بيروت- الوكالات
رأى خبراء ومراقبون أنّ لبنان يتحول إلى ساحة من ساحات مواجهة الإرهاب مع بدء ظهور ملامح جبهة دوليّة - اقليميّة تتصدى لتعاظم قوة الجماعات الإرهابية المتطرفة التابعة للقاعدة، بعد أن شهد منذ صيف الماضي سلسلة من عمليات التفجير والاغتيال على وقع تشابك المصالح الإقليميّة والصراع في المنطقة.
وقال مصدر أمني: "أصبح واضحا أنّ القاعدة وأخواتها (داعش والنصرة) الناشطين في سوريا والعراق والآن في لبنان بدأوا يشكلون خطرًا كبيرًا، ويبدو أنّ هناك جبهة جديدة بدأت تتكون ضدها وتضم أمريكا وروسيا وأطرافًا أخرى مثل العراق وإيران والنظام السوري ما يفسّر الحديث عن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة".
ويبدو أنّ حتى حزب الله، الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري ضد من أسماهم "التكفيريين"، هو جزء من هذه المعادلة الجديدة لمحاولة القضاء على هذا الإرهاب المتنامي، بحسب المصدر.
وأوضح الكاتب في صحيفة "النهار" اللبنانية أمين قمورية إن لبنان بات "ساحة من ساحات المواجهة" بعد أن شهد منذ الصيف الماضي عددًا من التفجيرات طالت معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية ومدينة طرابلس ذات الأغلبية السنيّة، وعمليتي اغتيال، الأولى طالت القيادي في حزب الله حسّان اللقيس في 4 ديسمبر في الضاحية الجنوبية ببيروت، والثانية الوزير السابق محمد شطح في 27 ديسمبر الماضي.
وقال قمورية إنّ لبنان يواجه اليوم "كوكتيلا خطيرا" يتهدده من 3 جهات وهي "الإرهاب (القاعدة وأخواتها)، أجهزة الاستخبارات الإقليمية وطرف ثالث هو إسرائيل التي دخلت على الخط للاستفادة من المعمعة الحاصلة لتصفية قادة من حزب الله أو غيره، على غرار اغتيالها اللقيس.
ووافق قمورية المصدر الأمني قائلا:"هناك صراع بين الإرهاب والجبهة الجديدة التي تتشكل لمواجهته ولبنان أصبح ساحة من ساحاته."
وأوضح أن هناك أيضًا "صراع نفوذ بين السعودية وإيران، وهو بالأساس صراع سياسي ويتخذ في بعض الأحيان منحا أمنيًا".
وأشار إلى أنّ إسرائيل دخلت على الخط مع اغتيال اللقيس، "وهي عملية إسرائيلية بامتياز استفادت من الوضع في لبنان لتنفيذها".
وأضاف قمورية أنّه على الرغم من أن كل عملية تهدف إلى "شيء ما، الا أنّ الحصيلة هي زرع الفتنة، ما قد يؤدي إلى خراب البلد"، لافتا إلى أن ما يطمئن ولو بحد أدنى هو ألا أحد من الأطراف اللبنانية تريد الحرب الأهلية. إلا أنّه استدرك قائلا:"لكن حادثًا صغيرًا قد يغيّر مجرى الأمور".
وأشار إلى أنّ إلقاء القبض على السعودي قائد كتائب عبدالله العزام التابعة للقاعدة، ماجد الماجد قبل أيام، والذي توفي أمس السبت في المستشفى العسكري المركزي في بيروت، قد يكون إحدى نتائج التعاون الأمريكي اللبناني في مجال مكافحة الإرهاب. وقال:" باعتقاله حمّلوا لبنان كرة نار".
وسلّمت السفارة الأمريكية في بيروت مطلع شهر نوفمبر الماضي الجيش اللبناني طائرة "سيسنا" معلنة أنّ مهمتها "مساعدة الجيش على القيام بمهمّات فعّالة لحماية أمن الحدود، ومكافحة تهديدات الجماعات المتطرفة".
واعتبر العميد المتقاعد الياس فرحات أنّ "الإرهاب مرشح لأن يتصاعد إن كان على مستوى لبنان أو المنطقة"، لافتًا إلى أنّه وحتى الساعة لم يتضح أي قرار دولي أو إقليمي لمواجهة الإرهاب "بعدما تحول من كونه عبارة عن خلايا نائمة تقوم بعمليات محدودة إلى تنظيمات كبيرة تأخذ شكل جيوش كما هي الحال مع داعش والنصرة."
وأشار فرحات لـ"الأناضول" إلى أنّ "هناك من يدعم ويسلح ويقوّي الإرهاب وقد تكون دولا أو تنظيمات داخل دول، ما جعل هذا الأرهاب ينتقل من حالات فردية شاذة إلى جيوش كبيرة قادرة على التحرك بالكثير من الحرية."
ولفت إلى أنّ لبنان "معرض بشكل أكبر اليوم لعمليات إرهابية في ظل الخلاف الداخلي حول مفهوم الإرهاب، فبات كل طرف أو قوة سياسية تُعرّف الإرهاب وفقًا لمصالحها الشخصية، ما يسيّس القضاء ويضرب هيبته وسمعته وبالتالي مسار التحقيقات".
وتحدث عن "بيئة حاضنة" في الداخل اللبناني للارهاب، مذكرا بأنّ 3 انتحاريين 2 منهم لبنانيين قاموا بعمليات إرهابية مؤخرًا، العملية الأولى استهدفت السفارة الإيرانية في نوفمبر الماضي وأدّت لمقتل 26 شخصًا وجرح 146 آخرين، والثانية الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله يوم الخميس الماضي ما أدّى لمقتل 5 أشخاص وجرح 70.
وتوقّع فرحات أن تستمر العمليات الإرهابية من تفجيرات وعمليات اغتيال دون أن تؤدي إلى نزاع أهلي داخلي.
وكانت الأجهزة الأمنيّة اللبنانية تعوّل على التحقيقات مع قائد "كتائب عبدالله العزام" بمحاولة لتعزيز الأمن الوقائي واستباق عمليات إرهابيّة قد تضرب لبنان، لكن وفاته إثر تدهور وضعه الصحّي شكّلت "خسارة كبيرة" للبنان والكثير من الدول الأخرى.
واعتبر العميد المتقاعد نزار عبد القادر أنّ أجهزة الأمن في لبنان، كما باقي دول العالم التي تتعرض لضربات الإرهاب، خسرت بوفاة الماجد "مصدرًا معلوماتيًا كبيرًا"، لافتا إلى أنّ التحقيقات التي كان من المفترض أن تجريها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني معه، تختلف عن التحقيقات الجنائية التي يجريها القضاء اللبناني عادة، باعتبار أنها كانت ستخدم الأمن الوقائي.
واستبعد عبد القادر في اتصال مع "الأناضول" أن تقوم "كتائب عبدالله العزام" بأي ردة فعل لوفاة الماجد "بسبب قدراتها المحدودة في الداخل اللبناني ولعدم امتلاكها العدد اللازم من العناصر، كما لأنّ لا بيئة مناسبة تتحرك فيها". وقال:"التحقيقات اليوم ستتركز على محاولة تتبع المسار الذي سلكه الماجد لمعرفة كيفية تنقل عناصر وقياديي التنظيم في لبنان والأماكن التي يترددون لها للعلاج أو التخطيط".