مسقط- الرؤية
قدّم (بيت الغشام للنشر والترجمة) إلى المكتبة العربية ـ وللمرة الأولى ـ قصائد الشاعر والراهب الكوري الأشهر تشو أو ـ هيون، في ديوانه (قِدِّيسٌ يُحلق بعيدًا)، بترجمة الشاعر المصري أشرف أبو اليزيد، ضمن مشروع الترجمة الذي ستعمل عليه الدار بنقل أعمال من العربية وإليها، خاصة الكتابات العمانية التي ستجد خلال هذا العام ترجمة إلى لغات أجنبية أولها الإنجليزية.
"الأشعار التي يمكن أن تبدل حياة بأخرى، وتصنع عالمًا من الحكمة يعيش بها المرء، حين يقرأ، وحين يتذكر، وحين يتأمل"، كان ذلك هو وصف أشرف أبو اليزيد الذي ترجم القصائد عن الإنجليزية، بعد أن نقلها من الكورية شاعر مرموق آخر هو تشانج سو كو.
في الديوان تعريف بنمط الشعر الذي يعتمده الشاعر تشو أو ـ هيون، بقلم: بارك تشول ـ هي، يحمل عنوان (شعر سيجو في الأدب الكوري)، وفيه يرسد كيف يعد سيجو نوعا شعريا له تاريخ هو الأطول في الأدب الكوري، حيث تمتد جذوره إلى الشعر الكلاسيكي الكوري وقد تطور من جيل إلى آخر ليكون الشكل الأنسب والأكثر استخداما في التقاليد الشعرية لدى الشعب الكوري. والأكثر من ذلك، وبغض النظر عن التاريخ الطويل للشعر لكوري، فإن سيجو وحده ظل يستخدم على نحو متواصل  منذ العهد الأخير لأسرة كوريو بينما نجد أن أشكالا شعرية أخرى عديدة تأتي وتذهب. وأصل كلمة سيجو يعني (أغنيات الزمن)، أو الأغاني الشعبية لحقبة معينة؛ ومن هنا، فالكلمة تمثل مصطلحًا موسيقيا أكثر من كونها إصطلاحا شعريا. وقد أصبح وتشو أو ـ هيون من الشعراء الأبرز لهذه الأشعار، وقد عبر عن فلسفته البوذية في أشكال شعرية بديعة.
ويقول مدير بيت الغشام للنشر والترجمة الكاتب محمد بن سيف الرحبي إن الديوان المترجم يأتي في إطار مشروع رفد الساحة الأدبية بإصدارت منفتحة على ثقافات العالم، باختيار غير المطروق والنادر والمتميز، فضلا عن المشروع الموازي والأساسي الذي يعتمد منهج التعريف بهوية الثقافة في السلطنة، وأدباء ومبدعي العرب، كما أن التوجه شرقا مهم للتعرف على حضارات كبرى لم نتعرف عليها كوننا توجها غربا، وفق ما يأتينا من ترجمات.
وتجربة نقل الشعر الكوري إلى القاريء العربي هي الثانية لأشرف أبو اليزيد، الذي نشرت له سلسلة كتاب دبي الثقافية أنطولوجيا الشاعر الكوري الكبير المرشح لنيل جائزة نوبل في الأدب: كو أون، التي حملت عنوان (ألف حياة وحياة)، كما ترجمت إلى الكورية روايته (شماوس).
ولد الشاعر تشو أو ـ هيون في العام 1932م وأصبح راهبًا بوذيا سنة 1958، ثم بدأ مسيرته الأدبية في 1966، ليكون اليوم واحدًا من الأسماء المرموقة في عالم الشعر. نال تشو أو ـ هيون عدة جوائز رفيعة في كوريا، فحصل عام 2007 على جائزة تشونج شيونج الأدبية عن ديوانه المترجم (قدِّيس يُحلقُ بعيدًا)، وهو الآن مدير معبد (بائيكتام) في شمال غرب كوريا الجنوبية، حيث يلقب في المعبد باسم (ماناك)، بينما يحتفظ باسمه البوذي (موسان). 
من قصائد ديوان (قدِّيس يحلق بعيدًا):
هذا هو جسدي
صَعَدْتُ أعاليَ جَبلِ (نامسان)،
راقبتُ الشمسَ وهْيَ تأفلُ غاربةً.
كانت مدينة (سيئول) سربًا
من زبدٍ أحمر داكن يتغرغر.
هذا هو جسدي؛ لم يكن أكثر من مجرد عَلقةٍ
عالقةٍ في ورقةٍ طحلبٍ في هذا السرب.
نظرية الزمن
هناك نِساءٌ لسْنَ كمثل النِّساء
حتى تُسَمَّى إحداهن امرأةً.
عليك أن تشبهَ وترًا في آلة "كومنجو"،
متى مَا جئْتَ، وأيْنَمَا حللتَ.
ولكن بعْدَها
يجب أن يكون هناكَ رجلٌ
ينتظرُ في ثنايا دهْرٍ لا نهاية له.
(آلة "كومنجو" الموسيقية، هي "قيثارة" كورية لها ستة أوتار).
مسافة الحب
يتنوّعُ الحبُّ.
الحب الحقيقي
عليه أن يشيِّدَ على الأقل
جِسْرًا من الحَجَر
فوقَ تيَّار متدفقٍ.
على أنْ تصلَ مسافةُ العودةِ للقاءِ
بين ذلكَ الجسْر والعالم الآخر.
ضباب
لا سَبيل للتقدُّم،
لا سَبيل للتراجُع.
أنظرُ حولي، فلا أجدُ
إلا سماءً خاوية وجرفًا لا نهاية له.
إنها سخافة:
أن أطوِّفَ طيلةَ حياتي
فقط كيْ أصلَ إلى حافةِ هذا الجرفِ.
يهبطُ الضبابُ حولي ليزيدَ ارتباكي
هذا الجرفُ هنا
حيث يجبُ أن أحطَّ الرحالَ لذاتي أخيرًا
بالحياةِ والموتِ معًا.
إنه عبثٌ:
أنَّ كلَّ ما قبضتُ عليهِ طيلةَ حياتي
ليس سوى الضباب.
فزَّاعات
ألوِّحُ بيديَّ، حتى لأسرابِ الطيور التي تحلقُ بعيدًا،
ألوِّحُ بيديَّ، حتى للمارِّين بي،
نحن الفزَّاعاتُ التي تبتسمُ وهي تَعْمَلُ
في حقولِ أرْز الآخرين.
أقفُ بساقين منفرجتين فوق ضفافِ حقل الأرز
في سنواتٍ حصادها سخاء،
وفي سنواتٍ حصادها ضنين،
ناظرة إلى حقل الخريف،
حقلي أو حقل سواي،
لا أتقاضى أجرًا،
وأقول أنا الفزاعة البسَّامة.
رغم قول البشر إني فزاعة،
يحدث حين أفرغ رأسي، وأفرد ذراعيَّ،
أن كلَّ شيءٍ، حتى السَّماء،
يأتي إلى فضائي الحميم.
حين يجتمعُ الغسق
هناك، ينضجُ حبُّ الجدِّ لحفيدِه
مثلَ ثمرةِ يُوسُفي.
ويَكْبُرُ حبُّ الجدّةِ لحفيدتِها
مثل صلصة الفلفل.
وفي خاتمة اليوم أدركُ
فجوة ريح الصباح.
صوتُ بكائي
لنصفِ يوم أستمعُ لأغنياتِ الطيور
في الغابة.
لبضْع ساعاتٍ قربَ البحر
أستمع لموجات البحر.
متى سيحينُ لي أنْ أسْمعَ
صوتَ بكائي؟
أكثر...