الرؤية – رويترز
عندما توجه رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مدينة جوما الإفريقية التي مزقها العنف في يوم غائم الشهر الماضي كانت هذه هي المرة الأولى التي تحشد فيها أكبر مؤسستين للتنمية الدولية قوتيهما لدعم أضعف المناطق في العالم.
وسافر كيم وبان إلى ثلاث دول بمنطقة البحيرات العظمى في شرق إفريقيا لتعزيز شراكة جديدة بين المؤسستين تتضمن تقديم البنك مليار دولار لدعم جهود حفظ السلام في المنطقة.
وأعلن الاثنان عن التمويل في مدينة كينشاسا عاصمة جمهورية الكونجو الديمقراطية بينما كانت قذائف المورتر تتساقط في جوما بشرق البلاد. غير أنّ الرجلين المولودين في كوريا الجنوبية تعهدا بمواصلة رحلتهما.
وقال كيم في كينشاسا "نذهب إلى هناك لأننا نؤمن بأنّ السلام والأمن والتنمية الاقتصادية أمور ترتبط ببعضها ... نذهب بغرض محدد للغاية وهو أنه لابد من تحقيق مكتسبات سلام."
وتقر المؤسستان بأنّ جهودهما المشتركة تواجه عقبات. فكلتاهما تعاني من بيروقراطيات واسعة غير فعالة تتضارب مع بعضها كما يشعر البنك بالقلق من إقراض دول هشة ذات حكومات ضعيفة ومؤسسات أوضاعها غائمة.
علاوة على ذلك يحذر محللون متخصصون في شؤون التنمية من أنّه لم يجد أحد حتى الآن سبيلا واضحا لتحقيق التنمية المستدامة في الدول التي تئن من أعمال العنف.
لكن البنك الدولي وبعض المحللين يقولون إنّ المؤسسات لن تستطيع تحمل تكلفة التقاعس عن تقديم المساعدة في ظل توقعات بأن يعيش نصف سكان العالم الأشد فقرا في مناطق تعاني من الصراع بحلول عام 2018. وتعاونت المؤسستان بالفعل في بعض الدول ومن بينها ليبيريا والبوسنة بل ووقعتا اتفاقية إطارية في عام 2008 وتعهدتا بالعمل معا في دول تشهد أزمات أو تتعافى من تداعياتها. غير أن محللين يقولون إن جهودا أخرى لم تدم أو اقتصرت على محاولات غير متكررة في دول أو حالات معينة.
وقال ستيفن راديليت الأستاذ بجامعة جورج تاون "لم يكن هناك أي نوع من المنهجية المنظمة لتعاون المؤسستين ... أحيانا كانت الأمور تسير على ما يرام وفي أحيان أخرى كانت هناك فجوات كبيرة." وغالبا ما تتبنى الأمم المتحدة والبنك الدولي أهدافا مماثلة ولكن تختلف مناهجهما إذ يركز البنك على الاقتصاد بينما تصب الأمم المتحدة اهتمامها على الأمن والتنمية البشرية.
وقال لورانس تشاندي زميل مؤسسة بروكنجز للأبحاث إنّ وكالات الإغاثة سرعان ما تتجه إلى مساعدة الدول مما يؤدي إلى تكرار الجهود وتعقيد الأمور للحكومات التي لا تقدر على التعامل مع هذا العدد الكبير من المنظمات. وأضاف "هناك فرق كبير ولكنه غير ملحوظ ... بين التنسيق والتعاون ... والحقيقة أننا نكافح بالفعل حتى من أجل التنسيق ... أما التعاون فهو نموذج جديد تماما."وقال كيم إنّ الهدف من المهمة المشتركة في إفريقيا والتي تضمنت زيارات إلى جمهورية الكونجو الديمقراطية ورواندا وأوغندا هو التأكيد على أن هذه المرة ستكون مختلفة.
وقال رايموند أوفنهايزر رئيس منظمة أوكسفام أمريكا للتنمية إنّ عمل كيم في منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة جعله على دراية بنقاط القوة والضعف للمنظمة الدولية.
وتكمن الفكرة وراء جولة البحيرات العظمى في أنّ التنمية لا يمكن أن تتحقق بدون الأمن الذي لا يمكن أن يدوم بدوره دون إعطاء الناس حوافز على حفظ السلام وهو ما يمكن أن توفره مشروعات التنمية.
وأعلن كيم أثناء رحلته إلى المنطقة عن تقديم تمويلات جديدة قيمتها مليار دولار لمشروعات البنية التحتية والتجارة الدولية والخدمات الصحية والتعليمية. لكن هذا الأمر سيتوقف على مدى التزام جميع دول المنطقة باتفاق سلام توسطت فيه الأمم المتحدة في أواخر فبراير الماضي.
ويقول باحثون أمثال كريس بلاتمان في جامعة كولومبيا إنّ هناك براهين تؤكد أنّ مشروعات البنية التحتية الضخمة مثل الطرق ومحطات توليد الكهرباء - إحدى نقاط قوة البنك - يمكن أن تساعد على استقرار البلاد وتعزيز الاقتصادات.
لكن مكافحة الفقر في الدول الهشة أمر معروف بصعوبته. ذلك أنّ هذه الدول متأخرة عن باقي العالم في اتخاذ الإجراءات الضرورية بخصوص الصحة والتعليم ووفيات المواليد ومعرضة للانتكاس عندما يعود الصراع.
والتعامل مع الأمن أمر جديد على البنك الدولي الذي كان يتجنب الدول الهشة في الماضي إلى حد كبير.
وقال كيم "أفعل ذلك لأنّه إذا كنا نريد أن ينبعث لدينا أي أمل في إنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك فسيتعين علينا بلا ريب العمل مع الجميع."
وأضاف "أرى أنّ عدم التعاون مع الأمم المتحدة يعني أنك تعترف مقدمًا بأنك ستتحلى بطموحات ضئيلة."
ومع اقترابه من الذكرى السنوية الأولى لتوليه رئاسة البنك أعطى كيم أولوية للتعاون مع منظمات التنمية بما فيها الأمم المتحدة. وتحدث كيم وبان عن القيام بجولة مشتركة أخرى على أن تكون هذه المرة إلى منطقة الساحل الإفريقي.
وثمة عدة عوامل دفعت البنك لتحويل تركيزه إلى الدول المضطربة. وأول هذه العوامل أنّ هناك 31 دولة مصنفة في مرتبة الدول الهشة من بين 82 دولة مؤهلة للحصول على قروض ومنح من صندوق البنك المخصص للدول التي تعاني من فقر مدقع. ويقترح البنك الآن تخصيص حوالي 20 بالمئة من هذه التمويلات لتلك الدول ارتفاعًا من ثمانية بالمئة في أواخر تسعينيات القرن العشرين.
والعامل الثاني هو أنّ هذه الطبيعة الهشة قد تغيرت. فصحيح أن عدد الصراعات في العالم يتراجع لكنها باتت تستمر لفترات أطول مما يطمس الفارق بين المساعدات الإنسانية التي تتدفق عند نشوب الأزمات والتنمية طويلة الأمد.