تعد الأسواق المالية رئة الاقتصاد الوطني، وتعكس حالة هذه الأسواق الحالة الاقتصادية السائدة في أي بلد، والتي من خلالها يستدل على متانة وتوجهات الاقتصاد الوطني، وهنالك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية المحركة لهذه الأسواق. وهنالك اختلاف في الوزن النسبي لمدى تأثير هذه العوامل من سوق لآخر.
وفي اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي وأسواقها ومنها سوق مسقط للأوراق المالية يمكن أن تسيطر عوامل على حركة الأسواق، أولها عوامل داخلية؛ وتلعب مجموعة هذه العوامل دورًا رئيسيًا في حجم السوق وأدائه وتوجهاته. وتتمثل هذه العوامل في أولا حجم الموازنة العامة للدولة؛ حيث إنّ حجم هذه الموازنة يعتبر مؤشرًا على توجّهات السوق المستقبلية فكلما كانت أكبر من سابقتها كلما أعطت مؤشراً إيجابيا على زيادة نشاط السوق باعتبار أنّ إنفاقات هذه الموازنة سوف تصب في تنشيط أداء الاقتصاد الوطني بما ينعكس إيجابًا على أداء سوق الأوراق المالية. وكذلك الناتج المحلي الإجمالي الذي يعبر من خلاله عن حجم النشاط الاقتصادي في الاقتصاد الوطني، فكلما ارتفع هذا الناتج كلما انعكس ذلك على ارتفاع في حجم نشاط السوق المالي. والنتائج المالية لأداء الشركات فكلما كانت النتائج جيّدة كلما انعكس إيجاباً على أسعار وأحجام التداول ونشاط السوق بشكل عام، إضافة إلى سياسات الشركات في مجال تقسيم أو توزيع الأرباح. ومدى اتّساع أو انحسار قاعدة المساهمين في الشركات العامة المساهمة إذ يتناسب نشاط السوق طرديا مع ذلك، لأنّ ذلك يؤدي إلى إرتفاع كميّة الأسهم المتاحة للتداول الحر "Free float shares". ومن بين العوامل المؤثرة حجم رؤوس أموال الشركات العامة المدرجة، فكلما كانت رؤوس أموال الشركات كبيرة أدى ذلك إلى ارتفاع عدد الأسهم المطروحة للتداول وساهم في ارتفاع النشاط السوقي، ومتوسط دخل الفرد وحصته من الناتج المحلي الإجمالي حيث إنّ هذين المتغيرين يعبران عن حجم الادخار والاستثمار الفردي في الاقتصاد الوطني ويؤثر إيجابًا أو سلبًا حسب هذه الحصة. وحجم وتوجه الاستثمار المؤسسي في السوق حيث يشكل هذا المتغير عاملا مهمًا في نشاط السوق من حيث توجة أدائه وأحجام التداول فيه، وخطط التنمية الاقتصادية وتوجهاتها، وأسعار النفط إذ تعد هذه الأسعار محركاً رئيسيًا لبناء الموازنات العامة للدولة وتحديد حجم الإيرادات والانفاقات المستقبلية، فارتفاع أسعاره يعتبر مؤشراً على تحسّن إيرادات الاقتصاد الوطني والعكس صحيح، إضافة إلى أنّ حركة أسعاره تساهم في بناء التوجه النفسي للمستثمرين بما يتنكس إيجابًا أو سلبًا على حركة السوق.
أمّا العوامل الخارجية، فيمكن القول إنّ نظام العولمة أدى لحدوث تداخلات في أداء اقتصاديات دول العالم، بحيث أصبح إجمالي أداء الاقتصاد العالمي ينعكس إيجاباً أو سلباً على الأداء الاقتصادي لدول العالم المختلفة، ومنها نشاط الأسواق المالية، ووفقاً لهذا التوجه فإنّه عندما يسود انحسار وتراجع في أداء الأسواق المالية الإمريكية والأوروبية مثلاً ينعكس ذلك وبسرعة على أداء الأسواق المالية الآسيوية. إنّ هذا الترابط أدّى إلى حصول انفصام بين أداء الأسواق المالية والأداء الاقتصادي للدولة التي تمارس الأسواق أنشطتها فيها وما أدل على ذلك مما شاهدناه من تراجع لأداء الأسواق المالية الخليجية خلال عام 2011م، والتي لا تبدو منطقية عند احتساب الأساسيّات الاقتصادية والمالية والاستثمارية لاقتصاديات دول مجلس التعاون وتوقعات نمو نواتجها المحلية الإجمالية وأحجام وتوجهات خطط التنمية فيها.
وكذلك الأوضاع الجيوسياسية التي تسود المناطق التي تمارس الأسواق المالية أنشطتها فيها حيث إنّ حالة القلق تعتبر عنصرا ذات تأثير سلبي على أداء أسواق المنطقة والعكس صحيح.
وتؤثر في السوق كذلك عوامل هيكليّة، وتمثل العوامل الهيكلية عنصرًا مهمّا في كفاءة وتوجهات أداء الأسواق المالي، وتتضمن هذه العوامل الأنظمة والقوانين التي تحكم أداء السوق، ومدى كفاءة التكنولوجيا المستخدمة في ضبط أداء التداول في الأسواق، وكفاء وخبرة الموظفين العاملين في السوق.
أكثر...