حوار- مالك الهدابي
ما بين كليتي الطب والهندسة رحلة تغيير مسار خاضها مدرك الحراصي بإصرار على أن يعود لدراسة العلوم الهندسية رغم أن المقادير ألقت به على أعتاب كلية الطب، التي غادرها وهو يحمل بين جوانحه طموحاً بإنزال العلوم المفيدة والدراسات التي تعالج المشكلات الحياتية من أرفف المكتبات إلى حيث الواقع حتى يستفيد منها المواطن في إنعاش صحته العامة، وينتفع بها في التغلب على الصعوبات التي قد تواجهه.
عندما التقيت به بدأ يُعرّف بـ"مركز نسمة العلمي" قبل أن يُعرّف بنفسه لأن مركز نسمة هو في الحقيقة واجهة لشخصية الحراصي, فسلسلة مناهج "أنا طموح" هي ترجمة لتجربة عاشها بين طموح الهندسة ومصيره الذي وجهته الرياح إلى كلية الطب, ويعتبرها قصة من الكفاح خاضها لتحقيق طموح انتظره من أيام الصغر.
يقول الحراصي: دشنا مركز نسمة العلمي في شهر إبريل من عام 2010م, بهدف مزج الأفكار العلمية بحياتنا اليومية وذلك بعد نقاشات دائمة من بعض أطباء مستشفى جامعة السلطان قابوس تناولت الحاجة الماسة إلى تطبيق العلوم العلمية على حياتنا في وقت كثرت فيه الأبحاث العلمية والتي يكون مصيرها أرفف المكتبات بالرغم من أنها تحوي أفكارًا نادرة بإمكانها إضافة قيمة عظيمة في حياة كثير من الناس .
وأضاف: على سبيل المثال درسنا فوائد اللبنة من خلال مركز نسمة العلمي وفاعليتها في تخليص العديد من مرضى تخمر اللثة من التهابها ومن تسوس الأسنان, بتشجيع من الدكتورة رشا هادي أحمد طبيبة أسنان بمستشفى جامعة السلطان قابوس وباجتهاد مدير مركز نسمة مدرك الحراصي, وتم اختيار 20 عينة من طلاب الجامعة - ذكورًا وإناثًا- يعانون من مرض تخمر اللثة, وتم إعطاؤهم اللبنة لمدة أسبوع كامل, بحيث يتم تناولها صباحاً ومساءً مع الابتعاد عن مسببات التسوس من السكريات.
وأظهرت النتائج أن 16 من إجمالي العينة تخلصوا تخلصًا تامًا من تخمر اللثة, وهذا بفضل بكتيريا بلاكتولايس الموجودة في اللبنة والتي بإمكانها التخلص من الفطريات التي تساعد على تخمر اللثة, حينها قام مركز نسمة العلمي بإخراج كتيب تحت عنوان "صحة الأسنان" لكي تصل فائدة الدراسة إلى المجتمع فيستفيد منها.
ويواصل: أيضاً أخرجنا كتيب "صحة العيون" بإشراف الطبيب الاستشاري عبدالله المجيني حيث يتناول الكتيب العديد من الأفكار العلمية والتمارين الطبية للعين والتي بإمكانها تطوير صحة البصر لدى الإنسان, وكان ذلك أيضاً مشابهاً لإخراج كتيب "صحة الأذن والأنف والحنجرة" بإشراف الدكتورة نسرين عبدالقادر من مستشفى الجامعة.
ويؤكد أن مركز نسمة العلمي يهتم بتنمية الحياة الصحية لدى الإنسان, وله دور عظيم في الاهتمام بالحياة التربوية والعلمية لدى المجتمع.
ويقول:إنّ هذا المنهج العلمي المهني "أنا طموح" صمم لكي يساعد الناشئة في المراحل التعليمية الأولى ويقوم بربط فكر الطالب بمستقبله المهني لينمي صفة الطموح لدى هذا الطالب . فمن المؤسف أن نجد نسبة كبيرة من التلاميذ يصلون إلى المرحلة الأخيرة من الدراسة دون أن يخططوا لمستقبلهم المهني.
وأضاف: إن زرع صفة الطموح لدى الطفل جدير بتنمية عزيمة مسيرة التعلم لدى طالب العلم. كما أنها تحسن من مستوى الطلاب الدراسي بمعدل كبير لأنها ترسم أهداف كل منهم أمام عينيه.
كما يقوم مركز نسمة العلمي بدورات علمية تنموية مجانية تهدف إلى تطوير الإبداع العلمي في الحفظ والفهم معتمدًا في دوراته على الطب النفسي وطب الأعصاب, لما لهما من بنية أساسية يعتمد عليها التطوير الحياتي في الحفظ والفهم لدى الإنسان.
فهدف سلسلة مناهج أنا طموح هو تصحيح خطأ تعلمت منه في حياتي رغم أنني لا أنكر ذاك الجميل العظيم الذي استفدته في كلية الطب ومن الأطباء الذين استمر نفعهم لي في رحلتي العلمية كالدكتور البروفيسور سمير العدوي وهو أحد الأطباء الذين استفاد منهم مركز نسمة العلمي كثيراً.
ومن المواقف التي أحب أن أشيد بها موقفه القوي تجاهي عندما كنت أحد طلابه وأنا في السنة الثانية في كلية الطب, أذكر أنني جلست معه في مكتبه فقال لي: " إن طالباً مثلك يا مدرك ينبغي أن يكون فعلاً في كلية الهندسة" وقلت "موقفه القوي" لأنّه قام بكتابة رسالة رسمية موجهة منه شخصيًا إلى من يهمه الأمر . ولا زلت احتفظ فعلاً بهذه الرسالة, وهنيئا لكلية الطب بمثل هؤلاء العظماء.
ولا أنسى كذلك البروفيسور ( أناند داتا) الذي كان أيضاً عوناً لي في تلك المحاولات.
وشاءت إرادة المولى عزّ وجلّ عندما كنت في السنة الرابعة أن يفتح لي باب بمنحة مقدمة من شركة النظير لخدمات النفط , والتي اعتبرتني موظفاً, وحولتني بدورها لدراسة الهندسة في الكلية الدولية للهندسة والإدارة في حين لا أزال طالباً في كلية الطب.
وأذكر حينها عندما علم الدكتور داتا بذلك حولني للتدرب مباشرة في قسم الطوارئ بقسم الحوادث بمستشفى الجامعة في الفترة المسائية حتى يتسنى لي التأقلم مع دراسة الهندسة في الفترة الصباحية إلى حين اتخاذ القرار النهائي في مشوار كلية الطب.
وبعد تلك السنة قررت مغادرة كلية الطب بشهادة مقدمة من الدكتور طاهر باعمر والبروفيسور أناند داتا مساعد رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية.
وعندما تمّ تحويلي إلى كلية الهندسة اجتزت المرحلة الأساسية, ودخلت مباشرة في تخصص حفر آبار النفط حتى أكملت شهادة الدبلوم العالي, وتوظفت بعدها في شركة شلمبرجير بقسم الحفر والقياسات.
أكثر...