· المؤتمر يهدف إلى بلورة خطة وطنية لحماية النمر العربي من الانقراض
· محميّة جبل سمحان آخر المستوطنات الرئيسية للنِمر العربي
- تدشين كتاب الوعل العربي ضمن فعاليات المؤتمر
صلالة – إيمان بنت الصافي الحريبي
رعى معالي السيّد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني أمس الإثنين، افتتاح أعمال المؤتمر الدولي حول النمر العربي في جبل سمحان بمحافظة ظفار، والذي ينظمه المركز الوطني للبحث الميداني في مجال حفظ البيئة التابع لديوان البلاط السلطاني، وذلك وبحضور معالي السيّد محمد بن سلطان البوسعيدي وزير الدولة ومحافظ ظفار وعدد من أصحاب المكرمين أعضاء مجلس الدولة وأصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى وعدد من أصحاب السعادة ولاة ولايات محافظات ظفار وشيوخ وأعيان المحافظة، بمنتجع الماريوت بمحافظة ظفار.
وأكّد الدكتور سيف بن راشد الشقصي المدير التنفيذي للمركز الوطني للبحث الميداني في مجال حفظ البيئة في كلمة بافتتاح المؤتمر على أنّ الاهتمام السامي بالبيئة العمانية بشكل خاص والبيئة العالمية بشكل عام، ظهر مبكرًا منذ بزوغ فجر النهضة المباركة، إدراكًا يتميز ببعد النظر من جلالته أبقاه الله، لما قد يسببه التمدن من تحولات جذرية في الحياة، تأخذ مقوماتها من مكنونات الطبيعة وتؤثر عليها سلبا.
وقال: ولمـّا كان لا بد من الارتقاء والتطوير خدمةً لبني الإنسان فإنّه كان من المحتم إيجاد التوازن بين ما تقدمه الحضارة من تمدن وبين ما تفقده البيئة من مكتسبات، وسلطنتنا الحبيبة تمتاز بثراء بيئي ضخم، وتنوع أحيائي فريد وخصائص طبيعية نادرة، جعل منها فردوس الزائرين ووجهة الباحثين ومقصد العلماء المتبحرين، وحفاظًا على هذه المعطيات الطبيعية فقد تبلور الاهتمام السامي في إنشاء العديد من الهيئات والمؤسسات التي تعنى بالبيئة والمحافظة عليها، كل يؤدي دوره بصورة تكاملية مع الآخر ويأتي المركز الوطني للبحث الميداني في مجال حفظ البيئة لبنة أخرى في هذا البناء التكاملي، وهو معني بالمساهمة بدوره البحثي الميداني ليسبر أغوار ومكنونات البيئة العمانية بشكل علمي وتقني ليتكامل بذلك مع الجهود الأخرى في هذا الجانب.
بيئة آمنة للنمر العربي
وأوضح الدكتور سيف الشقصي أنّ من أهم ما تمتاز به سلطنتنا الحبية في ثرائها البيئي وجود حيوانات ذات أهميّة علميّة وتاريخيّة واجتماعيّة كبيرة، تعيش في بيئتها الطبيعية المتخمة بالتحديات التي جعلت من هذه الحيوانات تعد من الحيوانات النادرة المهددة بالانقراض، بل إنّ الأعداد المتبقيّة تنذر بوجود خطر حقيقي لتواجدها في بيئتها الطبيعية، إنّه النمر العربي، تلك السلالة النادرة التي اتخذت من الجبال موئلا لها فانحسرت بعد ذلك لتستقر في جبال ظفار. وما يجعلنا أكثر حساسية لهذا الموضوع، تصنيف النمر العربي ضمن القائمة الحمراء للحيوانات المهددة بالانقراض ضمن تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، فوجود هذا الحيوان المفترس يعد تكملة للسلسلة الغذائيّة المتكاملة في البيئة الطبيعية الواحدة، فبدونه سوف يحدث خرقًا في التكوين البيئي، ناهيك عن أهميّته الاقتصادية والسياحية والاجتماعية لما يمثله من إرث يجذب اهتمام الباحثين والسائحين والمهتمين، وتأتي أهميّة المحافظة عليه من منطلقات كثيرة، يساهم فيها الجميع من مؤسسات وأفراد، وهذا أيضًا ما حثنا عليه ديننا القويم في الحفاظ على الحيوان. وليس ببعيد عن أذهانكم قصة المرأة التي دخلت النار بسبب قطة حبستها ومنعتها أن تأكل من خشاش الأرض، فما بالكم بحيوان يعيش في بيئة بعيدًا عن موطن بني الإنسان. لهذا فإنّ الأيادي المؤتلفة من كافة الجهات بما فيها المجتمع المحلي، هي تلك التي سوف تذلل كل التحديات لتوفر بيئة آمنة نظيفة مستقرة للنمر العربي والمفردات البيئية المحيطة به.
وأشار المدير التنفيذي للمركز الوطني للبحث الميداني في مجال حفظ البيئة، إلى أنّ سلسلة الجهود للمحافظة على هذا الكائن النادر بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا زالت تلك الجهود ممثلة في جهاتها المختلفة، مستمرة وبخطى وثابة، مستفيدة من الدراسات والبحوث السابقة، ومستلهمة من تجارب الآخرين في هذا الشأن، وقال: وليس من المستغرب أن نعرف أن إجراء الدراسات والبحوث عن النمر العربي يتطلب جهدا مضاعفا وتمويلا كبيرا لما يكتنفها من صعوبات الوصول لمكان عيشه من قساوة التضاريس، والتي تتطلب في كثير من الأحيان استخدام الجمال والحمير، وفي المرتفعات الشاهقة إلى الطائرة العمودية، فالتقاط صورة واحدة يقف خلفها الكثير من المعاناة والتحمّل، ولكن كل ذلك يسهل في سبيل المحافظة على إرث عمان البيئي الطبيعي.
وأضاف: ويأتي هذا المؤتمر لحصاد ثـمار هذه الجهود ووضعها في قالب يسهل على الجميع تطبيقه، ويساهم في تفعيل الشراكة الحقيقية بين الجهات العاملة في الحقل البيئي، متطلعين إلى أن يكون مردود هذا المؤتمر قرارات نافذة التطبيق متخطية كل التحديات ومتغلبة على كل العوائق.
الحفاظ على التنوع الأحيائي
بعد ذلك ألقى الدكتور يورس بريتينموسر كلمة الاتحاد العالمي لصون الطبيعة أكّد فيها على أهميّة هذا المؤتمر وأهميّة النتائج والتوصيات التي سيخرج بها من خلال مناقاشات أوراق العمل ومشاركة المجتمع المحلي في وضع هذه الإستراتيجيات التي تهدف إلى الحفاظ على حيوان النمر العربي من الانقراض.
وأوضح من خلال الكلمة الجهود التي يقوم بها الاتحاد العالمي لصون الطبيعة في مجال الحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض على مستوى العالم ومنها حيوان النمر العربي، وأهم البحوث والدراسات العلميّة التي قام بها الاتحاد في هذا الجانب، كما أشار إلى أهمية الاستفادة من التجارب العالميّة في مجال الحفاظ على النمور والاستراتيجيات المتبعة لديهم.
وأوضح الدكتور يورس الدعم الفني الذي يقدمه الاتحاد إلى دول العالم التي تهتم بالبيئة وصون الأحياء الفطرية، مشيرا إلى الجهود الطيبة والملموسة التي تقوم بها السلطنة في حماية البيئة والحفاظ على التنوع الأحيائي لديها والحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض.
فيلم تعريفي
بعد ذلك تمّ عرض فيلم عن النمر العربي في محمية جبل سمحان يوضح حياته الطبيعية وطريقة عيشه وأهم المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها، والجهود التي تبذل من أجل حمايته من الانقراض، كما عرض الفيلم أهم الحيوانات البرية الموجودة في جبال سمحان والتي تتعايش مع النمر في نفس المنطقة والكاميرات الخفيةّ التي تم نصبها لتسجيل عدد مشاهدات النمر.
تدشين كتاب الوعل العربي
ودشن معالي السيّد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني خلال حفل الافتتاح كتاب الوعل العربي الذي نفذه المركز الوطني للبحث الميداني في مجال حفظ البيئة، وقام بتأليف هذا الكتاب الدكتور ستيف روس وروث كامنيتزر وترجمه محمد عمر عقيد، وأشرف عليه الدكتور سيف بن راشد الشقصي المدير التنفيذي للمركز الوطني الميداني في مجال حفظ البيئة. ويحتوي الكتاب على أربعة فصول أساسيّة وفي كل فصل عدد من المحاور، حيث تطرق الفصل الأول إلى الوعل العربي من حيث الوصف الجسدي وأماكن تواجده والتركيب الوراثي للوعل، أمّا الفصل الثاني فقد تناول النظام البيئي في جبال الحجر من خلال الموطن الجبلي للوعل والمناخ والحياة النباتية والحيوانية في جبال الحجر، الفصل الثالث بيلوجيًا الوعل العربي من خلال شرح مفصّل لأجزاءه وهي الفراء والقرون والحوافر وغذاء الوعل والحياة الاجتماعيّة للوعول وعملية التكاثر وعمليات تواصلها الاجتماعي بين بعضها البعض. أمّا الفصل الرابع والأخير فقد تناول مستقبل الوعل العربي من خلال الأخطار التي يتعرض لها الوعل منها فقدان وتلاشي وتجزئة الموطن الطبيعي، والمنافسة مع الحيوانات الأليفة الأخرى، والصيد وتجارة الوعول، والأسباب الطبيعية والبيولوجية لانقراضه، كما تناول هذا الفصل بحوث المحافظة على الحياة البرية، وحراس الحياة البرية والمناطق المحميّة، ومشاركة المواطنين وتعليمهم، وضمان المستقبل.
بعد ذلك قام الدكتور سيف بن راشد الشقصي المدير التنفيذي للمركز الوطني للبحث الميداني في مجال حفظ البيئة بتسليم معالي السيد راعي الحفل هدية تذكارية.
المعرض المصاحب للمؤتمر
إثر ذلك قام معالي السيّد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني بافتتاح المعرض المصاحب للمؤتمر، حيث تجوّل معاليه والحضور داخل أجنحة المعرض، واستمع إلى شرح وافٍ حول محتويات المعرض، والجهود التي تبذل من أجل الحفاظ على النمر العربي من الانقراض. واشتمل المعرض على أربعة محاور أساسيّة، المحور الأول ركز حول النمر العربي من خلال مراحل حياته الطبيعية وتكويناته الأحيائية وحياته الاجتماعية، أمّا المحور الثاني فقد تطرق إلى الموارد الإحيائية والفيزيائية والطبيعية في محميّة جبل سمحان، وأهم مكونات المحميّة، وأهم الحيوانات التي تتواجد في المحمية، والجهود التي تبذل في الحفاظ على المحميّة وخطة إدارتها، بينما تناول المحور الثالث جهود المجتمع المحلي في حماية الحياة الفطرية في محافظة ظفار وخاصة في محميّة جبل سمحان للنمر العربي، وكذلك مشاركة الأهالي والمجتمع المحلي في وضع خطط إدارة المحميّة، أمّا المحور الرابع فقد تمّ خلاله عرض الأفلام الوثائقية والتوثيقية حول النمر العربي من خلال مراحل حياته الطبيعية والاجتماعية والجهود التي تبذلها مختلف الجهات للحفاظ عليه من الانقراض.
أوراق العمل
وسيتم خلال المؤتمر طرح 16 ورقة عمل من خلال 5 محاور رئيسية ومناقشتها باستفاضة حول الوضع الحالي للنمر العربي في محافظة ظفار، وأهم القوانين والتشريعات الوطنية في الحفاظ على التنوع الأحيائي في السلطنة، وأهم التحديات التي تواجه النمر العربي وأهم الخطوات العلميّة لحلها، ومناقشة خطة إدارة محمية جبل سمحان وأهم التحديات التي تواجه الخطة، وتطوير خطة وطنية لحماية النمر العربي في جبال محافظة ظفار، كما سيتم عرض عدد من التجارب الدولية في مجال حماية النمور في عدد من دول العالم للاستفادة من هذه التجارب في السلطنة وأهم الإجراءات التي تمّ اتخاذها في هذا الجانب، إضافة إلى تنفيذ خمس حلقات نقاش جماعية بين المشاركين من مختلف الجهات وهي الشراكة الاجتماعية، أهداف الحماية، رفع مستوى الوعي وبناء القدرات وشراكات المجتمعات المحلية، إشكاليات الإنسان في الحياة البرية والسيناريوهات الأسوأ وتداعياتها، وخطة إدارة لمحمية جبل سمحان، حيث ستسعى هذه المناقشات إلى الخروج بتوصيات ونتائج تحقق الأهداف التي وضعها المؤتمر لحماية النمر العربي من الانقراض والعمل على إكثاره.
خطة وطنية لحماية النمر
ويهدف هذا المؤتمر الذي سيستمر ثلاثة أيام إلى تقييم الوضع الحقيقي للنمر العربي في جبال محافظة ظفار، وإيضاح دور الجهات المختلفة ذات العلاقة في السلطنة في الحفاظ على هذا الحيوان من الانقراض، وتقييم الوضع الحالي للتنوع الأحيائي في المحافظة، وتحديد الخطوات القادمة والإجراءات العلميّة والعملية للحفاظ على النمر العربي في السلطنة، ومناقشة خطة إدارة محميّة جبل سمحان وأهم التحديات التي تواجه الخطة، الإدارة المستدامة للمحميات الطبيعية في السلطنة، خطط التنمية المستدامة في محافظة ظفار، ووضع خطة وطنية لحماية النمر العربي في جبال محافظة ظفار، وأهميّة ورفع مستوى الوعي البيئي وتعزيز بناء القدرات لدى السكان المحليين للحفاظ على التنوع الحيوي في محافظة ظفار.
يذكر أنّه يشارك في المؤتمر بمشاركة عدد من المنظمات الدولية ومنها منظمة إيرث ووتش والاتحاد الدولي لصون الطبيعة ومركز الشارقة للحياة البرية العربية ومنظمة الحياة البرية بالجمهورية الإيرانية الإسلامية وعدد من الجهات الحكوميّة ومؤسسات المجتمع المدني بالسلطنة، وهي وزارة البيئة والشؤون المناخية، مكتب حفظ البيئة، وزارة التربية والتعليم، وزارة النقل والاتصالات وزارة الإسكان، وزارة السياحة، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الزراعة والثروة السمكية، شرطة عمان السلطانية، مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، جامعة ظفار، أعضاء مجلس الشورى، جمعية البيئة العمانية والمجتمع المحلي بمحافظة ظفار.