الرؤية- أحمد عمر
يرى مراقبون أنّ الاتفاق المرحلي بين إيران والقوى العالمية (5+1) بشأن البرنامج النووي الإيراني يمثل قفزة نوعية في الحلول الدبلوماسية والوساطات السياسية في المنطقة؛ حيث أسهم الاتفاق في إزاحة شبح الحرب في المنطقة- وإن كان مؤقتًا- بعدما لبدت غيوم الضربات العسكرية سماء الخليج.
وفي أعقاب محادثات اعتبرها البعض ماراثونية، استمرت على مدار أربعة أيام، توصّلت إيران والقوى العالمية الست وهي بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة (مجموعة خمسة زائد واحد) إلى اتفاق مؤقت للحد من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات.
وفي هذا السياق، كشفت المعلومات والتسريبات المرتبطة بعملية التفاوض، أنّ سلطنة عمان أسهمت بشكل فاعل في هذا الاتفاق، بعدما مهدت الطريق لعقد لقاءات بين المسؤولين الإيرانيين والمفاوضين الغربيين، لاسيما الأمريكيين منهم. ويبرز هذا الدور المحوري مدى الاحترام الذي تتمتع به السياسة الخارجية العمانية في المنطقة ولدى دوائر صنع القرار في الغرب، وهو أمر يعكس الثقة العميقة في الإدارة العمانية وقدر التوازن الذي تتعامل به دون التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو ما حدث بالفعل في هذا الملف.. فلم تبدأ الوساطة العمانية بحسب المراقبين إلا من خلال طلب الأطراف الأخرى في أن تسهم الدبلوماسيّة العمانية بدور "الوسيط" لنزع فتيل الأزمة وتفادي خطر اللجوء إلى الخيار العسكري الذي طالما هدد به الغرب دومًا النظام الإيراني، رفضًا لسعيه نحو امتلاك التكنولوجيا النووية. ويبدو من الواضح الدور الإقليمي للسلطنة في إرساء الاستقرار الإقليمي، والسعي للحفاظ على أمن الخليج، فطالما اعتبرت السلطنة أنّ الملف الإيراني يمثل قضية أمن قومي للمنطقة برمتها، ليس فقط نتيجة الجوار الجغرافي، بل إنّه نابع من الإدراك العميق بأنّ أمن الخليج يبدأ من حيث تبدأ المصالح التجارية والعوامل الجيوسياسية، وإن كانت تبعد آلاف الأميال.
وأبرزت الصحف ووكالات الأنباء العالمية ومحطات التلفزة، الدور العماني في تقريب وجهات النظر بين الجانب الإيراني والغرب، وسلطت الضوء على ما قدمته السلطنة من مساحة للتفاوض السياسي والتقني بين الجانبين.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية سعادته بالتوصل إلى الاتفاق، قائلا إنّ البديل عن الاتفاق كان الحرب، مؤكدا أنّ الاتفاق يصب في مصلحة الطرفين؛ إيران والقوى الست الكبرى. وأضاف بن علوي إلى الصحيفة واسعة الانتشار، أنّ "الاتفاق يحتاج إلى وقت، فهو مرحلي، والاختبار الحقيقي يتعلق بتنفيذه. ولكن، أعتقد أنّ الأطراف التي شاركت في المفاوضات في جنيف وتوصّلت إلى هذا الاتفاق لديها مصلحة مشتركة في الوصول إلى حل سياسي للأزمة، وهذا سينعكس بطبيعة الأمر على الاستقرار في المنطقة". وشدد معاليه على أهميّة أن تسعى الأطراف في المنطقة إلى حل المشكلات بطريقة سلميّة وتبادليّة، بما يحقق مصلحة الجميع، معتبرًا الاتفاق بأنّه "خطوة في الاتجاه الصحيح". وتابع بن علوي للصحيفة: "دول الخليج لها مصلحة استراتيجية في استقرار الأوضاع، وهذا أمر واضح لنا، والإيرانيون جيراننا. ومن الواضح أنّ الجميع يريدون حل مشاكل الشرق الأوسط، وهذا قد يكون بداية خطوات حلول سلمية في المنطقة، فيكفينا حروبًا ومواجهات، ولا بد أن تتوافر للأجيال الجديدة أجواء استقرار في المنطقة".
وكان السبق في إبراز الدور العماني في المفاوضات، ما كشفت عنه وكالة أسوشييتد برس "AP" الأمريكية عندما نشرت تقريرًا موسعًا عن الجهود التي بذلتها الخارجيّة العمانية للتوصل إلى هذا الاتفاق، ما لبث أن تناقلته وكالات الأنباء والصحف، وزادت بتفاصيل نقلتها عن مصادر مختلفة.
وأشارت التقارير إلى أنّ مسؤولين أمريكيين وإيرانيين عقدوا اجتماعات وصفت بـ"السرية" في سلطنة عمان، حفاظًا على الجهود المضنية في دعم عملية التفاوض، ووضع الأساس للاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه. وساعدت هذه الاتصالات في ابرام الاتفاق الذي يامل المحللون أن يساهم في إنهاء الأزمة المستمرة منذ عقد من الزمان حول النشاط النووي لإيران.
وبحسب ما نشر من معلومات، فإنّ هذه الاتصالات توضح رغبة الولايات المتحدة- التي تجلّت منذ تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما السلطة في يناير 2009- في استكشاف ما إذا كان هناك سبيل للتصالح بين بلدين كانا على قطيعة لمدة تزيد على ثلث قرن. ونقلت وكالات الأنباء عن مسؤولين أمريكيين بارزين أنّ الطريق إلى الاتفاق المرحلي شمل سلسلة من الاجتماعات السريّة- التي عقدت بموافقة شخصيّة من الرئيس الأمريكي- بين مسؤولين كبار من وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض والحكومة الإيرانية هذا العام. وهو الأمر الذي حدث كذلك بالنسبة للمفاوضين الإيرانيين، حيث أكد مسؤول إيراني سابق أنّ هذه المحادثات السرية جرت بموافقة وصفها بـ"المتحفظة" من الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي ساورته الشكوك إزاء نتيجتها، غير أنه وافق على عقد الاجتماعات. وفي هذا السياق، يبرز دور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في دفع الاجتماعات التي عقدت في السلطنة، حيث إنّ هذه الاجتماعات بدأت منذ أن كان كيري رئيسًا للجنة العلاقات الخارجيّة بمجلس الشيوخ الأمريكي، وقام وقتها بزيارة لم يعلن عنها من قبل إلى السلطنة للاجتماع مع المسؤولين العمانيين. وتظهر المعلومات أن كيري عندما أصبح وزيرا للخارجية قرر استمرار المفاوضات في السلطنة لدعم محادثات القوى العالمية، وهو ما تكلل في النهاية بزيارة رسمية لكيري إلى السلطنة في مايو الماضي لبحث التعاون ودفع مسيرة المحادثات.
وفي تقرير بثته هيئة الإذاعة الأمريكية "إيه بي سي"، أعدته مراسلة الشرق الأوسط البارزة كريستيان أمانبور، ذكرت المحطة المطلعة أنّ المحادثات التي عقدت برعاية عمانية كان لها الدور الأبرز في دعم المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق المرحلي، ووصفت في التقرير السياسة الخارجيّة العمانية بالوسيط نافذ الإطلاع على الملف.
أمّا صحيفة لوس أنجيلوس تايمز، فقد بثت عدة تقارير أشارت فيها إلى الدور العماني في الوصول إلى الاتفاق النووي، كما أشادت الصحيفة ضمن تقاريرها عن الاتفاق، بحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-، ووصفته بأنه القائد المحنك والحكيم الذي يحظى بعلاقات جيدة مع كل من واشنطن وطهران. وتحدثت كذلك عن دور الوساطة العمانية في إطلاق سراح ثلاثة مواطنين أمريكين كانوا محتجزين في إيران.
يشار إلى أنّ الاتفاق الذي يوقف أكثر أنشطة إيران النووية حساسية، يتمثل في حزمة خطوات لبناء الثقة من أجل تخفيف عقود من التوتر والمواجهة وإبعاد شبح اندلاع حرب في الشرق الأوسط بسبب طموحات طهران النووية. ويخشى الغرب أن تكون إيران تسعى لاكتساب قدرة على تصنيع أسلحة نووية، فيما تنفي الجمهورية الإسلاميّة ذلك، وتقول إنّ برنامجها النووي يسعى لأغراض سلميّة. وقالت الولايات المتحدة إنّ الاتفاق يوقف تقدم برنامج إيران النووي بما في ذلك بناء مفاعل اراك للأبحاث الذي يثير قلق الغرب بشكل خاص إذ أن بإمكانه إنتاج مواد يمكن أن تستخدم في صنع قنبلة. وسيحيّد الاتفاق مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة وهي نسبة تجعل إيران تقترب من المستوى اللازم لانتاج أسلحة ويدعو الاتفاق إلى عمليات تفتيش دقيقة تجريها الأمم المتحدة. وذكر نص أمريكي لأهم بنود الاتفاق أنّ إيران ستكون ملتزمة أيضًا بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز نسبة الخمسة بالمئة.