إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"المساعدات المميتة".. فساد مُقنَّع في إفريقيا وفشل جلي للسياسات الغربية للنهوض بالقارة السمراء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "المساعدات المميتة".. فساد مُقنَّع في إفريقيا وفشل جلي للسياسات الغربية للنهوض بالقارة السمراء


    الفقر يتصاعد في دول إفريقيا والنمو يواصل التدهور لاعتمادها على المساعدات دون الإنتاج
    "إدمان" المساعدات يزيد معدلات الفساد ويؤجج الفقر ويكبد الاقتصادات خسائر فادحة
    خريطة طريق جديدة لتمويل التنمية في البلدان الأشد فقرا دون الاعتماد على المساعدات
    تراكم الديون زاد من اعتماد الدول الفقيرة على المساعدات
    نموذج التنمية القائم على المساعدات يبوء بالفشل في كافة البلدان
    الحوكمة و"هوس" الديمقراطية وراء إصرار الغرب على تقديم المساعدات للحكومات الفاسدة
    حتمية خلق الطبقة الوسطى ضرورة لتحقيق الاستقرار السياسي وتقويض الفساد
    النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى الدخل السبيل إلى الديمقراطية.. وليس العكس
    100 مليار دولار حجم الاستثمار الصيني في القارة السمراء
    استثمارات الصين تنافس مساعدات الغرب للهيمنة على إفريقيا
    استعراض- محمد عبد الرحمن السالمي
    تسلط الخبيرة الاقتصادية دامبيسا مويو الضوء على المساعدات المقدمة لدول القارة الإفريقية، من خلال كتاب "المساعدات المميتة"، وما يشوب هذه العمليات من فساد ينخر في عظم هذه الدول الفقيرة في الأساس، فيما تأمل المنظمات المانحة تجاوز السلبيات وتحقيق الهدف المرجو منها.
    ويعد هذا الكتاب أحد أهم الدراسات التي تعرض فشل المساعدات الدولية لتنمية القارة السمراء؛ حيث تم إنفاق ما يزيد عن 300 مليار دولار عبر برامج مساعدات التنمية بدول جنوب الصحراء.
    والجواب الذي تضعه المؤلفة بين دفتي الكتاب، هو أنّ الدول الإفريقية لا تزال فقيرة على الرغم من كل هذه المساعدات، وكذلك الاعتقاد السائد بأنّه ينبغي للدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة على شكل تقديم منح أو هبات لتخفيف الفقر وتعزيز النمو.
    غير أنّ الحقيقة تبرز أن مستويات الفقر آخذة في التصاعد، وأنّ معدلات النمو تواصل تدهورها باضطراد خطير. ويوضح الكتاب أن الاعتماد المفرط على المساعدات أوقع الدول النامية في فخ الإدمان عليها، والفساد، ومزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، مما جعل تلك الدول بحاجة إلى مزيد من المساعدات. ويقدم الكتاب خارطة طريق جديدة لتمويل التنمية في أشد البلدان فقرًا في العالم دون الاعتماد على المساعدات والمعونات الخارجية.
    والكتاب- الذي قدّمه نيال فيرجسون المؤرخ في جامعة هارفارد- حصل على إعجاب العديد من النخب الاقتصادية والسياسية في العالم، منهم رئيس مجلس الدولة الصيني وون جيا باو، كما أصبح من أكثر الكتب مبيعًا من صحيفة نيويورك تايمز، وقد ترجم لعدة لغات، منها العربية عام 2011، وذلك ضمن جهود مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية.
    محتويات الكتاب
    ويتألف الكتاب من جزئين؛ الجزء الأول يأتي بعنوان "عالم المساعدات"، ويقع في 4 فصول؛ الفصل الأول يحمل عنوان "خرافة المساعدات". وفي هذا الفصل ترسم المؤلفة صورة قاتمة للقارة السمراء، بداية بالمشاكل الاقتصادية مرورا بالبنية التحتية المتهالكة. وبحسب المؤلفة فإنّ هذه الصورة شائعة عن إفريقيا، لكن خلال السنوات الخمس الماضية، ظهرت مؤشرات توحي ببعض التفاؤل لإنعاش الاقتصاد الإفريقي، منها ارتفاع أسعار موارد الخام (النفط، النحاس، الذهب الموارد الغذائية، وغيرها)، وكذلك الاستفادة من المكاسب السياسية الإيجابية الجديدة وتداعياتها، فضلاً عن الإنجازات السياسية؛ حيث إنّ أكثر من 50% من هذه الدول تجري انتخابات ديمقراطية. وفي هذا الفصل، تعرف الكاتبة مفهوم المساعدات الدولية، وتفصيل أنواعها كما تتطرق إلى الفرق بين القروض والهبات.
    وفي الفصل الثاني، تقدم واضعة الكتاب موجزًا لتاريخ المساعدات؛ وفي هذا الفصل يتم تسليط الضوء على قصة المساعدات منذ بدايتها؛ حيث تظهر الأحداث في الماضي أنّ المساعدات الدولية كان يتم تقديمها لكنها بدأت بشكل فعلي من خلال مؤتمر "بريتون وودز 1944"، وهو المؤتمر الذي تلى الحرب العالمية الثانية، والذي هدف- آنذاك- إلى إرساء هيكل لنظام عالمي لإدارة التمويل والنقد، كما تمّ توضيح آثار هذا المؤتمر على الاقتصاد العالمي، وإبراز تاريخ المساعدات في العالم، مع مقارنة لآثار المساعدات في إفريقيا والدول النامية في القارات الأخرى.
    تاريخ المساعدات
    وخلال فترة الستينيات، تلقت القارة الإفريقية مساعدات بأكثر من مليار دولار، وهذه المساعدات توجهت إلى تمويل مشاريع صناعية ضخمة على أن تعطي ثمارها على المدى البعيد، منها على سبيل المثال تمويل مشاريع البنى التحتية والطرق والسكك الحديدية وغيرها. وفي السبعينيات، تحول التركيز إلى مكافحة الفقر، وذلك نتيجة الحظر على صادرات النفط إلى أمريكا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط، وبهذا أودعت الدول المصدرة للنفط أموالاً إضافية في البنوك الدولية، مما شجع تلك البنوك على إقراض الدول في العالم النامي. وبارتفاع حجم الإقراض، انخفضت أسعار الفائدة، وقد شجع هذا الوضع الدول النامية على الاقتراض لسداد ديونها، والذي بدوره ساهم في زيادة أسعار الغذاء وحدوث ركود اقتصادي. وفي الواقع العملي، فإنّ إعادة توجيه المساعدات بعيداً عن مشروعات البنية التحتية الضخمة، ذهبت إلى قطاع الزراعة والتنمية الريفية والخدمات الاجتماعية وغيرها.
    أما في حقبة الثمانينيات، فقد كانت إفريقيا بنهاية السبعينيات مغمورة بالمساعدات، وقد حصلت على أموال مجملها 36 مليار دولار من المساعدات الأجنبية، مما شكَّل فرصة للدائنين لتقديم القروض. وقد أحدثت أزمة النفط عام 1970 ضغوطات مالية حادة كان من الصعب معالجتها.
    وبحسب الكتاب، لم تنجح الحلول السياسية في معالجة الوضع، وخاصة من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، وقد كان رد الفعل من قبل مديري المصارف المركزية في العالم الصناعي هو تشديد السياسة المالية عبر رفع أسعار الفائدة، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإقراض. وعندما أصبحت الدول النامية عاجزة عن دفع خدمة الديون المتراكمة، لم يكن هناك سوى بديل واحد؛ حيث حذت 11 دولة من إفريقيا حذو المكسيك، في إبلاغ الصندوق الدولي عن عجزها عن سداد التزاماتها وديونها المستحقة، مما أدى إلى معضلة تمثل المخرج الوحيد منها في إعادة هيكلة الديون. ويوضح الكتاب أن هذا الإجراء كان ضروريًا لمساعدة الدول العاجزة عن السداد على تسديد الدفعات المستحقة، وكانت النتيجة النهائية لهذه التسهيلات أن أزداد اعتماد الدول الفقيرة على المساعدات، وغرقت في ديون أكثر من السابق.
    وفي عقد التسعينيات، ومع نهاية الثمانينيات، بلغ حجم الديون لدول الأسواق الناشئة تريليون دولار على الأقل، وغدا النمو الاقتصادي في إفريقيا يشهد تراجعاً مستمرًا، مع تزايد مستويات الفقر وتفاقم أضرار الفساد المستشري.
    فشل التنمية
    وفي هذا الوضع، اعتبر كثيرون أن نموذج التنمية المعتمد على المساعدات قد باء بالفشل، وعلى الرغم من أن معظم دول آسيا وأمريكا اللاتينية، عاد بقوة إلى مسار النمو وتمكن من تجاوز قضايا عدم الاستقرار الاقتصادي، فعلى النقيض من ذلك، سجلت دولاً إفريقية عدة عكس ذلك.
    ففي تلك الفترة، اتفقت الدول المانحة على تطبيق سياسات الحوكمة- أي الحكم الرشيد الضروري لتحقيق نمو اقتصادي مستدام-، وكانت هذه السياسات غائبة عن معظم دول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، وذلك منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين وحتى عقد التسعينات. ومثلت الحرب الباردة مصدرًا للمخاوف، مما أعطى الدول الغنية المبررات السياسية لمنح الأموال للدول الإفريقية، وحتى الأنظمة الأشد فسادًا منها. وإلى جانب تطبيق سياسات الحوكمة، ظهر لدى الغرب هوس متزايد بتطبيق الديمقراطية في العالم النامي، أي المحاولة الأخيرة لإثبات إمكانية نجاح التدخلات الخارجية تحت عباءة المساعدات.
    وفي الفصل الثالث من الكتاب، تؤكد المؤلفة أنّ "المساعدات غير ناجعة"، ويشير الكتاب في هذا الفصل إلى أنّ هناك دولا نامية خلال الأربعين عامًا الماضية، حققت بالفعل نموًا اقتصاديًا وتمكنت من خفض مستوى الفقر. لكن في المقابل أيضًا، فإنّ هناك 30 دولة من دول جنوب الصحراء فشلت في تحقيق النمو. ويعزو الكتاب ذلك إلى عدة أسباب؛ أهمها الطبيعة الجغرافية والنظام القبلي وغياب المؤسساتية وغيرها. وفي هذه النقطة، تستعرض دامبيسا مويو بعض النظريات حول أسباب الفقر في إفريقيا، والتعليق على هذه النظريات مروراً بجايد دايموند، والمحلل الاقتصادي الكبير بول كوليير، والرد والتعليق أيضاً على أنصار تطبيق خطة مارشال، وأنصار رابطة التنمية الدولية في الإصرار على استمرار المساعدات لدول جنوب الصحراء.
    بينما في الفصل الرابع، تنتقل المؤلفة إلى الحديث عن "القاتل الصامت للنمو". وفي هذا الفصل يتحدث الكتاب بالتفصيل عن علاقة المساعدات بالفساد والنمو والمجتمع المدني ورأس المال الاجتماعي والحروب الأهلية، وكذلك توضيح سبب ذهاب المساعدات للدول الفاسدة، بجانب الإشارة إلى القيود الاقتصادية التي تخلفها المساعدات، وتفاقم التضخم، وكيف أنها تساهم في خنق قطاع التصدير، فضلاً عن أهدافها.
    ووفقاً للكتاب، فإنّ مويو ترى ضرورة خلق طبقة اجتماعية وسطى لتحقيق الاستقرار السياسي؛ حيث إنّ النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى الدخل هما اللذان يؤديان إلى الديموقراطية- بحسب المؤلفة- وليس العكس. كما يستعرض هذا الفصل بعض حقائق الصراع في العالم حاليًا، والتحديات الاقتصادية التي تواجهها إفريقيا، من حيث التناقض في المدخرات المحلية والاستثمارات لصالح زيادة الاستهلاك والتضخم، وتراجع الصادرات، وصعوبة استيعاب التدفقات النقدية الضخمة من العملة الأجنبية؛ حيث ينظر إليها على أنها حاملة معها آثارا مثل ظاهرة المرض الهولندي.
    عالم بدون مساعدات
    ويأتي الجزء الثاني من الكتاب بعنوان "عالم بدون مساعدات"؛ حيث تبدأ المؤلفة مقدمتها في هذا الجزء بالحديث عن جمهورية الكونغو، وتعتبر مويو هذه الجمهورية من أكثر الدول تخلفاً في العالم، وذلك نتيجة لانتشار الأمراض، وانخفاض متوسط عمر الإنسان، وتراجع مستوى الدخل وغيرها من الأسباب. وتؤكد المؤلفة في هذا الجانب أن الكتاب لا يطرح سياسة تنمية محددة، وأنه ليس مكرسًا لمناقشة قضايا معالجة الأمراض والتعلم، بل إنّ هذا الكتاب يبحث في كيفية وضع أجندة التنمية، بحيث يمكن لهذه الدولة تحقيق الازدهار الاقتصادي مهما كان شكل سياسة التنمية. وتؤكد مويو أن جمهورية الكونغو لا يمكن أن تتغير إلا إذا تخلت عن نموذج الاعتماد على المساعدات، وتبنت مقترحات الكتاب.
    وفي الفصل الخامس، والذي جاء تحت عنوان "إعادة التفكير بشكل جذري في نموذج المساعدات"، تؤكد المؤلفة حاجة الحكومات للسيولة النقدية، مهما كان شكل الحكومة سواء كانت اشتراكية أو تعتمد على قوانين الاقتصاد الحر. وتوضح مويو أنّ المساعدات الأجنبية المتجهة إلى إفريقيا في تراجع مستمر على مدى السنوات العشرين الماضية، سواء كان السبب في اقتناع الدول المانحة أن المساعدات لا تجدي نفعًا أو لأن المانحين لا يملكون النقد الكافي. وتحث دول جنوب الصحراء المدمنة على المساعدات طوال الستين سنة الماضية، أن تنأى بنفسها عن المساعدات، وهنا يستعرض الكتاب تفصيل خارطة الطريق والحلول وتمهيدًا للفصول التي تليه.
    وتحت عنوان "الحل الرأس مالي"، يأتي الفصل السادس، ويوضح أنّ هذا الحل يتأتى من خلال إصدار سندات دين. وتشير الكاتبة إلى أن الفرق بين سندات الدين وبين المساعدات، هي أن سعر الفائدة المفروضة على السندات أدنى من السعر المتبع في السوق، وقروض المساعدات تمنح لفترات أطول، وأموال المساعدات تميل لأن تكون مترافقة مع شروط أكثر مرونة في حالة العجز عن السداد، بينما العكس في أسواق السندات. فالسندات هي في حقيقة الأمر قروض عند إصدارها؛ لأن الحكومة تقطع وعداً بتسديد المال الذي اقترضته للطرف الدائن، وهناك حالات كثيرة مثل البرازيل والأرجنتين، والآن اليونان وغيرها من الدول؛ ولكن قبل إصدار السندات على الدولة المعنية أن تمر عبر عدد من المراحل الدقيقة بشكل معقول.
    مخاطر ائتمانية
    وتتجلى هذه المراحل في أنه يجب أن تخضع الدولة للتصنيف الائتماني، ويكون التصنيف من قبل مؤسسات ائتمان مشهورة؛ حيث تعطي هذه المؤسسات المستثمر فكرة عن المخاطر، ومدى احتمالية سداد الدولة المصدرة للسندات لديونها. كما يتوجب على هذه الدول أن تعمل على جذب المستثمرين للقدوم إليها. وأخيرًا تتم الموافقة على شروط الإقراض، ومن ثم تحصل الدولة على الأموال النقدية. وعادة ما يحقق الاستثمار في سندات دولة أجنبية أرباحًا أكثر من الاستثمار من دولة الأم الآمنة. ويذكر الكتاب مثالا تاريخيا على ذلك؛ حيث كانت عوائد الاستثمار في البلدان الناشئة تقدر بنحو 12%، بينما عوائد السندات الأمريكية هي 3% فقط. كما تشير المؤلفة إلى أن عوائد السندات الأمريكية في العادة تكون سلبية، لأنها تتحرك بنفس الاتجاه عندما يكون الاقتصاد رديئاً، على عكس ديون الأسواق الناشئة. ويتطرق الكتاب إلى علاقة أسعار النفط بديون الأسواق الناشئة، ومؤسسات التصنيف الائتماني، وما هي المخاطر التي تؤثر على سوق السندات؛ حيث إنّ التخلف عن سداد الديون ليس أقلها استبعاد الدولة من التصنيف الائتماني، وارتفاع تكاليف الاقتراض بصورة حادة، لكن في المقابل عند حصول الدولة على التصنيف الائتماني، وامتلاكها للخبرة في سوق المال، يجلبان الاستثمارات والازدهار الاقتصادي. ويؤكد الكتاب أن أسواق السندات المحلية شرط مسبق لعمل البورصة في أي دولة.
    وفي الفصل السابع بعنوان "الصينيون أصدقاؤنا"، تطرح الكاتبة سؤالاً حول أسباب عدم تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إفريقيا، مع العلم بأن الأجور في هذه البلدان متدنية، والموقع الجغرافي جيد؛ وتجيب أن السبب في ذلك غياب الشفافية، وانعدام البنية التحتية أو رداءتها، بجانب صعوبة ضخ الاستثمارات.
    وتشير الكاتبة في هذا الفصل إلى أن استثمارات الصين في إفريقيا زادت بشكل كبير؛ حيث تفوق هذه الاستثمارات 100 مليار دولار، وهي خطة متقنة الإعداد تهيئ الصين لتكون القوة الأجنبية المهيمنة على إفريقيا في القرن الحادي والعشرين. ويقدم الصينيون عروض استثمار أفضل من غيرهم، وفي المقابل يشعر البعض بقلق إزاء الشركات الصينية التي تقدم عروض أسعار أدنى من الشركات المحلية الإفريقية، ولا توظف عمالاً أفارقة. لكن، ولكي تستطيع الصين مواصلة نموها بسرعة استثنائية فإنها بحاجة إلى الموارد، وإفريقيا تمتلك الموارد، أما بالنسبة لإفريقيا فهي تحصل على ما تحتاج من الصين باعتبارها أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا بين الدول النامية، لكنها ليست المستثمر الوحيد؛ حيث إن بعض الدول لديها حضور قوي لا يقل كثيرًا عن الصين.
    وتطرح مويو في الفصل الثامن دعوة لتشجيع التجارة، حيث تقول إنّ النظريات الاقتصادية توضح أن التجارة تساهم في النمو بعدة طرق، منها زيادة إنتاجية القوى العاملة، وتحسين الميزان التجاري، وانخفاض أسعار السلع الاستهلاكية. لكن هناك تحديات تكمن في أن الصين والقوى الغربية لا تزال حريصة على حماية أسواقها الزراعية، وذلك عبر فرض قيود على الواردات الزراعية، مثل زيادة الضرائب على الواردات الزراعية مما يفقدها قيمتها التنافسية أمام السلع الزراعية المحلية، وهذا أيضا يساهم في بيع منتجات إلى المستهلك بأسعار أعلى من السوق، وهذا بحده انتهاك لقوانين منظمة التجارة العالمية.
    وهناك أيضًا مخاوف من إغراق إفريقيا بالسلع الصينية الرخيصة، والتي تشكل خطراً على المصانع الإفريقية، لكن على الرغم من التحديات، ومواجهة ضائقة اقتصادية في اقتصاد مزدهر مع وجود آفاق وفرص أفضل من مواجهة ضائقة في اقتصاد معتمد على المساعدات الخارجية،حيث لا يوجد أي آفاق أو فرص.
    خدمات مصرفية
    وفي الفصل التاسع، والذي يحمل عنوان "خدمات مصرفية للفقراء"، تقول مويو إن تطبيق الفكرة التي طرحها الحائز على جائزة نوبل للسلام البروفيسور البنجلاديشي محمد يونس، والتي تتمثل في إيجاد طريقة لإقراض أشد الناس فقرًا، والذين ليس لديهم أي ممتلكات أو ضمانات، وهذا قد تمّ تطبيقه في عدة دول، وقد أكد على نجاحه، بحيث إنّ معدلات التخلف عن السداد كانت أقل من 2%، كما تمّ التطرق في هذا الفصل إلى أهمية الحوالات والمدخرات.
    ويأتي الفصل العاشر بعنوان "تحقيق التنمية على أرض الواقع"، ويتناول هذا الفصل توضيح كيفية وضع مقترحات الكتاب قيد التطبيق العملي؛ حيث يجب أن تتبع الدول المعنية مراحل محددة. وتتمثل هذه المراحل في وضع خطة اقتصادية تقلل من اعتماد البلاد على المساعدات سنة بعد أخرى؛ ومن ثم الاستعانة ببدائل التمويل المطروحة في الكتاب، وهي التجارة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأسواق رأس المال، والحوالات، والقروض الاستثمارية الصغيرة، والمدخرات، وتنويع مصادر الدخل.
    وبعد وضع الخطة المالية، ينبغي على الدولة أن تطبق قواعد الحكمة والعقلانية، وألا تعيش في مستوى أعلى من قدراتها، وهناك خياران: إما أن تخفض النفقات أو أن تجني الأموال من مصادر أخرى، وذلك للاستمرار على نفس مستوى الإنفاق، وزيادة شريحة الطبقة الوسطى في الدولة. أما المرحلة الثالثة فتتمثل في تقوية المؤسسات، وذلك عبر ضمان حقوق الملكية الخاصة، والحريات وتوفير نظام حكم مستقر خاضع للقوانين ومعروفة للشعب. وفي ختام هذا الفصل، يرسم الكتاب صورة شاملة عن حالة المساعدات، ويبين وجهة نظر القادة الأفارقة، ووسائل الإعلام، والمواطنين الغربيين، وغيرهم عن المساعدات، كما يتطرق إلى الفرق بين التدخل الصيني والتدخل الغربي، والتنافس على الهيمنة على إفريقيا.
يعمل...
X