تُجسّد ندوة تطور العلوم الفقهية، التي اختتمت أعمال دورتها الثانية عشرة بمسقط أمس، جانبًا من الرعاية الساميّة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لكل ما من شأنه خدمة قضايا الأمة، وما ينهض بمستقبلها ويُسهم في تقدّمها.
فالندوة التي تحظى بالرعاية السامية الكريمة تواصلت على مدى السنوات الماضية، لإثراء الفقه باجتهادات نوعية من قبل علماء الأمة، لمواكبة مستجدات العصر، وتلبية الاحتياجات المستجدة .. وتتفرد ندوة تطور العلوم الفقهية بين الندوات والمؤتمرات المماثلة في أكثر من جانب، منها أنها تعقد في السلطنة المعروفة بسيادة قيم التعايش والتسامح فيها، كما أن الندوة وعلى مدار دوراتها شهدت كثافة في أعداد المشاركين من علماء الفقه والقانون والاجتماع والأخلاق، يضاف إلى هذا شمولية اهتمامات الندوة وعمق أطروحاتها الهادفة لخدمة قضايا الإسلام والمسلمين.
وكل هذا أتاح للندوة الارتقاء والتطور في تناول القضايا التي تهم المسلمين في عالم اليوم، والانتقال تدريجياً إلى بيئة أوسع للتفكير في جميع المسائل التي تهم المسلمين في هذا العصر، علاوة على إضاءة دور الدين وأخلاقياته في صنع المستقبل، من خلال إسهامات قامات فكرية مرموقة وطاقات عملية عربية وإسلامية من المشهود لها بالكفاءة والخبرة .
وقد تمخضت الدورة الثانية عشرة من الندوة والتي حملت عنوان "فقه رؤية العالم والعيش فيه: المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة" عن نتائج مهمة وتوصيات طموحة، تشكل في مجملها إضافة نوعية للاجتهادات الفقهية فيما يتعلّق بالتعايش، والتأصيل الفقهي لهذا المفهوم الذي يتمحور حول " التصالح مع النفس والتساكن والتجاور والتحاور مع الآخر والعيش معه وفق قواعد الاحترام المتبادل وتوفير الأمان، وضمان الحقوق والحريات لكل إنسان في إطار الضوابط المرعية المقتضية لصون الدين على أعرافه المستقرة" ، وهو بهذا الفهم المتقدم يعتبر الفقه جسرًا للتواصل بين المسلمين وغيرهم، ومنبرًا لإبراز الصورة الناصعة لعالمية الإسلام وشمولية فقهه للحياة البشرية في شتى مناحيها .
ولا شك أن ما توصلت إليه الندوة من نتائج خلال دوراتها المتعاقبة، يمثل رصيدًا متميزًا، وإرثًا فكريًا ينبغي التأسيس عليه من أجل استنباط معجم للتعاملات الفقهية في مختلف أوجه الحياة.
أكثر...