البوسعيدي: اقتصار إيرادات الميزانية العامة على النفط تحدٍ حقيقي
عسقلان: عدم ارتباط ارتفاع النفقات بتنوع مصادر الدخل "يربك" الميزانية
الرؤية - نجلاء عبدالعال
يرى خبراء أنّ تنويع مصادر الدخل وزيادته سيعمل على تخفيف حدة القلق تجاه الارتفاع المضطرد في معدلات الإنفاق العام بالميزانية العامة للدولة، فيما لا يقابل ذلك زيادة في الإيرادات، وهو الأمر الذي تسبب في تكبّد الميزانيّة العامة للدولة بنهاية ديسمبر 2013 نحو 2.4 مليار ريال عجزًا فعليًا، بحسب الإحصاءات.
ومن المقرر أن يعقد معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية صباح اليوم الخميس مؤتمراً صحفياً يستعرض خلاله أهم ملامح موازنة العام الجديد 2014، والمتضمنة لحجم الإنفاق والإيرادات المتوقعة والمشروعات الاقتصادية والتنموية المختلفة التي تنوي الحكومة تنفيذها.
ومن المتوقع أن يبلغ حجم الإيرادات في موازنة العام الجديد 11.7 مليار ريال عماني، بنسبة نمو تقدر بـ4.5 بالمائة عن موازنة العام الماضي 2013، والتي بلغت آنذاك 11.2 مليار ريال عماني، كما يُقدر حجم الانفاق في موازنة العام الجديد 2014 بنحو 13.5 مليار ريال عماني وبنسبة نمو تقدر بـ5 بالمائة مقارنة بالإنفاق المعتمد في موازنة السنة المالية المنتهية 2013، والتي بلغت 12.9 مليار ريال عماني، وتحتسب الحكومة سعر برميل النفط الخام في موازنة العام الجديد بـ85 دولاراً.
وأثار حجم الإنفاق العام مجددًا الجدل حول التزايد المضطرد في الميزانية السنوية للدولة، خاصة في ظل الاعتماد على الإيرادات النفطية، التي يُخشى من أن تتعرض لتذبذبات. واستطلعت "الرؤية" آراء عدد من الخبراء والمعنيين بالشأن الاقتصادي حول هذا الأمر؛ حيث يرى البعض ضرورة إعادة هيكلة الميزانية العامة بحيث يتم توجيه المخصصات المالية، وفقّا لما يخدم تحقيق أهداف الخطط الخمسية، فيما ذهب رأي آخر بأنّ المزيد من الإنفاق العام- بما فيه المصروفات الجارية- يعني مزيدًا من الازدهار الاقتصادي للدولة، وتعزيز جاذبية السلطنة للاستثمارات المحليّة والخارجية.
تحديات حقيقية
وقال سعادة محمد البوسعيدي عضو مجلس الشورى إنّ التحدي الحقيقي ليس في الارتفاع المستمر لحجم الإنفاق العام للدولة، لكنّه يتجسّد في يكمن أنّ المصدر المعتمد عليه في الإيرادات لا يزال النفط، وأكد أنّ هذا النهج يتعارض مع أهداف الخطط والرؤى الاقتصادية للسلطنة، موضحًا أنّ جميع نتائج الدراسات التي تجمع على ضرورة عدم الاعتماد بشكل رئيسي على مصدر واحد للدخل خاصة إذا كان هذا المصدر يمكن أن يتعرض لتذبذب قوي، وهذا ما يستحق أن يكون لوزارة المالية دور أكبر مما تقوم به حاليًا؛ لأنّ وجود دور للمالية في التخطيط يمكن أن يساعد في وصول الأهداف المرجوة إلى مبتغاها.
وأضاف سعادته أنّ ميزانية العام 2013 شهدت عجزًا حقيقيًا وليس دفتريًا، كما سبق، وهذا يعني أننا أمام مخاطرة حقيقية إذا ما اتبعنا هذا الأسلوب في الاعتماد على أنّ العائدات النفطيّة ستغطي الأسعار المقدرة، وبالتالي لن يحدث عجز حقيقي. وأشار إلى أنّ الأوضاع الراهنة في المنطقة والعالم تشير إلى أن الاتجاه سيكون نحو تراجع في أسعار النفط لأنّ الظروف التي أدّت لارتفاع السعر في العام المنقضي بدأت في التلاشي خاصة المشكلة الإيرانية التي تراجعت حدّتها بعد التقارب الإيراني الغربي، وقرب تصدير إيران لمنتجاتها النفطية بشكل أكثر سهولة. ويرى سعادته أنّ عدم الوصول إلى المستهدف من التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل يعني أنّ السلطنة أضاعت على نفسها فرصة ذهبية على مدى سنوات عديدة كانت فيها أسعار النفط وايراداته مرتفعة، ويمكنها أن توفر تحولا يسيرًا إلى بروز مصادر أخرى يمكن الاعتماد عليها مثل السياحة أو الثروة السمكيّة أو التعدين أو غيرها من الأنشطة والموارد الاقتصادية. غير أنّ سعادته يستدرك قائلا إنّ الوقت لم يفت تمامًا وليس من المستحيل أن نبدأ من الآن في التركيز على الانتقال النوعي للاقتصاد. وعلى الجانب الآخر يشدد البوسعيدي على ضرورة التنبه والحزم والصرامة في أن يظل الإنفاق الفعلي ضمن المستوى المقدر له في الميزانية، لأنّ الميزانية الضخمة المقدرة للانفاق والالتزامات التي تكلف بها الدولة نفسها لا تحتمل مزيدًا من الضغط لذلك فلابد أن يتم وقف أية تجاوزات من أية جهة لما تمّ رصده لها إلا في الحالات الطارئة للغاية والتي هناك بالتأكيد ما يتم تجنيبه لمقابلتها، ملمحا إلى أنّ أي تجاوز للمخصصات المقدرة من قبل جهة حكومية يعني أنّ هناك سوء تخطيط منها في عدم تقدير حجم الاحتياجات.
ويوضح البوسعيدي أنّ هناك أوجها من الأنفاق لابد من التوقف عندها لوقف ما يمكن أن تؤدي إليه من ارتفاع كبير في عجز الميزانية مثل تكلفة إنتاج النفط الذي ارتفع من 12 دولارًا للبرميل في 2013 إلى 24 دولارًا للبرميل في ميزانية العام الحالي، رغم أنّ الدراسات تؤكد إمكانية أن يتم خفض هذه الكلفة بخطوات وإجراءات بسيطة، إضافة إلى أنّ ما تكشف في قضايا فساد يشير إلى دخول مرحلة جديدة أكثر تشددًا مع الفساد الذي يضيّع بدوره مئات الملايين الاقتصاد أولى بها.
زيادات غير محسوبة
فيما يرى الخبير المصرفي الدكتور عبد القادر عسقلان أنّ ما يربك الميزانيّة العامة للدولة هو الزيادة غير المحسوبة في المصروفات المقدرة للجهات الحكومية، لأنّ الوزارة أو الجهة التي تتقدم بمشروعات ترى أنّها ملحة وضرورية وتحتاج لتمويل إضافي هي بالأساس تكشف عن أنّ ما حجم ما طلبته عند وضع الموازنة لم يكن مبنيًا على دراسة حقيقية، وإلا لكان لديها تقدير واضح ودقيق لحجم المشروعات وكلفتها التقديرية وجدولها الزمني، وهو ما يؤكد أنّه ليس أمرًا عاديًا أو بسيطًا لأنّ تجاوز مستوى الإنفاق المقدر، غالبًا ما يأتي إمّا على حساب جهات وخدمات أخرى، أو على حساب الاحتياطي الاستراتيجي للدولة سواء في شكل اضطرار للسحب من موجوداته أو عدم توفير ما يزيد من حجمه بشكل سنوي رغم أنّ الاحتياطي السيادي للدولة من الضروريات القصوى لمستقبل الاقتصاد والأجيال القادمة.
وأشار عسقلان إلى أنّ فكرة رفع سقف الإنفاق الحكومي عامًا بعد الآخر كفكرة مجردة يمكن أن تعكس ارتفاعًا في مستوى اقتصاد الدولة.. لكن هذا الارتفاع إذا لم يكن مقرونًا بارتفاع في الناتج الوطني والتنوّع في الدخل والإيرادات فإنّه يشكل خطرًا خاصة إذا كان في بند الإنفاق الجاري وليس الاستثماري أي أنّه إنفاق بدون عائد متوقع سواء في المدى القصير أو البعيد. وتابع أنّ الوجه الثاني للخطورة هو أنّ مستوى الإنفاق عندما يصل إلى حد معين، ويضم بنودًا لا يمكن التخلّي عنها مثل الرواتب مثلا فإنّه يكون من الصعب تكييفه مع معطيات مختلفة. ويوضح قائلا إنّ رفع مستوى الإنفاق على الرواتب والأجور إلى ما يزيد على ملياري ريال مثلا، لا يمكن أن يتم مستقبلا المساس بها إذا واجهت الدولة ظروفا تضطرها لهذا.
لكن عسقلان استبعد كذلك أن يكون الارتفاع الحالي للانفاق العام مصدر إزعاج شديد للميزانية، غير أنه يرى أنّ ذلك يمثل فرصة حقيقية لأن تتم مراجعة السبل التي يمكن أن تجعل من هذا الإنفاق فرصة لدفع الاقتصاد ومستوى المعيشة إلى أعلى مما هي عليه.
قلق طبيعي
وقال أحمد باعبود عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان إنّ ارتفاع الإنفاق العام للدولة- حتى وإن كان في بند الانفاق العام- لا ينبغي أن يمثل هذا الحجم من القلق، موضحا أنّ ما يتم إنفاقه داخل الدولة يؤدي بشكل أو آخر إلى انتعاش اقتصادي أكبر. وأضاف أنّ توحيد الرواتب وما سيؤدي إليه من ارتفاع في رواتب كثيرين يعني أنّ هناك سيولة أكبر سيتم ضخها في الاقتصاد بكافة نواحيه سواء العقارات أو الاستثمارات أو حتى الاستهلاك، فحتى ارتفاع مستوى الاستهلاك يرفع من مستوى الاقتصاد لأنّه يمثل ارتفاعًا في القوى الشرائية، وهو ما يقوي من اقتصاد التجارة والبيع والشراء وبيع التجزئة. وأشار إلى أنّ هناك توجهًا لإنشاء 4 مراكز تسوق كبيرة في السلطنة خلال الفترة القليلة المقبلة، وهو ما سيؤدي إلى جذب مستثمرين من الداخل والخراج لافتتاح فروع لهم بالسلطنة.
وأضاف باعبود- ويشغل أيضًا منصب رئيس لجنة ترويج الاستثمار بغرفة تجارة وصناعة عمان- أنّ الإنفاق على مجالات الصحة والتعليم والخدمات يحقق مردودًا، ربما يكون غير مباشر لكنّه مطلوب بشدة على المدى الطويل، شريطة أن يكون إنفاقًا مخططًا ومرتبطًا بدراسات وتوصيات، كأن يتم من خلال هذا الإنفاق ضمان أن تكون مخرجات التعليم مرتبطة بحاجة السوق المحلي والإقليمي وبحيث يتم استيعاب الكوادر البشرية في مجالات وفرص العمل المتاحة في السلطنة ويشغلها وافدون لعدم توفر الكادر الوطني المؤهل حاليًا، وكذلك فإنّ الإنفاق على التدريب مثلا يمكنه مع الوقت أن يؤدي إلى رفد قطاع العمل الحر بأصحاب أعمال عمانيين يستطيعون إدارة أعمالهم بأنفسهم والمنافسة على المستوى الإقليمي والدولي أيضًا، وهو ما يجعل هناك دفعة قوية للقطاع الخاص بدون إنفاق إضافي. وتابع أنّ الإنفاق الحكومي لن يمكنه أن يستمر صاعدًا بلا حدود لأنّه في المقابل ليس هناك إيرادات ترتفع بلا حدود لكن الإنفاق المحمود هو الذي يكون بخطة وهدف ومردود سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.