إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خمول الفكر العربي في "ظل الأفعى"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خمول الفكر العربي في "ظل الأفعى"


    عبيدلي العبيدلي
    في "ظل الأفعى "، يرغم الروائي المصري يوسف زيدان، قارئه، بموافقة طوعية من هذا الأخير على ألا يفارق هذه الرواية القصيرة (125 صفحة من القطع الصغير) إلا بعد أن يأتي إلى السطر الأخير منها، مشدودا بأحداثها التي حصرها الكاتب في يوم واحد هو الثلاثين من يونيو2020 فقط.
    الصور الحية التي تكتظ بها الرواية تتمحور في جوهرها حول زوج متأرجح بين ثقافته الشرقية الذكورية الجماعية القطيعية "من قطيع" تجاه المرأة، ونزوعه الفردي غير الأصيل نحو التخلص من تلك الثقافة، فنجده يعمل جاهدًا لاسترضاء زوجته التي يعتبرها ناشزًا لسبب لا يدرك كنهه، وهو الذي لم يتردد في تقديم الكثير من التنازلات، من وجهة نظره، لكن دون طائل، فلا يجد مفرًا، في نهاية المطاف، من الاستعانة بجدها الباشا كي يساعده على الوصول إلى ما عجز عنه هو شخصيًا.
    وفي خضم تلك المحاولات التي لا يكف عنها الزوج، بما فيها الاستعانة ببعض أنواع المخدرات، يستحضر يوسف زيدان على لسان شخوصه: الزوجة، الزوج، الجد، وفي نهاية الأمر، والدة الزوجة التي حرمها والد زوجها من حضانة ابنتها لسبب لا يأتي المؤلف على ذكره في الرواية، ويبقى غامضًا حتى في الرسائل التي بعثت بها الأم إلى ابنتها في نهايتها، صور حية صادقة عن واقع المرأة الشرقية، وعلى وجه التحديد العربية يشخص من خلالها ذلك الواقع المأساوي، ويختتم ذلك بمجموعة من الرسائل التي كانت قد بعثت بها الأم إلى ابنتها، ولم يكف الزوج عن محاولة الاطلاع عليها.
    لخصت تلك الخطابات الرسالة التي أراد زيدان أن يدعو فيها قارئه إلى التمرد على الحالة المزرية التي تحاول المرأة العربية، وكم باءت محاولاتها بالفشل إلا فيما ندر ولفترات قصيرة بالمنظور التاريخي، أن تضع حدًا لها.
    هناك الكثير مما يمكن أن يحكى في عرض تلك الرواية، لكن هناك فقرتين تستوقفان من يقرأهما بشكل سياسي/نظري هما:
    الأولى جاء فيها "غالبية الحكام، وربما كلهم، كان الواحد منهم يعاني دوماً من شعوره الضاغط الطاغي على نفسه، بأنّه تولّى الأمر عن غير استحقاق فعلي. ومع طول ضغط هذا الشعور وطغيانه في نفس الحاكم، يتولّد عنده الإحساس باحتقار الذات. فإذا خلا هذا الحاكم أو ذاك، بنفسه، وغاص عميقًا داخل ذاته .. فما ثمّ إلا أمران يؤرقانه: كيف يحافظ على عرشه من الطامعين فيه، وكيف يتخفف من طغيان شعوره باحتقار الذات .. شعوره غير المعلن بالطبع. وكان سبيل الحكام لدفع الأمرين المؤرقين، غالباً، كالتالي: قطع الطريق على الطامعين في العرش، بقطع دابرهم! والتخفف من احتقار الذات، بتقريب الكبراء الحقراء.. فكلما احتقر الحاكم حاشيته المقربين، وكلما بالغو في تبجيله وإعلائه بمداهنتهم إيّاه، خفّ عنده ذلك الإحساس باحتقاره لذاته".
    من جانبي، لا أعتقد أن هذه الحالة محصورة في الحاكم العربي، افتراضًا أن محور رواية "زيدان"، هو الفضاء السياسي العربي. فهذا الوصف الدقيق ينطبق في جوهره على كل "فرسان الساحة السياسية العربية"، حكاماً وقوى معارضة. ولعل الحالة المصرية التي بدأت مع "فزعة" 30 من يونيو الماضي هي التجسيد الأصدق لصحة ما نقوله. فبقدر ما كانت الأخطاء التي ارتكبها نظام محمد مرسي، لم تأت المعالجة بأفضل من الخطأ، بل ربما تأتي الأيام المقبلة بما هو أسوأ من توقعات من ساندوا بالمطلق خطوة القوات المسلحة، بعد أن أدانوا بالمطلق نظام جماعة الأخوان.
    القصد من وراء ذلك أن المعين الذي يستقي منه الفكر السياسي العربي مكوناته هو واحد، الأمر الذي يحول الصراع بين من هم في الحكم، وأولئك المناوئين لهم، إلى مجرد نزاع على السلطة، أكثر منه رفض لما هو قائم وسيئ، من أجل التغيير لما هو قادم وحسن، كما تدعي النسبة الغالبة، كي لا نعمم فنشل الكل، من قوى المعارضة.
    يمكن أخذ ذلك كمقياس للحكم على العديد من الصراعات المحتدمة في المنطقة العربية، التي انحرفت من مسارها الخلافي الوطني السليم، نحو طريقها الذي حصره زيدان في "غالبية الحكام"، لكنه مرض مستشرٍ في صلب قيادات العمل السياسي العربي.
    أما الثانية فقد جاء فيها "في بلاد الإجابات، الإجابات المعلبة التي اختزلت منذ مئات السنين، الإجابات الجاهزة لكل شيء، وعن كل شيء. فلا يبقى للناس إلا الإيمان بالإجابة، والكفر بالسؤال. الإجابة عندهم إيمان، والسؤال من عمل الشيطان !.. ثم تسود بعد ذلك الأوهامُ، وتسود الأيامُ، وتتبدد الجرأة اللازمة والملازمة لروح السؤال"، فهي الأخرى تشخيص صادق لحالة الخمول التي باتت تسير حركة الفكر العربي في مجمله، وليس السياسي منه فحسب. ولعلها تشخص في صورة تطغى عليها الصياغات الأدبية، حالة التخلف الذي أصبحت توجه حركة المجتمع العربي برمته، وفي المقدمة منه قطاع التربية والتعليم.
    ربما أراد زيدان، أن يوجه، بين ثنايا نص "ظل الأفعى" رسالة استفزازية للمجتمع العربي يلفت النظر فيها إلى ما يقع من ظلم على المرأة، إنّما هو في جوهره نتيجة منطقية تلخصه تلكم الفقرتان. كل ذلك لم يكن على حساب جمالية الرواية، وخاصة تلك الـ 55 صفحة التي ختم بها زيدان الرواية في صورة رسائل بعثت بها الأم لابنتها، أو التضحية بمحورها الرئيس وهو قسوة المجتمع العربي على نسائه، ففي كل واحدة من تلك الرسائل هناك الكثير من التوصيف الحي الدقيق لواقع المرأة العربية التي ليس هناك من يريد لها أن تستمر فيه.
يعمل...
X