الرؤية- خاص
أنعشت حزمة من الأرقام الاقتصادية الإيجابية التي تم الإعلان عنها حول الاقتصاد البريطاني توقعات المراقبين بأن ذلك قد يكون إيذاناً بخروج هذا الاقتصاد من مرحلة الركود الطويلة التي دخل فيها عقب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008-2009.
غير أن تحليلات مجموعة QNB ترى أن كثيراً من مظاهر التحسن التي طرأت يمكن إرجاعها لعوامل وقتية ذات أجل قصير، فيما يرجح أن تؤدي نقاط الضعف الهيكلي في الاقتصاد إلى تثبيط آفاق النمو المستقبلي في المدى المتوسط، وتمنع بذلك حدوث انتعاش استثماري طال انتظاره. وتحولت البيانات الاقتصادية الصادرة من المملكة المتحدة خلال الشهور الأخيرة إلى أرقام إيجابية بدرجة ملفتة. فقد طرأ تحسن في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال الربعين الأخيرين (أنظر الجدول المرفق). وانخفضت أعداد العاطلين عن العمل بسرعة أكبر من المتوقع خلال شهر أغسطس، وأدى ذلك إلى تراجع مدهش في معدل البطالة إلى 7,7%. كما أظهرت المؤشرات المتقدمة، وخاصة أبحاث مدراء المشتريات، نمواً أعلى من المتوقع في جميع القطاعات الاقتصادية: وبصفة رئيسية في قطاعات الصناعة والخدمات والإنشاءات.
ولكن، لا زال الاقتصاد البريطاني يعاني من مشكلات ضعف هيكلي. أولاً، شهد الاقتصاد عقوداً من ضعف الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية. كما أن المخاوف الناشئة من مشكلات الضعف الهيكلي في الاقتصاد تعيق انخراط القطاع الخاص في الاستثمارات الكبرى طويلة الأجل في قطاعات حيوية مثل النقل والطاقة. وكذلك ظل مكون الاستثمار من الاقتصاد الوطني عند مستويات أقل بكثير مما كان عليه قبل فترة الأزمة المالية، ولازالت حصته من الناتج المحلي الإجمالي آخذة في التراجع. ثانياً، فبالرغم من أن الخدمات المالية هي أحد المكونات الرئيسية للاقتصاد البريطاني، إلا أن مظاهر الضعف ظلت تلازمها منذ الأزمة المالية. وكانت البنوك قد حصلت على دعم مالي سخي من قبل الحكومة التي قامت كذلك بشراء حصص مقدرة في اثنين من البنوك الكبرى (بنكي آ ربي أس ولويدز). إلا أن لا تزال البنوك تعاني من فرط الاقتراض ومن الخسائر غير المعلن عنها بالإضافة إلى تعرضها لمخاطر كبيرة من نظرائها من البنوك الأوربية ذات الرساميل المتدنية.
وترى الحكومة في المؤشرات الاقتصادية الأخيرة دليلاً على نجاعة سياسة التقشف المالي التي تطبقها، وتجادل في هذا الخصوص قائلة بأن التحسن في النمو قد طرأ بالرغم من ارتفاع الضرائب واستقطاعات الإنفاق التي أدت إلى خفض العجز المالي إلى النصف تقريباً، من 11% من الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 6% في الوقت الحاضر. ولكن تم الآن تأجيل كثير من خطط التقشف المالي إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية القادمة في 2014. كما قامت الحكومة مؤخراً بتنفيذ خطط لدعم قطاع الإسكان، يتم بموجبها تقديم الإعانة للمشترين للمنازل والمساعدة في خفض تكلفة التمويل البنكي وأسعار العقار. إلا أن هذه الخطط تتناقض مع سياسات التقشف المالي التي تعتمدها الحكومة. فهي مع أنها قد تساعد في تحقيق مكاسب سياسية للحزب الحاكم في وقت تقبل فيه البلاد على انتخابات عامة، إلا أنها قد تثير أسئلة حول استدامة التعافي الاقتصادي والمخاوف من دورات الصعود والهبوط في سوق العقارات التي كانت "كعب أخيل" الاقتصاد البريطاني في الماضي.
أما في الجانب المالي، فإن الاقتصاد البريطاني يحصل على دعم غير مسبوق. فقد ظلت أسعار الفائدة لبنك إنجلترا عند أدنى مستوى لها على الإطلاق بنسبة 0,5% منذ مارس 2009، وقد أكد المحافظ الجديد في حديث له مؤخراً بأنه ملتزم بإبقاء أسعار الفائدة على مستوياتها الحالية إلى أن يتراجع معدل البطالة إلى 7,0%. علاوة على ذلك، فإن بنك إنجلترا مستمر في تطبيق سياسة "التخفيف الكمي" ويحتفظ بمخزون من سندات الدين الحكومي طويلة الأجل قيمتها الحالية 375 مليار جنيه إسترليني (596 مليار دولار أمريكي).
لكن السياسات المالية الرخوة وغير العادية وخطط التقشف المالي المؤجلة لم تفلح في منع حدوث زيادة حادة في عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل. وقد ارتفعت هذه العائدات بحوالي 50 نقطة أساس منذ بداية شهر أغسطس على خلفية توقعات بأن يبدأ بنك الاحتياط الفيدرالي في تخفيض برنامج "التخفيف الكمي" الخاص به. ويهدد ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل بتقويض آمال النمو طويل المدى للاقتصاد البريطاني.
عليه، وبالرغم من المؤشرات الإيجابية الأخيرة لتعافي الاقتصاد البريطاني، فمن المرجح أن يستمر النمو في انخفاضه على المدى المتوسط. فالمعوقات المالية سوف تكبح الإنفاق العام، كما أن الاستثمار سيظل مكبوحاً بفعل تصاعد أسعار الفائدة للأجل الطويل بعد أن بدا جلياً عدم فعالية السياسة المالية السائبة. وبحسب تحليلات مجموعة QNB، فما لم يتم علاج المشكلات الهيكلية الكامنة في صلب الاقتصاد البريطاني، فليس من المنظور أن تنقشع السحب الاقتصادية الداكنة من أفق البلاد.