الرؤية- محمد قنات
يبرز موضوع الباحثين عن عمل كأحد أهم القضايا التي تعمل عليها الحكومة في الوقت الحالي وعلى مدار سنوات، بهدف توفير فرص عمل لكافة الشباب، من خلال طرح الوظائف الشاغرة في القطاع الحكومي، أو حث القطاع الخاص على توفير فرص عمل للباحثين عنها... وفي هذا الشأن يؤكد عدد من الشباب أنّ هناك قطاعاً واسعاً من الشباب يحتاج إلى التدريب والتأهيل بما يضمن له الحصول على فرصة عمل حقيقية يستفيد منها ويفيد بها المجتمع، محذرين من أن بعض الشباب الباحث عن عمل قد يتجه إلى ارتكاب أفعال مخالفة للمجتمع والتقاليد، ما يسهم في ظهور أزمات اجتماعية.
ويرى البعض أن المجتمع والأسرة من أهم المسؤولين عن تغيير ثقافة الشباب في البحث عن عمل؛ حيث يلجأ الكثير من الشباب إلى التكاسل في البحث عن عمل على أمل الحصول على وظيفة حكومية، بينما يقف مكانه فيما يواصل الآخرون التقدم.
وقالت الشيماء بنت على الرئيسية عضو المجلس البلدي بمسقط إنّ للمجتمع والمؤسسات دور بارز في دعم الشباب لتحقيق كافة تطلعاتهم، مشيرة إلى أن هذا الجانب يتطلب بث مزيد من الوعي عبر أكثر من صعيد ومنطلق. وحول تفضيل بعض الشباب لانتظار الوظيفة الحكومية دون أن يعمل ويجتهد لخلق فرص عمل ذاتية، أوضحت أن الاعتماد على النفس في البناء، ثقافة يجب تأصيلها وترسيخ قواعدها بين كافة أفراد المجتمع، نظرًا لأنّها تحقق نتائج عظيمة يجني ثمارها الجميع، لافتة إلى أنّه في حالة تطبيق القاعدة التي تؤكد أن الأفراد وحدهم هم القادرون على تغيير ذواتهم، لسمت النفس عن الكسل والتكاسل في العمل ولترفعت الذات إلى آفاق الفعل والتفاعل، مما ينتج عنه عمق الإيجابية عند كل فرد.
فيما أشار أمجد الهدابي وهو باحث اجتماعي، إلى أن موضوع الباحثين عن عمل يحمل أبعادًا اجتماعية مختلفة تنعكس سلباً على المجتمع، فالإنسان العاطل عن العمل يتبنى دوماً نظرة مُختلفة عن الشخص الذي يتواجد في بيئة العمل، وحتى الأفكار تختلف بينهما؛ فالشخص العاطل دائما يكون فاقدا للثقة في نفسه وفي معظم الأحيان تكون أفكاره مهزوزة ويتجه إلى المُحرمات، وربما يتجّه إلى تناول المُخِدرات وارتكاب المُحرمات بسبب الإحباط الذي ينتابهُ بين اللحظة والأخرى مما يفسد بيئتهُ، وإن أسباب البطالة دائماً لا يكون السبب فيها عدم إيجاد الوظائف بقدر ما يكون فيها السبب نفسيا.
وأوضح أنّ مثل هؤلاء الأشخاص يشكلون خطراً على أنفسهم وأسرهم والمجتمع الذي يعيشون فيه، فيصبح الشخص غير فاعل في المُجتمع ولا يخِدمهُ في شيء، ولا يقوم بأية أدوار حتى على نطاق الأسرة الصغيرة ويموت بداخله الطموح، مشيرًا إلى أن الانحرافات تقوده إلى التهلكة، بِحيث إن الإدمان والانحراف يسببان حالات كثيرة من الوفيات بين الشباب، إلى جانب آخرين دخلوا في حالات نفسية متأخرة تصعب مُعالجتها، فالعمل في حِد ذاته يُعتبر قيمةً غالية. لكنه استدرك قائلاً إنّ هناك العديد من الشباب بلاعمل، لكنهم مُتمسكين بِالعادات والتقاليد الإسلامية السمحة بسبب الوازع الديني بداخلهم والذي يمنعهم من ارتكاب المُحرمات. وأشار الهدابي إلى أنّ هذا النوع من الشباب يتمتع بأخلاق دمثة بسبب البِيئة والتربِية الأُسرية، إلى جانب تمسُكهم بتعاليم الدين، موضحاً أن الحكومة وفرت فرص عمل للشباب على جميع المُستويات، إلا أنّ البعض تحول أمر البطالة بالنسبة له إلى إدمان فيظل على ما هو فيه، ولا ينظر إلى المستقبل وهو حبيس معتقدات تخصم من رصيدهُ ولا تقدم له على حد قوله.
وفيما يتعلق بالوظائف، قال إنّ الحكومة وفرت فرص التوظيف للشباب، إلا أن التربية الأسرية لها دور كبير وأن هناك بعضُ الأُسر لعِبت دوراً كبيراً في بطالة أبنائها بصورة غير مباشرة، عن طريق تدليلهُم وتوفير مصروف يومي لهم، فبعد أن يفقد الشاب الرغبة في العمل، لابد أن يُترك ليكد ويكافح ويؤمّن مستقبله بنفسه حتى يصبح قاِدرًا على مُواجهة الحياة بنفسه دون مُساعدة الآخرين، الذين يسبب تدخلهم في كثير من الأحيان ضرراً كبيراً لذلك الشاب الذي سيفقد الثقة في نفسه رويداً رويداً. ودعا الهدابي الشباب إلى البحث عن فرص تدريب وتأهِيل كل في مجاله حتى يكون قادرًا على أداء الأعمال التي يتولاها، وأيضا يجب على الإنسان أن يكافح بِنفسه وألا يعتمد في كلِ صغيرة وكبيرة على الحكومة، فقيمة الشباب دائماً تكمن في الاعتماد على النفس والعمل من أجل تحقيق الأهداف والنجاح في المشاريع التي يختارها، لافتًا إلى أن الإنسان عندما يحقق هذه الأشياء يشعر بقيمته كشخص فاعل في المجتمع ويمكن أن يساعد الآخرين في أعمالهم.
من جانبه، قال السيد سعود بن بدر بن سعود البوسعيدي إنّ الباحثين عن عمل في دول مجلس التعاون الخليجي حسب آخر الإحصاءات يمثلون 6% من قوة العمل، مشيرًا إلى أن ذلك ناتج عن عوامل مختلفة، منها أنظمة التعليم والتوظيف وأخرى يتسبب فيها الشباب بنفسه، معتبراً أن نسبة الباحثين عن عمل في السلطنة قليلة جداً، بِاعتبار أن تعداد سكان السلطنة يأتي مناصفة مع عدد الوافدين، مما يؤكد أن هناك توفراً في الوظائف. وأثنى البوسعيدي على الدور الكبير الذي تقوم به الحكومة والمسؤولون لتحسين وضع الشباب، وأصبحت أعداد الشباب الذين يعملون في عمان سواء كانوا في جهات حكومية أو في القطاع الخاص في تزايد مستمر مما يوضح اتجاه الدولة إلى استيعاب جميع أبناء الشعب في وظائف مختلفة حتى يصبحوا فاعلين في المجتمع وأن الأمر يعتبر خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح.
وتابع أن من أسباب ازدياد الباحثين عن عمل في الخليج الاستثمارات الأجنبية، فهي تعود بالنفع على ميزانية الدولة لكنها لا تكون في مصلحة المواطن، مشيرًا إلى أنه يتعين على الشباب أن يتدرجوا في الوظائف حتى يصلوا إلى أهدافهم التي يسعون إليها. وأوضح أن العمل متوفر ولكن ثقافة الشاب أنه لا يقبل بأي عمل إلا أن يكون مديراً لهذا العمل، قائلاً إنّ نسبة عزوف الشباب عن العمل في سلطنة عمان تعتبر نسبة بسيطة مقارنة مع دول أخرى. وأضاف أن هذه النوعية من الشباب تحتاج إلى توعية من الأسرة والمجتمع، فمن المؤكد أن هذا النمط من التفكير لا يجد في محيطه من يوجهه وفي أحيان كثيرة لا يدرك نوع الأعمال التي يمكن أن يقوم بها أو تناسبه، فينتابه شعور بأنه غير قادر على القيام بأي عمل، فيصبح ذهنهُ مشتتاً ولا يعلم بالمجالات التي يمكن أن يبدع فيها، داعياً إلى الأخذ بأيدي هؤلاء وتوجيههم. واعتبر أن التدريب والتأهيل أمر بالغ الأهمية بالنسبة للشباب بحيث يعمل على صقلهم مهنياً وجعلهم أكثر كفاءة. وقال إنّ البطالة في كثير من الأحيان قد تقود إلى ممارسات غير أخلاقية، فإذا لم يجد الشاب ما يقوم به لملء فراغه يبقى عرضة لممارسات تضر به وبمجتمعه الذي يعيش فيه.