
تونس- رويترز
تعاني الديمقراطية الوليدة في تونس من عثرات يراها مراقبون سببًا محتملا في إجهاض التجربة الناشئة، وواحدة من هذه العثرات هي الجماعات الإسلامية المتشددة، فيما يتبرأ الإسلاميون المعتدلون من اتهامات المعارضة لهم بالفشل الذريع في إدارة شؤون الدولة.
وقال رئيس الوزراء التونسي علي العريض إنّ بلاده هزمت "الإرهاب" ونجحت في تفكيك جماعة أنصار الشريعة الذي يعلن ولاءه لتنظيم القاعدة وأنّها تلاحق الآن آخر جيوب هذه الجماعة لكنّه تعهد باستمرار التأهب حتى القضاء على آخر مقاتل في هذه الجماعة. وكان العريض يتحدّث في مقابلة على هامش "قمة رويترز للاستثمار في الشرق الأوسط" بعد ساعات من إعلان الحكومة القضاء على عشرة مسلحين إسلاميين ينتمون لأنصار الشريعة في مواجهات استمرت ثلاثة أيام في بلدة قبلاط الواقعة على بعد 100 كليومتر شمالي العاصمة والتي قتل خلالها أيضًا شرطيين اثنين. وجماعة أنصار الشريعة هي الأكثر تشددًا بين الجماعات الإسلاميّة التي ظهرت في تونس منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في انتفاضة شعبية عام 2011. وتمثل هجمات الجماعة تحديًا لسلطة الحكومة التي يقودها إسلاميون معتدلون.
وفي شهر أغسطس أعلن رئيس الوزراء التونسي علي العريض تنظيم أنصار الشريعة تنظيمًا إرهابيًا بدعوى "تورطه في اغتيال معارضين علمانيين هذا العام
وقال العريض في مقابلة مع رويترز بمكتبه بالقصبة "نجحنا في تفكيك هذه الجماعة ونحن الآن نلاحق آخر الجيوب وبعض العناصر المتبقية من الجماعة ولا مستقبل للارهاب في تونس..نحن نحقق تقدمًا واضحًا في هذه الحرب". وأضاف أنّ قوات الأمن تمكّنت من اعتقال أكثر من 300 عنصر من هذه الجماعة وقتلت آخرين في عدة مواجهات في الأشهر الأخيرة. وقال العريض الذي قضى عدة سنوات في السجن وتعرض للتعذيب أيضًا في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي بسبب انتمائه لحركة النهضة التي كانت محظورة أنّ "الحكومة لا تتوانى في محاربة الإرهاب حتى تحافظ على أمن وحرية التونسيين". وكشف العريض أنّ الشرطة أحبطت مخططات لمجموعات كانت تنوي تفجير مبانٍ حكومية وأمنية وعسكرية بهدف إحداث فوضى في البلاد سعيا لإقامة دولة إسلامية. ومضى يقول "رغم التقدم في الحرب على الإرهاب فإنّ تونس ستبقى متأهبة لمواجهة أي خطر محتمل أو حماقات من بعض الجيوب التي نلاحقها". وذكر العريض أنّ المقاتلين الإسلاميين في تونس استفادوا من الفوضى الأمنية في ليبيا لإقامة علاقات مع جماعات إقليمية أخرى للحصول على السلاح وإجراء التدريبات.
وفي وقت سابق قال وزير الداخلية لطفي بن جدو إن أبو عياض زعيم أنصار الشريعة الذي تطارده الشرطة بتهم التورط في التحريض على مهاجمة السفارة الأمريكية في تونس العام الماضي فر على الأرجح إلى ليبيا.
والأمن قضية حساسة بالنسبة لتونس التي يحكمها الإسلاميون المعتدلون الذين وافقوا على التنحى قريبًا لإنهاء شهور من الاضطرابات السياسية الناجمة عن اغتيال اثنين من القادة العلمانيين على يد متشددين إسلاميين.
وتواجه الحكومة التونسية التي تتشكل من ائتلاف حزب النهضة الإسلامي المعتدل وحزبين علمانيين صغيرين ضغوطًا من أجل معالجة العنف الذي تمارسه جماعات إسلامية مسلحة حرصًا على إنجاح عملية التحول الديمقراطي في البلاد التي كان ينظر إليها في السابق على أنه من قلاع العلمانية في العالم العربي. وتتعرض تونس لهجمات مسلحين إسلاميين منذ الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي عقب انتفاضة عام 2011.
وأصبح شمال إفريقيا موطىء قدم لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وعدة جماعات دينية متشددة مثل أنصار الشريعة في ليبيا وفي تونس ومقاتلين تابعين للقائد المخضرم مختار بلمختار المتهم بالهجوم على مصنع للغاز في عين أميناس في يناير الماضي والتي قتل فيها حوالي 40 عاملا أجنبيا.
وقال العريض إن "المتشددين في تونس استفادوا من الوضع في ليبيا وجلبوا أغلب الأسلحة من هناك وهم قاموا بتدريبات في ليبيا". ولكنّه قال إن بلاده تنسق مع جيرانها مكافحة الإرهاب. وواجهت القوات المسلحة لمدة أشهر مسلحين في جبل الشعانبي قرب الحدود مع الجزائر بعد مقتل ثمانية جنود في كمين لمسلحين اسلاميين. وقصفت القوات المسلحة الشعانبي بالطائرات الحربية والمدفعية.
استقالة الحكومة
وعلى المستوى السياسي، قال العريض إنّ حكومته مستعدة للاستقالة خلال ثلاثة أسابيع لإفساح الطريق أمام حكومة غير حزبية تشرف على إجراء انتخابات بهدف الحفاظ على الديمقراطية الناشئة في البلاد. لكن العريض نفى أن يكون الإسلاميون قد فشلوا وقال إنّهم سيبقون القوة الرئيسة الأولى في البلاد وستكون لهم حظوظ وافرة في الانتخابات القادمة. وسقطت تونس في اتون أسوأ ازمة سياسية منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في انتفاضة شعبية عام 2011 بعد اغتيال معارضين علمانيين هذا العام على يد متشددين إسلاميين. وتطالب المعارضة الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية المعتدلة بالاستقالة.
وبعد وساطة من اتحاد الشغل ذي النفوذ القوي سيبدأ يوم الأربعاء المقبل الحكام الإسلاميون حوارا مباشرا مع المعارضة العلمانية ضمن خارطة طريق تنص على استقالة الحكومة خلال ثلاثة أسابيع وتعيين حكومة غير حزبية تقود البلاد للانتخابات.
وقال العريض "الحكومة مستعدة للتخلي خلال ثلاثة أسابيع من انطلاق الحوار وسألتزم بما يتم التوافق عليه ومستعد للمغادرة حتى قبل ثلاثة أسابيع". ولكن العريض وهو قيادي في حركة النهضة والذي عين في مارس الماضي خلفا لحمادي الجبالي، قال إنّ الاستقالة لا تعني بأي حال فشل الاسلاميين في تونس مثلما تقول المعارضة. وتتهم المعارضة النهضة بأنّها فشلت فشلا ذريعا في إدارة شؤون البلاد في ظل زيادة عنف الجماعات الدينية المتشددة وتفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
وزاد السيناريو المصري بالإطاحة بالإخوان المسلمين الشكوك حول قدرة الإسلام السياسي على الصمود في بلدان الربيع العربي في ظل تزايد ضغوط المعارضة العلمانية ضدها. لكن رئيس الوزراء يرى أن الإسلاميين في تونس مازالوا القوة الأكبر في البلاد. وقال "أنا متفائل أن الإسلاميين قادرين على النجاح وان يكونوا ابناء عصرهم ولهم مكان داخل المجتمع لأنهم يجمعون الحداثة والأصالة". وأضاف "الإسلاميون مازلوا القوة الرئيسية في البلاد ولديهم حظوظ وافرة في الانتخابات المقبلة التي نأمل أن تكون خلال الربيع المقبل". ومن المحتمل أن يكون موعد الانتخابات أحد الموضوعات الأكثر حساسية في المفاوضات المتوقع أن تبدأ خلال أيام.
وفازت حركة النهضة بنسبة 40 في المئة من المقاعد في أول انتخابات تجري في تونس بعد سقوط بن علي لانتخاب جمعية لكتابة دستور جديد ثمّ شكلت حكومة ائتلافية بمشاركة حزبين علمانيين. وقال العريض إن التونسيين لن يسمحوا بإفشال الانتقال الديمقراطي في تونس رغم العراقيل والصعوبات وعبّر عن تفاؤله بعودة العملية الانتقالية إلى مسارها الصحيح. وقال "نحن مناضلون قبل أن نكون وزراء ومسؤولين ولن نسمح لأي أحد بأن يهدد ترسيخ الديمقراطية وسنجعل تونس تجربة نموذجية يحتذى بها وتستلهم منها الدروس".