الإدارة الأمريكية تسعى لحفظ "ماء الوجه" على حساب الشعوب العربية
القيام بحرب استنادًا لمعلومات استخباراتية ربما يؤدي لتكرار "النموذج العراقي"
احتمالات بانفصال أكراد سوريا وتركيا.. ولبنان والأردن في أتون الصراع
تدخل إيران عسكرياً لصالح سوريا يشعل الشرق الأوسط وينذر بحرب عالمية ثالثة
الجهود العربية "باهتة".. والدفع نحو "جنيف 2" يجنب المنطقة الكثير من الدماء
الرؤية- مركز البحوث
جولات مكوكية في مختلف بقاع المعمورة، تقوم بها الإدارة الأمريكية ممثلة في رئيسها باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري من أجل حشد تأييد دولي يسمح بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، بعدما تراجع ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا والحليف الأقوى لواشنطن تحت وطأة رفض برلماني للمشاركة في أي عمل عسكري.
ورغم أنّ العمل العسكري ليس حلاً في حد ذاته ولن يؤدي إلى نزع فتيل حرب أهلية مستعرة منذ قرابة العامين، بل سيدفع المنطقة إلى حافة أتون من البارود المشتعل يمتد من سوريا بإتجاه العراق ولبنان والأردن وإسرائيل وفلسطين وربما تركيا وإيران.. برغم تسليم معظم الخبراء بأنّه لا طائل من وراء شن حرب عسكرية تحدد الولايات المتحدة موعد بدايتها ويبقى المجتمع الدولي أسير الموعد الذي تضع فيه أوزارها.. برغم ما سبق تتصاعد نذر الحرب المحتملة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام السوري، منذ تمّ استخدام السلاح الكيماوي على بلدة الغوطة بريف دمشق في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، وسط اختلاف دولي حول مسؤولية أي من طرفي الصراع السوري عن تلك المذبحة.
ولا يمكن بحال من الأحوال أثناء الحديث عن الضربة العسكرية المحتملة أن نغفل التداعيات الإقليمية؛ ويجدر كذلك البحث عن إجابة منطقية لهذا التساؤلات: هل سيسكت نظام الأسد ويتلقى الضربة في هدوء وصمت دون أي رد فعل؟ وماذا لو قرر النظام السوري الرد وتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة حرب إقليمية شاملة؟ ماذا عن موقف إيران وحزب الله من ناحية، وموقف إسرائيل إذا استهدفتها صواريخ سكود السورية من ناحية ثانية؟ وهل ستتوقف دائرة التأثير والتأثر بالضربة ورد الفعل عليها على تلك الدول المذكورة أم ستتسع الدائرة لتشمل تركيا والأردن والعراق؟
وبينما تؤكد واشنطن استخدام النظام الحاكم للسلاح الكيماوي وفقا لمعلومات وتقارير استخباراتية، بينما ترى روسيا وإيران تورط بعض عناصر المعارضة المسلحة لاسيما الجهادية المتشددة منها لتسهيل خيار التدخل العسكري الخارجي في الصراع.
وهذا يوضح بجلاء أن المجتمع الدولي يجب أن يدفع بكلتا يديه نحو ضرورة عقد مؤتمر جنيف -2 في أسرع وقت ممكن للتوصل لحل سياسي انتقالي يضع الأسس لإنهاء ثلاثة أعوام من النزاع المسلح في سوريا.
وتخشى واشنطن التورط من جديد في حرب قائمة على معلومات استخباراتية ربما تكون غير دقيقة على غرار ما تم الاعتماد عليه في التعاطي مع صدام حسين في العراق وهو ما دفع إلى القرار الأمريكي بتوجيه ضربة عسكرية محدودة النطاق من الناحيتين الجغرافية والزمنية تستهدف مواقع عسكرية ومطارات وترسانة المخزون من السلاح الكيماوي. هذا إضافة إلى ضرب مواقع للفصائل الجهادية المتشددة التي تسيطر على مناطق عدة في الشمال تم تحريرها من الجيش السوري النظامي ولا تخضع في الوقت نفسه لسيطرة الجيش السوري الحر.
وبحسب رؤية الإدارة الأمريكية فإن هذه الفصائل تشكل تهديدا فعليا لارتباطها بتنظيم القاعدة عبر التنسيق مع تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، ولوجود معلومات تشير إلى وقوع جزء من مخزون السلاح الكيماوي تحت سيطرتها، وأيضا نتيجة لخطورة هذه الجماعات - من وجهة النظر الأمريكية والروسية معًا- على مصالحهما في المنطقة، وعلى ترتيبات خريطة الداخل السوري في المرحلة الانتقالية القادمة، وعلى أمن دول الجوار وبالتحديد إسرائيل.
واستنادا لما يتواتر من أنباء عبر دوائر محتلفة فإنّ الضربة الأمريكية المحدودة لن تستهدف إسقاط الدولة أو إسقاط بشار الأسد، وإنما تهدف فقط لإضعافه بصورة تتيح الفرصة للمعارضة المسلحة لإحراز تقدم فعلي على الأرض في مواجهة الجيش السوري، وبما يفرض واقعا متوازنا بين الطرفين ويكبح حالة التفوق العسكري التي حققها النظام السوري على الأرض خلال الشهرين الماضيين. ويسهل ذلك من مهمة التمهيد لطرح حل سياسي انتقالي جديد من قبل الدول الراعية لمؤتمر جنيف -2.
موقف استباقي
ولم تعط الإدارة الأمريكية لنفسها فرصة انتظار نتائج عمل المحققين الدوليين الذين غادروا دمشق قبل نحو عشرة أيام بل سارعت مباشرة إلى تبني رؤية أولية مفادها أن النظام السوري هو من استخدم السلاح الكيماوي على الغوطة، وقد جاءت تصريحات مسؤوليها بدءًا من الرئيس أوباما ومرورا برئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسى ووصولا لوزير الخارجية جون كيري حاملة لرسائل متضاربة ومرتبكة. فالرئيس الأمريكي يرى أن دولته على استعداد لضرب دمشق حتى بدون غطاء أممي نظرا لاستخدام كل من روسيا والصين لحق الاعتراض (الفيتو)، وفي مرحلة متقدمة من تصريحاته أوقف الضربة على مشاركة الناتو كما فعل في ليبيا، ولكنه في الوقت نفسه عاد ليؤكد أنّ "قدرة" واشنطن على تسوية الصراع في سوريا بأبعاده ومشاكله الطائفية والعرقية محدودة. أما رئيس هيئة الأركان فصرح مباشرة بأن تدخل واشنطن في الصراع عسكريا على "نطاق واسع" أو عبر "التدخل العسكري المباشر" لن يخدم المصالح الأمريكية لأن جزءًا كبيرًا من المعارضة يتشكل من الفصائل الدينية المتشددة والتي تتمتع بثقل ميداني كبير، ومن ثم فلا يمكن خوض حرب ميدانية في سوريا وتسليمها بعد ذلك لتنظيم القاعدة هناك.
وقد عبر ديمبسي عن ذلك بعد اجتماعه بعدد من قادة جيوش دول المنطقة في العاصمة الأردنية عمان في 25 أغسطس الماضي، لكنه بات من المفضل لديه توجيه ضربة عسكرية محدودة النطاق وقوية التأثير على النظام وعلى التنظيمات الدينية المتشددة في آن واحد. أما كيري فسلك طريقا دبلوماسيا يقوم على "تجميع وترميم" موقف دولي مساند لواشنطن يقوم على التوافق - يشمل روسيا - بشأن توجيه الضربة العسكرية المحتملة تمهيدًا لذهاب الجميع بما فيهم النظام السوري نفسه والمعارضة لجنيف 2.
ويبدو للمراقبين والمحللين السياسيين أنّ واشنطن "مترددة" بشأن الضربة نتيجة للكلفة الإقليمية المتوقعة لها أو بمعنى أكثر دقة نتيجة لحسابات التصعيد الإقليمي المحتملة من جانب حزب الله في لبنان ومن جانب إيران فضلاً عن طبيعة العلاقات مع روسيا، ولكنها في الوقت نفسه مضغوطة بتأثير دورها كقطب دولي قائد سيكون سكوته على مجزرة السلاح الكيماوي ضد مواطنين عزل شيئاً لا أخلاقيا.
ويدفع في هذا الاتجاه طرفان أحدهما داخلي متمثل في عدد لا بأس به من أعضاء الكونجرس والآخر خارجي متمثل في الدول الحلفاء في الأزمة السورية كتركيا والسعودية وبريطانيا وفرنسا والجميع يضغطون في اتجاه توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري شريطة أن لا تتضمن نشر قوات برية أو فرض منطقة حظر جوي. وخروجا من هذا المأزق أقنعت واشنطن أطراف الأزمة من حلفائها الأوروبين والإقليمين وكذلك الأطراف المقابلة لها وبالتحديد روسيا بأن ثمة ضرورة ملحة للتوصل لحل سلمي عبر تسريع انعقاد مؤتمر جنيف -2 من ناحية، وضرورة قصوى في مواجهة القاعدة والفصائل المرتبطة بها كجبهة النصرة وكتائب أحرار الشام بالداخل السوري من ناحية ثانية، وذلك دون المساس بلواء الإسلام الخاضع للإدارة المخابراتية السعودية مباشرة. على أن يمهد لذلك كله عبر ضربة عسكرية محدودة لا تكون لها كلفة بشرية أو عسكرية كبيرة ويتسع بعدها المجال لحديث "الصفقات الإقليمية" كمرحلة تالية.
ويرى محللون سياسيون أن الموقف الأمريكي من توجيه ضربة عسكرية دون الحصول على تفويض أممي من مجلس الأمن يأتي على غرار ما قامت به من ضربات جوية نفذتها ضد قوات الرئيس اليوغسلافي الأسبق سلوبودان ميلوشيفيتش خلال عامى 1998 – 1999 في إقليم كوسوفو، بعد أن اتبعت تلك القوات سياسة الأرض المحروقة وكان نظام سلوبودان متمتعًا بمساندة روسية منعت حصول واشنطن على إجماع من مجلس الأمن بضربه، واستطاعت واشنطن بمساندة حلف الأطلسي من توجيه ضربات للقوات الصربية الموجودة في الإقليم باعتبارها قامت بجرائم ضد الإنسانية. وهو ما يعني أن احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد سوريا أصبح خيارًا مطروحاً وبقوة ويستبعد تراجع الإدارة الأمريكية بعد كل هذا الحشد السياسي في اتجاه توجيه الضربة.
ومما يقوي خيار الحرب المحتملة ذلك الدعم الذي يقدمه حلف الأطلسى للتوجه الأمريكي حيث أصدر الأمين العام للحلف راسموسن في أواخر أغسطس بيانا حمل فيه النظام السوري مباشرة مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي، معتبرا أن هذا التجاوز من جانب النظام السوري للخطوط الحمراء فى الصراع لن يمر دون رد حاسم مع إشارته فى البيان إلى أن تركيا دولة تخضع لحماية الأطلسي.
سيناريوهات الضربة
وبرغم تتعددها؛ تتفق الرؤى السياسية والعسكرية لسيناريوهات الضربة الأمريكية المحتملة على مجموعة من الأهداف ومجموعة من المخاطر والتداعيات التي كانت سببا مباشرا في تأجيل استخدام الخيارات العسكرية لعلاج الأزمة السورية؛ بعض من هذه السيناريوهات يشير إلى توجيه ضربة على غرار الضربات التى وجهتها واشنطن لتنظيم القاعدة فى العراق عام 1998، والبعض الآخر يرى فى نموذج كوسوفو النموذج المناسب.
وفى كل الأحوال فإن الضربة ستكون ووفقا لمصادر أمريكية إما هجمات بصواريخ طراز توماهوك الموجهة، أو هجمات جوية عبر مقاتلات أمريكية موجودة فى قاعدة إنجليرك التركية، أوهجمات من مقاتلات أمريكية تتواجد فى شمال العاصمة الأردنية عمان. إضافة إلى ذلك فهناك احتمالية استخدام عدد من القاذفات الإستراتيجية الموجودة فى قاعدة العيديد العسكرية الأمريكية بقطر والتى تستخدم قاذفات قادرة على خداع دفاعات الجو وإلقاء قنابل خارقة للتحصينات، كما لم تستبعد تلك المصادر أن يكون الهجوم خليطا من الضربات الصاروخية والجوية معا.
وترجح العديد من الرؤى توجيه ضربات جوية انتقائية ضد عدة أهداف مهمة واستراتيجية على الصعيد الميدانى مثل: مراكز القيادة ومنشآت التحكم، والقواعد الجوية الأساسية، ومناطق تمركزالمدفعية، سلاح الجو السورى، قواعد صواريخ سكود حيث تستهدف الضربة القضاء على حوالى 80% من تلك القاعدة، مراكز اتصال قيادة الجيش السورى النظامى، مناطق تمركز المدرعات، المطارات العسكرية، مخزون السلاح الكيماوي، مقرات لإدارة العمليات يقال أنها تضم عناصر من الجيش السورى والحرس الثورى الإيرانى، ومعسكرات اللواء 155 والتى تستخدم فى إطلاق الصواريخ وتقع بالقرب من دمشق، وكذلك ضرب طرق الإمداد وأماكن تخزين الأسلحة.
ويستهدف هذا السيناريو الحد من قدرات الجيش السورى النظامى وإضعافه بما يزيد من فعالية الجيش السورى الحر على الأرض. لكن هذا السيناريو رغم ترجيحه لا يخلو من محاذير أهمها: أن ضرب مخزون السلاح الكيماوى يتطلب وجود قوات خاصة داخل الأراضى السورية على درجة عالية من التدريب والاستعداد تكون مهمتها سرعة السيطرة على هذا المخزون حتى لا يقع تحت سيطرة تنظيم القاعدة والجماعات المتشددة، وهو ما يصطدم مع رفض واشنطن فكرة وجود قوات برية على أرض المعركة. أيضا من المحاذير التى يفترضها هذا السيناريو أن تستمر الضربات العسكرية لمدة طويلة تحقيقاً لأهدافها، ما يعنى تورط الولايات المتحدة وحلفائها فى حرب طويلة الأمد وليس ضربة عسكرية محدودة وهو ما سترتب عليه بالضرورة أعباء إقليمية متزايدة فى المنطقة.
أهداف الضربة
وعلى الصعيد السياسي هناك عدة أهداف تسعى الضربة العسكرية المحتملة لتحقيقها منها: التمهيد لعقد مؤتمر جنيف 2 فى أكتوبر القادم على أسس من توازن القوى الجديد الذي سيسفر عنه الوضع بين الجيش السوري النظامي والجيش الحر بعد الضربة والذي غالبا ما سيكون لصالح الأخير، وكذلك إجبار نظام الأسد على المشاركة في المؤتمر المذكور، مما يعني قبوله بقواعد اللعبة الجديدة وصفقاتها المحتملة في حل سياسى انتقالى جديد سيحظى غالبا بموافقة روسيا مما يقلل من هامش المناورة للنظام السورى الذى أجاد اللعب به طوال فترة الصراع.
وأخيرًا ضمان حضور المعارضة بكل مكوناتها للمؤتمر بعد أن تكون موازين القوى على الأرض قد تغيرت لصالحها، وهو المطلب الذى طالما أوقفت المعارضة مشاركتها فى أى فعاليات دولية جديدة خاصة بالأزمة السورية بعد جنيف 1 على تحقيقه.
مخاطر إقليمية
بجلاء؛ يمكن رصد بعض التداعيات الإقليمية للضربة العسكرية الأمريكية ومنها تخوفات أمريكية من أن تؤدي التطورات الناتجة عن الضربة إلى التحول من مجرد معاقبة النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوى عبر ضربة محدودة النطاق الجغرافى والزمنى إلى تورط أكثر اتساعا فى حالة رد النظام على الضربة. وتأتي تلك التخوفات بعد فشل الإدارة الأمريكية فى الوقوف على رد فعل واضح من جانب إيران على التسريبات المتعلقة بالضربة؛ وبصورة أكثر تفصيلاً لم تحدد واشنطن حتى هذه اللحظات ما هى حدود السقف الذى لا يمكن للضربة العسكرية الأمريكية أن تتجاوزه من وجهة النظر الإيرانية، وإلا سيكون رد الفعل الإيرانى فى هذه الحالة إلزاميا وحادا وغير متوقع؟
وتدرك واشنطن أن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أن "روسيا لن تخوض حربا مع أحد من أجل سوريا" قد مثلت لها قدرا من الارتياح، ناهيك عن موقف روسى إيرانى مشترك كان قد تبلور فى تصريحات الرئيسين الإيراني روحاني والروسي بوتين خلال زيارة الأول لموسكو في 28 أغسطس الماضي مؤداه "أن استخدام السلاح الكيماوي غير مقبول". لكن تظل حدود ونطاق الضربة الأمريكية المطروحة هى الحاجز الذى سيقف عنده رد الفعل الإيراني والروسي النهائي، وبالتالى تكون المعضلة هى كيف تستطيع واشنطن التحكم فى الفعل ورد الفعل على حد سواء بحيث لا يؤدى تطورهما إلى انتقال الموقف الروسى والإيرانى من حالة الموافقة الضمنية على الضربة إلى حالة الرفض لها.
ولا يستبعد اتجاه النظام السورى إلى ضرب العمق الإسرائيلى خاصة إذا شعر بتخلى حلفائه عنه لاسيما روسيا، وإبقاء إيران على علاقاتها مع الغرب فى حدود تسمح لها بتسوية جديدة بشأن برنامجها النووى فى ظل رئاسة إيرانية جديدة تتسم بالاعتدال. إذ فى هذه الحالة سيجد النظام السورى نفسه وبعد إضعافه عبر ضرب مقدرات جيشه يخوض آخر معاركه للبقاء ووقتها سيشعل المنطقة بأكملها إما بضربه مباشرة لإسرائيل أو بتولى حزب الله هذه المهمة، وفى الحالتين سيكون رد الفعل الإسرائيلى هو المحدد لاتجاهات كرة اللهب التى ستضرب المنطقة بأكملها؛ فإما إن تصمت إسرائيل على أى ضربات من جانب الأسد أو حلفائه تماما كما فعلت عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية عندما استهدفها العراق بصواريخ سكود، وإما توجه له ولحزب الله ضربات موجعة. ومن المرجح أنها لن تكون طرفا حتى لا يؤدي تدخلها إلى كسب بشار الأسد تعاطفا عربيا معه، خاصة وأنها من أكبر المستفيدين فعليا من ضرب الجيشين السورى النظامي والحر المعارض على اعتبار أن الأخير تنضوي تحت عملياته على أرض الميدان بعض الفصائل الدينية المتشددة كتنظيم الدولة الإسلامية فى الشام والعراق وكجبهة النصرة التى ستوجه لها واشنطن ضربات مماثلة لتلك التي ستوجهها لنظام الأسد بما يجعل سوريا دولة هشة ضعيفة وهو ما يخدم الوضع الإسرائيلي .
أيضا يجب أن نأخذ في الاعتبار رد الفعل الإيراني؛ حيث أن نجاح واشنطن فى توجيه ضربة لدمشق سيبعث برسالة لطهران حول جدية واشنطن وأن بإمكانها ليس فقط التهديد بتوجيه ضربات ولكن أيضا ترجمة ذلك التهديد إلى واقع. وهنا لابد من ملاحظة أنه وفي حالة اتساع نطاق الضربة جغرافيا وزمنيا مما يزيد من احتمالية سقوط النظام ستكون إيران أمام انحسار فعلى لنفوذها فى المنطقة بسقوط حليفها العربى، لاسيما وأن ذلك سيتبعه بالضرورة إنهاء نفوذ حزب الله فى لبنان خاصة بعد تراجع صورته كحركة مقاومة فى مواجهة إسرائيل عقب تورطه فى حرب طائفية إلى جانب النظام السورى فى القصير وغيرها من المناطق السورية. هذا الانحسار المتوقع فى النفوذ الإيرانى أمر لن تسمح به طهران إلا إذا كانت قد توصلت مع الغرب لصفقة تنجز بها برنامجها النووى وتسوى فيها أوضاعها فى العراق.
وفى حالة توجيه واشنطن الضربة لدمشق وفى ظل حالة الاستعداد العسكري التى عليها حزب الله منذ مواجهته الأخيرة مع إسرائيل عام 2006، وفى ظل حالة الغموض حول موقفه من إعلان واشنطن المباشر بتوجيه ضربة لدمشق يمكن القول أن احتمالات القلق بشأن توجيه الحزب ضرباته لإسرائيل واردة، ويتوقف ذلك أيضا كغيره على طبيعة ونوعية وأهداف الضربة.
إن تمسك إيران بشدة بنفوذها فى العراق ومن ثم بدعمها للحكومة المالكية الحاكمة، لأنها ستكون معقل نفوذها الوحيد والأخير على جوارها العربي بعد سقوط سوريا أو إضعافها، أو عدم وجود تأثير لها على الداخل السورى فى ترتيبات العملية السياسية فيما بعد بشار الأسد نظرا لموقفها المساند له فى مواجهة المعارضة. ولذا فإنه فى حالة سقوط النظام السورى مع اتساع الضربات فمن المتوقع أن تدافع إيران عن نفوذها فى العراق كموقع متقدم لضمان استمرارية وجودها فى المنطقة وترجمة مشروعها الإقليمى فيها وهو الدور الذى كانت تلعبه دمشق جيدا.
ومن الآثار السيئة للضربة المحتملة ازدياد حدة المواجهات الطائفية والعرقية فى دول الجوار السوري لاسيما لبنان والعراق على وجه الدقة، وبدرجة أقل تركيا لاسيما إذا أقدم أكراد سوريا، المتمتعين حاليا بوضع أشبه بالحكم الذاتي فى مناطقهم المسيطرين عليها فى الشمال الشرقى، على الاستقلال الفعلى ما يحفز النزعة نفسها لدى نظرائهم أكراد تركيا وهو ما ترفضه تركيا جملة وتفصيلا.
ختاما: نؤكد أنه بحسابات المكسب والخسارة فإن الضربة العسكرية المحتملة لن تحل الأزمة في سوريا بل ستعمل على اشتعال المنطقة بأكملها مما ينذر بتحقيق حلم الكثير من دعاة مشروع "الشرق الأوسط الجديد" وتفيت دول عربية وزوال البعض الآخر لمصلحة إسرائيل ومن قبلها واشنطن.. وهو ما لا يفيد العرب في شيء وبالتالي تبرز ضرورة أن تتضافر الجهود العربية والإقليمية الرامية لوقف طبول الحرب والتسريع بعقد جينيف 2 تأسيسا على ما أسفرت عنه مفاوضات جنيف الأولى، الأمر الذي يضمن وقف نزيف الدم السوري وفي ذات الوقت يحقق طموحات شعب يبحث عن الحرية.