بغداد- رويترز
تجمد أحمد ذعرا وهو يفتح مظروفا صغيرا أبيض، ترك على باب منزله في بلدة اللطيفية بالعراق. نظر حوله وهو يرتجف قبل أن يقرأ الكلمات التي كتبت على المظروف، وفي داخله وجد طلقة.
قال أحمد الذي غادر المنزل على الفور مع أسرته ويقيم الآن مع أقارب له في بلدة أخرى "الرسالة كانت واضحة: إمّا أن أغادر وإما أن أذبح". كان أحمد مستهدفا لأنه ينتمي إلى عناصر الصحوة السنية التي تدعمها الحكومة والتي تشكلت في ذروة الصراع الطائفي بالعراق في أواخر عام 2006 عندما انضم رجال قبائل سنية إلى القوات الأمريكية وتمردوا على القاعدة. يتحول التيار الآن لصالح القاعدة ومسلحين إسلاميين آخرين أدّى هجومهم على الحكومة التي يتزعمها الشيعة وحلفائها إلى مقتل أكثر من ستة آلاف شخص هذا العام في أحداث دامية تعيد إلى الأذهان تلك الهجمات التي بلغت ذروتها في 2006 - 2007. ويلقي مسؤولو أمن عراقيون بقدر من المسؤولية في تصاعد العنف على عدم تعاون مقاتلي الصحوة الذين يشعرون من جانبهم أنهم لم يحصلوا على المزايا التي وعدوا بها مقابل التصدي للقاعدة، وتركوا وحدهم في مواجهة رد فعل المسلحين. وقال الشيخ عارف الجميلي الزعيم العشائري بمحافظة الأنبار معقل السنة في العراق "منذ عام 2006 ونحن نقاتل القاعدة، وأمسكنا بالكثير من هؤلاء المجرمين لكننا اليوم نعود إلى المربع رقم واحد". وأضاف "لا يمكننا قتالهم الآن. سيقتلوننا وسينتقمون لأننا قاتلناهم بدعم أمريكي. الحكومة اليوم غير قادرة على حمايتنا أو دعمنا". وقال أمير الخوزعي مستشار المصالحة لدى رئيس الوزراء نوري المالكي إن ميليشيات الصحوة كانت تضم يومًا ما نحو 103 آلاف مقاتل لكن العدد تراجع إلى ما لا يزيد عن 38 ألفًا منذ أن ترك الجيش الأمريكي مقاليد الأمن في العراق عام 2010. وتمّ توظيف بعضهم في وزارتي الدفاع والداخلية أو أحيلوا للمعاش المبكر. وقال ضابط كبير بالجيش يخدم في بلدة الشرقاط السنية التي تقع على مسافة نحو 300 كيلومتر إلى الشمال من بغداد "مقاتلو الصحوة خلفوا فراغًا كبيرًا بعد أن تركوا مواقعهم وتوقفوا عن تأمين مناطقهم". وأضاف "إنهم يعرفون جيدا المناطق التي يعمل فيها مقاتلو القاعدة والمسلحون الآخرون وكيفية إجهاض هجماتهم وملاحقتهم والإمساك بهم". وفي المناطق السنية كانت عناصر الصحوة توفر يوميا معلومات مخابراتية حيث كانت القوات المسلحة التي تضم شيعة في معظمها تواجه انعدام ثقة إن لم يكن عداء صريحا.
لكنّ مقاتلي الصحوة أنفسهم باتوا يواجهون الآن غضبًا من السنة مع تزايد الاستياء من الحكومة التي يقودها الشيعة والتي صعدت إلى السلطة بعد الإطاحة بصدام حسين في عام 2003. وخرج السنة في مظاهرات في ديسمبر للاحتجاج على المالكي - وهو شيعي- إذ رأوا في ملاحقته لسياسيين سنة في اتهامات تتصل بالإرهاب نمطًا قمعيًا. وأثار اقتحام قوات الأمن مخيم احتجاج في أبريل رد فعل عنيف من جانب متشددين سنة يرون أنّ الشيعة خرجوا عن صحيح الدين وأن عناصر الصحوة السنة "مرتدين" يستحقون الموت. ونشر على الإنترنت في الأونة الآخيرة بيان يحمل توقيع دولة العراق الإسلامية المنبثقة عن القاعدة يهدد بقتل عناصر الصحوة وإلقاء جثثهم "للكلاب".
وقال مسؤولو أمن إنّ مقاتلين من الصحوة وأفراد أسرهم تعرضوا لهجمات متكررة في الشهور الستة الأخيرة لكنّهم لم يتمكنوا من تحديد عدد من قتل منهم. وفي شمال العراق - حيث للمسلحين موطئ قدم- أعطت القاعدة لمقاتلي الصحوة مهلة انتهت الأسبوع الماضي في أول أيام عيد الأضحى للرجوع والولاء لدولة العراق الإسلامية وإلا واجهوا الموت.
وقالت قيادات بالصحوة ومسؤولو أمن إنّ جناح تنظيم القاعدة في العراق طلب من مقاتلي الصحوة تسليم أسلحتهم وزيّهم وتسجيل لقطات مصورة على شريحة ذاكرة يتعهدون فيها بالولاء لها. وقال ضابط كبير بالمخابرات إن الهدف من هذا إجبار الأعضاء السابقين بالصحوة على القتال في صفوف القاعدة وإلا أرسلت هذه التسجيلات إلى قوات الأمن. وقال أحمد "لا نثق في القاعدة لكن خوفنا أجبرنا على عدم التعاون مع الحكومة." وأضاف أنّه يفضل أن يقضي بقيّة حياته في السجن على أن ينضم للقاعدة التي يراها "كقنبلة نووية". ومما ساعد على عودة القاعدة في العراق الحرب الأهلية الدائرة في سوريا والتي اجتذبت إسلاميين سنة من أنحاء المنطقة ومن خارجها لقتال قوات الرئيس بشار الأسد الذي ينتمي للطائفة العلوية.
واندمج جناحا القاعدة في سوريا والعراق هذا العام في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي أعلن المسؤولية عن هجمات على جانبي الحدود. ومع تزايد الهجمات السنية قال مسؤولو أمن عراقيون إنّ المالكي قرر إحياء مشروع الصحوة.
وفي سوريا يتطلع أيضًا بعض من يشعرون بالقلق من تنامي نفوذ القاعدة إلى تطبيق مثل هذا النموذج. غير أن سياسيًا سنيا طلب عدم الكشف عن اسمه قال إن المالكي تسبب فعليًا في إضعاف الصحوة حين شجع الانقسام بين شيوخ العشائر السنية على حد قوله بغرض السيطرة عليهم.