مؤشرات تنبئ بتمرد جديد بعد ذبح رجال الشرطة ودعوات لـ"تيار جهادي"
سهولة انتشار أفكار "القاعدة" عبر الإنترنت يعزز فرص ظهور اتباع جدد
اعتراف "الإخوان" بفقد السيطرة على قواعدالتنظيم يرجّح إمكانية تنفيذ هجمات ضد الدولة
إسلامي متشدد: تنظيمات مسلحة جديدة ستنشأ في مصر
100 قتيل من الشرطة والجيش خلال أسبوع
ملثّمون يشنون هجمات على متاجر المسيحيين في وضح النهار
"الداخلية" مقبلة على معركة جديدة مع "العدو القديم"
السلطات الأمنية تخشى من عودة 3 آلاف مصري يقاتلون في سوريا
القاهرة- رويترز
تتصاعد المخاوف في مصر من عودة العنف المسلح التي عانت البلاد من ويلاته في حقبة التسعينيات المريرة، في ظل ما يعتبره إسلاميون استفزازًا لهم من قبل السلطات الأمنيّة، الأمر الذي قد يدفع متشددين تكفيريين إلى اللجوء للسلاح ومحاربة الدولة، في حين يرى أخرون أنّ بلاد النيل تشهد "مناطق حرب" بعدما كتب المسلحون الذين أطلقوا قذائف صاروخية على مركز للشرطة قرب القاهرة وذبحوا ضابطا عبارة "هذا جزاء الظالمين" على الحائط قبل أن ينصرفوا.
وشنّ المسلحون الملثمون هجومهم بعد ساعات من بدء قوات الأمن فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في موقعين بالقاهرة والجيزة في عملية قتل فيها المئات يوم الأربعاء الماضي. وأبرز ارتفاع مستوى العنف المخاوف من تجذر تمرد جديد للإسلاميين على ضفاف النيل حيث حارب مسلحون متشددون الدولة في حملة فاشلة خلال التسعينيات. وخارج مركز الشرطة المهجور الذي تبدو على جدرانه علامات الحريق وآثار الرصاص في كرداسة قال أحد المارة بصوت خافت "هل سبق أن شاهدت حربا على التلفزيون؟ هكذا كان الأمر".. ورفض أن يذكر اسمه.
وقالت الحكومة إنّ تسعة من رجال الشرطة قتلوا في الهجوم على كرداسة التي تعد معقلا للإسلاميين. ووصف بعض سكان كرداسة كيف أنّهم وفروا المأوى لرجال الشرطة المذعورين الذين هربوا من المركز وساعدوهم على الهروب بمنحهم ملابس مدنية. وخارج المركز كانت بقايا 13 سيارة محترقة اثنتان منها من ناقلات الجنود المدرعة. ولم يكن هناك أثر لأي من رجال الشرطة. وتعرضت عشرات من مراكز الشرطة في مختلف أنحاء مصر للهجوم في ذلك اليوم فيما قد يشير إلى مزيد من القلاقل التي قد تعرقل ما ظهر من آمال في تحقيق الديمقراطية بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك عام 2011. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن هذه الهجمات التي استخدم فيها كلها الرصاص وفي اثنين منها قذائف صاروخية. وتشهد شبه جزيرة سيناء في شرق البلاد أعمال عنف يشنها إسلاميون متشددون كان أبرزها يوم الإثنين في هجوم قتل فيه 25 من رجال الأمن المركزي. وتشير سلسلة من الهجمات في وادي النيل ومدن قناة السويس منذ عزل الجيش مرسي في الثالث من يوليو إلى إمكانية انتشار مثل هذه الأفعال وامتدادها إلى مناطق ذات كثافة سكانية أكبر.
مناطق حرب
وأصبحت بعض المدن في محافظة المنيا جنوبي القاهرة أشبه بمناطق حرب حيث استهدفت فيها مراكز شرطة وكنائس وأهداف أخرى في أعمال عنف متواصلة منذ يوم الأربعاء. وشنّ مسلحون هجمات في مدن القناة الثلاث فقتلوا سبعة من رجال الشرطة على الأقل. ولم تتأثر حركة الملاحة في القناة حيث انتشرت قوات الأمن بكثافة، وحيث يحرس الجنود محطات الوقود. وقد أصبح السلاح خاصة المهرب من ليبيا متوفرًا بسهولة عمّا كان عليه الحال في الماضي. ومع سهولة انتشار أفكار تنظيم القاعدة عبر الانترنت أصبح من المرجح الآن أن يجد التنظيم الذي يقوده المصري أيمن الظواهري اتباعًا جددًا في مصر. وقال خليل العناني من معهد الشرق الأوسط في واشنطن إن الصراع الدائر منذ عشرات السنين بين الدولة في ظل قيادة الجيش والإسلاميين ربما كان مقبلا على مرحلة دموية جديدة. وقال العناني "الوقت مناسب جدا كي تجند القاعدة أعضاء جددا". وتتهم الحكومة جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب وتقول إنّ الاعتصامين اللذين تمّ فضهما كانا يمثلان تهديدًا للأمن القومي. وتواجه قيادات الجماعة اتهامات بالتحريض على العنف. غير أن الجماعة التي بنيت استراتيجتها على النشاط السياسي والاجتماعي السلمي تنفي هذه الاتهامات. ويقول بعض الإسلاميين إن الدولة تحاول استفزاز الطرف الآخر لدفعه لدائرة العنف ويقولون إن هذا حدث من قبل في التسعينيات. وتشير الجماعة إلى تكرر الهجمات التي قتلت فيها أعداد كبيرة من أنصارها منذ أوائل يوليو، وتقول إنّ الغرض من اتهامات الحكومة لها بالإرهاب هو تبرير تشديد الحملة عليها. إلا أنّه في حين أنّ الجماعة تواصل تكرار شعار المقاومة السلميّة فقد تحدث بعض قياداتها عن تفجر مشاعر الغضب بما يتجاوز قدرتها على السيطرة عليه بين أنصارها في الشارع. وظهر مسلحون في بعض الاحتجاجات المؤيدة لمرسي في القاهرة.
"مصر ولادة"
ومع تعرض الهيكل التنظيمي للإخوان لضغوط شديدة ازداد احتمال ظهور جماعات منشقة عن الجماعة. وقال ياسر السري الإسلامي الذي حكم عليه بالإعدام في التسعينيات في مكالمة هاتفية من لندن حيث حصل على وضع لاجيء "مصر ولادة. ليس فقط تنظيم الجهاد أو التنظيمات الأخرى. خلاص هذا انتهى. ولو مات هذا سيأتي غيره". ودعا متشددون عبر الانترنت لرد مسلح وقالت مجموعة سايت انتليجنس التي تراقب مواقع المتشددين على الانترنت إن البعض طالب بتيار جهادي مسلح. وبدت ضآلة معدل القتل في الحملة العنيفة خلال التسعينيات إلى جانب أعمال العنف التي شهدتها البلاد منذ يوم الأربعاء الماضي، وقتل فيها حسب تصريحات المسؤولين ما يقرب من 900 شخص من بينهم نحو 100 من الجيش والشرطة. ويوم الأربعاء الماضي وحده قتل 70 شخصا في محافظة المنيا منهم 16 شرطيًا. وفي بلدة ملوي أحرقت كناس وبيوت ومتاجر يملكها مسيحيون. وتحدث الناس عن ظهور ملثمين يشنون هجمات متكررة على مركز الشرطة جهارا نهارا. ويجوب رجال بملابس مدنية مسلحون ببنادق هجومية الشوارع لكن ليس من الواضح إن كانوا رجال شرطة سريين أم من اللجان الشعبية التي بدأت تملأ الفراغ الذي خلفه غياب مؤسسات الدولة. وتسد حواجز من الطوب والألواح الطريق المؤدي إلى مركز الشرطة بينما وقفت عربة مدرعة تابعة لوزارة الداخلية على مقربة. وتتردد أصداء طلقات نارية بين الحين والآخر. ويسمع الصيدلي ناجي حلمي نيرانا كثيفة من الجانبين منذ يوم الأربعاء. وقال "إطلاق النار عنيف جدًا من المهاجمين ومن الشرطة". ووصف القس الكاثوليكي أيوب يوسف من بلدة دلجة القريبة مشاهد مماثلة هناك. وقال إنّ محتجين إسلاميين أشعلوا النار في مركز الشرطة المحلي يوم الأربعاء بعد مهاجمة بيوت مسيحية. وأضاف أنّ كثيرين من المتشددين كانوا مسلحين بأسلحة آلية مهربة عبر الصحراء. وقال يوسف إنّ أحداث العنف أسوأ من أي شيء يتذكره خلال حملة التسعينيات التي قتل فيها متشددون مسيحيين وأحرقوا كنائس في المنطقة نفسها.
معركة جديدة؟
ويبدو أنّ وزارة الداخلية التي كانت تحظى بالدعم في عهد مبارك للتصدي للإسلاميين في التسعينات، تتأهب لمعركة جديدة مع عدوها القديم. وقال مسؤول أمني إنّ 35 ضابطًا كانوا قد أوقفوا عن العمل أو نقلوا إلى وظائف أخرى بعد سقوط مبارك أعيدوا إلى جهاز أمن الدولة منذ الثالث من يوليو. ويرى العميد حسين حمودة مصطفى الضابط السابق في جهاز أمن الدولة أنّ المجال أكبر أمام حملة أكثر شراسة من الحملة التي شنّتها في التسعينيات تنظيمات إسلامية من بينها الجماعة الإسلاميّة التي تحالفت مع القاعدة ثمّ نبذت العنف ودخلت مجال العمل السياسي كأحد حلفاء الإخوان. وقال مصطفى الذي أصبح خبيرًا في الشؤون الأمنية "الآن عندك ثلاثة آلاف واحد في سوريا سيرجعون غدا. هيعملوا ايه؟". وقال مرددا وجهة النظر الرسمية إنّ جماعة الإخوان تنظيم إرهابي تعتنق قياداته الفكر التكفيري. لكن العميد مصطفى يرى أنّ حل الأزمة يجب أن يأخذ في الاعتبار الأبعاد السياسية والاجتماعية إلى جانب الأبعاد الأمنيّة. وأوضح أنّ الدعم الغربي للجماعة قد يشجع على العنف مرددًا تصورات لدى المصريين تنفيها واشنطن. وقال "الوضع الحالي أعنف من التسعينات"، مشيرًا إلى شراسة الهجمات على الكنائس كمثال على ذلك. ويستبعد آخرون على دراية بالحركات الإسلامية فكرة أنّ الإخوان تميل لتبني الكفاح المسلح. وقال المحامي الإسلامي منتصر الزيّات الذي دافع في الماضي عن الإسلاميين المتشددين "أنا متأكد أنّ العنف غير مطروح بالنسبة للإخوان. الخوف من بعض أعضاء الجماعة الإسلامية الذين قد ينفصلون عنها". وقال إنّ قادة الجماعة الإسلاميّة أبلغوه أنّهم يمارسون أقصى درجات السيطرة على أعضائها، لكنّه حذر من وجود "عناصر مستقلة تعتنق أفكارًا متطرفة قد - وضع خطا تحت هذه الكلمة - تستفزها قوات الأمن".