القاهرة - الأناضول
أثار قرار مجلس الوزراء المصري الأخير الخاص باعتبار تنظيم الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية"، لاسيما البند الثالث منه، والذي ينص على "إخطار الدول العربية المنضمة لاتفاقية مكافحة الإرهاب لعام 1998 بهذا القرار تساؤلاً مهمًا حول مدى إمكانية قيام تلك الدول بتسليم الإخوان المصريين الموجودين بها للقاهرة باعتبارهم مطلوبين أمنيًا، وهو ما قد يدفعنا بداية إلى تناول أهم بنود الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب؛ باعتبار أن القرار استند إليها.
جاء توقيت هذه الاتفاقية بعد أحداث الإرهاب التي شهدتها العديد من الدول العربية، وفي المقدمة منها مصر (دولة مقر الجامعة العربية)، خلال التسعينيات من القرن الماضي؛ لذا كان من الواضح وجود حرص مصري على تمريرها من ناحية، فضلاً عن صياغتها من ناحية ثانية؛ حيث يلاحظ أن تعريف الإرهاب الوارد بها مشابه كثيراً لتعريف "الإرهاب" الوارد في المادة 86 من قانون العقوبات المصري، والذي استند إليه مجلس الوزراء في قراره الأخير.
وقد نشأت الاتفاقية بموجب قرار من مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب فى اجتماعهما المشترك الذي عقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتاريخ 22 أبريل 1998، ثم دخلت حيز التنفيذ اعتبارًا من 7 مايو 1999، وذلك تطبيقاً لنص المادة 40 منها والتي تنص على أن "تسري هذه الاتفاقية بعد مضى ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع وثائق التصديق عليها أو قبولها أو إقرارها من سبع دول عربية"، لكنها لا تسري على باقي الدول الأخرى التي لم تصادق عليها (نص المادة 41).
وقد صادقت على الاتفاقية كل من: مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، فلسطين، الجزائر، الأردن، تونس، السودان، ليبيا، سلطنة عمان، اليمن، قطر (أي 13 دولة من إجمالي 22 دولة)، وبالتالي فهي غير ملزمة لباقي الدول التي لم تصادق عليها.
جدلٌ دوليٌّ حول تعريف "الإرهاب"
وقد اهتمت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنتها الفرعية الخاصة بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في السنوات السابقة على أحداث 11 سبتمبر عام 2001، بقضية "الإرهاب" وحقوق الإنسان، كما عينت مقررة خاصة لدراسة المسألة.
وفي التقرير الذي قدمته هذه المقررة إلى اللجنة الفرعية في أغسطس 2001 حول التقدم المتحقق، لاحظت المقررة بأنه تمت "مقاربة قضية الإرهاب من وجهات نظر مختلفة وفي سياقات مختلفة جداً لدرجة استحال فيها على المجتمع الدولي الوصول إلى تعريف مقبول عموماً حتى هذا اليوم"، وكذلك أشارت إلى أن "مصطلح الإرهاب حساس وله مضامين سياسية قوية، ويصاحبه عادة تقدير سلبي ضمنياً ويُستخدم بصورة انتقائية"، مشيرة إلى "خطورة الخلط بين التعريفات والأحكام التقديرية، مما قد يدفع السلطات الحاكمة غالباً إلى وصف الأعمال التي يعارضونها بالإرهابية، أو رفض استخدام المصطلح عندما يتعلق الأمر بأنشطة مؤيديهم".
وبعد أحداث سبتمبر 2001 التي ضربت الولايات المتحدة بشهرين، لم يكن هناك أيضا تعريف دولي متفق عليه لمصطلح "الإرهاب" داخل الأمم المتحدة، كما لا توجد معاهدة دولية شاملة خاصة بـ"الإرهاب"، وإنما هناك عدد من المعاهدات التي تتناول جرائم مختلفة يمكن تعريفها كجرائم "إرهابية"، وحتى بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1373 بموجب الفصل السابع (وهو قرار ملزم) والذي يدعو الدول إلى اعتماد تدابير واسعة ومتنوعة لمحاربة ما وُصف عموماً بـ"الأعمال الإرهابية"؛ حيث يقضي القرار باعتبار "الأعمال الإرهابية" جرائم جنائية في قوانين الدول المحلية، وهو ما قد يتضمن عقوبات تصل إلى عقوبة الإعدام وفق هذه القوانين، وهو ما اعترضت عليه منظمة العفو الدولية في حينها بسبب تعارض عقوبة الإعدام مع حقوق الإنسان.
تعريف الاتفاقية العربية للإرهاب
ويلاحظ أن الاتفاقية العربية قامت بتعريف الإرهاب قبل وجود تعريف دولي محدد له، وربما السبب في ذلك يرجع إلى بعض الحوادث الإرهابية التي شهدتها بعض دولها خلال عقد التسعينيات؛ لذا تم الاستعانة بقانون العقوبات المصري في هذا الشأن، كما أنها تجاهلت ثانية الإشارة إلى القانون الدولي الإنساني في هذا الشأن، والذي قد يقيدها في كثير من الأمور.
وتعرف الاتفاقية "الإرهاب" بأنه "كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر".
وهنا يمكن ملاحظة عدة أمور على هذا التعريف وبعض بنود الاتفاقية الأخرى؛ أبرزها ما يلي:
1- لم يرد في الاتفاقية تعريف للفظ "العنف" وكذلك عدم التحديد بدقة للأفعال التي تعتبر إرهابًا، ولعل خطورة هذا الأمر ترجع إلى إمكانية اتهام بعض الأشخاص أو محاكمتهم رغم عدم وجود دليل كاف على ارتكابهم جرماً محدداً تم الإقرار به كجرم في القانون عند ارتكابه. وعلاوة على ذلك، ينص التعريف على فرض عقوبات على ارتكاب جرائم "الإرهاب" تحت ذريعة أن الأفعال اتسمت بـ"العنف"، دون وضع معايير واضحة تحدد درجة العنف، ويمكن أن تشمل، مثلاً، أفعال المعارضة السياسية، بما فيها حريتها في التعبير وتأسيس الجمعيات.
2- يلاحظ أن التعريف أيضًا ينطبق على بعض التصرفات السلمية غير المصحوبة بالعنف حيث إنه يشمل "احتلال" المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو "الاستيلاء عليها".
وفي ضوء غياب تعريف واضح للدرجة التي تشكل "إرهاباً" أو عنفاً، يمكن أن يشمل ذلك أشخاصاً يتظاهرون أمام مبنى تابع للحكومة أو لإحدى الشركات أو بداخله، أو جالسين في طريق عام، وبالتالي يشكل تهديداً واضحاً لحق الأشخاص في حرية تأليف الجمعيات وحرية التعبير.
وهذه هي نقطة الخطورة في الحالة المصرية، حيث تظاهر الطلاب مثلا، وقيامهم بالدخول إلى مبنى إداري في الجامعة، أو قيام المسؤولين على هذا المبنى بالخروج منه، ودخول الطلبة إياه يندرج تحت المفهوم الواسع الغامض للاتفاقية بشأن أعمال العنف.
3- الاتفاقية في ديباجتها ومرجعيتها أشارت إلى القوانين الوطنية، وبعض القوانين والاتفاقيات الدولية دون الإشارة إلى القانون الدولي الإنساني والذي يتضمن الحق في محاكمة عادلة، وافتراض البراءة والحق في الطعن في شرعية الاعتقال، وكذلك احترام حظر التعذيب.
وتلك الحقوق لا يمكن الانتقاص منها وفقاً للمادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ لذا لم ترد الإشارة في متن الاتفاقية إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان.
4- إفلات المسؤولين الرسميين من العقاب.
ولا تتضمن الاتفاقية إشارة واضحة إلى الجرائم التي يرتكبها المسؤولون الرسميون بحق المعارضة أو بحق الشعب، لاسيما أعمال القمع والعنف غير المبرر، فضلا عن أعمال جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، ليس هذا وحسب، بل أيضاً تعطي الانطباع بعدم وجود مسؤولية للدولة في أية حالة، إذ من الواضح انحيازها للنظم حتى وإن كانت قمعية في مقابل المعارضة حتى وإن كانت سلمية.
إخوان مصر
وكما سبق القول، فإن الاتفاقية غير ملزمة للدول التي لم تصادق عليها، حتى وإن كانت موقعة عليها ابتداء، لأن العبرة بالتصديق، وليس التوقيع.
ثم إنه في حالة الدول المصادقة عليها، ليس معنى التصديق قيامها بتسليم الإخوان الموجودين بها للسلطات المصرية، حيث إن هناك عدة شروط لا ينبني عليها تسليم هؤلاء والتي نصت عليها المادة 6 من الاتفاقية؛ أبرزها، في حالتنا هذه، أمران:
الأول: إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم معتبرة بمقتضى القواعد القانونية النافذة لدى الدولة المتعاقدة المطلوب منها التسليم (أي الدول العربية الموجود بها الإخوان المصريون)، جريمة لها صبغة سياسية "الفقرة أ"، فإذا ما قامت مثلا السعودية أو قطر أو غيرهما باعتبار تهمة الانتماء إلى الإخوان جريمة سياسية وفق قوانينها، وليس جريمة إرهابية فلا يجوز لها تسليم هؤلاء لمصر. أما إذا كانت تعتبر الانتماء إلى الإخوان جريمة إرهابية، فعندئذ ستقوم بتسليمهم لمصر.
الثاني: إذا كانت الجريمة "وفق الفقرة (ج) من المادة السادسة" المطلوب من أجلها التسليم قد ارتكبت في إقليم الدولة المطلوب منها تسليم هؤلاء الإخوان (الدول العربية)، إلا إذا كانت هذه الجريمة قد أضرت بمصالح الدولة المتعاقدة طالبة التسليم "مصر"، وكانت قوانينها (أي مصر) تنص على تتبع مرتكبى هذه الجرائم ومعاقبتهم، ما لم تكن الدولة المطلوب إليها التسليم (الدولة العربية المعنية) قد بدأت إجراءات التحقيق أو المحاكمة معهم.
والخلاصة إذن؛ أن تعريف الإرهاب غير مُحدد وفضفاض، ومأخوذ عن التعريف المصري، وبالتالي فقد ينطبق على الاحتجاجات السلمية بالرغم من أنها غير مُصاحبة لأعمال عنف في حالة مثلاً السيطرة على مبنى حكومي خلال التظاهر.
وفي المقابل، فإن عملية التسليم تتوقف أولاً على الدول المصادقة على الاتفاقية من ناحية، وعلى مدى اعتبار قوانينها المحلية وصف الانتماء إلى الإخوان بأنها جريمة إرهابية وليست سياسية، وبالتالي فإن الاعتبارات السياسية هي التي ستحكم عملية التطبيق، تمامًا كما كانت هذه الاعتبارات هي الحاكمة عند صياغة بنود الاتفاقية التي جاءت لصالح النظم الحاكمة حتى وإن مارست الإرهاب بحق شعوبها ومعارضيها، في حين أنها قد تعاقب المعارضة والشعوب إذا هبت سلميا -وفق القواعد القانونية والديمقراطية المقررة- لمواجهة استبداد هذه النظم.