الرحبي: المواطن شارك في وضع كافة مقترحات وقرارات الندوة
ضرورة تشجيع عمل منظمات المجتمع المدني للمساهمة في التنمية
مراعاة عدم زيادة أعباء الموازنة العامة للدولة عبر توجيه الموارد
الرؤية- فايزة سويلم الكلبانية
دعت ندوة "السياسات الاجتماعية في إطار الانطلاق الاقتصادي" أمس، في ختام فعالياتها، إلى إنشاء مجلس للمحافظين بما يسهم في دعم جهود اللامركزية، وتسريع وتيرة تنفيذ السياسات وجهود التنمية في المحافظات المخلتفة.
واختتمت أمس فعاليات الندوة التي تنظمها الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط، تحت شعار "نحو توافق مجتمعي حول السياسات الاجتماعية"، واستمرت لمدة ثلاثة أيام. وقال سعادة طلال بن سليمان الرحبي نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط في كلمته بختام الندوة إنّ المقترحات التي تضمنتها الندوة تم وضعها بناءً على آراء المواطنين، فيما اقتصر دور الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط على بلورتها وتقديمها للندوة بهدف التأكيد على مصداقيتها وترتيب الأولويات في تنفيذها.
واستعرض سعادة نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط مراحل تنفيذ الندوة، وقال: "أود أن أسترجع معكم ما دار من نقاش على مدى ثلاثة أيام حافلة بالآراء والمساهمات التي سوف تثري التقرير الذي نحن بصدد إعداده في الأمانة العامه للمجلس الأعلى للتخطيط". وأوضح أنّه تم إفراد اليوم الأول للجلسة الافتتاحية برعاية كريمة من معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري الموقر رئيس مجلس الدولة، وكذلك كلمة معالي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط، الذي أكد فيها على أنّ هذا التقرير يأتي استجابة للنطق السامي في مجلس عمان في دورته الخامسة، وفي اليوم الأول تمّ عرض الإطار العام للتقرير وكان أهم ما جاء فيه أنّ إعداد التقرير قد ارتكز على منهجيّة مبتكرة تعتمد على مرئيات المسؤولين (38 لقاءً) والمحافظات (14 لقاءً في كافة محافظات السلطنة)، كما اعتمدت على مرئيات الشباب العماني الذي اتيحت له الفرصة للمشاركة في استطلاع خاص (شمل عينة ممثلة تزيد على 6000 شاب وشابة). وأكد الرحبي أنّ كافة المقترحات التي تمّ عرضها خلال اليومين الماضيين هي بحق مقترحات مستقاة من المواطنين، واقتصر دور الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط على بلورتها وتقديمها للندوة بهدف التأكيد على مصداقيتها وترتيب الأولويات في تنفيذها.
وخلال اليومين الماضيين تمّ عقد 4 جلسات، اختص كل منها بمناقشة محور من محاور السياسات الاجتماعيّة المقترحة وهي (التعليم والتدريب والتشغيل)، و(الاستثمار في البشر.. السياسات القطاعية)، و(الحماية الاجتماعيّة)، و(آليات التنفيذ والتقييم والمتابعة)، وبلغ عدد المشاركين في هذه الجلسات على التوالي 63 و43 و54.
آراء ومقترحات
وأكّد الرحبي أنّ اللقاءات تظهر سلامة المنهجية المتبعة، والتي تعبر عن سياسات لم يتم صياغتها في مكاتب مغلقة، وإنّما جاءت نتيجة توافق مجتمعي لقطاعات المجتمع باختلاف شرائحها ومستوياتها، واستحقت ما أطلق عليها من أنّها "سياسات اجتماعية يصنعها المواطن". وقال إنّ المنهجية المتبعة اعتمدت على متابعة منتظمة وتواصل دائم مع مرتادي منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث بلغ عدد المتابعين على "تويتر" ما يزيد على 3590 مغردًا خلال الأسبوعين الماضيين، منهم أكثر من النصف خلال الأيام الأربعة الماضية، و76 متابعًا على فيسبوك بمجمل تغريدات بلغ 1061 مشاركة خلال الأيام الخمسة الماضية، وتوزعت هذه التغريدات بين الاقتراحات والملاحظات والتساؤلات، وهو عدد يعتبر متميزًا استنادًا إلى الإحصائيات العامة للتواصل الاجتماعي الداخلي للسلطنة. وقال الرحبي إنّ حلقات العمل التي تضمنتها الندوة شكلت محطة مهمة في منهجية إعداد تقرير السياسات الاجتماعية، إذ أنّ الهدف من هذه الحلقات هو التأكد والتحقق من آراء ومقترحات المسؤولين بالجهات المختلفة التي وردت حول السياسات الاجتماعيّة والتي ينبغي تبنيها في المرحلة القادمة، كما أثبتت هذه الحلقات جدواها في تنقيح وإثراء المقترحات المتعلقة بالسياسات الاجتماعية حيث بلغ عدد المشاركين في هذه الحلقات الأربعة نحو 220  مشاركًا بمتوسط 55 مشاركًا في كل حلقة. وأشار نائب أمين عام المجلس الأعلى للتخطيط إنّ الأمانة العامة ستعكف على استخلاص ما جاء من آراء ومقترحات لكي تضمنها في مسودة التقرير وسوف نتشاور حول آلية المراجعة للمسودة النهائية قبل عرض الموضوع على المجلس الأعلى للتخطيط.
الحماية الاجتماعية
وترأس الجلسة الثالثة صالح بن ناصر العريمي مدير عام الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، ودار النقاش فيها حول محور "الحماية الاجتماعيّة". وقدم طلال بن درويش السعدي عضو فريق تقرير السياسات الاجتماعيّة، ورقة عمل حول الحماية الاجتماعية. وأشار العريمي إلى أنّ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة واعتبار الأسرة نواة المجتمع كما نصّ على ذلك النظام الأساسي للدولة. واشتمل محور أساليب الحماية الاجتماعية على ثلاث مستويات هي التأمينات الاجتماعية وصناديق التقاعد وشبكة الحماية الاجتماعية وأساليب تدعيم التكافل الاجتماعي من خلال الاهتمام بالمناطق الأقل نمواً، واستهداف الفئات الضعيفة. وفيما يتعلّق بصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية، قال العريمي إنّ الأوامر السامية بتوحيد منافع التقاعد الحكومية والتزامات المستفيدين تجاه صناديق التقاعد المتعددة سيساعد على تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية وكذلك تشجيع الحراك في سوق العمل. وأوضح أنّه ينبغي تحقيق الاستمرارية بمراجعة اقتصاديات الصناديق المختلفة في ضوء الدراسات الاكتوارية، وكذلك دراسة الاستراتيجية الاستثمارية للصناديق بما يضمن استمراريتها في ضوء التطورات الديموغرافية في عمان، الربط بين سياسة الأجور ونظم التقاعد. وتابع أنّ شبكة الحماية الاجتماعية تعتبر كوسيلة مرحلية للتخفيف من معاناة الفئات التي لا تحظى بالمستوى اللائق من المعيشة وفي مقدمتها الضمان الاجتماعي الذي تشرف عليه وزارة التنمية الاجتماعية، مشيرًا إلى أنّ السلطنة قطعت شوطًا كبيرًا في الحماية الاجتماعية.
وألقى العريمي نظرة فاحصة على النظام القائم للضمان الاجتماعي الحالي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (84/87) من حيث الإنصاف والكفاءة وتوجيه الصرف للمستحقين الفعليين، واستهداف المناطق الأقل نمواً ومحدودي الدخل بتصميم وتنفيذ منظومة للاستهداف قائمة على دراسات متعمقة لمستويات المعيشة ومسترشدة بآراء المواطنين.
سياسة رصينة للاستثمار
وقال العريمي إنّ العمل على محور الحماية الاجتماعية يتطلب إصلاح منظومة التأمينات الاجتماعية وصناديق التقاعد لمعالجة الاندماج (توحيد الصناديق) وإنهاء الاختلاف بين الصناديق الاثني عشر القائمة حاليا، وكذلك رسم سياسة رصينة لاستثمار موارد صناديق التأمينات في المعاشات بما يوازن بين الحفاظ على هذه الحقوق والوصول إلى عائد مجز للاستثمار يعوض النقص بين الموارد والمستحقات، وكذلك التفكير في إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية لكي يكون المؤسسة المسؤولة عن استهداف المناطق الأقل نمواً وفئات الضمان الاجتماعي ومحدودي  الدخل، وتصميم وتنفيذ منظومة للاستهداف (كبديل للنظام الحالي الذي يعتمد على التحويلات النقدية المباشرة) قائمة على دراسات متعمقة لمستويات المعيشة والعمل على تطوير نظام الضمان الاجتماعي والاهتمام بالمناطق الأقل نموًا والمرأة والطفل والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى تفعيل دور جمعيّات المرأة العمانية لكي تسهم في تطوير نظام الضمان الاجتماعي واستهداف الفئات المستحقة ومعرفة المستحقين الفعليين (الفئات المحتاجة) حيث تبرز مشكلة أنّ هناك فئات مستحقة لا يشملها تغطية الضمان.
الجلسة الرابعة
وفي الجلسة الرابعة، جرى استعراض محور "آليات التنفيذ والتقييم والمتابعة"، وترأسها سعادة السيد سليمان بن حمود بن علي البوسعيدي نائب أمين عام مجلس الوزراء. وفيما يتعلق باستراتيجية التنفيذ وآلياته، قدمت انتصار بنت عبدالله الوهيبية رئيس فريق السياسات الاجتماعية ورقة عمل أوضحت فيها أنّ نتائج الحوار المجتمعي حول السياسات الاجتماعية تشير إلى أنّ المعيار الأساسي في تقييم السياسات العامة هو قابليتها للتنفيذ على أرض الواقع.
وقالت الوهيبية إنّ التقرير اقترح التركيز على خمسة محاور تتعلق بالجوانب المؤسسية من خلال تطوير بعض المؤسسات القائمة لتفعيل دورها، وعلى أن يقتصر اقتراح مؤسسات جديدة على تلك المؤسسات التنموية التي لها حاجة وتكون ضرورية لعملية التنمية مسترشدين في ذلك بالتجارب الدولية الناجحة على هذا الصعيد، إضافة إلى الإسراع في إعداد استراتيجية طويلة المدى لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الدور الذي تقوم به الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الدور الذي يضطلع به صندوق رفد لتقديم التمويل والإرشاد وريادة الأعمال، وتوحيد جهة الإشراف على جميع مؤسسات التعليم العالي بمساراته المختلفة من أكاديمية وتقنية وتطبيقية، وإنشاء الصندوق الوطني للتدريب (تحويل مخصصات التدريب بالجهات المختلفة إلى الصندوق – المشاركة ما بين القطاعين العام والخاص في تمويله).
إنشاء مجلس للمحافظين
ومن المقترحات دعم اللامركزية ودور المحافظات والمجتمع المدني حيث تشير نتائج الزيارات الميدانية إلى ضرورة تفعيل دور اللامركزية في تنفيذ السياسات الاجتماعية، لأنّ المحافظات والولايات هي الأقرب لتلمس احتياجات المواطنين، ولذلك يقترح التقرير تبني فكرة إنشاء مجلس المحافظين بحيث يجتمع بصفة دورية لنقل احتياجات المجتمعات المحلية وتبادل الخبرات والتجارب بين المحافظات، وتخصيص موازنة لتنمية المحافظات، وتفعيل دور المجالس البلدية وتوضيح مرجعيتها، ودعم (اللجنة الوطنية للشباب) بحيث يتم توسيع نطاق نشاطها ليشمل جميع المحافظات ثمّ الولايات، ودعم جمعيّات المرأة العمانية بما يمكنها من توسيع نطاق عملها بحيث تكون شريكة فاعلة في تنفيذ أهداف وبرامج السياسات الاجتماعية، وتشجيع الصحافة والإعلام على المستوى المحلي والمحافظات.
وفيما يتعلّق بالتشريعات والقوانين اللازمة لتنفيذ الإصلاحات المقترحة، قالت الوهيبية إنّ ذلك يتطلب التغيير في دور بعض المؤسسات، أو إنشاء مؤسسات جديدة إصدار تشريعات جديدة، كما قد تكون هناك حاجة إلى تعديل بعض التشريعات الموجودة حتى تسهل تنفيذ الاصلاحات المقترحة، وينبغي أن يتم ذلك بالاستشارة مع مجلس الشورى ومجلس الدولة وكذلك الوزارات والهيئات ذات الاختصاص.
ومن المقترحات المتعلقة بميزانية وتمويل البرامج، قالت إنّها تدعو لمراعاة عدم زيادة الأعباء على الموازنة العامة للدولة بقدر الإمكان وذلك عن طريق إعادة توجيه الموارد المقررة فعلاً بحيث يتم تمويل عمليات السياسات الاجتماعية عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد الموجهة إليها من ناحية والاعتماد على مساهمات المواطنين والقطاع الخاص من ناحية أخرى كتمويل الصندوق الوطني للتدريب عن طريق الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة.
كما تشمل المقترحات بشأن المتابعة والتقييم وضع نظام متابعة وتقييم دقيق لتنفيذ السياسات الاجتماعية، فيما ينشئ المجلس الأعلى للتخطيط وحدة للمتابعة والتقييم على غرار وحدة الإنجاز في ماليزيا، وإنشاء وحدة للتخطيط الإقليمي دعماً للامركزية، ووحدة لسياسات سوق العمل، ودعم وحدة التخطيط التنموي للقيام بدورها في الإعداد للخطة الخمسية التاسعة (2016-2020) والرؤية المستقبلية (2040) وذلك بالتنسيق مع الجهات القطاعية المختلفة، وتبني نظام مؤشرات ومعايير للتقييم والمتابعة بالتركيز على مؤشرات الأداء.