مسقط- الرؤية
أصدرت الباحثة رقية بنت سيف البريدي كتابها المعنون بـ"إشكاليات الشعر في المسرح الشعري.. أحمد شوقي نموذجا" هدفت من خلاله إلى "معرفة خصوصية الشعر في المسرح الشعري العربي ودراسة قضايا الشعر الحاضرة في المسرح الشعري والاطلاع على مدى فنية الشعر المسرحي العربي ومعرفة مدى قابلة إخضاع النص الشعري المسرحي للدراسات الأسلوبية".
وجاء الكتاب الذي صدر عن مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة في أربعة فصول، الأول تناول كتابة المسرح شعرا، فيما تطرق الفصل الثاني إلى أسلوب الكتابة في الشعر المسرحي، وتناول الفصل الثالث الجدلية الغنائية والدرامية، واختتمت المؤلفة دراستها بالفصل الرابع متناولة الشعر ونقده كموضوع مسرحي.
تتحدث المؤلفة عن كتابها في خاتمته بالقول إنّّها تناولت في هذه الدراسة إشكاليات الشعر في المسرح الشعري العربي من خلال مسرح أحمد شوقي الشعري، عارضة فيها سبع مسرحيات شعرية، كانت انطلاقة للمسرح الشعري، إذ انطلق بعدها مواكبا للحركات والمذاهب الأدبية المختلفة ولاسيما ما جاء منها ملامسا للشعر أو المسرح بشكل مباشر، فكانت كل خطوة يخطوها المسرح الشعري العربي وسيلة جديدة لمعالجة بعض الإشكاليات القائمة بين الشعر والمسرح، ومحاولة جادة للتوفيق بين خصائص هذا وذاك، إلا أنه تبقى بعض الإشكاليات الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها؛ نظرًا لأنّ كل جنس أدبي يشكل وحدة أدبية مستقلة بذاتها، فوظائف كل جنس أدبي تختلف عن الآخر، فخرجت هذه الدراسة بعدد من النتائج التي توضح طبيعة التلاقي بين الشعر والمسرح في المسرح الشعري، وتساعد على إدراك بعض الخفايا المتعلقة بقدرة الأجناس الأدبية على التكيف مـــع بعضها تحت مسمى أدبي مزدوج، فكانت بعـض النتـائج عامّة على المسرح الشعري وبعضها خاصّة بمسرح شوقي الشعري، ومن تلك النتائج ما يلي:
وترى البريدية أنّ اللقاء الذي يحدث بين الشعر والمسرح داخل إطار المسرح الشعري إنما هو لقاء يرتقي بالجنسين وليس العكس، فهو يثبت قدرات الشعر العربي على حمل المسرح على الركح، كما يؤكد على أن المسرح استطاع أن يصعد من خلال الشعر ليعالج كل أصناف الصراع الإنساني، فالشعر قادر على تصعيد الموقف الدرامي، كما هو حال النثر، وكلاهما وسيلة للوصول إلى غايات المسرح، وقد ساهمت ترجمـة النصوص المسرحية شعرا في تطوّر المســـرح الشعـري العربي ودفعه للأمام، فالترجمة الناجحة تعطي صاحبها خبرة في معالجة الفكرة، وتطرح قضايا جديدة يمكن للشاعر العربي معالجتها من زوايا أخرى مختلفة وبفكر يتفق مع مجتمعه.
وأشارت إلى أن المسرح الشعري دائرة واسعة ويشكل الشعر المسرحي جزءا منه، كما أن شعر المسرح، والشعر الدرامي والمسرحية الغنائية أجزاء أخرى تدخل في إطار المسرح الشعري، فالقضية ليست قضية مصطلحية إنّما هي قضية مفهوميّة جوهرية تلامس الشعر والمسرح، مشيرة إلى أنّ التخييل والتوصيل في المسرح الشعري ينسجمان؛ لأنّ لكل منهما مجالا وموقفا يظهر دون الآخر، وهذا التنويع بينهما أسهم في جعل المسرحية الشعرية أكثر تشويقا ومتعة، فالتخييل المستمر قد يوقع المتلقي في أزمة الغموض والتوصيل المتتابع قد يجلب السأم، والتنويع بينهما يعطي المسرح الشعري نسقا أكثر جمالا ومتعة.
ورأت الكاتبة رقية البريدية أنّ الغنائية الشعرية والغنائية الموسيقية في المسرح الشعري العربي لا تعرقلان الحركة الدرامية، بل على العكس فهما تصعدان الحركة بإخفائها وإعادتها للمتلقي عندما يكون قد امتلأ شوقا لها ورسم توقعاته التي قد تصطدم معها، كما أنّ الإيقاع في المسرح الشعري يمكنه التحكم بالحركة الدرامية إذا أحسن الكاتب انتقاءه في نصه وفق الحدث والصراع والشخصية، وتكمن مظاهر هذه الحركة الدرامية في الفكرة، والحبكة، والحوار، والإيقاع، والشخصية واللغة.
وأوضحت أن الشاعر العربي أستطاع أن يجعل الشعر والنقد موضوعا مسرحيا من خلال دفاعه عن مذهب أدبي يميل إليه أو جعله للشاعر بطلا في مسرحياته يناظره ويعارضه وينتقد أسلوبه ويبدي رأيه في شعره وينتقده بشكل مباشر أو ضمني، معتبرة أن أحمد شوقي من خلال غنائيته حاول تقديم أفــــق جديد للدراما في المسرح الشعري العربي وذلك عن طريق حوارات النص الشعرية في مسرحياته، إذ كانت موسومة بتدفق عاطفي قويّ تتحكم فيه حقول دلالية مشحونة بالمأساة الفردية داخل الصورة الشعرية المتدفقة بالانفعال والعاطفة الجيّاشة وهذا التّدفق العاطفي في غنائيته كان طرحا للذات الفردية في تاريخ يريد أن يدافع عن اختيارات أخلاقية وسياسية كانت مخبأة في ثنايا النص، مكنونة في بنياته العميقة، كما أنّ هذه الغنائية في حوار النصوص الشعرية عند شوقي كانت تبيّن مستوى وعيه، وتبرز مستوى إدراكه للعملية الشعرية في علاقتها الأولى بالدراما، وتكشف المنطق الأساس الذي ينظر به الشاعر لشعره وتراثه ورؤيته للعالم.