مسؤول سعودي: النوم سيجافي المنطقة بعد الاتفاق الإيراني
روحاني: الاتفاق يعترف بـ"حقوق" إيران النووية
ترحيب دولي بالاتفاق.. وإسرائيل ترفض "الصفقة السيئة" وتقيِّم الموقف
الاتفاق يوقف تقدم البرنامج النووي.. ويحد من مخزون اليورانيوم
السماح للأمم المتحدة بإجراء عمليات تفتيش دقيقة للمفاعلات النووية الإيرانية
فرحة إيرانية غامرة بالاتفاق.. ومواطنون يعتبرون ظريف "بطلا قوميًا"
كيري: الاتفاق سيجعل إسرائيل وحلفاء أمريكا "أكثر أمنًا"
واشنطن لا تستبعد التهديد بالقوة حال استنفاد السبل الدبلوماسية
إيران ستتمكن من الحصول على 4.2 مليار دولار سنويا
الريال الإيراني يقفز 3% أمام الدولار وسط آمال تعافي الاقتصاد
السعودية تتوقع سباقًا للتسلّح النووي في المنطقة
الإمارات ترحّب باتفاق إيران النووي مع القوى العالمية
عواصم- الرؤية- الوكالات
في خطوة كانت شبه متوقعة، توصّلت إيران والقوى العالمية الست إلى اتفاق للحد من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف محدود في العقوبات فيما قد يكون مؤشرًا أوليا لتقارب بين الجمهورية الإسلاميّة والغرب، غير أنّ هذا الاتفاق أثار الجدل حول ما يعتبره مراقبون "تكتيكات سريّة" يتبعها النظام الإيراني، لنيل الاعتراف الدولي بما يصفها بـ"الحقوق النووية" لإيران.
وجرى التوصّل للاتفاق بعد مفاوضات استمرت أربعة أيام في جنيف بين إيران والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا. والاتفاق الذي يوقف أكثر أنشطة إيران النووية حساسية عبارة عن حزمة خطوات لبناء الثقة من أجل تخفيف عقود من التوتر والمواجهة وإبعاد شبح اندلاع حرب في الشرق الأوسط بسبب طموحات طهران النووية.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنّ الاتفاق "يعترف بحقوق إيران النووية" بالسماح لها بمواصلة تخصيب اليورانيوم، مضيفا أنّ أنشطة التخصيب الإيرانية ستستمر كما كانت من قبل. وأضاف في بيان في العاصمة الإيرانية أذيع على الهواء مباشرة على قناة (برس تي.في) أنّ المحادثات بشأن "اتفاق شامل ستبدأ على الفور" وأنّ إيران لديها رغبة قوية لكي تبدأ. إلا أنّ إسرائيل نددت بالاتفاق بوصفه "صفقة سيئة" وقالت إنّها لن تكون ملزمة به. وقالت كاثرين أشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي التي كانت تنسق المحادثات مع إيران نيابة عن القوى الكبرى إنّ الاتفاق يوفر الوقت والمجال للتوصل لحل شامل للمسألة النووية الإيرانية. وأضافت آشتون "هذه خطوة أولى لكنّها كما سترون ضمن إطار البحث عن اتفاق شامل. ولا شك أنّ هذا هو ما نريد تحقيقه كمجموعة ثلاث دول أوروبية زائد ثلاث. هذا أيضًا هو ما أعتقد أنّ حكومة إيران تريد تحقيقه." وتابعت "أعتقد أننا إذا نظرنا إلى ما قاله الناس فإننا سنشعر بوحدة الهدف. الدول التي تجتمع معا نيابة عن مجلس الأمن الدولي ومجموعة الدول التي طلب منها القيام بهذا العمل وأنا في الدور الذي أقوم به لقيادة المفاوضات، كنّا واضحين تمامًا في أنّ هدفنا هو التوصل لاتفاق جيّد، وهذا هو ما فعلناه". فيما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مؤتمر صحفي "هذه خطوة أولى فقط... نحن بحاجة إلى البدء في التحرّك في اتجاه بناء الثقة."
وبعد ضغوط العقوبات ابتهج كثير من الإيرانيين بتخفيف التوتر وإمكانية تحقيق تحسن اقتصادي. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنّه إذا لم تف إيران بالتزاماتها خلال ستة أشهر فإنّ الولايات المتحدة ستوقف تخفيف العقوبات و"تصعد الضغط". ورحب بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بالاتفاق المؤقت، وحث الحكومات المعنيّة "على بذل قصارى جهدها للبناء على هذه البداية المشجعة". غير أنّ إسرائيل غير سعيدة بالاتفاق. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنّ الاتفاق خطأ تاريخي. وأضاف لمجلس وزرائه في تصريحات علنيّة "ما تحقق في جنيف ليس اتفاقًا تاريخيًا وإنّما هو خطأ تاريخي... أصبح العالم مكانًا أكثر خطورة لأنّ أخطر نظام في العالم اتخذ خطوة مهمّة صوب الحصول على أخطر سلاح في العالم." وقال مسؤول في مكتب نتنياهو في وقت سابق "هذه صفقة سيئة. تمنح إيران ما كانت تريده بالضبط.. تخفيف واضح في العقوبات وحماية لأهم أجزاء في برنامجها النووي." لكن مسؤولين إسرائيليين لم يذهبوا إلى حد التهديد باتخاذ إجراء عسكري من جانب واحد قد يزيد من عزلة إسرائيل ويعرض تحالفها مع واشنطن للخطر وقالوا إنّ إسرائيل بحاجة لمزيد من الوقت لتقييم الاتفاق.
ويخشى الغرب أن تكون إيران تسعى لاكتساب قدرة على تصنيع أسلحة نووية وتنفي الجمهورية الإسلامية ذلك وتقول إنّ برنامجها النووي له أغراض سلمية. وقالت الولايات المتحدة إنّ الاتفاق يوقف تقدم برنامج إيران النووي بما في ذلك بناء مفاعل اراك للأبحاث الذي يثير قلق الغرب بشكل خاص إذ أنّ بإمكانه انتاج مواد يمكن أن تستخدم في صنع قنبلة.
وسيحيد الاتفاق مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة وهي نسبة تجعل إيران تقترب من المستوى اللازم لانتاج أسلحة ويدعو الاتفاق إلى عمليات تفتيش دقيقة تجريها الأمم المتحدة. وذكر نص أمريكي لأهم بنود الاتفاق إنّ إيران ستكون ملتزمة أيضًا بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة الخمسة بالمئة. وشهدت الأنشطة الدبلوماسية مع إيران زخمًا بعد فوز حسن روحاني بانتخابات الرئاسة في يونيو ليحل محل محمود أحمدي نجاد. وسياسة روحاني "للتواصل البناء" مع العالم الخارجي تهدف إلى رفع العقوبات. ويحظى أيضًا بدعم الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي. وكتب في حساب على تويتر يعتقد بشكل كبير إنّه خاص بروحاني "تصويت الشعب الإيراني من أجل الاعتدال والتواصل البناء زائد جهد لا يكل لفرق التفاوض سيفتحان آفاقًا جديدة". والكثير من الإيرانيين سعداء بالاتفاق. ونال خبر أعلنه ظريف بالفارسية على حسابه على فيسبوك عن التوصل لاتفاق إعجاب 47979 متابع للموقع خلال ساعتين. وانهالت عبارات التأييد وكثيرون وصفوا ظريف "بالبطل القومي".
وقال مسؤول أمريكي إنّ اتفاق جنيف لا يعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وإنّ العقوبات ستبقى. لكن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال إنّ الاتفاق سيجعل من الصعب على إيران الاندفاع نحو صنع سلاح نووي وسيجعل إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين أكثر أمنًا.
وأضاف أنّه على الرغم من أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يستبعد استخدام التهديد بالقوة كخيار في المواجهة النووية الإيرانية إلا أنّه يرى أنّه يجب أولا استنفاد السبل الدبلوماسية. وقال إنّ تخفيف العقوبات بشكل محدود يمكن الرجوع عنه. وكان كيري ووزراء خارجية القوى الخمس الأخرى انضموا للمحادثات مع إيران في وقت مبكر من صباح أول أمس السبت مع اقتراب الجانبين بشكل أكبر لاتفاق أولي طال انتظاره. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج على تويتر إن التوصل لاتفاق مع إيران خطوة أولى "مهمة ومشجعة"/ مشيرا إلى أن البرنامج النووي لطهران "لن يتقدم لمدة ستة شهور كما أن بعض الأجزاء تراجعت".
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "بعد عقبات استمرت سنوات يعد الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في جنيف بشأن البرنامج النووي الإيراني خطوة مهمة للحفاظ على الأمن والسلام."
وفي رسالة إلى الرئيس حسن روحاني نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية قال خامنئي إنّ الاتفاق "يمكن أن يكون أساسًا لمزيد من الخطوات الذكية. وبدون شك فإنّ فضل الله ودعاء الشعب الإيراني عامل في هذا النجاح."
ترحيب واسع
إلى ذلك، رحب أمريكيون من أصل إيراني بحذر وبقدر من التشكك بالاتفاق. وقال تريتا بارسي رئيس المجلس الوطني الأيراني الأمريكي في بيان بعد التوصل إلى الاتفاق "أبعدت الدبلوماسية الولايات المتحدة وإيران عن شفا حرب كارثية ووضعت البلدين على اعتاب مسار أكثر إشراقا واستدامة إلى الأمام." وفي إطار الاتفاق الذي يهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني ستتمكن إيران من الحصول على 4.2 مليار دولار من النقد الأجنبي.
وقال بارسي "يريد الأمريكيون من أصل إيراني الذين يعارضون بأغلبية كاسحة الحرب والعقوبات الاقتصادية الشاملة أن يروا مستقبلا تتمتع فيه الولايات المتحدة بعلاقات إيجابية مع دولة إيرانية تمثل بحق شعبها. اليوم يبدو هذا المستقبل أكثر إمكانية عن ذي قبل." وفي سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا رد صاحب متجر خضراوات (طهران ماركت) بتفاؤل حذر على أنباء التوصل إلى الاتفاق. وقال مهري مونفريد "اعتقد أنه سيمضي قدمًا.. ينتظر الشعب في إيران حل القضية." وفي نيويورك قال ساريت اسكاهن وهو طبيب أسنان أمريكي من أصل إيراني "التطورات في الأشهر الماضية كانت تسير في الاتجاه الإيجابي." وقال سيد ناهيد وهو مالك مطعم في مارينا ديل ري بولاية كاليفورنيا "هذا الرئيس أكثر براجماتية". وشعر آخرون بأنّ القيادة الإيرانية ستفعل أي شيء في سلطتها لإبقاء الاتفاق نافذًا بهدف رفع العقوبات المعرقلة بسبب البرنامج النووي الإيراني. وقال مايك زارابكيا الذي هاجر إلى الولايات المتحدة من إيران قبل 12 عامًا، ويمتلك الآن مطعمًا في ولاية نيوجيرزي "اعتقد أنهم صادقون لأنهم مضطرون للقيام بذلك.. ما من طريق آخر أمامهم." وقال "الاقتصاد مهم للغاية للجميع في الدولة.. الشعب يعيش وضعًا سيئًا جدًا الآن".
وقفزت العملة الإيرانية أكثر من ثلاثة بالمئة مقابل الدولار الأمريكي أمس بعد التوصل إلى الاتفاق، الأمر الذي عزز الآمال بأن يتعافى الاقتصاد الذي يعاني من جراء العقوبات الدولية. وقال متعاملون إيرانيون إنّ العملة سجلت نحو 29 ألف ريال للدولار في السوق الحرة بطهران مقارنة مع حوالي 30 ألفًا قبل الاتفاق. وقال ناريمان أفلاني المتعامل في مجموعة ايه.اف.آي وهي شركة هندسة مدنية إيرانية بالهاتف "نستشعر المعنويات الإيجابية داخل إيران". وقال إنّ أسعار مواد البناء مثل السيراميك والأسمنت تتراجع في إيران لأنّ الناس يأملون في تخفيف تدريجي للعقوبات بما سيسهل الاستيراد من الخارج. ويستخدم معظم الإيرانيين من الأفراد والشركات سعر السوق الحرة للحصول على العملة. ويستخدم السعر الرسمي الذي يعلنه البنك المركزي الإيراني من قبل بعض الشركات شبه الحكوميّة التي تنال معاملة تفضيلية في الحصول على الدولار وقد استقر أمس الأحد عند 24 ألفًا و822 ريالا للدولار.
وبموجب الاتفاق، تحصل إيران على تخفيف محدود للعقوبات يشمل إمكانية الحصول على 1.5 مليار دولار من إيرادات تجارة الذهب والمعادن النفيسة وإذنا لتحويل 4.2 مليار دولار من إيرادات تصدير النفط عبر الحدود.
قلق سعودي
غير أنّ السعودية- الحليف الرئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط - لم تعلق حتى لحظة كتابة هذه السطور على الاتفاق، غير أنّ رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي عبدالله العسكر قال إنّ النوم سيجافي سكان منطقة الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي، في إشارة إلى حالة عدم الارتياح الشديد التي تسود دول الخليج بسبب التقارب بين الغرب وطهران. وفي الوقت الذي تحدث فيه العسكر لم يصدر رد فعل رسمي من السعودية على نبأ الاتفاق الذي ستخفف الدول الغربية بموجبه العقوبات مقابل الحد من أنشطة برنامج إيران النووي. وتكررت دعوات الرياض لواشنطن للالتزام بموقف صارم من طهران. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي المعين، وهو شبه برلمان يقدم المشورة فيما يتصل بسياسات الحكومة، إنّه ليس لديه علم برد حكومة بلاده الرسمي لكنه يشعر بالقلق شخصيًا. وأضاف "أخشى أن تكون إيران ستتخلى عن شيء (في برنامجها النووي) لتحصل على شيء آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليمية. أشعر بالقلق بشأن إتاحة مساحة أكبر لأيران أو إطلاق يدها أكثر في المنطقة." وقال العسكر "أثبتت حكومة إيران الشهر تلو الشهر أنّ لديها أجندة قبيحة في المنطقة وفي هذا الصدد لن ينام أحد في المنطقة ويفترض أنّ الأمور تسير بسلاسة." وفي الساعات السابقة لاتمام الاتفاق، اجتمع العاهل السعودي الملك عبد الله واميرا قطر والكويت في وقت متأخر من أول أمس السبت لبحث القضايا ذات الاهتمام للدول الثلاث.
ويتهم حكام دول الخليج إيران- التي تساند الرئيس السوري بشار الأسد في صراع تدعم فيه دول خليجية مقاتلي المعارضة- بإذكاء الاضطرابات في عدد من الدول منها اليمن والبحرين ولبنان والعراق. وتنفي إيران هذا التدخل. وقال العسكر "سكان المنطقة يعرفون السياسات الإيرانية والطموحات الإيرانية. يعلمون أنّ إيران ستتدخل في سياسة الكثير من دول المنطقة." وفي الأشهر القليلة الماضية زاد توتر السعودية بسبب الاستعداد الذي أبدته واشنطن للتعامل مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني وشكت من تردد أوباما في القيام بتحرك أقوى على صعيد الصراع السوري. وقال روبرت جوردان سفير الولايات المتحدة السابق في الرياض إنّ السعوديين قد يكونون قلقين إزاء اكتساب إيران نفوذًا في المنطقة أكثر من قلقهم على امتلاكها قنبلة ذرية. وأضاف جوردان الذي كان سفيرا في الرياض بين عامي 2001 و2003 "الاتفاق قد يريح السعوديين من القلق بشأن اضطرارهم لمواجهة تهديد نووي من إيران لكن هذا لا يبدد مخاوفهم الجيوسياسية التي ربما تكون أكثر عمقا." وأضاف "لا يتناول هذا الاتفاق سلوك إيران فيما يتعلق بالشرق الأوسط وبالتالي قد يشير إلى استعداد للوصول إلى مواءمات أوسع مع إيران يعتبر السعوديون أنّها ليست في مصلحتهم." وفي وقت سابق من الشهر الحالي زار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الرياض وقال إنّه قدم تطمينات للملك عبد الله وآخرين بشأن المحادثات الأمريكية مع إيران وتعهد بإطلاع الرياض على التطورات "حتى لا تكون هناك مفاجآت". وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل آنذاك إنّ السعودية تقبل تطمينات كيري بأنّ الولايات المتحدة لن تسمح بتطوير أسلحة نووية في إيران. وقال العسكر إنّه إذا لم ينجح الاتفاق في منع إيران من تصنيع قنبلة نووية فإنّ السعودية ودولا أخرى ستسعى لامتلاك واحدة على الأرجح. وأضاف "أعتقد أنّ السعودية ستمضى قدما إذا مضت إيران قدمًا (وامتلكت سلاحا نوويا). أعتقد أنّ مصر وربما تركيا والسعودية وربما الإمارات ستمضي قدمًا وتحصل على نفس التكنولوجيا. هذا سيفتح الباب على مصراعيه للتسلح".