المخابرات الفرنسية: الأسد مسؤول عن هجوم كيماوي "صخم ومنسق"
سوريا تدعو الأمم المتحدة لمنع توجيه "الضربة"
إيطاليا تنفي وجود خطط لاجتماع لـ"أصدقاء سوريا" في روما
أعضاء بـ"الدوما" الروسي يسعون لحث "الكونجرس" الأمريكي على رفض "الضربة"
وزراء فرنسيون يرفضون طلب المعارضة إجراء تصويت للتحرك ضد سوريا
عواصم- الوكالات
واصلت الولايات المتحدة حشد العتاد العسكري قرب سوريا استعدادا لتوجيه ضربة مؤكدة لمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد على ما يبدو أنّه استخدام للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا وقتل مئات المدنيين، في حين أنّ حلف شمال الأطلسي "ناتو" طالب برد دولي حازم، على الرغم من أن الحلف استبعد التدخل في الهجمة المتوقعة.
وقال مسؤولو دفاع أمريكيون إنّ حاملة الطائرات الأمريكية نيميتز وأربع سفن أخرى في مجموعتها الهجوميّة دخلت مياه البحر الأحمر أمس، واصفين الخطوة بأنّها "تخطيط حذر" في حال صدرت الأوامر بشن هجوم عسكري على سوريا. وقال المسؤولون إنّ نيميتز دخلت مياه البحر الأحمر في حوالي الساعة السادسة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة (1000 جرينتش)، لكن المجموعة الهجومية لم تتلق أي أوامر بالتحرك صوب البحر المتوسط حيث تتمركز خمس مدمرات أمريكية وسفينة إنزال استعدادًا لهجمات صاروخيّة محتملة من البحر على سوريا. وكان الهدف من تحريك نيميتز إلى البحر الأحمر هو زيادة عدد القطع الأمريكية تحسبًا لاحتياجها في دعم ما وصفه مسؤولون أمريكيون بأنّه هجوم محدود على سوريا بعد مزاعم استخدامها للسلاح الكيماوي ضد مدنيين. وقال مسؤول طلب عدم نشر اسمه لأنّه غير مُخول بالتحدث للصحافة "إنّها تجعل هذه المجموعة الهجومية في وضع للرد على مختلف الطوارئ". وذكر المسؤولون أنّ نيميتز ترافقها السفينة برينستون وثلاث مدمرات هي وليام بي لورانس وستوكديل وشوب. وأضافوا أنّه لم يتغيّر وضع ست سفن أمريكية تتمركز الآن في شرق البحر المتوسط، لكن مخططين عسكريين يعيدون تقييم الوضع بالنظر إلى تأخير الهجمات الصاروخيّة التي كانت متوقعة مطلع هذا الأسبوع. وتراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن شن هجمات وشيكة من خمس مدمرات قبالة ساحل سوريا حتى يعطي الوقت للكونجرس للتصويت بالموافقة عليها. وقال مسؤولو دفاع إنّ التأخير منحهم المزيد من الوقت لإعادة النظر بشأن السفن وغيرها من الأسلحة التي ستبقى في المنطقة وإمكانية السماح لبعضها بالمغادرة. ويعود الكونجرس للانعقاد في التاسع من سبتمبر الجاري. وضاعف الأسطول الأمريكي من وجوده في شرق البحر المتوسط خلال الأسبوع المنصرم فأرسل مدمرتين أخريين إلى ثلاث مدمرات تقوم بدوريات في المنطقة. وتحمل المدمرات نحو 200 صاروخ توماهوك لكن مسؤولين يقولون إنّ شنّ هجوم محدود على سوريا قد يتطلب نصف هذا العدد من الصواريخ. وذكرت رويترز أنّ المسؤولين غيّروا مسار حاملة الطائرات نيميتز التي كان من المقرر أن تبحر شرقًا حول آسيا عائدة إلى مرساها في ايفريت بولاية واشنطن وذلك بعدما كان من المقرر خلال الأيام القليلة الماضية أن تحل السفينة هاري ترومان محلها. وقال مسؤولون إنّ سفينة الانزال كيرسارج بقيت في شمال بحر العرب وإنّه لا توجد خطط لنقلها إلى البحر الأحمر. ولعبت السفينة كيرسارج دورًا مهمًا في الهجمات على ليبيا عام 2011.
وفي تصعيد آخر، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" اندرس فو راسموسن أنّه رأى أدلة جعلته على قناعة بأنّ السلطات السورية هي المسؤولة عن هجوم بالأسلحة الكيماوية. مضيفا أنّ هذا الهجوم القاتل يبعث " إشارة خطيرة إلى الحكام المستبدين" إذا لم يرد العالم بطريقة صارمة. لكن راسموسن قال إن الأمر متروك لكل دولة من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي أن تقرر الطريقة التي ترد بها على الهجوم ولم يتحدث عن دور للحلف غير الخطط القائمة للدفاع عن تركيا التي تشترك في حدود مع سوريا. وأضاف في مؤتمر صحفي "قدمت لي معلومات ملموسة ودون الخوض في تفاصيل يمكنني القول إنني شخصيًا مقتنع ليس فقط بوقوع هجوم كيماوي بل أنا مقتنع أيضا بأن النظام السوري مسؤول عنه". وقال راسموسن "أعتقد أنّ هناك اتفاقا على أننا بحاجة إلى رد دولي صارم لتجنب حدوث هجمات كيماوية في المستقبل. يمكنني القول إن الأمر سيبعث برسالة خطيرة للحكام المستبدين في شتى أنحاء العالم إذا وقفنا مكتوفي الأيدي ولم نرد". لكن راسموسن قال إنه لا يرى دورا آخر لحلف الأطلسي في أزمة سوريا غير الدفاع عن تركيا. وقال "إذا كان الرد على ما حدث في سوريا هو عملية عسكرية فإنني اتصور عملية قصيرة جدا مدروسة لها أهداف محددة وليس هناك حاجة لأن ينفذ نظام القيادة والتحكم في حلف الأطلسي مثل هذه العملية العسكرية القصيرة والمدروسة وذات المواصفات المحددة".
وفيما يبدو أنّه رد على التصعيد الأمريكي، قالت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء أمس إنّ روسيا دفعت بسفينة استطلاع إلى شرق البحر المتوسط. وروسيا حليف قوي للأسد في حربه مع المعارضين الذي يحاولون الإطاحة به. ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري لم تكشف عنه قوله إن سفينة الاستطلاع "بريازوفي" غادرت القاعدة البحرية الروسية في ميناء سيفاستوبول الأوكراني المطل على البحر الأسود في مهمة "لجمع المعلومات الراهنة في منطقة الصراع المتصاعد". وامتنعت وزارة الدفاع الروسية عن الإدلاء بتعليق، لكن انترفاكس قالت إنّ السفينة بريازوفي ستعمل بشكل مستقل عن وحدة بحرية متمركزة بشكل دائم في البحر المتوسط وأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إنّ هناك حاجة إلى ذلك لحماية الأمن القومي الروسي. وقالت وزارة الدفاع الروسية الأسبوع الماضي إنّها ستدفع بسفن حربية جديدة إلى البحر المتوسط، لكنّها وصفت هذا الإجراء بأنّه تناوب مقرر بموجب نشر دائم تقول موسكو إنّ هناك حاجة إليه لحماية مصالح الأمن القومي. وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف في ذلك الوقت إنّ موسكو لا تعتزم الانجرار إلى صراع عسكري بشأن سوريا. وتقول روسيا إنّ الولايات المتحدة لم تثبت المزاعم التي تسوقها وأنها تعتقد أنّ هذا الهجوم نفذه مقاتلو المعارضة السورية لحث قوى أجنبية على التدخل في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ أكثر من عامين. وقال لافروف إنّ روسيا مازالت غير مقتنعة بعد اجتماع بين مايكل ماكفول السفير الأمريكي لدى موسكو ودبلوماسي روسي كبير. وقال لافروف للطلبة والعاملين في الأكاديمية الدبلوماسية الرئيسية لروسيا "المادة التي أظهرتها الولايات المتحدة "لم تتضمن شيئًا ملموسًا: لا إحداثيات جغرافية ولا أسماء ولا أدلة على أن العينات أخذت بطريقة محترفة". وقال لافروف وفقا لوكالة الإعلام الروسية التي تديرها الدولة "ما عرضه علينا زملاؤنا الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون في وقت سابق وفي الآونة الأخيرة لم يقنعنا على الإطلاق".
وفي سياق آخر، قال مصدر بالحكومة الفرنسية لرويترز إنّ القوات المؤيدة للرئيس الأسد نفذت هجومًا كيماويًا "ضخمًا ومنسقًا" يوم 21 أغسطس الماضي، حسب تقرير للمخابرات الفرنسية رفعت السرية عنه ووزع أمس الإثنين. ويتضمن التقرير الذي أصدره جهازا المخابرات العسكرية والخارجية وتمّ تقديم خمس نقاط لنواب البرلمان تشير إلى أنّ الأسد مسؤول عن الهجمات. وقال المصدر "يمثل ذلك تهديدًا كبيرًا للأمن الوطني والعالمي". وذكر المصدر أن معلومات المخابرات تتضمن صورًا بالأقمار الصناعية تظهر أنّ الهجمات شنت من مناطق تسيطر عليها الحكومة إلى الشرق والغرب من دمشق وتستهدف مناطق تسيطر عليها المعارضة. وقال المصدر إنّ قوات الأسد قصفت مناطق الهجوم بعد ذلك لمحو الأدلة. وقال المصدر "على عكس الهجمات السابقة التي استخدمت كميات صغيرة من الكيماويات ولم تكن تهدف إلى ترويع الناس كان هذا الهجوم تكتيكيا واستهدف استعادة أراضٍ".
لكن الرئيس الأسد هدد باريس، وسخر من مزاعم أن قواته مسؤولة عن الهجوم الكيماوي، محذرًا فرنسا من أنّ أي عمل عسكري تقوم به ضد حكومته ستكون له عواقب سلبية. ونقلت صحيفة لوفيجارو الفرنسية عن الأسد قوله في مقابلة "من يوجهون اتهامات عليهم إبراز الدليل. لقد تحدينا الولايات المتحدة وفرنسا أن تأتيا بدليل واحد. ولم يتمكن (الرئيسان) أوباما وأولوند من ذلك". وأضاف "كل من يساهم في الدعم المالي والعسكري للإرهابيين هو عدو للشعب السوري. إذا كانت سياسات الدولة الفرنسيّة معادية للشعب السوري فالدولة عدوته. وستكون هناك عواقب.. سلبية بالتأكيد.. على المصالح الفرنسية".
وتزامنا مع ذلك، طلبت سوريا من الأمم المتحدة منع "أي عدوان" عليها في أعقاب دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتوجيه ضربة عسكرية للجيش السوري لعقابه على هجوم وقع الشهر الماضي بالأسلحة الكيماوية. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية على موقعها باللغة الإنجليزية إنّ بشار الجعفري دعا في خطاب موجه إلى بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية وماريا كريستينا برسيفال الرئيسة الدورية لمجلس الأمن "الأمين العام للامم المتحدة إلى تحمل مسؤولياته في منع أي عدوان على سوريا والدفع من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا". ودعا الجعفري مجلس الأمن إلى "القيام بدوره كصمام أمان لمنع الاستخدام العبثي للقوة خارج إطار الشرعية الدولية". وقال إنّه يتعين على الولايات المتحدة "القيام بدورها كراعية للسلام وكشريك لروسيا في التحضير للمؤتمر الدولي الخاص بسوريا وليس كدولة تستخدم القوة ضد من يعارض سياساتها".
وسياسيًا، نفت وزارة الخارجية الإيطاليّة صحة أنباء أنّ مجموعة أصدقاء سوريا ستجتمع في روما في مطلع الأسبوع المقبل. وكان مصدر دبلوماسي قال لرويترز في وقت سابق إن دول المجموعة ستعقد اجتماعًا يوم الثامن من سبتمبر الجاري. ونشرت وسائل الإعلام الإيطالية تقارير مشابهة.
من جهة أخرى، قالت رئيسة المجلس الأعلى في البرلمان الروسي للرئيس فلاديمير بوتين إنّ أعضاء بالبرلمان يرغبون في السفر إلى واشنطن لحث الكونجرس الأمريكي على عدم دعم خطة أوباما لتوجيه ضربات عسكرية لسوريا. وقالت فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد إنّ مجلسي البرلمان جاهزان لإرسال مندوبين واصفة الاتهامات الأمريكيّة بأنّ الحكومة السورية قتلت المئات من شعبها بغاز سام بأنها ليست سوى "كلام". وقالت ماتفيينكو لبوتين في مسكنه قرب موسكو "أعتقد أنه إذا تمكنا من إجراء حوار مع شركائنا في الكونجرس الأمريكي... سنفهم على الأرجح بعضنا البعض أفضل". وأضافت "نأمل أن يتخذ الكونجرس الأمريكي في النهاية موقفا متوازنا وألا يؤيد اقتراح استخدام القوة في سوريا دون وجود حجة قوية".
إلى ذلك، رفض أعضاء كبار بالحزب الحاكم في فرنسا يوم الإثنين مطالب المعارضة لإجراء تصويت في البرلمان على ما إذا كان يتعين اتخاذ إجراء عسكري ضد سوريا، وقالوا إنه يجب على المشرعين احترام الحق الدستوري للرئيس في اتخاذ قرار بشأن الهجمات. وأولوند هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الفرنسية بموجب الدستور ويحق له أن يأمر بالتدخل بشرط أن يبلغ البرلمان خلال ثلاثة أيام من بدء العملية. لكن إذا كانت العملية ستستمر أكثر من أربعة أشهر فعليه أن يطلب موافقة البرلمان الفرنسي على استمرارها. وأظهرت استطلاعات للرأي أن ثلثي الشعب الفرنسي سيعارض التدخل في سوريا. لكن العديد من الساسة المحافظين ومن الوسط وأنصار حزب الخضر طالبوا في مطلع الأسبوع بإجراء تصويت خاص على الأمر في البرلمان الفرنسي.
تعليق