتقاليد وأيديولوجيات متناقضة، تبرز الخصومات الدائمة مع كل شيء له علاقة بالتاريخ والجغرافيا والثقافة والهوية الوطنية.
وأكد أنّ اندماج أركان المعمورة قاطبة في قرية كونية معرفية واحدة معولمة يتقلص مع الزمن، حيث تتلاشى المسافات، وتنتقل رؤوس الأموال والسلع والمعلومات والمفاهيم والأفكار والأخبار، والأذواق بسرعة مذهلة، وبحرية تامة غير معترفة برقابة حكومية، أو بحدود وطنية أو برفض أيديولوجي. وزاد أنّه ليس هنالك أهم وأخطر من مفهوم القيم في هذه المعادلة، فالقيمة مصطلح له أهميته المحورية في كل العلوم الإنسانية من الاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع، وأهمّها القيم الاجتماعيّة التي تشكل عماد الهويّة الوطنية لكل أمة، وتسهم في تحقيق التكامل بين أعضاء المجتمع الواحد. وأشار إلى أنّ التكنولوجيا وعولمة القطب الواحد بالوسائل الإعلامية المهيمنة لا تغير القيم الاجتماعية فقط بل تقلبها رأساً على عقب، وتخلق عالمها المجازي وتهيمن على حركة المرور الكونية في كل المجالات: المعلومات، الأفكار، الموسيقى الأمريكية الغربية، البرامج التلفزيونية، برامج الكومبيوتر، شبكات الاتصال، وغيرها، إنّها شديدة الهيمنة ورائجة جداً، توجد في كل مكان على الأرض بالمعنى الحرفي للكلمة وهي تؤثر فعلياً على أذواق وحياة وتطلعات كل الأمم.
وحث السليمي الشباب في نهاية كلمته بالحفاظ على هويتهم وخصوصيتهم الثقافية، وذلك من خلال تقديمه عدد من التوصيات المهمة.
محاولات الطمس
من جهته، قال الدكتور صالح الفهدي- وهو محاور رئيس في هذا المحور- إنّ في هذا الزمن المتغيّر الذي من الصعب التنبؤ بما يخفيه لنا، تتعرض هُوياتنا- بجانب هويات مجتمعات أخرى- لمحاولات الطمس والتذويب من قبل ظاهرة العولمة، وقد شبّه الدكتور علي وطفه (المفكر السوري البارز) هذه العلاقة بين الهوية والعولمة كالعلاقة بين الصياد والطريدة، إذ إن العولمة (الصياد) تلاحق الهوية (الطريدة) فتحاول القضاء عليها، وهذا بالفعل ما يحدث الآن، فالمجتمعات محاصرة بما يسمى بالقوة الناعمةِ soft power لا القوة الصلبة Solid power التي تمثلها الجيوش والدبابات والطائرات العسكرية وغيرها، مؤكدا أنّ القوة الناعمة أكثر فتكاً وأعظم تأثيراً.
وأوضح أنّ الاتحاد السوفيتي تفكك من خلال تبني البعض للقِيم الغربية، قائلا: "ما الذي يثير حفيظة دول كالصين وفرنسا واليابان لتقف وقفة حازمة من أجل الحفاظ على كيان هوياتها غير الإحساس بالخطر الداهم. ففي اجتماع عقد العام الماضي بين مسؤولين صينيين وفرنسيين يقول زافييه نورت المفوض العام الفرنسي للغة الفرنسية واللغات بوزارة الثقافة والاتصالات الفرنسية إنّ تقدم العولمة أدى إلى وحدة ثقافية، وكذلك تفاعلات لغوية، وإنقراض لغات، وهدد الهوية اللغوية". وتابع الفهدي يقول إنّ شيوى جو، أستاذ اللغويات بجامعة نانجينغ الصينية قال إنّ الشعوب يجب أن تتنبه لاحتمال تحدث العالم بلغة واحدة، مضيفًا أنّ جهود حماية التنوع اللغوي والثقافي ستساعد في تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية. وحذّر تساوتشي يون نائب رئيس جامعة بكين للغة والثقافة من أنّ هناك في الصين بعض اللهجات تواجه خطر الانقراض. واعتبر الفهدي أنّ هذا هو ما يحدث في هوياتنا نحن أيضاً من تأثيرات خارجية وداخلية، مضيفًا: "ماذا نفعل إزاءها؟ وما هي البرامج التي نترجمها واقعياً لنحد من هذه التأثيرات؟ وكيف نحصّن أنفسنا والأجيال الحالية والقادمة من خطر تذويب الهوية العمانية وانسلاخها تدريجياً؟". وأكد الفهدي أنّ هذه أسئلة مشروعة لابد من أن طرحها في هذه الندوة التي لا بد أن تخرج ببرامج مدعومة بشتى أنواع الدعم لتلقى النجاح، في ظل وجود شباب يمتلك من الإمكانات والاستعدادات ما يمكنه من لعب دور فاعل في هذا المجال في ظل وجود إشكاليات كثيرة تحتاج إلى نقاش مستفيض ووقفات مستنيرة قريبة من رؤى الشباب وتطلعاتهم.
إنجازات وتحديات
وأعقب ذلك، تقديم ورقتين للطلبة الفائزين في هذا المحور، وهما نوال بنت بدر الصمصامية من كليّة العلوم التطبيقية بعبري والحاصلة على المركز الأول في هذا المحور؛ حيث قدّمت ورقة بعنوان "الهوية الوطنية.. إنجازات وتحديات". وركّزت في ورقتها على عدة محاور منها مفهوم ومكونات الهوية الوطنية، مؤشرات تحديد الهوية الوطنية، مثال على ذلك: المجتمع العماني وحفاظه على العادات والتقاليد، وصور الانتماء، إنجازات وتحديات الهوية الوطنية، والتواصل الشبكي وأزمة الهوية. واستعرضت في هذا السياق محاولات أوربا للحفاظ على الهوية الأوربية مقارنة بمحاولات العرب، منهية ورقتها بعدد من التوصيات المرتبطة بالهوية الوطنية.
كما استعرض الطالب وهب بن مبارك السعدي الحاصل على المركز الثاني من كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس والذي قدّم ورقة بعنوان "الهوية والانتماء في ظل العولمة.. المجتمع العماني أنموذجًا". وركّز الطالب في ورقته على خمسة محاور؛ الأول: العولمة والهوية في محاولة لفهم العولمة، وكيف يمكن التعامل معها والتطرق لأسباب الزخم الذي تحظى به وربط ذلك بالهوية، والثاني: الانتماء والهوية والاغتراب، من خلال التطرّق لعلاقة الانتماء والهوية ببعضهما، وما الذي قد يحدث نتيجة الابتعاد عن الهوية، الأمر الذي تمّ تجسيده في ظاهرة الاغتراب كنتيجة، وفي اللا انتماء كأحد أبعاد الاغتراب. كما استعرض السعدي المحور الثالث: بعنوان "المجتمع العماني.. الهوية والانتماء في واقع العولمة"، واستعرض فيه محاولة لقراءة ملامح المجتمع العماني في ظل التفاعل العالمي، والتأثيرات التي قد تكون نتجت من تأثر المجتمع العماني بالعولمة، واستند في ذلك على نتاج عمل بحثي عن الاغتراب الثقافي للأكاديمية أوردته المحروقية من جامعة السلطان قابوس ضمن رسالتها للماجستير. أمّا المحور الرابع فكان "الروابط المقدسة والهوية الوطنية.. نظرة في أركان الخطاب السامي"، وسعى إلى محاولة استقراء الأركان التي تحدد الإطار البنيوي لخطابات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- أبقاه الله- في مختلف المناسبات، وأخيرًا محور: "الإنجاز والمأمول"، وهي قراءة لما تحقق والمأمول في أن يتحقق بهدف تعزيز الهوية الوطنية والانتماء في واقع العولمة. من ثمّ افتتح راعي الحفل معرضًا للتصميم الجرافيكي.
ثقافة التعبير الإعلامي
وفي الفترة المسائية، جاءت أوراق العمل لتناقش ثقافة التعبير الإعلامي, وقدّمها الإعلامي يوسف بن عبدالكريم الهوتي. وتحدّث الهوتي عن دور وسائل الاتصال الحديثة في تحويل العالم إلى قرية صغيرة. كما تحدّث عن تأثير المنظومة الإعلاميّة الجديدة في تقريب البعيد وإبعاد القريب، وسهولة التواصل مع العالم الافتراضي يقابلها غياب التواصل في العالم الحقيقي. وأشار إلى تقنيات الاتصال الحديثة التي أسهمت في التقارب بين السكان في المجتمعات الانعزالية، لكنّها أثرت سلبًا في المجتمعات العربية والمجتمع العماني بشكل خاص، والذي تتخذ فيها العلاقات الأسرية والاجتماعية أبعادًا أعمق وأوثق عن المجتمعات الأخرى، كما أدت بصورة سلبية في انتشار الشائعات.
تلا ذلك، تقديم ورقتي عمل للطلبة الفائزين، وجاءت ورقة الطالبة سالمة بنت عبدالله المقحوصية في المركز الأول بعنوان "منظمة تنمية ثقافة التعبير الإعلامي". أمّا الورقة الثانية للطالب الحائز على المركز الثاني عبدالله بن علي المقبالي، والتي حملت اسم "في حمى العربية لآليات تعزيز الهوية الوطنية لاستخدام اللغة العربية".
ومن المقرر أن تستعرض الندوة اليوم الإثنين محور التواصل بين الأجيال، من خلال المكرمة الدكتورة سعاد بنت محمد علي سليمان، ومحور أخلاقيات الطريق للدكتور حمد المعشني، ومحور آفاق ووسائل التنمية المستدامة للدكتور سيف الحجري.
أكثر...
البوسعيدية: الندوة تستشرف آراء الشباب وترصد التطلعات في ظل المتغيرات العالمية-
السليمي: ضرورة الانتباه لتغيرات عالمية تستهدف سحق الهويات الوطنية تحت دعاوى "العولمة"-
الفهدي: آليات القوة الناعمة تفوق العتداد العسكري في تغيير ثقفات الشعوب-
الهوتي: الإعلام الإلكتروني تسبب في سلبيات خطيرة على المجتمع-
التواصل بين الأجيال وأخلاقيات الطريق وآفاق ووسائل التنمية المستدامة.. 3 محاور بالندوة اليوم-
الرؤية- سعاد العريمية-
تصوير/ راشد الكندي-
انطلقت أمس على مسرح وزارة التربية والتعليم بالوطيّة أعمال ندوة "تطلعات الشباب في عالم متغير"، وذلك تحت رعاية معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وحضر الندوة عدد من أصحاب المعالي الوزراء وسعادة الشيخ أمين عام مجلس الشورى وعدد من طلبة الكليّات والجامعات.
وأكّد معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية - في كلمة له لدى افتتاح الندوة التي تستمر لمدة 3 أيام- أنّ التوجه الحكومي يسعى بشكل واضح لتطوير قدرات الشباب، مشيرًا الى أنّ الكثير من الجهود والمساعي في هذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في دعم الشباب وتأهيلهم بما يخدم مصلحة الوطن. وأشار معالي وزير الأوقاف إلى أنّ العالم المتغير لا يمكن مجابهته إلا بثوابت الدين والأخلاق، مؤكدا أنهما سياج منيع يحفظ الشباب، وبمثابة قوة دافعة نحو الإيجابية في الحياة، وكذلك التطلع إلى الأفضل دائمًا مهما كانت إمكانات الإنسان وملكاته. وقال معاليه إنّ التجربة العمانيةأثبتت قوتها في تمكين الشباب بمواقع العمل والإنجاز، ودفعهم نحو الإبداع والابتكار، وإتاحة كل الفرص من أجل تحقيق ذواتهم، مؤكدا أنّ هذه الجهود تسير في المسار الصحيح، وما على الشباب العماني- من الجنسين- إلا أن يكونوا على قدر هذه التجربة بتفاعلهم معا، واستجابتهم لمتطلباتها، لافتا إلى أنّ الوطن ينهض بهم وهم يرتقون بهذا الوطن.
وأوضح السالمي أنّ ندوة تطلعات الشباب- والتي تنظمها وزارة التعليم العالي- تشتمل على محاور مهمة، وجوانب عديدة تهم الشباب، مشددًا على أنّها ستسهم بجانب الجهود الحكيمة الأخرى في تأصيل هذه الجوانب وتسليط الضوء عليها، وأنّ واجب الجميع هو المضي قدمًا في كل ما من شأنه رفعة هذا البلد والولاء لقيادته تحت ظل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-.
وقالت معالي الدكتورة راوية بنت سعود البوسعيدية وزيرة التعليم العالي إنّ الندوة تأتي إيمانًا من وزارة التعليم العالي بواجبها في سبيل عرض ومناقشة تطلعات الشباب العماني، ورغبة منها في الاقتراب أكثر من تطلعاتهم، لذلك ارتأت الوزارة أن تنظم هذه الندوة التي رسمت لها أن يكون الشباب أنفسهم هم من يقدّمها، ومن يناقش محاورها ويحتضن فعالياتها المختلفة. وأضافت أنّ الندوة تسعى إلى سبر أغوار الشباب والاقتراب منهم عبر محاورها السبعة، محاولين من خلالها استشراف آراء الشباب بوصفهم الهدف والوسيلة، والاستماع إليهم ورصد تطلعاتهم في عالم يموج بالمتغيرات، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستفادة من الماضي العريق للسلطنة فيما يعد مزجًا بين الأصالة والمعاصرة، والتطلع لعالم أفضل تسوده المودة والتفاهم وتسيّره مصلحة الوطن. وأكدت أنّ الهوية العمانية وصور الانتماء والتواصل بين الأجيال وثقافة التعبير الإعلامي، والرموز العمانية، وأخلاقيّات الطريق، كلها محاور في غاية الأهميّة، يسهم فيها الشباب بأوراق عمل خضعت للمنافسة والتحكيم، وهذا ما يميز هذه الندوة عن مثيلاتها. وعبّرت معالي الدكتورة وزيرة التعليم العالي عن ثقتها في الشباب بما يمتلكونه من وعي ورؤية بأن يخرجوا بتوصيات قابلة للتطبيق والتنفيذ، مشيرة إلى الفعاليات المصاحبة لهذه الندوة التي تمثلت في مسابقات علمية وأدبية واجتماعية تمثلت في البحوث والمقال ومسابقات التحدي، والبحث عن الكنز، والتصميم الجرافيكي، وهي مسابقات في عمومها تخدم الندوة، وتهدف إلى صقل مواهب الشباب وتعريفهم بالمنجزات المتحققة على هذه الأرض الطيبة وبعض مفرداتها التاريخية والحضارية. وأعربت معاليها عن أملها في أن تخرج الندوة بما يهدف إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، وللجنة المنظمة النجاح لتؤتي هذه الندوة ثمارها.
الهويّة الوطنية
وركزت الندوة في يومها الأول على محور الهوية الوطنية وصور الانتماء، والتي قدمها الدكتور محمود السليمي، ومحور ثقافة التعبير الإعلامي والتي جاءت من تقديم الإعلامي يوسف الهوتي. وبدأت الندوة بكلمة وزارة التعليم العالي ألقاها سعادة الدكتور عبدالله بن محمد الصارمي. وقال الصارمي إنّ الشباب هم عماد المستقبل وعدته، وأنّ جسور التواصل بينهم هو منهاج تقوم عليه قيم الحوار وثقافة التعبير عن الرأي والرأي والآخر دون إقصاء أو تهميش. وأضاف سعادته أنّ هذه الندوة تتضمن 7 محاور هي الهوية الوطنية وصور الانتماء الوطني والتواصل بين الأجيال وثقافة التعبير الإعلامي والشباب وآفاق ووسائل التنمية المستدامة والإنجازات الشبابية والرموز العمانية والعصرنة والانتماء وأخلاقيات الطريق.
وبين سعادة الدكتور وكيل وزارة التعليم العالي أنّه تم استقطاب أسماء لها شأنها في المشهد العماني وإسهاماتها في قطاع الشباب، ودورها البارز في التفاعل مع معطيات الحاضر ومتغيراته، بالإضافة إلى المشاركة الشبابية من مؤسسات التعليم العالي وغيرها بأوراق عمل في محاورها. وأوضح سعادته أنّ فكرة ندوة "تطلعات الشباب في عالم متغير" ولدت منذ ما يقارب عامين من الزمان ومرت بمراحل عدة من المراجعة والتطوير لتخرج بالصورة التي ارتضيناها أخيرًا بمشاركة شبابية واسعة.
وأضاف: "إننا إذ ننطلق في رحلة سير التطلعات الشبابية في هذا العالم المتغير على الدوام، اتخذنا من المزج بين الأصالة والمعاصرة هويةً وأداة، من خلال سبعة محاور توزعتها أيام الندوة الثلاثة، جاءت موزعة كالآتي: "الهوية الوطنية وصور الانتماء الوطني"، و"التواصل بين الأجيال"، و"ثقافة التعبير الإعلامي"، و"الشباب وآفاق ووسائل التنمية المستدامة"، و"الإنجازات الشبابية"، و"الرموز العمانية.. العصرنة والانتماء"، و"أخلاقيات الطريق"، وقد عمدنا من خلالها إلى استقطاب أسماء لها شأنها في المشهد العماني، وإسهاماتها في قطاع الشباب، ودورها البارز في التفاعل مع معطيات الحاضر ومتغيّراته، بالإضافة إلى المشاركة الشبابية من مؤسسات التعليم العالي - وغيرها - بأوراق عمل في محاورها، لتتعدى المشاركة إلى إدارة المحاور وتقديمها من قبل الشباب أنفسهم".
وأكد حرص الوزارة على أن تصاحب أعمال الندوة مسابقات متنوعة؛ حيث من المقرر ان تنطلق مسابقة البحث عن الكنز صباح اليوم، ويتنافس فيها أربعة عشر فريقًا من الشباب يجوبون معالم العاصمة مسقط، وتوجههم في سيرهم خارطة الكنز بصحبة فريق إعلامي يوثق رحلة البحث في قالب متلفز يتم عرضه في حفل الختام وعبر تلفزيون سلطنة عمان، في جو تنافسي وتفاعلي يسعى لغرس قيم التعاون وتأصيل قيم الانتماء الوطني من خلال المرور على المعالم الثقافية والحضارية التي تزخر بها مسقط". وتابع أنّ لمسابقات التحدي والتصميم الجرافيكي حضورهما البارز، وما المعرض المصاحب لفعاليات الندوة إلا خلاصة النتائج التي خرجت بها المنافسات الشبابية على تلك المسابقات، فضلا عن مسابقات كتابة المقال والقصة القصيرة في إطار محاور الندوة وموضوعاتها، والتي سيُعلن عن نتائجها في اليوم الختامي من أعمال الندوة.
وشدد سعادته على أنّ سياسة التواصل مع فئة الشباب واستطلاع طموحاتهم ليس وليد اللحظة الراهنة، إذ دأبت وزارة التعليم العالي على الدوام على استشراف رؤى الشباب من خلال الزيارات الميدانية التي تقوم بها فرق متخصصة من مسؤولي الوزارة وموظفيها من أجل الوقوف عن كثب على احتياجاتهم وآمالهم، وما هذه الندوة إلا نتاج لتلك الشراكة، وخلاصة من خلاصات تلك اللقاءات المستمرة، التي ارتأينا أن نخرج بها في هذه الصيغة من الملتقيات الشبابية المفتوحة.
عروض مرئية
من ثم تم تقديم عرض مرئي يلخص فكرة الندوة وما تحويه من أوراق عمل تثري العنوان الذي حملته الندوة. وفي الورقة الأولى تحدث الدكتور محمود بن مبارك السليمي مستشار بديوان عام وزارة التعليم العالي، مستعرضًا ورقة عمل بعنوان "الهوية الوطنية وصور الانتماء". وقال إنّ العالم يشهد منذ تسعينيات القرن العشرين تحولات سياسية كبرى، تهدد كيان الدول القومية والوطنية، ويجري الحديث عن نظام عالمي جديد، تتلاشى فيه حدود هذه الدول، لتندمج في إطار واسع هو الدولة العالمية، وعن تحوّل تكنولوجي هائل، وعن "صدمة معلوماتيّة" تقود إلى موجة ثالثة من الحداثة، وإلى إحداث تغييرات عميقة في تفكيرنا، وأنماط حياتنا، وعاداتنا اليومية. ويجري الحديث عن انبعاث حضارة جديدة، لم تحدد معالمها النهائية بعد، سيؤدي إلى تشظّي المجتمعات، وإلى إعادة تقدير قيمة الفرد، بحيث تظهر علاقات اجتماعية جديدة، ونرى أنماط حياة متزايدة، تظهر فيها الفردية إلى الوجود، وتتراجع فيها سلطة الدولة. وأضاف أنّ هذه التحولات تترافق سواء على مستوى الدول والمجتمعات، أو على مستوى الأفراد، مع نوع من العنف واللاعقلانية في لعبة الإبعاد والتهميش وسحق هوية الآخرين، يخفي القائمون عليها استعداداً فطرياً للقسوة، وتعمّد سحق أي تيّار فكري يحمل إرثاً فكرياً، ويعبّر عن مُثلٍ إنسانية يحمل لواءها علماء ومفكرون وحكماء، يجدون أنفسهم اليوم ومجتمعاتهم أمام اتجاهات وتقاليد وأيديولوجيات متناقضة، تبرز الخصومات الدائمة مع كل شيء له علاقة بالتاريخ والجغرافيا والثقافة والهوية الوطنية.
وأكد أنّ اندماج أركان المعمورة قاطبة في قرية كونية معرفية واحدة معولمة يتقلص مع الزمن، حيث تتلاشى المسافات، وتنتقل رؤوس الأموال والسلع والمعلومات والمفاهيم والأفكار والأخبار، والأذواق بسرعة مذهلة، وبحرية تامة غير معترفة برقابة حكومية، أو بحدود وطنية أو برفض أيديولوجي. وزاد أنّه ليس هنالك أهم وأخطر من مفهوم القيم في هذه المعادلة، فالقيمة مصطلح له أهميته المحورية في كل العلوم الإنسانية من الاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع، وأهمّها القيم الاجتماعيّة التي تشكل عماد الهويّة الوطنية لكل أمة، وتسهم في تحقيق التكامل بين أعضاء المجتمع الواحد. وأشار إلى أنّ التكنولوجيا وعولمة القطب الواحد بالوسائل الإعلامية المهيمنة لا تغير القيم الاجتماعية فقط بل تقلبها رأساً على عقب، وتخلق عالمها المجازي وتهيمن على حركة المرور الكونية في كل المجالات: المعلومات، الأفكار، الموسيقى الأمريكية الغربية، البرامج التلفزيونية، برامج الكومبيوتر، شبكات الاتصال، وغيرها، إنّها شديدة الهيمنة ورائجة جداً، توجد في كل مكان على الأرض بالمعنى الحرفي للكلمة وهي تؤثر فعلياً على أذواق وحياة وتطلعات كل الأمم.
وحث السليمي الشباب في نهاية كلمته بالحفاظ على هويتهم وخصوصيتهم الثقافية، وذلك من خلال تقديمه عدد من التوصيات المهمة.
محاولات الطمس
من جهته، قال الدكتور صالح الفهدي- وهو محاور رئيس في هذا المحور- إنّ في هذا الزمن المتغيّر الذي من الصعب التنبؤ بما يخفيه لنا، تتعرض هُوياتنا- بجانب هويات مجتمعات أخرى- لمحاولات الطمس والتذويب من قبل ظاهرة العولمة، وقد شبّه الدكتور علي وطفه (المفكر السوري البارز) هذه العلاقة بين الهوية والعولمة كالعلاقة بين الصياد والطريدة، إذ إن العولمة (الصياد) تلاحق الهوية (الطريدة) فتحاول القضاء عليها، وهذا بالفعل ما يحدث الآن، فالمجتمعات محاصرة بما يسمى بالقوة الناعمةِ soft power لا القوة الصلبة Solid power التي تمثلها الجيوش والدبابات والطائرات العسكرية وغيرها، مؤكدا أنّ القوة الناعمة أكثر فتكاً وأعظم تأثيراً.
وأوضح أنّ الاتحاد السوفيتي تفكك من خلال تبني البعض للقِيم الغربية، قائلا: "ما الذي يثير حفيظة دول كالصين وفرنسا واليابان لتقف وقفة حازمة من أجل الحفاظ على كيان هوياتها غير الإحساس بالخطر الداهم. ففي اجتماع عقد العام الماضي بين مسؤولين صينيين وفرنسيين يقول زافييه نورت المفوض العام الفرنسي للغة الفرنسية واللغات بوزارة الثقافة والاتصالات الفرنسية إنّ تقدم العولمة أدى إلى وحدة ثقافية، وكذلك تفاعلات لغوية، وإنقراض لغات، وهدد الهوية اللغوية". وتابع الفهدي يقول إنّ شيوى جو، أستاذ اللغويات بجامعة نانجينغ الصينية قال إنّ الشعوب يجب أن تتنبه لاحتمال تحدث العالم بلغة واحدة، مضيفًا أنّ جهود حماية التنوع اللغوي والثقافي ستساعد في تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية. وحذّر تساوتشي يون نائب رئيس جامعة بكين للغة والثقافة من أنّ هناك في الصين بعض اللهجات تواجه خطر الانقراض. واعتبر الفهدي أنّ هذا هو ما يحدث في هوياتنا نحن أيضاً من تأثيرات خارجية وداخلية، مضيفًا: "ماذا نفعل إزاءها؟ وما هي البرامج التي نترجمها واقعياً لنحد من هذه التأثيرات؟ وكيف نحصّن أنفسنا والأجيال الحالية والقادمة من خطر تذويب الهوية العمانية وانسلاخها تدريجياً؟". وأكد الفهدي أنّ هذه أسئلة مشروعة لابد من أن طرحها في هذه الندوة التي لا بد أن تخرج ببرامج مدعومة بشتى أنواع الدعم لتلقى النجاح، في ظل وجود شباب يمتلك من الإمكانات والاستعدادات ما يمكنه من لعب دور فاعل في هذا المجال في ظل وجود إشكاليات كثيرة تحتاج إلى نقاش مستفيض ووقفات مستنيرة قريبة من رؤى الشباب وتطلعاتهم.
إنجازات وتحديات
وأعقب ذلك، تقديم ورقتين للطلبة الفائزين في هذا المحور، وهما نوال بنت بدر الصمصامية من كليّة العلوم التطبيقية بعبري والحاصلة على المركز الأول في هذا المحور؛ حيث قدّمت ورقة بعنوان "الهوية الوطنية.. إنجازات وتحديات". وركّزت في ورقتها على عدة محاور منها مفهوم ومكونات الهوية الوطنية، مؤشرات تحديد الهوية الوطنية، مثال على ذلك: المجتمع العماني وحفاظه على العادات والتقاليد، وصور الانتماء، إنجازات وتحديات الهوية الوطنية، والتواصل الشبكي وأزمة الهوية. واستعرضت في هذا السياق محاولات أوربا للحفاظ على الهوية الأوربية مقارنة بمحاولات العرب، منهية ورقتها بعدد من التوصيات المرتبطة بالهوية الوطنية.
كما استعرض الطالب وهب بن مبارك السعدي الحاصل على المركز الثاني من كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس والذي قدّم ورقة بعنوان "الهوية والانتماء في ظل العولمة.. المجتمع العماني أنموذجًا". وركّز الطالب في ورقته على خمسة محاور؛ الأول: العولمة والهوية في محاولة لفهم العولمة، وكيف يمكن التعامل معها والتطرق لأسباب الزخم الذي تحظى به وربط ذلك بالهوية، والثاني: الانتماء والهوية والاغتراب، من خلال التطرّق لعلاقة الانتماء والهوية ببعضهما، وما الذي قد يحدث نتيجة الابتعاد عن الهوية، الأمر الذي تمّ تجسيده في ظاهرة الاغتراب كنتيجة، وفي اللا انتماء كأحد أبعاد الاغتراب. كما استعرض السعدي المحور الثالث: بعنوان "المجتمع العماني.. الهوية والانتماء في واقع العولمة"، واستعرض فيه محاولة لقراءة ملامح المجتمع العماني في ظل التفاعل العالمي، والتأثيرات التي قد تكون نتجت من تأثر المجتمع العماني بالعولمة، واستند في ذلك على نتاج عمل بحثي عن الاغتراب الثقافي للأكاديمية أوردته المحروقية من جامعة السلطان قابوس ضمن رسالتها للماجستير. أمّا المحور الرابع فكان "الروابط المقدسة والهوية الوطنية.. نظرة في أركان الخطاب السامي"، وسعى إلى محاولة استقراء الأركان التي تحدد الإطار البنيوي لخطابات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- أبقاه الله- في مختلف المناسبات، وأخيرًا محور: "الإنجاز والمأمول"، وهي قراءة لما تحقق والمأمول في أن يتحقق بهدف تعزيز الهوية الوطنية والانتماء في واقع العولمة. من ثمّ افتتح راعي الحفل معرضًا للتصميم الجرافيكي.
ثقافة التعبير الإعلامي
وفي الفترة المسائية، جاءت أوراق العمل لتناقش ثقافة التعبير الإعلامي, وقدّمها الإعلامي يوسف بن عبدالكريم الهوتي. وتحدّث الهوتي عن دور وسائل الاتصال الحديثة في تحويل العالم إلى قرية صغيرة. كما تحدّث عن تأثير المنظومة الإعلاميّة الجديدة في تقريب البعيد وإبعاد القريب، وسهولة التواصل مع العالم الافتراضي يقابلها غياب التواصل في العالم الحقيقي. وأشار إلى تقنيات الاتصال الحديثة التي أسهمت في التقارب بين السكان في المجتمعات الانعزالية، لكنّها أثرت سلبًا في المجتمعات العربية والمجتمع العماني بشكل خاص، والذي تتخذ فيها العلاقات الأسرية والاجتماعية أبعادًا أعمق وأوثق عن المجتمعات الأخرى، كما أدت بصورة سلبية في انتشار الشائعات.
تلا ذلك، تقديم ورقتي عمل للطلبة الفائزين، وجاءت ورقة الطالبة سالمة بنت عبدالله المقحوصية في المركز الأول بعنوان "منظمة تنمية ثقافة التعبير الإعلامي". أمّا الورقة الثانية للطالب الحائز على المركز الثاني عبدالله بن علي المقبالي، والتي حملت اسم "في حمى العربية لآليات تعزيز الهوية الوطنية لاستخدام اللغة العربية".
ومن المقرر أن تستعرض الندوة اليوم الإثنين محور التواصل بين الأجيال، من خلال المكرمة الدكتورة سعاد بنت محمد علي سليمان، ومحور أخلاقيات الطريق للدكتور حمد المعشني، ومحور آفاق ووسائل التنمية المستدامة للدكتور سيف الحجري.
أكثر...