أمريكا "قلقة" من استخدام قوات الأسد أسلحة كيماوية ضد مدنيين
السعودية: حان الوقت لإصدار قرار رادع وإنهاء "المأساة"
بريطانيا وفرنسا تطلبان رسميًا تحقيقًا دوليًا
روسيا تعتبر الهجوم "استفزازا" نفذته المعارضة بحضور المفتشين
منطقة الهجوم أحد أبرز المواقع تأييدا للمعارضة
اتساع بؤبؤ العين وأطراف باردة ورغاوي من الفم.. أعراض لغاز الأعصاب
تركيا تحث مفتشي الأمم المتحدة على التحقيق في الهجوم بالغاز
الجامعة العربية تطالب المفتشين الأمميين بزيارة موقع الهجوم
دمشق: أنباء هجوم بالكيماوي "عارية من الصحة"
التوقيت "المفاجئ" للهجوم يثير "الريبة" بشأن منفذيه
أغلب الجثث بدت شاحبة دون إصابات واضحة
معظم القتلى من الأطفال والنساء وكبار السن
محللون: ليس منطقيا استخدام دمشق للأسلحة في هذا التوقيت
عواصم- الوكالات
استيقظت سوريا أمس على ما وصفت بأنها إبادة جماعية أودت بحياة 1300 شخص على الأقل معظمهم من الأطفال، في أسوأ هجوم بالأسلحة الكيماوية منذ عقود، فيما اتهمت المعارضة السورية قوات الرئيس بشار الأسد.
وقال المعارض السوري البارز جورج صبرا إن زهاء 1300 شخص قتلوا في هجمات استخدمت فيها قوات الأسد أسلحة كيماوية حول دمشق. وأضاف صبرا- وهو رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض في مؤتمر صحفي في اسطنبول- إن "جرائم" أمس ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام الأسلحة الكيماوية، إلا أنّها تمثل نقطة تحول كبيرة في عمليات النظام مضيفا أنّ هذه المرة كانت إبادة وليست ترويعًا. فيما نفت سوريا تقارير النشطاء بأنّ الجيش استخدم أسلحة كيماوية، وقالت إنّ هذه الأنباء ليس لها أساس من الصحة. وأوضحت تسجيلات فيديو من مناطق تقع شرقي العاصمة السورية أناسا يختنقون وبعضهم تخرج رغاوى من أفواههم وكثير من الجثث لا تحمل أي آثار لإصابات. وقال صبرا إن من بين القتلى 300 شخص قتلوا في حمورية و150 في دوما و100 في كل من ضاحيتي كفر بطنا وسقبا إلى الشرق من وسط دمشق. وأضاف أنّ 100 آخرين قتلوا في بلدة المعضمية غربي العاصمة.
وأظهرت لقطات فيديو صورت في مناطق تقع شرقي دمشق أناسا يعانون من الاختناق وتخرج من أفواه بعضهم رغاوى، وجثثا كثيرة لا تحمل آثار إصابات. وقال العالم السويدي آكه سيلستروم الذي يقود الفريق إنّه ينبغي النظر في التقارير الحديثة لكن "سيتوقف الأمر على أن تذهب أي دولة عضو بالأمم المتحدة إلى مجلس الأمن وتقول إننا يجب أن ننظر في هذه الواقعة".
من جهتها، قالت الأمم المتحدة إن آكي سيلستروم رئيس الفريق الدولي لمحققي الأسلحة الكيماوية يجري محادثات مع الحكومة السورية بشأن الهجوم ويتابع الوضع باهتمام. وقال المكتب الصحفي للأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون في بيان إنّه ذهل للتقرير بشأن الهجوم. وقال البيان "يجري البروفيسور سيلستروم محادثات مع الحكومة السورية بشأن كل القضايا المتعلقة بالاستخدام المزعوم لأسلحة كيماوية بما فيها أحدث هجوم تحدثت عنه التقارير". ونقل متحدث عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قوله إنّه مذهول من التقارير عن الهجوم.
البيت الأبيض
وعبر البيت الأبيض عن القلق من التقارير عن استخدام القوات السورية أسلحة كيماوية والهجوم على مدنيين، داعيا إلى تحقيق من الأمم المتحدة في الواقعة. وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست في بيان "تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق من التقارير عن مقتل مئات المدنيين السوريين في هجوم لقوات الحكومة السورية تضمن استخدام الأسلحة الكيماوية قرب دمشق". وأضاف "نطلب رسميًا أن تحقق الأمم المتحدة بصورة عاجلة في هذا الزعم الجديد. فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة الموجود في سوريا حاليا مستعد للقيام بذلك وهذا يتسق مع غرضه وتفويضه".
فيما قال دبلوماسي بالأمم المتحدة- طالبا عدم نشر اسمه- إنّ بريطانيا وفرنسا أرسلتا خطابا إلى الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، تطلبان فيه رسميا أن تحقق الأمم المتحدة في مزاعم وقوع هجوم بالغاز في سوريا. ووصل محققون من الأمم المتحدة متخصصون في الأسلحة الكيماوية إلى دمشق قبل ثلاثة أيام للنظر في مزاعم سابقة بوقوع مثل هذه الهجمات. ودعت بعض دول الغرب والمنطقة إلى إرسال هؤلاء المفتشين إلى موقع ما يمكن أن يكون واحدًا من أكثر الحوادث دموية في الحرب الأهلية المندلعة في سوريا منذ أكثر من عامين.
وفي موسكو، دعت وزارة الخارجية الروسية إلى إجراء تحقيق يتسم "بالنزاهة والمهنية" في أنباء تنفيذ القوات المؤيدة للرئيس الأسد هجوما كيماويا قرب دمشق. وقال المتحدث باسم الوزارة الكسندر لوكاشفيتش إنّ الظروف المحيطة بهذه الأنباء ومن بينها وجود مفتشي أسلحة تابعين للأمم المتحدة في البلاد تشير إلى أنّ الهجوم قد يكون استفزازًا قامت به المعارضة. وأضاف لوكاشفيتش في بيان "كل ذلك لا يمكن أن يشير إلى أننا نتعامل ثانية مع استفزاز مخطط. تدعم ذلك حقيقة أنّ العمل الإجرامي ارتكب قرب دمشق في نفس توقيت بدء بعثة خبراء الأمم المتحدة بنجاح عملها في التحقيق في مزاعم استخدام محتمل للأسلحة الكيماوية هناك".
وفي الرياض، دعت السعودية إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث تقارير عن هجوم كيماوي في سوريا تقول جماعات المعارضة إنّه تسبب في مقتل مئات الأشخاص. وقال وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في بيان إنّ الوقت حان لأن يتحمل مجلس الأمن مسؤوليته ويتغلب على الخلافات بين أعضائه ويسترد ثقة المجتمع الدولي من خلال الانعقاد فورا لإصدار قرار واضح ورادع يضع نهاية لهذه الأزمة الإنسانية. وحث الأمير سعود وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل على بحث الأزمة السورية. وأضاف أنّ المملكة تحذر من أنّ استمرار العزوف عن الاضطلاع بالمسؤولية في التصدي للأزمة السورية سيؤدي إلى مزيد من المآسي.
وقال المتحدث باسم كاثرين اشتون مسؤولة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إنّ الاتحاد يدعو إلى تحقيق "فوري وشامل" في مزاعم هجوم كيماوي في سوريا.
وقبل مثول الجريدة للطبع، قال دبلوماسيون إنّ مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعًا طارئا بحلول الحادية عشر مساءً بتوقيت السلطنة (1900 بتوقيت جرينتش) لبحث الهجوم بالغاز.
ونشرت على الانترنت تسجيلات فيديو لهواة وصور لمن يقال إنّهم ضحايا الهجوم. وأوضح فيديو في حي كفر بطنا غرفة مليئة بأكثر من 90 جثة كثير منهم من الأطفال وبعض النساء وكبار السن. ومعظم الجثث بدت شاحبة ولكن دون إصابات واضحة. وكانت نحو عشر جثث ملفوفة بملاءات. وأوضحت تغطية أخرى أطباء يعالجون أشخاصًا في مراكز طبية مؤقتة. وأوضح تسجيل فيديو جثث نحو عشرة أشخاص مسجاة على الأرض في مركز طبي ولم تكن هناك آثار إصابات واضحة على الجثث. وقال الشخص الذي كان يعلق على تسجيل الفيديو إنّ كلهم من أفراد أسرة واحدة. وفي ردهة بالخارج كانت هناك خمس جثث أخرى. ونقل التلفزيون السوري عن مصدر بوزارة الإعلام السورية قوله إن هذه التقارير "لا صحة لها على الاطلاق".
وسوريا إحدى الدول القليلة التي لم توقع على المعاهدة الدولية التي تحظر الأسلحة الكيماوية وتعتقد الدول الغربية أنّ لديها مخزونات غير معلنة لغاز الخردل والسارين وغاز الأعصاب.
وكان مسؤولون سوريون قالوا إنهم لن يستخدموا أبدا الغاز السام - حتى إن كان لديهم- ضد مواطنين سوريين. وتعتقد الولايات المتحدة ودول أوروبية متحالفة معها إنّ قوات الأسد استخدمت كمية صغيرة من غاز السارين في هجمات من قبل وهو ما وصفته واشنطن بأنّه "خط أحمر" يبرر تقديم مساعدات عسكرية دولية لمقاتلي المعارضة. وردت حكومة الأسد من قبل باتهامات بأنّ مقاتلي المعارضة استخدموا أسلحة كيماوية وهي مزاعم ينفيها مقاتلو المعارضة. وتقول دول غربية إنّها لا تعتقد أن مقاتلي المعارضة لديهم غاز سام. وتقول روسيا حليفة الأسد إنّه يجب التحقيق في الاتهامات التي يوجهها الجانبان.
توقيت مفاجئ
والتوقيت والمكان الذي تشير أنباء إلى استخدام أسلحة كيماوية فيه مفاجئ إذ يأتي بعد ثلاثة أيام من وصول فريق خبراء في الأسلحة الكيماوية تابعين للأمم المتحدة ونزولهم في فندق في دمشق على بعد كيلومترات إلى الشرق من المكان. وقال رولف اكيوس وهو دبلوماسي سويدي متقاعد رأس فريق مفتشي الأسلحة التابع للأمم المتحدة في العراق في التسعينيات "سيكون أمرا غريبا إذا كانت الحكومة هي التي فعلت هذا في نفس توقيت مجيء المفتشين الدوليين إلى البلاد.. لن تكون خطوة ذكية للغاية على الأقل". وأضاف اكيوس أنّ تفويض فريق الأمم المتحدة ينحصر في ثلاثة مواقع لكنه قد يعدل للتحقيق في مزاعم جديدة سيكون التحقق منها أسهل من حالات أخرى أقدم. وقال "سيكون أخذ العينات والاختبار والكشف على الضحايا أسهل إذا كان هناك مصابون أو حتى قتلى (في المكان). من الأسهل الوصول إلى الأطباء وإلى المكان الذي وقع فيه الحدث". وقال تشارلز ليستر المحلل في مركز (أي.إتش.إس جينز للإرهاب والتمرد) "ليس منطقيا أن تستخدم الحكومة السورية مواد كيماوية في مثل هذا التوقيت خاصة مع القرب النسبي للبلدات التي استهدفت" من مكان إقامة فريق الأمم المتحدة.
لكنّه أضاف أنّ منطقة الغوطة التي تفيد الأنباء بأنّها مسرح الهجوم معروفة بميلها للمعارضة. وتابع "جبهة النصرة كان لها تواجد طويل هناك والمنطقة تحملت عبء الضغط العسكري المستمر منذ شهور". وجبهة النصرة جماعة إسلاميّة سنيّة متشددة تربطها صلات بتنظيم القاعدة. وقال "رغم أنّه من المستحيل تمامًا تأكيد مزاعم الأسلحة الكيماوية لكن يتضح من الفيديوهات التي حملتها حسابات شخصية موثوق بها أنّ عددًا كبيرًا من الناس قتل". وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا إنّ العشرات قتلوا بينهم أطفال في قصف عنيف. وأضاف أنّ المعضمية الواقعة جنوب غربي العاصمة تعرضت لأعنف هجوم منذ الصراع الذي اندلع قبل عامين في سوريا. ودعا المرصد خبراء الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لزيارة المناطق المتضررة لضمان إمكانيّة وصول المساعدات "وفتح تحقيق لتحديد المسؤول عن القصف ومحاسبته". وأظهرت صور التقط بعضها مصورون يعملون لدى رويترز عشرات الجثث بينها جثث أطفال مسجاة على أرضية عيادة طبية ولا توجد بها آثار جروح. ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من سبب وفاتهم.
نفي رسمي
ونفى التليفزيون الرسمي السوري أن تكون القوات الحكومية استخدمت الغاز السام وقالت إنّ الاتهامات هدفها تشتيت انتباه فريق خبراء الأسلحة الكيماوية التابع للأمم المتحدة، والذي وصل إلى سوريا قبل ثلاثة أيام. وقال نشطاء إنّ صواريخ تحمل مواد كيماوية أصابت ضواحي عين ترما وزملكا وجوبر في دمشق أثناء قصف عنيف للقوات الحكومية قبيل الفجر. وقالت الممرضة بيان بكر التي تعمل بوحدة طوارئ في دوما "الكثير من الضحايا من النساء والأطفال... وصلوا وبؤبؤ العين متسع وبأطراف باردة ورغاوي تخرج من أفواههم. يقول الأطباء إنّ هذه هي أعراض تظهر على ضحايا غاز الأعصاب".
وقالت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء إنّ السفير السوري لدى روسيا نفى اتهامات بأنّ قوات الأسد استخدمت أسلحة كيماوية ضد المدنيين في هجوم قرب دمشق. ونقلت الوكالة عن رياض حداد قوله "هذا ليس صحيحا". وأضاف "كل المعلومات عن هذا الأمر مفبركة وتهدف إلى تضليل المفتشين الدوليين" في إشارة إلى فريق للأمم المتحدة يحقق حاليًا في مزاعم سابقة عن استخدام أسلحة كيماوية في الصراع السوري. وقال مكتب دمشق الإعلامي المعارض في بيان إنّ الهجوم بدأ الساعة الثالثة فجرًا وأنّ عددًا كبيرًا من المدنيين تعرضوا للغاز وأنّ الأعداد استمرت في التزايد بسرعة مع اختناق الناس نتيجة نقص الإمدادات الطبية اللازمة لإنقاذهم. وقال أكي سيلستروم العالم السويدي الذي يقود الفريق إنّ التقارير يجب أن تفحص لكن هذا يستلزم طلبًا من دولة عضو في الأمم المتحدة. ونقلت وكالة الأنباء السويدية عنه قوله إنّه لم ير سوى لقطات تليفزيونية وإنّ ضخامة عدد القتلى المذكور يثير الريبة. وقال للوكالة في اتصال تليفوني من دمشق "يبدو أنّ هذا شيء يجب النظر فيه. سيتوقف الأمر على أن تذهب أي دولة عضو بالأمم المتحدة إلى مجلس الأمن وتقول إننا يجب أن ننظر في هذه الواقعة. نحن في الموقع". وقالت بريطانيا إنّها قلقة للغاية وإنّها ستثير القضيّة في مجلس الأمن الدولي مضيفة أنّ الهجمات إذا ثبتت ستكون "تصعيدًا صادمًا".
قلق تركي
وفي أسطنبول، دعت تركيا مفتشي الأمم المتحدة إلى التحقيق في هجوم بالغاز وقصف لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، وقالت إنّها تراقب الوضع "بقلق بالغ". وقالت وزارة الخارجية في بيان "يجب إلقاء الضوء على الفور على هذه المزاعم وعلى بعثة الأمم المتحدة التي تشكلت للتحقيق في مزاعم استخدام أسلحة كيماوية في سوريا التحقيق فيها والإعلان عمّا تتوصل إليه". وأضافت "إذا تبين أنّ هذه البيانات صحيحة فلن يكون هناك مفر أمام المجتمع الدولي من اتخاذ الموقف اللازم وتقديم الرد المناسب على الهجمية والجريمة ضد الإنسانية". وكانت انقرة في وقت من الأوقات حليفة للأسد، لكنها الآن من أشد منتقديه وتشعر منذ فترة طويلة بالقلق بشأن الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وبدأت تركيا تكثف من فحوصها للمصابين الذين يصلون من سوريا للعلاج في وقت سابق هذا العام لتحديد ما إذا كانوا ضحايا لهجوم بأسلحة كيماوية لكن لم تصدر تفاصيل علنية عن نتائج هذه الاختبارات.
إلى ذلك، قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إنّ نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية دعا أمس مفتشي الأمم المتحدة إلى التحقيق على الفور في تقارير بهجوم بأسلحة كيماوية قرب العاصمة السورية دمشق. وقالت الوكالة "استغرب الأمين العام في بيان له وقوع هذه الجريمة النكراء أثناء وجود فريق المفتشين الدوليين التابع للأمم المتحدة في دمشق والمكلف بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية.. وطالب فريق المفتشين بالتوجه فورًا إلى الغوطة الشرقية للاطلاع على حقيقة الأوضاع والتحقيق حول ملابسات وقوع هذه الجريمة التي تشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني".