بنغازي- الوكالات
"البارود" مادة يستخدمها الليبيون في السلم والحرب معا، إذ يصنعون منها ما يعرف محلياً بـ"الجلاطينة"، والتي تستخدم في صيد الأسماك من شواطئ ليبيا، لكنها تحولت اليوم إلى مادة لصنع المتفجرات، وحصد الأرواح، وحسم الصراع في بلاد خرجت من ثورة شعبية (17 فبراير 2011)، أطاحت بحكم الرئيس الراحل العقيد معمر القذافي (7 يونيو 1942 - 20 أكتوبر 2011).
"الجلاطينة" أثارت جدلا واسعا داخل ليبيا، لدرجة أنّ دار الإفتاء الليبية أصدرت فتوى بشأن الضوابط الشرعية لاستعمال تلك المادة المتفجرة في صيد الأسماك، لما لها من أضرار بالغة على البيئة والإنسان، بحسب تقرير مركز بحوث الأحياء البحرية.
وقال عضو لجنة الإفتاء حسن الشريف إن "الصيد بالجلاطينة، وغيرها من أنواع الصيد، مقيد بعدم إحداث أضرار بالبيئة المحيطة به، على أن لا يكون مخالفا للنظم والقوانين السائدة في البلاد، والمراد منها تحقيق المصلحة العامة للمسلمين، فالصيد بتلك الطريقة، إذا كان يؤدى إلى الإضرار بالبيئة، كقتل الأسماك التي لا تؤكل، ولا يستفاد منها، في شيء، فلا يجوز استخدامها ("الجلاطينة")".
ومع ازدياد عمليات الاستهداف بالعبوات الناسفة في مناطق عدة من ليبيا، وخاصة مدينتي بنغازي ودرنة، أصبح هناك تساؤل مطروح، في الشارع الليبي، عن مصدر ذلك الكم الهائل من العبوات، التي حصدت أرواح أكثر من 300 شخص، بحسب إحصائيات ليبية محلية، إضافة إلى تفجير عشرات المقار الحكومية.
وقال خبير الأمن القومي الليبي، عبد الله مسعود، في حديث لوكالة الأناضول، إنّ "الحصول على المواد الأولية المستخدمة في صناعة العبوات الناسفة في ليبيا، أمر غاية في السهولة واليسر، فتلك المواد متاحة للجميع، بمن فيهم المواطن العادي".
ومضى مسعود، وهو وكيل سابق لوزارة الداخلية الليبية، موضحا أنّ "الحصول على البارود كان ممكناً في ليبيا حتى قبل ثورة 17 فبراير 2011، فالألغام المنتشرة على الحدود الشرقية الليبية، التي زُرعت هناك خلال الحرب العالمية الثانية (1949:1945)، كانت تستخدم بعد تهريبها، وبيعها في السوق السوداء، من قبل بعض الأفراد، بعد تفكيكها لغرض الصيد، لكن القبضة الأمنية الشديدة، في عهد النظام الليبي السابق (نظام القذافي)، كان لها دور في تحجيم بيع تلك الألغام، واستخدامها بشكل مكشوف وكبير كما هو الحال حاليا".
الوضع بعد ثورة 17 فبراير، كما يراه الخبير الليبي، يتمثل في أن "بعض الألغام، التي زُرعت من قبل قوات معمر القذاقي في صحراء مدينة البريقة (شرق طرابلس، وتتبع إجدابيا)، خلال فترة أحداث الثورة الليبية، وضعت دون تفعيل، ما جعلها غير قابلة للانفجار، وسهل ذلك الأمر من عملية استخراجها، من قبل بعض الأشخاص، وجزء كبير منها، ربما يستخدم الآن، في صناعة بعض العبوات الناسفة، التي تستخدم في حصد أرواح الليبيين، من خلال عمليات الاغتيال المتكررة".
وعن السبب الذي جعل كتائب القذافي تضع الألغام دون "تفعيل"، رجح مسعود أن يكون ذلك بسبب وجود بعض العسكريين "الوطنيين"، ضمن صفوف كتائب القذافي، والذين لم يرضوا بأذى إخوانهم من الليبيين حينذاك".
ويخلي التجار الذين يبيعون هذه البضاعة القاتلة (البارود)، في الأسواق الليبية، مسؤوليتهم، عن التورط في دماء الليبيين.
وقال أحدهم لوكالة الأناضول، رافضا نشر اسمه لدواع أمنية: "نبيع هذه المواد إلى صيادي الأسماك، ولسنا مسؤولين عن وقوعها في أيدي قتلة وجماعات تدبر لعمليات الاغتيال".
فيما حمل تاجر سلاح وذخيرة، تحدث للأناضول شريطة عدم نشر اسمه، الحكومة الحالية في ليبيا المسؤولية عما يجري قائلا: "الحكومة تعلم هوية من يقتل، ولكنها تتفادى المواجهة".
وقال مصدر أمني ليبي مسؤول، فضل عدم الإفصاح عن هويته، لوكالة الأناضول: "نواجه صعوبة كبيرة في تعقب التجار الذين يبيعون المواد الأولية اللازمة للتفجيرات والاغتيالات في ليبيا مثل مادة "TNT"، و"BRB"، فكثير هم من يتعاملون في هذه المواد الخطيرة من صيادين وكذلك من يشتغلون في الزراعة".
وتابع المصدر قائلا إنّ "قلة خبرة الأجهزة الضبطية الليبية ومؤسسات الأمن الليبي، وعدم وجود أجهزة تساعد في كشف الألغام الأرضية والمتفجرات، كلها عوامل تضعف قدرة الأمن الليبي، على وضع حد لحمام الدم، الذي تسبح فيه ليبيا، وخاصة في مدينتي بنغازي ودرنة".
وختم بأن "قسم المفرقعات في مدينة بنغازي (شرق)، قدم تقارير بشأن عدم وجود كاشفات ألغام في المدينة، إلا أنّه حتى هذه اللحظة، لم ينظر بجدية في ذلك الطلب المهم".