الرؤية- شريف صلاح
لشهر رمضان طابعه الخاص لدى المسلمين؛ حيث يسعى الجميع خلال هذا الشهر لنيل الثواب والأجر، وكجزء من مسؤوليتها الاجتماعية قررت مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر القيام بالرحلة التي اعتاد أن يقوم بها فريق المؤسسة منذ أكثر من 17 عامًا دون انقطاع، وهي رحلة توزيع المؤن الرمضانية على الأسر الفقيرة في منطقة جبل شمس.
وكانت مؤسسة الرؤيا السباقة في تنظيم مثل هذه القوافل إن لم تكن الأولى.. وقد بدأت الاستعدادات للرحلة مبكرًا وتحديدًا قبل حوالي شهرين من الآن، حين بدأنا باستلام أسماء الأسر المحتاجة إلى المؤن في مقر الجريدة، وقمنا بتصنيفها حسب المناطق والقرى التابعة لها كل أسرة. هذه القائمة التي بدأت قبل سبعة عشر عاما ببعض الأسر التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد، سرعان ما بدأ العدد يتضاعف عامًا بعد عام حتى وصل عدد الأسر التي تقدم لها مؤن هذا العام 120 أسرة موزعة على 19 قرية من قرى منطقة جبل شمس مثل: "دار لاوي، قرية مندع، الغبيراء، وقرية الجريفات وادي غول، طوى الجحلة، والصوير: والسبيب، المسفاة والعقور، دوار الغيل، دار السوداء، قرية الحيل، الخطيم ، كرب والمرات، ووادي السن، ووادي بني غافر".
سباق الزمن
حددنا موعد انطلاق الرحلة التي من المفترض أن تستغرق ثلاثة أيام منذ لحظة انطلاقنا من أمام مقر الجريدة يوم الخميس الموافق 11/7/2013 وتنتهي عند عودتنا مساء الجمعة أو حسب ظروف الرحلة. تمّ الاتفاق على أن تنطلق الشاحنة الكبيرة التي ستحمل المؤن من مسقط حوالي الحادية عشر صباحا لتصل إلى قريات مكان مخزن المؤن التابع لـ"دار العطاء" لتقوم بتحميل المؤن الخاصة بالأسر؛ حيث ستحصل كل أسرة على جوال من الأرز وجوال من الطحين، هذا بالإضافة إلى كارتون زيت، وكارتون حليب وكارتون به بعض الملحقات مثل السكر والشاي والمعكرونة. وبعد تحميل كل تلك المؤن يلتقي فريق الرؤيا مع طاقم الشاحنة في منطقة الحمراء.
وما إن بدأنا الرحلة حتى بدأت هواتفنا بالرنين وكأننا نجلس في سنترال صغير اتصالات من كل حدب وكل صوب سواء من الجريدة أو من سائق الشاحنة أو من سكان القرى الذين سنلاقيهم عند منطقة التجمع بالحمراء للاطمئنان على سلامتنا ومعرفة متى سنصل. ساعتان فقط كانتا تفصلانا عن الوصول إلى منطقة التجمع لهذا كنا أول الواصلين حتى قبل وصول أهل القرى المجاورة.
الشايب عبد الله الخاطري
تمضي السنوات وتتغير الأسر التي نقدم لها المؤن وبقى الشايب عبدلله رمزًا أو علمًا من معالم تلك الرحلة التي اعتدنا أن يكون هذا الرجل أو المستقبلين فالشايب عبدالله وكما هو واضح من مسماه رجل عجوز يظهر الشيب على شعره الأبيض وبشرته المجعدة، ولكن حركته السريعة وابتسامته الساطعة ونشاطه غير الطبيعي يجعلان من الصعب بل ومن المستحيل أن تتخيل أنّ هذا الرجل قارب على الدخول في السبعينيات من عمره.. وبدأ من اللحظات الأولى للقائه بفريق الرؤية مدى حميمية العلاقة وعمقها .
انتظرنا حوالي الساعة حتى وصلت شاحنة المؤن وبدأ الفريق يستعد للجانب الأصعب من الرحلة ففي كل عام يقسم فريق الرؤيا نفسه إلى مجموعات تتكفل كل مجموعة بتوزيع المؤن في إحدى القرى وتوصلها بنفسها إلى الأسرة المستحقة، لكن الأمر اختلف هذا العام فطوال السنوات الماضية كانت عملية التوزيع تتم بشكل ارتجالي معتمدين على أحد السكان ليعرفنا على الأسر المستحقة للمؤن، وبالتالي من الوارد جدًا أن يتم إسقاط بعض من هؤلاء سهوا، هذا بالإضافة إلى صعوبة وصول فريق الرؤيا إلى كافة الأسر نظرًا لضيق الوقت وقلة عدد الفريق وصعوبة التضاريس، لكن هذا العام كانت هناك قوائم محددة بأسماء الأسر المحتاجة ما يعني أنّه من المستحيل إغفال أي أسرة في أنّه تمّ التنسيق مع كل قرية أو مجموعة من الأسر باختيار شخص ينوب عنهم لاستلام المؤن الخاصة بهم وتسليمها لهم.
ساحة المؤن
شعر فريق الرؤيا بأن الأمر سيكون أكثر سهولة هذا العام ولكن بدأنا بالتساؤل عن المكان الذي سنقوم فيه بوضع كل تلك المؤن، لكن استقر الحال علي أن يكون ذلك في منزل سالم أحد سكان منطقة الحمراء والذي سمح لنا باستخدام ساحة منزله لتخزين تلك المؤن حتى الصباح؛ نظرًا لأننا لن نستطيع توزيع المؤن في الليل لصعوبة الطريق الجبلي واستحالة أن يأتي إلينا أحد في هذا التوقيت لهذا قام الشايب عبد الله بالاتصال بالأشخاص المفترض حضورهم لاستلام المؤن الخاصة بقراهم ليخبرهم بأنّ عليهم الحضور في الصباح الباكر لاستلامها.. وصلنا إلى منزل سالم فوجدناه في انتظارنا هو وأولاده ورحبوا بنا ترحيبًا حارًا جدًا وبدأوا بضيافتنا وتقديم التمر والقهوة العماني في الوقت الذي بدأ فيه العمال المرافقين للشاحنة بتفريغ الحمولة في ساحة المنزل التي سرعان ما امتلأت.. لم يمر وقت طول حتى انتهى العمال من عملهم وحين همّ السائق وعماله بالذهاب أبى سالم أن يذهبوا حتى يتناولوا الإفطار معنا وجلس الجميع حول وليمة الطعام اللذيذة التي حضرتها أسرة سالم تناولنا في البداية التمر والحليب وذهبنا لصلاة المغرب لنعود بعدها ونكمل إفطارنا.
دقت الساعة الثامنة وأشار إلينا الشايب عبدالله بضرورة الذهاب فهو مضيفنا هذا العام وعلينا الذهاب معه أعلى الجبل ولكن قبل الذهاب تسابق الحاضرون لأخذ وعد فريق الرؤيا أن يكون أحدهم هو مضيفنا العام القادم.
طريق الظلام
بدأنا في الصعود إلى بيت الشايب عبد الله في أعلى الجبل، كانت هذه هي المرة الأولى لمعظم أفراد الفريق التي يصعدون فيها إلى قمة الجبل في الليل أو بمعنى أوضح في هذا الظلام الدامس فالطريق إلى القمة محفوف بالمخاطر ويجب على السائق اتخاذ الحيطة والحذر أثناء صعوده بالنهار، فما بالك بالقيادة في هذا الليل القاتم خاصة وأنّ الطريق غير معبد لا توجد به أي وسيلة من وسائل الإنارة.
استمر صعودنا بسيارات الدفع الرباعي حوالي