واشنطن- الوكالات
تحدى مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي توقعات المستثمرين، بتأجيل بداية تقليص برنامجه الضخم للتحفيز النقدي، قائلاً إنه يريد أن ينتظر ظهور المزيد من الأدلة على نمو اقتصادي قوي.
وجاء رد المستثمرين سريعاً بأن دفعوا الأسهم الأمريكية للصعود إلى مستويات قياسية وعوائد السندات للهبوط. وكانت عوائد سندات الخزانة الأمريكية قد صعدت على مدى الصيف بفعل توقعات بأن البنك المركزي سيخفض مشترياته من السندات البالغ قيمتها 85 مليار دولار شهريا والتي تمثل حجز الزاوية في مساعيه لتحفيز الاقتصاد. وفضلا عن ذلك رفض بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي التعهد بخفض مشتريات السندات هذا العام، بل ذهب إلى مدى أبعد، بأن أكد أن البرنامج "ليس في مسار محدد سلفا". وفي يونيو الماضي، قال برنانكي أن مجلس الاحتياطي يتوقع أن يقلص البرنامج قبل نهاية العام. وأبلغ برنانكي مؤتمرا صحفيا عقب انتهاء اجتماع لجنة السوق المفتوحة بمجلس الاحتياطي والذي استمر يومين: "لا يوجد أي جدول زمني محدد. أرى أنه يجب علي أن أؤكد ذلك". وأضاف قائلا "إذا أكدت البيانات توقعاتنا الأساسية وإذا اكتسبنا المزيد من الثقة في تلك التوقعات... فإننا قد نتحرك في وقت لاحق هذا العام". وجاء رد فعل الأسواق سريعا وحادا، إذ هبط الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى في سبعة أشهر أمام العملات الرئيسية، وقفز سعر الذهب- وهو أداة تقليدية للتحوط من التضخم- أكثر من 4.0 بالمئة. وقال محمد العريان الرئيس التنفيذي للاستثمار بمؤسسة بيمكو التي تدير أضخم صندوق استثمار تعاوني في العالم: "مجلس الاحتياطي يبقى قلقا جدا من الفتور العام للاقتصاد مفضلاً المخاطرة بأن يواصل سياسة شديدة التيسير لفترة طويلة على تشديدها قبل الأوان". وقال خبراء اقتصاديون إنّ من المحتمل ألا يبدأ مجلس الاحتياطي تقليص مشترياته من السندات، حتى ما بعد موعد انتهاء فترة رئاسة برنانكي للمجلس في يناير المقبل. وسيترك ذلك مهمة شائكة في سحب برنامج التحفيز لمن سيخلفه، والذي من المرجح أن يكون جانيت يلين نائبة رئيس مجلس الاحتياطي التي قال مسؤول بالبيت الأبيض أنها تتصدر المرشحين للمنصب. وامتنع برنانكي عن التعقيب على مستقبله مكتفياً بالقول إنه يأمل أن يكون لديه المزيد من المعلومات قريباً. ووجد استطلاع لرويترز- شمل 17 من كبار المتعاملين في وول ستريت- أن تسعة منهم يتطلعون الآن إلى أن يقلص المركزي الأمريكي مشترياته من السندات في اجتماعه في ديسمبر المقبل. وتوقع واحد فقط خفضا في أكتوبر، بينما قال اثنان إن مجلس الاحتياطي سينتظر حتى العام المقبل.
وفي توقعات فصلية جديدة، خفض مجلس الاحتياطي توقعاته للنمو الاقتصادي لعام 2013، إلى نطاق من 2.0 إلى 2.3 بالمئة، تراجعاً عن نطاق من 2.3 إلى 2.6 بالمئة في تقديراته السابقة خلال يونيو الماضي. وجاء خفضه للتوقعات لعام 2014 أكثر حدة. وأشار إلى أن أكبر اقتصاد في العالم يواجه ضغوطا من تشديد سياسة المالية العامة وارتفاع أسعار فائدة القروض العقارية في تفسيره لسبب قراره عدم تقليص مشترياته من الأصول. وقال مجلس الاحتياطي في بيان "إذا استمر تقييد الأوضاع المالية الذي شهدته الأشهر السابقة فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ وتيرة التحسن في الاقتصاد وسوق العمل". لكنه أضاف أن الاقتصاد مازال يحقق تقدما على الرغم من زيادات ضريبية أكثر ارتفاعًا وتخفيضات في الميزانية الاتحادية. وقال البيان "مع الأخذ في الاعتبار تخفيض النفقات الاتحادية ترى اللجنة تحسنًا في النشاط الاقتصادي وأوضاع سوق العمل منذ أن بدأت برنامجها لشراء الأصول قبل عام مع تنامي القوة الأساسية للاقتصاد ككل". وأضاف قائلاً "قررت اللجنة (صانعة السياسة) أن تنتظر مزيدًا من الدلائل على تقدم تتوفر له مقومات الاستمرارية قبل تعديل وتيرة المشتريات". وكان برنانكي قال في يونيو إن مسؤولي مجلس الاحتياطي يتوقعون البدء بإبطاء وتيرة مشتريات السندات هذا العام، وإن من المرجح أن ينهوا البرنامج بحلول منتصف 2014 وهو موعد يتوقع المركزي الأمريكي أن معدل البطالة فيه سيحوم حول 7.0 بالمئة. وفي بيانه، قال برنانكي إن معدلا للبطالة عند 7.0 بالمئة ليس "رقما سحريا" قد يتحكم في تحديد موعد إنهاء مجلس الاحتياطي لبرنامجه للتحفيز النقدي. وأضاف قائلا "قد نبدأ في وقت لاحق هذا العام. لكن حتى إذا فعلنا ذلك فإن الخطوات التالية ستتوقف على استمرار التقدم في الاقتصاد... ليس لدينا جدول زمني محدد. لكننا لدينا بالفعل نفس إطار العمل الأساسي الذي وصفته في يونيو". وأبقى مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة لليلة واحدة قرب الصفر منذ أواخر 2008، وزاد إلى أكثر من ثلاثة أضعاف حجم ميزانيته ليصل إلى أكثر من 3.6 تريليون دولار من خلال ثلاث جولات من مشتريات السندات بهدف إبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة. وواجه قرار عدم تخفيف مشتريات السندات معارضة من عضو واحد بلجنة السوق المفتوحة هي إيسر جورج رئيسة بنك الاحتياطي الاتحادي في كانساس سيتي التي كانت الصوت المنشق في كل اجتماعات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي هذا العام معبرة في كل مرة عن مخاوفها من أن سياسة الفائدة المنخفضة قد تؤدي إلى فقاعات للأصول. ولم تشارك في الاجتماع سارة راسكين العضو بمجلس محافظي البنك المركزي والتي تم ترشيحها لتولي منصب بارز في الخزانة الأمريكية. وجدد المركزي الأمريكي القول بأنه لن يبدأ زيادة أسعار الفائدة على الأقل حتى يهبط معدل البطالة الى 6.5 بالمئة، مادام التضخم لا يهدد بتجاوز مستوى 2.5 بالمئة. وفي أغسطس بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 7.3 بالمئة. ويتوقع معظم صانعي السياسة النقدية بمجلس الاحتياطي- 12 من إجمالي 17 عضوا- أن الزيادة الأولى للفائدة لن تحدث قبل 2015، رغم أن التوقعات تشير إلى أنهم قد يصلون في العام المقبل إلى المرحلة التي يدرسون عندها زيادة للفائدة. وعقب القرار غير المتوقع من مجلس الاحتياطي، أرجأ معظم المتعاملين في الأسواق توقعاتهم لأول زيادة للفائدة بضعة أشهر إلى أواخر يناير 2015.