الرؤية - محمد قنات
قد لا يدرك الإنسان ما يملك في الحياة، ولكن امتلاك الحياة بحد ذاته يعد فرصة حقيقية قلَّ من يعيها، وبلا شك أن الطموح هو المولد لهذه الحقيقة، وهو الذي يضمن استمرارها في ذهن الشخص، والذي ينعكس إيجابًا على كل ما يدور من حوله.. هكذا قالت فخرية بنت سعيد البلوشية؛ مضيفة إنها دائما ما كنت تستحضر هذه الكلمات في ذهنها حينما تقدم على أي خطوة جديده، خاصة وأن الكلمات تعنى عندها الكثير.
"هكذا بدأ سيناريو الحياة معي".. وتابعت بأن والدتها كانت مُدرستها قبل أن تتعلم القراءة والكتابة، وكانت هي الألوان التي ترسم بها موقفها من الأحداث، كنت أرى بعينيها الضريرتين تفاصيل حاضري وبكلماتها المحفزة صورة لمستقبلي.
وأبانت: "حين بدأت المشوار مع مدرستي عشقت ناقل الصوت، وظللت أستمتع بفقرات البرنامج الصباحي المدرسي، وكأن شيئا لم يحدث".. وتضيف فخرية: تمنيت مرارا أن أمسكه بيدي، وأن أتكلم وأسمع صوتي يضرب حائط المدرسة، ويعود لي من بعيد، وحين سألت أستاذتي من يرغب في المشاركة. أدركت حينها رغم سماعي لدقات قلوب من حولي رهبة أنها فرصة!
وذكرت أنها عشقت الإذاعة المدرسية وعشقت تفاصيلها، وأن ناقل الصوت هو من علمها كيف تقف ومتى تتحدث ومتى تصمت، وكيف ترتب جدول الفقرات وكيف تشجع من حولها كي يتجاهلوا رهبته! وتقول إنها عشقت خشبة المسرح، باعتبار أنها تعلمك من أنت وماذا تملك للحياة، وحين علمت أنه مسرح عشقته أكثر لأن معه تكبر كل مواهبي وهواياتي، إضافة إلى ذلك أشارت إلى أنها كتبت الشعر وهى في الصف الثالث الابتدائي، وحفظت القصائد كي تلقيها في المحافل والأمسيات، وأنها مثلت وأخرجت وألفت جنونا لفكرة دون اعتبار لتقاسيم الفن المسرحي آن ذاك، واستدركت بأن عشقها للغة العربية قد منحها فرصة الكتابة والخيال والجرأة في التعبير، فأدركت أنها فرصة.
وقال: إن ما ساعدها أكثر هو نشأتها منذ الصغر علي شريط ساحل جميل (الباطنة) وكان منزل عائلتها ملتصقا به. تصحو عليه لتصوغ الجمال كلمات ووصفا، وتقول فخرية إنها حصلت على مراكز متقدمة في المسابقات المدرسية في المسرح والخطابة باللغة العربية والقصائد الشعرية، وعلى 52 شهادة متنوعة بين الامتياز والتفوق والمشاركة، وأدركت أن مكان ميلادها وزقاق حارتها كان السبب فى ذلك.
وأشارت "عندما حظيت بفرصة ارتياد الكلية التقنية العليا بمسقط لتكملة دراستي (سبتمبر 2002- سبتمبر 2005)، أدركت حينها أنها فرصة حقيقية لأحقق أحلامي، وأنها كانت تجيب عن كل من يسألني: كيف مسقط؟ كنت أقول: إنها متاهة الغرباء.. وقناديل الحالمين!
واضافت بأن العمارات الشاهقة، والشركات والبضائع والخدمات الغارقة فيها العاصمة مسقط.. قادتني لارتاد تخصص التجارة والاقتصاد لأرى عن قرب هذه المعادلة الصعبة والمعقدة بين الفكر الثقافي وبين اليد العاملة والمنتجة، وأنه رغم قساوة العيش بعيدًا عن بيتي الصغير وبحري الجميل، إلا أن العاصمة مسقط قد أهدتني الكثير، فقد أصبح عندي مسرحٌ كبير كحجم مدرستي بالكامل، وأصبح لدي مجموعات أكبر ومواهب أجمل حولي نتآلف لنشكل لوحة إبداع.. وقد أتيحت لنا الفرص لتقديم عروض مسرحية وأشعار وأوبريتات وأناشيد وحفلات ترفيهية.
وفي العاصمة، حين كنت أجوب شوارعها في حافلة الكلية، كنت أرى المركبات سريعة والمارة يسرعون؛ فعلمت حينها أن كل شيء في العاصمة يجري سريعًا ولابد أن أجري معه!
وأبانت بأنها عندما تخرجت في الكلية بشهادة في إدارة الأعمال، حزنت لأنها ستفارق مسقط، إلا أنها كانت تشعر بداخلها أنها ستعود إليها من جديد، لكن في مرحلة أخرى تختلف عن الكتب والقاعات الدراسية؛ فأدركت أن الغياب لبرهة عن عاصمتي المعلمة كان لي فرصة.
وتقول فخرية إنه لم يمضِ على تخرجها 5 أشهر حتى ولد من رحم أقلامها روايتها الاولى (لأعيش ملحًا...) وعادت إلى العاصمة، لكن بثوب وظيفة كاتبة شؤون إدارية بالكلية التقنية العليا (2006- الآن)؛ حينها أدركت أن العودة للعاصمة ما هي إلا فرصه لا بد أن تعيها جيدا.. وطالبت الشباب بضرورة السعى الجاد من أجل تحقيق أهدافهم وأحلامهم، وأنه لا يوجد مستحيل تحت الشمس، وأن الإنسان يمكن أن يُحقق أحلامه إذا توفرت له الإرادة الحقيقية.